للإجابة عن سؤال عنوان المقال يجب علينا السؤال التالي والإجابة عليه: ماذا يقول لنا تاريخ الحركة الطلابية في مصر منذ أكثر من مائتي عام وحتى اليوم؟

يقدم لنا تاريخ الحركة الطلابية البعيد والقريب بعض الحقائق التي تعيننا على الفهم والتي أدعو كل الأطراف (الحكام والطلاب وكل التيارات السياسية) إلى التأمل فيها وأخذ العبر والدروس:

الطلاب قاطرة العمل السياسي

أولا: الطلاب في مصر كانوا منذ زمن بعيد قاطرة أي عمل سياسي احتجاجي ضد ظلم الحكام، فهذا أمر طبيعي في مجتمع لم يعرف السياسة أو حوربت فيه السياسة بطرق مختلفة، وترتفع فيه نسبة الأمية والجهل.

فالطلاب – طلاب الأزهر آنذاك – هم من بدأوا الاحتجاج ضد تعسف بعض الولاة والعساكر المماليك، وهم من أيدوا عرابي بعد هذا، وكانوا طليعة ثورة 1919، وهم من وقفوا ضد الانجليز وحاربوهم وحولوا جامعاتهم لساحات تدريب عسكري في مراحل مختلفة، وهم من انتفضوا مرتين في 1935 و1946 للمطالبة بالاستقلال والدستور، وهم من انحازوا لمحمد نجيب والديمقراطية في أزمة 1954، وهم من ثاروا بعد الهزيمة ضد عبدالناصر، وهم من غضبوا ضد سياسة عدم الحسم للسادات وهم من أيدوا انتفاضة العمال في 1977 وانتفضوا ضد سياسات الانفتاح وضد التصالح مع العدو، وهم من احتجوا تضامنا مع الشعوب العربية والإسلامية في عهد مبارك أعوام 1987، 1991، 1995، 1998، 2000، 2003، وهم من ساندوا الحراك الاحتجاجي الشبابي منذ 2004 وكانوا عماد كل الحركات الاحتجاجية التي أشعلت ثورة 25 يناير.

إذن لا يمكن تصور سياسة في مصر بلا طلاب، ولا يمكن تصور أنه يمكن القضاء عليهم أو خلع السياسة منهم وحصر اهتمامهم بالفن والرياضة كما حاول البعض وفشل أيام الملكية وأيام عبدالناصر والسادات ومبارك.

ثانيا:رفع طلاب الجامعات منذ البداية مجموعة من المطالب الجامعية، تدور في مجملها حول وضع لائحة طلابية تضمن أن يقوم الطلاب بنشاطهم داخل جامعاتهم بكل حرية، وأن يكون لهم مجالس منتخبة ممثلة، وألا يتدخل الأمن في شؤون الطلاب وأنشطتهم وانتخاباتهم، وأن تكون الجامعة مستقلة إداريا وماليا عن السلطة التنفيذية، وأن يتم إصلاح الجامعات وأحوال التعليم.

كما ظل الطلاب يربطون بين مطالبهم وأوضاعهم الجامعية وبين أمرين آخرين: الأول ضرورة أن يكون القرار السياسي قرارا مستقلا ويضمن مشاركة الجميع طبقا لدستور وحريات مصانة فلا حرية داخل الجامعات بدون حريات عامة خارجها. والثاني ضرورة أن يواكب التطور الكمي في أعداد الطلاب تطور نوعي عن طريق خطط تنموية وانتاجية حقيقية تعمل لصالح كل فئات المجتمع وتضمن اتاحة الوظائف للطلاب بعد التخرج، وتمكن الطلاب من خدمة وطنهم بدلا من حالة الاغتراب واللامبالاة أو الهجرة.

واليوم وبعدما حدث في 2013، امتدت المطالب لتشمل ملفا حقوقيا طويلا هو محاسبة كل من تورط في قتل الطلاب، وفي اعتقال الطلاب وتعذيبهم،والإفراج عن المعتقلين، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية للحيلولة دون تكرار هذه الانتهاكات.

أليست هذه مطالب عادلة وتحتاج إلى نقاش لتحويلها إلى واقع ملموس؟ أم أن هناك من يتصور أن قبضة الأمن قادرة على القضاء على كل هذه المطالب؟

ثالثا:يكون تأثير الطلاب في المجال السياسي مرتفعا عندما يتمسكون بأهداف وطنية جامعة كالاستقلال والتحرير والدستور والحريات. وللأسف يشهد تاريخ مصر بأن الطلاب استطاعوا في مراحل مختلفة من التاريخ تصدير هذه المطالب الجامعة للمجتمع، بينما صدّرت الأحزاب والحركات السياسية خلافاتها السياسية والايديولوجيات للحركة الطلابية فأضعفتها.

