هل تتذكر المقولة القديمة حول ركلات الجزاء؟ اختر زاوية بعينها ثم سدد فيها بقوة واترك البقية للحظ. تساوي تلك المقولة بين كل اللاعبين تقريبًا، فمن الذي لا يستطيع القيام بأمر بهذه السهولة؟ لكن الأمر بات أصعب وعفا على تلك المقولة الزمن بكل تأكيد، وإلا لماذا نُرتب اللاعبين من حيث قدرتهم على التسديد بين أول وثاني.. إلخ؟

في موسم 2019/20، حطم مانشتسر يونايتد الرقم القياسي في الحصول على ركلات جزاء خلال موسم واحد بـ14 ركلة. ووفقًا لإحصاء تم إجراؤه عن العشرية الثانية من الألفية الجديدة بالدوري الإنجليزي، فإن كل فريق يحصل على ركلة جزاء واحدة بعد كل 178 لمسة للكرة داخل منطقة جزاء الخصم.

ووفقًا لذلك الإحصاء، يعتبر ليفربول هو الفريق الوحيد بين الـ4 الأكثر استحواذًا داخل منطقة جزاء الخصم، والذين ليس من بينهم مان يونايتد، الذي لم يحصل على عدد ركلات الجزاء التي يستحق، باعتباره ثاني أكثر الفرق لمسًا للكرة داخل صندوق الـ18،بـ1326 لمسة و5 ركلات جزاء فقط، أقل من الطبيعي بركلتين على الأقل.

مع ذلك، يشترك كُل من ليفربول وتشيلسي في قدراتهما على استغلال 100% من ركلات الجزاء التي أُتيحت لهما، حيث حصل الريدز على 5 ركلات جزاء تمكن من تحويلهم جميعًا لأهداف. وبذلك حافظوا على مُعدل صحيح تمامًا في التسجيل من ركلات الجزاء للموسم الثاني على التوالي، وبنسبة لا تقل عن 90% للمواسم الخمسة التي سبقت موسم 2019/20.

المثير للدهشة أن الريدز خلال تلك المواسم لم يكن لديهم منفذ واحد لركلات الجزاء، ولا يتسنى لأحد أن ينسى الصراع الذي دار تقريبًا منذ وصول الجناح المصري «محمد صلاح» بينه وبين المُخضرم الإنجليزي «جيمس ميلنر» حول اسم المنفذ الأول لركلات الجزاء.

كلوب عدو المصريين

حمل صلاح على عاتقه مهمة صعود منتخب مصر لكأس العالم في نسخة 2018 والتي أقيمت في روسيا، وقبل ذلك بسنوات، ومنذ أن تحسس المصري خطواته بالاحتراف الأوروبي، وكل ما ينجزه يُوضع محل النظر بالنسبة للجماهير المصرية، لكن وصل ذلك الاهتمام أقصاه مع منافسته على صدارة هدافي الدوري الإنجليزي.

في أول مواسم صلاح بإنجلترا، موسم 2017/18، تصارع على لقب الهداف مع كُل من «هاري كين»، «جيمي فاردي»، و«أجويرو». تصدى صلاح لأقل عدد من ركلات الجزاء من بينهم جميعًا، حيث تصدى لركلتين فقط، وسجل ركلة واحدة.

في حين استفاد فاردي من 5 أهداف من نقطة الجزاء، وحقق أجويرو 4 أهداف بنفس الطريقة، في حين نجح مهاجم توتنهام من تسجيل هدفين من علامة الجزاء. أثناء ذلك الصراع خلال موسم 2017/18 وما تلاه، اتهم المصريون المدرب الألماني لليفربول أنه لا يساعد صلاح بالقدر الكافي لأنه لا يضعه كأول مسددي ركلات الجزاء.

بالعودة لحلم الصعود للمونديال مع المنتخب الوطني، تصدى صلاح لركلة جزاء صعبة للغاية فيما بعد الدقيقة 90 أمام أنظار أكثر من 70 ألف متفرج بملعب «برج العرب» وأكثر من 100 مليون مصري بمناحٍ شتى حول العالم، ليتمكن جناح ليفربول من تسجيل ضربة تبلغ صعوبتها النفسية أضعاف صعوبتها الفنية.

