«يا ترى الناس إللي بيحبوا الشتاء مبسوطين معانا دلوقتي؟»، «تخيل إن في ناس عايشة معانا ومكملة تعليمها وبتحب الصيف». كم مرة واجهت نصوصًا تحمل كلمات كتلك على صفحات التواصل الاجتماعي عند هطول أمطار غزيرة أو اشتداد حرارة الشمس في الآونة الأخيرة؟

لن نتجادل في انعدام جدوى رأي الناس في قسوة برد الشتاء أو شدة حرارة الصيف؛ فالسخرية لا تخضع بالضرورة للمنطق والواقع. وبالطبع لن نختلف في نوع الضحك الذي يسببه هذا النوع من السخرية؛ لأن الضحك شيء نسبي يخضع كليًا للذوق الشخصي.

لكن ما أريد إخبارك به، أنني في كل مرة تصادفني فيها جُمل الصيف والشتاء تلك على منصات التواصل الاجتماعي، لا أستطيع تخيلها إلا بصوت وأداء الإعلامي المصري «مهيب عبد الهادي»-ابتسامته تحديدًا.

حقيقة لم أعرف الرابط بين مهيب وجدلية الصيف والشتاء تلك. هل بسبب شعوري بعدم الراحة عند رؤية كليهما، أم بسبب حالة التكرار الممل التي يتبناها كل منهما أملًا في الترفيه عن المتلقي وفشله في ذلك كل مرة؟

حقيقة لا أعرف. دعنا نستعرض بعض اللقطات بمسيرة مهيب عبد الهادي، لعلنا نصل إلى إجابة.

مهيب في قصر الرئاسة

نعود الآن للوراء عشرة أعوام أو ما يزيد قليلًا، تحديدًا في أنجولا وكأس الأمم الأفريقية الثالثة على التوالي عام 2010. تتذكر بالطبع المشهد الأيقوني لجمال مبارك في غرفة خلع الملابس وهو يردد مع جميع الحضور: «زي ما قال الريس .. منتخب مصر كويس».

حاول أن تحوّل تركيزك من جمال مبارك إلى المراسل الذي يقف بجانبه، ويقوم بالقفز بجانبه واضعًا يده على كتفه، وكأنهما أصدقاء الطفولة. لحظات ويقوم المراسل نفسه بإجراء حوار مع علاء مبارك، لينهي الحوار بجملة غريبة: «أبوسك بقى». انتهى الحوار مع علاء مبارك بقُبلة بالفعل على الهواء.

إن كنت ترى أن التركيز على تلك التفاصيل به بعض المبالغة، فما عليك إلا الذهاب والتنقيب في صور جنازة حفيد الرئيس السابق محمد حسني مبارك عام 2009. حاول أن تفكر قبل أن ترى الصور: من المفترض أن يكون واقفًا بجانب علاء مبارك في صلاة الجنازة على حفيد رئيس الدولة؟

المشير محمد حسين طنطاوي، الدكتور أحمد نظيف، رجل الأعمال أحمد عز، وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، جميعها أسماء من المُتوقع أن تراها بجانب علاء مبارك في هذا الكادر. لكن ما حدث أن علاء كان يقف، وعلى يساره أخوه الأكبر جمال مبارك، أما على يمينه فكان يقف مهيب عبد الهادي!

مهيب في تلك الفترة كان يرى نفسه صديقًا مقربًا من أبناء الرئيس، لا مجرد مراسل في برامج شوبير يكتفي بجُمل الإطراء التي يمنحه إياها حارس الأهلي السابق. هو أهم من ذلك بكثير في نظر نفسه.

وتلك هي الأزمة الحقيقية في مسيرة مهيب عبد الهادي منذ أن بدأت وحتى الآن، أنه يرى نفسه دائمًا أكبر من المكان الذي وُضع فيه، ويتصرف على هذا الأساس حتى وإن كان ذلك غير صحيح. في كل محطات حياته تستطيع أن ترى ذلك بوضوح.

أنا الحياة

بعد مشهد أنجولا بشهرين فقط، كانت علاقة أحمد شوبير وقناة الحياة قد وصلت إلى طريق مسدود على خلفية أزمته الشهيرة أمام مرتضى منصور. تم تعيين مدير للبرامج الرياضية للمحطة، وهو المنصب الذي كان يشغله شوبير ويجعله متحكمًا في الخريطة الرياضية للقناة.

