استقبلت الرياض بجفاء شديد الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأربعاء 20 أبريل/ نيسان الحالي، في زيارته الأخيرة للممكلة العربية السعودية للمشاركة في قمة خليجية أمريكية تجمع أوباما بقادة دول مجلس التعاون الخليجي، لمناقشة العديد من القضايا العالقة بين الطرفين في المنطقة، أبرزها -كما تضمنت أجندة القمة- المحاولات المشتركة للقضاء على الإرهاب، وكذلك مناقشة الأزمة السورية ومصير النظام السوري الحالي، وكانت أبرز النقاط الخلافية المطروحة ضرورة تحجيم الدور الذي تلعبه في إيران في المنطقة.على الجانب الآخر من القمة، كانت هناك مبارزة صامتة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشأن مشروع القانون الذي يناقشه مجلس الشيوخ الأمريكي حاليًا، والذي ربما يجعل حكومة المملكة أمام المحاكم الأمريكية قريبًا، متجاوزًا القانون الأمريكي رقم 1976 الذي بموجبه تتمتع الحكومات الأجنبية ببعض الحصانة في مواجة الشكاوى القضائية أمام المحاكم الأمريكية.


المملكة العربية السعودية قيد الاتهام!

نشرت التليغراف البريطانية الأربعاء 20 أبريل/ نيسان تقريرًا مقتضبًا تزامنًا مع زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة نهاية الأسبوع الماضي سردت خلاله استقصاءً يكشف النقاب عن حلقة مفقودة في السلسلة الواصلة بين حكومة المملكة العربية السعودية ومنفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر. الحادث الذي يُعتقد أن تكون شخصيات مطلعة في المملكة على دراية مسبقة بتفاصيله وفق ما يدّعي أهالي الضحايا!غسان عبد الله الشربي، سعودي الجنسية وُلد في جدة عام 1974م. وغادر المملكة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مقتبل حياته ليدرس الهندسة الكهربية هناك. ثم هاجر منها إلى أفغانستان في 2000م تاركًا وراءه زوجةً وابنة وألقت المخابرات الباكستانية القبض عليه في فيصل آباد مارس/ آذار عام 2002م وتم ترحيله إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد شهرين قضاهما في السجن المركزي في العاصمة الباكستانية إسلام آباد. وهو اليوم يقضي عقوبة السجن في ملحق معتقل جونتنامو بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة. ويقول مكتب التحقيق الفيدرالي FBI أن الشربي في 2010م كان قد اعترف بانتمائه لتنظيم القاعدة وأنه يشعر بالفخر لذلك.

ذهبت التليغراف إلى أن ثمة علاقة غير واضحة بين حكومة المملكة وبين الشربي، الذي هو بدوره على علاقة بمنفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول

تقول التليغراف أن غسان صانع متفجرات محترف وقد تلقى دروسًا في الطيران جنبًا إلى جنب مع مختطفي الطائرتين المنفذتين لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001م رغم أنه لم يشترك مباشرةً في الحادثة. الوثائق التي أخفاها الشربي قبيل اعتقاله في مارس/ آذار 2002م بدأت بالتكشف تباعًا حتى كان آخر ما رفع مكتب التحقيق الفيدرالي FBI النقاب عنه؛ وثيقة تعرِّف الشربي كطالب سعودي تلقى دروسًا في الطيران بالقرب من مدينة فينكس التابعة لولاية أريزونا قبل أن يتم إلقاء القبض عليه في باكستان بصحبة أبو زبيدة أحد مقاتلي تنظيم القاعدة والذي يقضي عقوبة السجن هو الآخر بملحق جوانتانامو.تقول الوثيقة المفرج عنها كذلك: أن الشربي بعد أن أُلقي القبض عليه، اكتشف مكتب التحقيق الفيدرالي FBI أنه كان قد دفن مجموعة من الوثائق في مكان قريب من منزله بالولايات المتحدة. كان من بينها شهادة تعلم الطيران الخاصة به وكانت محفوظة في مظروف ينتمي للسفارة السعودية بواشنطن.ذهبت التليغراف بعد هذه السردية التي حملت توقيع مكتب التحقيق الفيدرالي إلى أن ثمة صلة بين الشربي والمملكة العربية السعودية ورغم أن الشربي لم يكن ضالعًا بالأحداث -نقصد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول- إلا أن ثمة صلة تربطه هو الآخر بتنظيم القاعدة. ماهية هذه الصلات غير واضحة إلى الآن وربما توصفها وثائق أخرى لم يُكشف عن سريتها لكنها تأتي في إطار حرب صامتة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية كما أنها تزامنت من حيث نشرها مع زيارة الرئيس الأمريكي أوباما للمملكة وما تحمله من أبعاد سياسة واستراتيجية مؤثرة في العلاقات الأمريكية الخليجية.