ركلة جزاء تاريخية لمحمد صلاح مع منتخب مصر والتي نجحت في الصعود بالمنتخب الوطني لكأس العالم 2018 بروسيا

من بعد ذلك الهدف، بات كلوب لا يملك حُجة ليكون صلاح هو المنفذ الأول لركلات الجزاء، أو هكذا اعتقد الجمهور المصري، رغبة منهم في أن يكون أسطورتهم الحية هو المتسابق الأوفر حظًا في سباق الهداف دائمًا، لكن هل يستحق صلاح فعلًا أن يكون المسدد رقم واحد في ليفربول؟

الفنيات تأتي ثانيًا

كانت مباراة مصر والكونغو في مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2017، وفي ختام نفس الشهر، تصدى صفقة الريدز الجديدة آنذاك لركلة جزاء في ختام الشوط الأول من مباراة فريقه أمام هدرسفيلد تاون بالدوري الإنجليزي، لكن لسوء الحظ، أهدرها «مو».

انتهت تلك المباراة بفوز رابع ترتيب الدوري لنسخة 2017/2018 بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، وهي نفس النتيجة التي نجحوا في تحقيقها في لقاء الدور الثاني من نفس النسخة، لكن الفارق بين المباراتين أن في الثانية نجح صلاح في تسجيل ركلة الجزاء التي أُتيحت له في الدقيقة 78.

كانت الضربة التي كانت في مباراة شهر كانون الثاني/يناير من عام 2018، هي ضربة تعزيز النتيجة، التي كانت آنذاك 2-0 لصالح ليفربول، أما الأولى التي أهدرها الجناح المصري كانت ضربة افتتاح أهداف المباراة.

يتدخل علم النفس في شرح بعض حالات إهدار ركلات الجزاء مؤكدًا أن اللاعبين في الغالب يُحرزون ركلات الجزاء التي يتحصل عليها فريقهم في الوقت الأصلي من المباراة، بنسبة تصل لـ85%، لكن في حال كانت تلك الركلة هي الركلة الحاسمة والتي ستحدد نتيجة المباراة، فإن تلك النسبة تنخفض لـ76%.

أما عند الحديث عن ركلات الجزاء الحاسمة في الأدوار الإقصائية والنهائيات، والتي تأتي بعد الأوقات الإضافية، فإن نسبة تسجيلها في الحالات العادية هي 92%، أما إذا كانت تلك الركلة هي الحاسمة، تنخفض النسبة لـ60%. انخفاض لثلث النسبة تقريبًا!

يُسمي الفسيولجي «دانيال كانيمان» تلك الحالة باسم: «النفور من الخسارة»، وهي حالة تعكس التوتر والخوف من فقدان شيء ما سيؤثران بشكل كبير على أفكار وسلوك الشخص، وهو نفس السبب الذي جعل كلوب يعود لاختيار «جيمس ميلنر» ليكون المُسدد الأول بالفريق مرة أخرى.

أليست الأزمة في ميلنر؟

وصل صلاح لملعب «آنفيلد» مع بداية موسم 2017/2018، ومنذ وصوله حتى مطلع موسم 2020/21، تحصل الريدز في الدوري الإنجليزي فقط على 15 ضربة جزاء، سدد مو منها 8 ضربات، أكثر من النصف تقريبًا. في حين سدد ميلنر 5 فقط، وتصدى البرازيلي «فيرمينيو» للبقية.

أهدر صلاح ركلة واحدة فقط أمام هدرسفيلد، وهو نفس العدد الذي أهدره الإنجليزي المُخضرم منذ وصول المصري لارتداء قميص ليفربول. في حين منذ أن وصل جيمس نفسه إلى معقل الريدز، سدد 19 ضربة جزاء خلال كافة البطولات، أهدر منهم اثنتين فقط خلال موسم 2016/17، وموسم 2017/18.

الأكيد أن مُعدل كلاهما يصل إلى 90%، 90.5% في حالة ميلنر، وهو ما يتفوق على المعدل المتوسط لكل لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز، والذي يتوقف عند 77.3% فقط. إذن فما الداعي لأن يؤكد كلوب في أكثر من مناسبة أن صلاح ليس هو المُسدد الأول لركلات الجزاء ما دام ميلنر في أرض الملعب؟

حسنًا بالعودة إلى الركلة التاريخية أمام منتخب الكونغو، عقب هذه المباراة وفي مؤتمر صحفي للمدرب الألماني، أكد أن صلاح قد نجح في تحمل الضغط الجماهيري القوي، بالتالي سيأخذ هو راية تسديد الضربات من تلك اللحظة، بدلًا من فيرمينو الذي كان قد أهدر لتوه ركلة أمام فريق إشبيلية بدوري أبطال أوروبا.