شعر شوبير أن الأمر بمثابة الإهانة بالنسبة له، لكن هذا ليس موضوعنا على أية حال. ما يهمنا الآن في الأمر هو المدير الجديد للبرامج الرياضية بقناة الحياة: مهيب عبد الهادي.

بالطبع أشعر بالغضب وعدم التقدير. تلقيت اتصالًا هاتفيًا من أحد مراسلي البرنامج يتهكم عليا!
أحمد شوبير في تصريحاته لليوم السابع وقت الأزمة.

يقصد شوبير بذلك التصريح مهيب عبد الهادي. فقد تضامن معه حينها فريق البرنامج بالكامل، وأعلنوا مرافقته في وجهته القادمة، عدا مهيب الذي استأثر بالمنصب الجديد دون أي اعتبار لمن قدمه للجمهور بشكل دائم. لذا حرص شوبير على وصفه بـ«أحد مراسلي برنامجه السابق».

رحل شوبير ولم يستطع مهيب سد الفراغ الذي خلفه سواء بالإستوديوهات التحليلية أو ببرنامجه نجوم الملاعب الذي استمر لسنوات وكانت حلقاته أقرب لأداء المراسل منه لأداء المذيع. لم يستطع مهيب سد ذلك الفراغ لدرجة أنك لا تتذكر تلك البرامج وأنت تقرأ تلك الكلمات في أغلب الظن.

فبالرغم من المآخذ الكبيرة على أداء شوبير طيلة السنوات الماضية إلا أن الفوارق في الإدارة وإدارة الإستوديو أمام الشاشة كانت صارخة ويراها الجميع، إلا مهيب عبد الهادي نفسه؛ لأنه كما ذكرنا آنفًا لا يرى نفسه سوى منافسًا على قمة الهرم دائمًا، ولا أحد يرى ذلك سواه.

اعتقد أنه بإمكانك الآن تفسير الشجار الذي حدث بين مهيب عبد الهادي و «ماجد غراب» مراسل برنامج شوبير على صدى البلد منذ ستة أعوام تقريبًا.

الشجار لم يكن بين المراسلين، لكنه كان بين مهيب في الملعب وشوبير من الإستوديو. الأهم أن مهيب كان يتعامل بالنظرة الفوقية ذاتها أثناء إبعاده للمراسل، والسبب واضح: أنا أرى أني أكبر منك كمراسل وأستحق مكانًا أهم من ذلك بكثير.

مهيب في الجابون

نحن الآن في عام 2016، تنطلق قناة ON sport بعد شبه احتكار لأهم المحللين ومقدمي البرامج في مصر. يتصدر المشهد مدحت شلبي. من يومها الأول وكان جليًا للجميع أنها ستصير رقم واحد في غضون زمن قليل، لاسيما بعد خصوعها للسيطرة غير المباشرة للحكومة المصرية.

بيئة خصبة لمهيب عبد الهادي للبزوغ النسبي مرة أخرى بعد أفول نجمه في خمس سنوات قضاها على قناة الحياة. رأى مهيب حينها أنه من المنطقي أن يعود خطوة للوراء -من وجهة نظره بالطبع- ويقبل بوظيفة المراسل مرة أخرى لقنوات ON sport.

عمل مهيب في القناة. يشعر في قرارة نفسه أنه أكبر من وظيفة المراسل، لكنه وفي نفس الوقت لن يستطيع الظهور كمقدم في وجود مدحت شلبي وسيف زاهر وغيرهم من الوجوه الشابة ككريم خطاب. عمل كمراسل ولكنه يرى نفسه أعلى من زملائه المراسلين؛ لذا كان الصدام حتميًا.

في كأس الأمم الأفريقية في الجابون عام 2017، أرسلت قناة ON sport مراسليها لتغطية البطولة ومن ضمنهم مهيب عبد الهادي بالطبع. تألق المراسلون وعلى رأسهم أحمد فاروق جعفر.

أصرّ مهيب على زيادة مساحته في التغطية ومعاملته بشكل مختلف عن الباقين، فرفض أسامة الشيخ رئيس القناة في ذلك الوقت، وتفاقم الخلاف لدرجة اتجاه إدارة القناة لاستبدال مهيب بالمراسل حسن غنيمة في بقية البطولة وعودة عبد الهادي إلى القاهرة.