تغريدة صحفي الديلي تليغراف بشأن الوثائق المفرج عنها


الاقتصاد؛ ورقة المملكة الرابحة

http://gty.im/493848618

اعتمدت سياسة المملكة العربية لفترة طويلة -وكذلك بعض الدول الخليجية الأخرى- على سياسة دفتر الشيكات، وتُعنى هذه السياسة بشراء المواقف السياسية والتحالفات والتكتلات بالصفقات الاقتصادية والهبات والمشاريع التنموية والأصول المملوكة للمملكة في عديد من البلدان.في إطار الخلاف الأمريكي الخليجي بشأن مشروع القانون الذي يناقشه الكونجرس بضغط شعبي للكشف عن سرية بعض الوثائق التي ربما من شأنها أن تدين المملكة العربية السعودية وتكشف تورطها في أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001م، أخرجت المملكة ورقتها التي لا تجيد ربما اللعب إلا بها وهي الورقة الاقتصادية. وفي تهديد صريح من المملكة حسبما نقلت ذي نيو يورك تايمز الأمريكية من أن المملكة العربية السعودية نقلت إلى إدارة الرئيس أوباما اعتزامها بيع أصول أمريكية تمتلكها المملكة إذا ما مرر الكونجرس مشروع القانون الذي بموجبه يمكن للحكومة السعودية المثول أمام المحاكم الأمريكية.

تهدد المملكة على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير بأنها قد تضطر لبيع أصول أمريكية تملكها تربو قيمتها على 750 مليار دولار

ومن جانبها ضغطت الإدارة الأمريكية على مجلس الشيوخ للحيلولة دون تمرير القانون، وتشير الصحيفة إلى أن عدد من المسئولين بالإدارة الأمريكية وأعضاء بالكونجرس والبنتاجون كانوا قد تدارسوا التهديدات السعودية بشكل جاد في الأسابيع الأخيرة ومدى التأثير الذي قد تلحقه بالسياسة والاقتصاد الأمريكيين وخلصوا من تدارسهم للتهديد السعودي إلى تحذير أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من تداعيات التشريع إذا ما مرروه!

هذا وقد سلم عادل الجبير وزير الخارجية السعودي رسالة المملكة شخصيًا في رحلته إلى واشنطن الشهر الماضي، محذرًا المشرعين الأمريكيين من اضطرار المملكة لبيع أصول تملكها تزيد قيمتها عن 750 مليار دولار إذا ما مرروا القانون. ورغم أن العديد من الخبراء الاقتصاديين يشككون في استطاعة المملكة تنفيذ هذا التهديد، لما سيحدثه من شلل للاقتصاد السعودي، ويتناولون الأمر فقط في إطار زيادة حدة الخلافات بين الشركاء الدوليين، لكن إذا ما وضعت حكومة المملكة نُصب عينيها مصير الأموال الإيرانية التي تم تجميدها في أعقاب حادثة اقتحام السفارة الأمريكية في طهران وغيرها من حوادث تجميد الأموال في الولايات المتحدة فربما يدفعها الخوف إلى هذه المقامرة الصعبة.


احذر! الولايات المتحدة لا تمزق دفاترها القديمة

رغم نفي المسئولين السعوديين أية علاقة تربط المملكة بمنفذي الأحداث، وخلاص لجنة التحقيقات الخاصة بالحادثة إلى أنه لا دليل على تورط الحكومة السعودية أو أي من مسئوليها الكبار في الأحداث أو حتى في مجرد التواصل أوالتنسيق أوالتمويل لمنفذيها إلا أن انتقادات وُجهت للجنة بشأن النطاق الضيق التي حصرت فيه عملها إذ اقتصرت على كبار المسئولين دون صغارهم -الذين ربما قد تورطوا-!هذه الانتقادات لم تكن وليدة نفسها بل دعمها بدرجة ما الاستنتاج التي خلصت إليه لجنة الكونجرس 2002م، من إمكانية ضلوع مسئولين سعوديين صغار مقيمين في الولايات المتحدة في الحادثة الإرهابية. وجاءت هذه الاستنتاجات في 28 ورقة لم يكشف الحجاب عنها حتى هذه اللحظة. إلا أن الحديث داخل الكونجرس عما يعتري الشراكة الأمريكية الخليجية من مشكلات ظاهرة للعيان -بشأن الاتفاق النووي والأزمة السورية وغيرها- فتح الملفات المتربة منذ أكثر من 14 عامًا.

يرفع القانون المنظور أمام الكونجرس حاليًا الحصانة عن الحكومات الأجنبية ويجعلها أمام المحاكم الأمريكية إذا ما ثبتت صلتها بأية أحداث إرهابية على أراضٍ أمريكية

الدعاوى القضائية لا تزال تلاحق الجمعيات الخيرية السعودية وصغار المسئولين بالإدارة السعودية لاتهمامهم بالضلوع في الحادثة وفق المزاعم التي يرددها أهالي الضحايا. ما كان يحول فقط دون المثول للمحاكمة إزاء هذه المزاعم هو القانون رقم 1976 والذي يمنح الحكومات الأجنبية بعض الحصانة أمام المحاكم الأمريكية.

مشروع القانون المطروح حاليًا على طاولة مجلس الشيوخ ينحّي هذه الحصانة جانبًا إذا ما جرى اتهام إحدى الحكومات الأجنبية بتقديم أي شكل من أشكال الدعم لمنفذي عمليات إرهابية على أراضٍ أمريكية. وعليه فإنه في حال تمرير مشروع القانون واعتماده من قبل الرئيس الأمريكي فلن يكون أمام متهمي حكومة المملكة من أهالي الضحايا الأمريكان سوى أن يثبتوا تورط مسئولين سعوديين ليمثلوا بدورهم أمام المحاكم الأمريكية دون أية حصانة!