لكن لسوء حظ صلاح كانت ضربة جزاء هدرسفيلد هي أول اختبار حقيقي أمامه عقب تعيينه المسدد الأول، ليعود كلوب من جديد ليؤكد أن ثقته في قدرات جناحه المصري انخفضت، والسبب؟ أن الألماني يعتقد أن الضغوطات في ليفربول تبدو أكبر منها في المنتخب المصري، بالتالي يحتاج إلى بعض الوقت.

لو حاولنا التغاضي عن الضغط النفسي وما يترتب عليه، ما هي الأسس التي يجب اتباعها لتحديد مُسدد ركلات الجزاء أصلًا؟

إنكار الذات الرقمي

حسنًا الأمور مُختلفة بين فريق وغيره، ولا توجد قاعدة واحدة راسخة دائمًا، لكن دون الخوض في تفاصيل تبدو مُعقدة ومتخصصة لأقصى درجة، دعنا نعود من جديد لمانشستر يونايتد ونسخته الاستثنائية عام 2019/20.

تمكن الشياطين الحُمر من التعاقد مع متوسط الميدان البرتغالي «برونو فيرنانديز»، والذي نجح بدوره في تسجيل 4 ركلات جزاء من 4 تصدى لهم بقميص الريدز. بنجاح 100%. ولا تتفاجأ حين تعلم أن نسبة 100% هي الطبيعية بالنسبة للبرتغالي، حيث لم يُهدر أي ركلة جزاء تصدى لها من 24 ضربة طوال مسيرته الاحترافية.

وقت أن تم سؤال برونو عن سره وراء عدم إهدار ركلات جزاء جاوب بكل بساطة أن الأمر يقتصر على تغييره لأماكن التسديد في كُل مرة. لأنه يعلم أن حراس المرمى يملكون مقاطع فيديو لكل لاعب ويمكنهم توقع زاويته المفضلة حال كان متمسكًا بزاوية بعينها.

لا يختلف حديث البرتغالي كثيرًا عما قاله «بيتر تشيك» عقب نجاحه في الفوز بدوري أبطال أوروبا مع تشيلسي أمام فريق بايرن ميونخ وبمساعدة ركلات الترجيح، حيث تعرض لركلة جزاء أثناء أحداث المباراة و5 ركلات ترجيح عقب انتهاء المباراة.

الغريب في ذلك، أن بيتر تشيك تصدى لركلتين، وتحرك مع الـ4 الآخرين، بما فيهم الركلة التي ارتطمت بالعارضة. بعد انتهاء المباراة أكد تشيك أن الواجب المنزلي كان السبب في ذلك، أي أن بيتر كان يُذاكر كل لاعبي البايرن بكل أماكنهم المُفضلة في التسديد.

لكن إذا عُدنا لليفربول، نكتشف أن كلوب وثورته الرقمية في إنجلترا يقومون بالعكس، فهم يدرسون الزوايا المفضلة لحراس المرمى. فمثلًا، من خلال 19 ضربة سددها ميلنر مع الريدز، كانت 10 ضربات من بينهم في أسفل اليمين بينما أرسل 5 كرات لليسار واكتفى بـ4 فقط في منتصف المرمى.

وبالنظر لما قام به صلاح، نجد أنه سدد 3 ضربات جهة اليسار، و4 في الجهة المعاكسة بينما اختار منتصف المرمى في 5 مرات آخرى.

الأماكن التي اختارها صلاح لتسديد ضربات الجزاء بقميص ليفربول

المؤكد الآن أن كلوب تقريبًا لا ينظر لطريقة تنفيذ الضربة، فمثلًا، ركلة الجزاء أمام الكونغو، والتي اختير على أساسها صلاح ليكون المنفذ الأول، اعترف المصري نفسه أنه أهدرها 3 مرات بنفس الطريقة أمام الحارس المصري المُخضرم عصام الحضري في تدريبات ما قبل المباراة، وهو ما جعله يشعر بالقلق، لكن أثناء المباراة تغافل عن الضغط النفسي ونجح في إحرازها.

هذا بالضبط ما يحتاجه كلوب، وإجابته عن سؤال: لماذا يفضل ميلنر تؤكد بذلك جدًا. حيث أكد أنه أثناء ركلات الجزاء يُصبح ميلي مثل الآلة، أي منعدم المشاعر وبعيدًا كل البعد عن التأثر بالضغط. الأمر كله يتعلق بكيفية الحفاظ على جسمك في الموضع الصحيح، حسب رؤية يورجن.

فلا يهم أن تكون صلاح أو فيرمينو أو ميلنر أو حتى ماني، فقط اثبت نفسيًا واستعد لتحمل الضغط، والباقي سيقوم به الفريق التقني في كواليس التدريب.