تم تدارك الأمر في النهاية وأكمل مهيب البطولة بالمساحة المخصصة له من البداية، لكنها كانت بداية النهاية إن صحّ التعبير. وبالفعل رحل مهيب في نهاية العام ذاته إلى قناة إم بي سي مصر. لم يستطع التخلي عن نظرته لنفسه التي أخبرتك بها في البداية: أنا أكبر من هذا المنصب، حتى ولو لم يرى الجميع ذلك.

البدلة الواسعة

بعد أقل من عامين في شبكة إم بي سي مصر، وصل مهيب إلى الكرسي الذي عاش سنوات يحلم بالوصول إليه. ارتدى بدلة المقدم، ولكنها -وكما توقع الجميع إلا هو- كانت أكبر منه بكثير.

تلك السنوات التي مرت على مهيب في الإعلام الرياضي المصري، خاصة أنه كان أقرب عناصر المنظومة دائمًا للحدث، جعلت علاقاته قوية بأغلب اللاعبين المصريين. ستلاحظ بسهولة قدرته على استضافة ضيوف الطبقة الأولى -إن صح التعبير-. لكن المثير للاستغراب أن أغلب تلك اللقاءات ينتهي دون صدى حقيقي في مصر. فلماذا؟

الحقيقة أن مهيب لا يهتم بجودة اللقاء بقدر ما يهتم بإبراز نفسه. كي نوضح الأمور بشكل أفضل، فقط عليك ملاحظة ابتسامته الدائمة لضيوفه من اللاعبين. ابتسامته تلك التي توحي بأنه على دراية تامة بالكواليس وبواطن الأمور بحكم صداقتهم، لكنه لن يصرح بتلك الأسرار على الهواء وسيحافظ عليها في الكواليس.

سيبتسم مهيب تلك الابتسامة، أي لاعب حتى وإن كان يراه لأول مرة، سيحافظ عليها أكثر من نصف وقت الحلقة، والنصف الآخر سيضيعه في المبالغة الشديدة في إظهار إيماءات الدهشة والاستغراب من آراء عادية جدًا لضيوفه، حتى يتوه في تلك المتاهة ويتوه معه المشاهد، دون التركيز على الخروج بهدف آخر للحلقة.

ثمة شيء آخر ساعد في ظهور تلك النسخة من مهيب عبد الهادي، وهو سيره على الطريق الذي قص شريطه إبراهيم فايق مع رضا عبد العال. رهانات جمال عبد الحميد وشوقي السعيد وغيرهم، هذا التشجيع المفرط للآراء والأحاديث الساذجة وهو على دراية تامة بذلك، لكن لا ضرر طالما أن المشاهدات في تزايد.

ثم يأتي بعد كل ذلك ويستضيف عمرو وردة، في لقاء كان عنوانه الرئيسي هو تلميع لاعب النادي الأهلي السابق وتجميل الصورة بعد وقائع التحرش العديدة المنسوبة له.

مبررات واهية ورفض للاعتذار وارتفاع نبرة الهجوم على منتقديه مع تكرار «القاضية ممكن» من عمرو وردة، ثم تأكيده على تشجيع النادي الأهلي في نهائي القرن بكل حواسه وغيرها من الكليشيهات واضحة الغرض: استمالة جزء غير قليل من الجمهور، لنسيان ما حدث من وردة.

لكن وردة لم يعطِ مهيب فرصة، ولا حتى لمن انخدع واحتفل بتصريحاته تلك، وانتشرت له بعدها بأيام محادثات يتحرش خلالها بفتاة للمرة … عذرًا لم يعد أحد مهتمًا بالعدّ.

كل هذه العناصر جعلت نسخة مهيب أمام كاميرا الاستوديو في إم بي سي مصر هي الأسوأ على الإطلاق. تمامًا مثل نكات الصيف والشتاء تلك التي أشرنا إليها في البداية. وإن كنت ترى أن النكتة قد فقدت رونقها بالفعل، دعني أذكرك أن هناك دائمًا من يصرّ على سرد النكتة مؤمنًا بقدرتها على إثارة الضحك مهما كان الناس من حوله يرون أنها قديمة.

فما الحيلة؟ أمامنا رجل يدعي الكاريزما وبيده ميكروفون، وتمر الأيام دون أن نعرف: هل يفضل الصيف أم الشتاء؟