هل ارتبطت الدراما دائمًا بالأحداث التي تجري على أرض الواقع؟ هل تتنبأ الدراما بأحداثٍ مفصلية في السياسة العالمية أم أنها فقط تنسخ ما يحدث وتنقله إلى الشاشة؟ إذا لم تكن شاهدت مسلسل (House of cards)، فأنصحك بأن تفعل ذلك الآن وفورًا؛ فهذه الملحمة الدرامية من إنتاج شركة «نيتفليكس – Netflix» تضرب في صميم السياسة الداخلية في الولايات المتحدة، ليس فقط داخل البيت الأبيض، ولكنها تكشف كيف تتعامل الإدارة الأمريكية مع كل القضايا، سواء داخلية أو خارجية، وعلاقتها بالصحافة والإعلام، والعلاقات المشبوهة بالتكنولوجيا، واستغلالها لصالح المرشحين لتولي أعلى منصب في الدولة، وغيرها الكثير من التفاصيل التي سوف تبهرك بكل تأكيد.

المسلسل من بطولة المخضرم «كيفين سبيسي – Kevin Spacey» الذي يقوم بدور «فرانك أندروود»، و«روبين رايت – Robin Wright» التي تقوم بدور زوجته «كلير أندروود»، وشريكته في التخطيط للوصول لأعلى مناصب السلطة في البيت الأبيض، والشيء الواضح الذي يجمعهما هو حبهما الشديد للسلطة؛ والذي من أجله يلجآن لاستخدام كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية.


رأيك السياسي قد لا يكون رأيك بالفعل!

عملية التأثير على الناخبين ليست حدثًا جديدًا بكل تأكيد، فالإعلام بكل أشكاله يؤثر على الرأي العام، وعلى أصوات الناخبين، وعلى تشكيل وعيهم السياسي، وهذا يحدث من فترة لا بأس بها. لكن في وقتنا الحالي يتطور هذا التأثير ليصل لاستخدام التكنولوجيا المتاحة، من وسائل البحث ووسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الحديثة كالهواتف الذكية.

يقدم لنا مسلسل «House of cards» في الموسم الرابع المرشح الجمهوري المنافس لـ«فرانك أندروود» وهو «ويل كونواي». ومثل ما يفعل أندروود فالمرشح الشاب الطموح كونواي يضع المخططات من أجل الوصول لهدفه، بدايةً من استغلال تاريخه العسكري، ومظهره العصري مع زوجته الشابة، والذي يتمتع بصورة جيدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي أوساط الشباب. حيث يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بأفضل الطرق الممكنة لمساعدته على النجاح في الانتخابات الأمريكية المقبلة.

فهو لديه صلة بمحرك بحث على الإنترنت يسمى «Polly hop»، حيث يساعده الموقع في الوصول إلى المعلومات التي يبحث عنها مستخدمو الموقع، مما يسمح له بتوجيه خطابه للمستخدمين استنادًا إلى عاداتهم البحثية، وأي معلومات مهمة أخرى قد جمعها الموقع، فيؤثر الموقع (Polly hop) على نتائج البحث بطريقة تجعل الناخبين يفكرون في ويل كونواي بطريقة إيجابية؛ ويقدمه لهم كمرشحهم المثالي.

هل يتشابه هذا الوضع مع أحداث حقيقية؟ هل استخدم أحد المرشحين للرئاسة نفس الوسائل للتأثير في العملية الانتخابية، والتأثير على الناخبين، والتحكم فيما يعرض لهم، مما يشكل وعيهم ويجعلهم لا يرون سوى ذلك المرشح؟ هل تعتقد أن رأيك السياسي هو رأيك فعلًا؟


لعبة الشطرنج السياسية

وعندما أظهرت نتائج الاستطلاع أن نسب فوز ويل كونواي بالرئاسة عالية، احتاج أندروود أن يلعب معه بنفس أسلوبه، كنز البيانات والمعلومات مرة أخرى. ولما كان أندروود الرئيس الحالي، فبإمكانه بالطبع استغلال نفوذه؛ وذلك عن طريق استغلال التهديدات الإرهابية لمنظمة إرهابية شبيهة بتنظيم الدولة الإسلامية، وفرض رقابة للتنصت على المكالمات الهاتفية لأكثر من ثلاثة ملايين أمريكي عن طريق وكالة الأمن القومي (هنا يستخدم صناع المسلسل الأحداث التي حدثت بالفعل والتي فضحها إدوارد سنودن عام 2013).

وهنا يأتي دور أحد علماء البيانات – والذي كان قد أخبر حملة أندروود في بادئ الأمر بأن كونواي يستخدم محرك البحث «Polly hop» في استهداف الناخبين – وهو الرجل الذي استخدمه أندروود ليتنقل بداخل جبال المعلومات التي وفرها فرض الرقابة الداخلية؛ وذلك للبحث عن أي علامات من شأنها إيقاف أي هجوم إرهابي وشيك على الأراضي الأمريكية، كان هذا – بالطبع – ظاهريًّا فقط، فالسبب الرئيسي هو استخلاص أي معلومات تخص الناخبين، لتساعد أندروود على النجاح في الانتخابات القادمة.

وكمثال على ذلك، استخدم عالم البيانات بيانات المراقبة الداخلية في تحديد أسماء الأشخاص المتضررين من عنف السلاح في الولايات المتحدة؛ حيث تمكنت بعد ذلك حملة أندروود من استخدام هذه المعلومات المجمّعة لإجراء مكالمات هاتفية مُستهدفة من أجل مساندة الرسالة التي تدعو لها زوجته كلير أندروود لتقنين عملية التسلح والحد منها.

ولم يتوقف استخدام هذه البيانات عند هذا الحد؛ فبإمكان عالم البيانات أن يصل مباشرةً للمعلومات الشخصية لأهداف محددة، وذلك عندما طلب منه أندروود أن يتنصت على الهاتف الجوّال لكونواي لاستغلال ما قد يفعله – لاحقًا – ضده، وبالطبع أثمرت هذه الخطة عن تسريبٍ أساء بسمعة كونواي، وأثر على فرص فوزه بعد ذلك في الانتخابات.

لفترة طويلة بدا أن فرانك أندروود يلعب الشطرنج، بينما البقية يلعبون كاندي كراش أو المزرعة السعيدة، ولكن مع دخول ويل كونواي في المنافسة أصبح هناك لاعب شطرنج يمكنه منافسة أندروود، ولكن استطاع أندروود أن يضعه في خانة اليك، ويهزمه بنفس أسلوبه.


«كامبريدج أناليتيكا» و«فيسبوك»

للإجابة على أسئلة المقال دعنا نتعرف على شركة «كامبريدج أناليتيكا» أولًا، وما علاقتها بـ«فيسبوك». تتخصص «كامبريدج أناليتيكا» فيما يُطلق عليه «التنميط السيكولوجي» أو «التخطيط الشخصي للمجتمع»، بمعنى أنها تستخدم البيانات التي يتم جمعها عبر الإنترنت – مثل دراسة الشخصية والقيم والتوجهات والاهتمامات وأساليب الحياة – لإنشاء ملفات تعريف شخصية للناخبين، ثم يأخذون هذه المعلومات ويستهدفون الأشخاص بمحتوى مصمم خصيصًا لذلك.

فبمعرفة تلك المعلومات يستطيع من يمتلكها – لاحقًا – توجيه دعاية محددة تظهر أمام المستخدمين بكثرة، وفي بداية ما يشاهدونه من نتائج بحث، أو إعلانات مدفوعة، أو منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك؛ حيث يمكن أن تساعد عملية تحليلات البيانات المرشحين على تحديد جمهورهم المُستهدف، ثم يستخدمون أدوات الاستهداف الرقمية لضمان أن يصل هذا المحتوى لهؤلاء الناخبين على أجهزة الكمبيوتر أو الجوال أو أجهزة الكمبيوتر اللوحي؛ والذي بدوره – المحتوى المعروض – يجبرهم على التصويت لهذا المرشح.

في البداية كانت تعمل «كامبريدج أناليتيكا» مع المرشح الجمهوري السابق «تيد كروز – Ted Cruz» في استهداف وتوجيه آراء بعض الجمهوريين ليصوتوا له في المراحل الأولى ليحصل على مقعد الحزب الجمهوري ليترشح في الانتخابات الأمريكية للرئاسة. وقد عملوا أيضًا مع بعض الساسة في بريطانيا للتأثير على عملية التصويت لخروجها من الاتحاد الأوروبي في العام الماضي.

بعد ذلك عملت «كامبريدج أناليتيكا» مع «فيسبوك»، واستغلت معلومات ما يزيد عن 50 مليون مستخدم دون معرفتهم أو أخذ إذن منهم، حيث كانت تعمل في تلك الفترة في الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي الحالي «دونالد ترامب»، مما أثار ضجة كبيرة حول نزاهة الانتخابات الأمريكية الأخيرة. وكيف أثرت عملية تحليل البيانات واستهداف الناخبين على نتائج الانتخابات، وإذا ما كانت سببًا رئيسيًا في وصول ترامب إلى سدة الحكم.

وبحسب خبير استطلاعات الرأي التابع للحزب الجمهوري «فرانك لونتز- Frank Luntz)» الذي قال: «لم يعد هناك أي خبراء في هذا المجال باستثناء كامبريدج أناليتيكا؛ فقد كانوا فريق ترامب الرقمي الذي اكتشف كيفية الفوز بالانتخابات».

هناك أحداث كثيرة يتشابه فيها المسلسل مع الواقع، فمثلًا المظاهرات الاحتجاجية أمام البيت الأبيض، والتي حمل فيها المتظاهرون لافتات تقول: «ليس رئيسي – Not my president»، والتي تُشابه لحد كبير المسيرات الاحتجاجية لمناهضي دونالد ترامب بعد نجاحه.

ولكن مع ذلك يصر صناع المسلسل على أن كثيرًا من هذه الأحداث تمت كتابتها قبل إجراء الانتخابات من الأساس؛ وبالتالي نعود للتساؤل الذي طرحناه في البداية، هل تتنبأ الدراما بأحداثٍ مفصلية في السياسة العالمية أم أنها فقط تنسخ ما يحدث وتنقله إلى الشاشة؟

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.