وقد حدث هذا للمرة الأولى في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين عندما انعكست الخلافات بين الوفد والإخوان والشيوعيين على حراك الطلاب، ثم مرة أخرى في النصف الثاني من السبعينيات وبتشجيع من الحكومة.

أما في فترة ما بعد 3 يوليو واسقاط الرئيس المنتخب وتدخل الجيش مباشرة في السياسة، فقد تحول الانقسام داخل الحركة الطلابية من انقسام حول اللوائح والمطالب الطلابية والانتخابات الى انقسام سياسي حاد وانعكست حالة الانقسام التي اصابت المجتمع والحياة السياسية على الجامعات.

أليس نبذ الانقسامات والبحث عن أهداف وطنية مشتركة ومطالب جامعية موحدة هو المنطلق الأول لنجاح الحراك الطلابي؟

فشل ممارسات القمع والتخوين

رابعا: لم تحظى مطالب الطلاب بأي محاولات جدية للاستماع إليهم ومحاورتهم، وحافظت كل الحكومات – منذ الانجليز والملك وحتى يومنا هذا –على النظر للطلاب كمصدر خطر على السلطة ومن ثم كان اعتماد الحلول الأمنية الاقصائية عن طريق قمع الطلاب بالقوة.

وقد تطورت سياسة القمع من ضرب الطلاب وتفريقهم بالغاز وقتل واعتقال العشرات منهم وإصدار أحكام مخففة إلى استخدام الرصاص الحي وقتلهم بالمئات واعتقالهمبالآلاف وتحويلهم إلى محاكم عسكرية (حسب بعض الاحصائيات فخلال الفترة من 2013 إلى 2015 قتل أكثر من 200 طالب، وفصل أكثر من 300 وقدم 172 طالبا لمحاكمات عسكرية، كما اقتحم الأمن الجامعات عشرات المرات خلال الفصل الدراسي الأول للعام الجامعي الحالي). بجانب أن بعض الجامعات شهدت ارسال البلطجية للاعتداء على الطلاب بعد مرورهم من البوابات الجامعية.

هل السياسة الأمنية الاقصائية عالجت المسألة من الإنجليز وحتى 2015؟ أم أنه كلما زادت آلة القمع الحكومي كلما ارتفعت أعداد القتلى والمصابين والمعتقلين وكلما ازداد الطلاب غضبا واحتجاجا؟ أليست فئة الطلاب تضم شريحة عمرية تتسم بالإصرار والاندفاع، والعند أحيانا، وتحتاج إلى معالجات حكيمة من الكبار؟

خامسا: بجانب الحلول الأمنية، مارست كل الحكومات سياسات أخرى، منها سياسة فرق تسد بين الطلاب. وحاولت الحكومات أيضا إيجاد كيانات طلابية تابعة لها وبديلة عن الاتحادات الطلابية.بل وكانت هناك محاولات لخلق طبقة من “الطلاب الوطنيين” أيام الملك باقتراح من حكومة محمد محمود، وقام عبدالناصر والكثير من الاتحادات المعينة أيام مباركبنفس الدور.

هل نجحت هذه الجهود؟ ألم تؤد كل هذه المحاولات إلى تأجيج مطالب الطلاب بدلا من معالجتها أو القضاء عليها كما يعتقد البعض؟

سادسا: مثلت وسائل الإعلام والصحافة والمثقفون التابعون للسلطة التنفيذية أكبر خطر على الحركة الطلابية وعلى مستقبل البلاد بأكملها. فمنذ العهد الملكي وحتى يومنا هذا قوبلت مطالب الطلاب بحملات تشكيك وتخوين وتشويه في الصحافة والتليفزيون، وتم اتهام الطلبة بالتخابر مع عدو خارجي (الشيوعيين، قوى الرجعية، النظام البائد، الانجليز، الأمريكان، الصهاينة..). ومنذ البداية لم يمتلك الطلاب أدوات إعلامية تواجه هذا التشويه لكنهم أيضا لم يستسلموا.

فهل يمكن تصور أنه يمكن الضحك على العقول طوال الوقت في ظل عصر السماوات المفتوحة وتسلح الطلاب بأدوات تواصل متعددة؟

سابعا: ظل الحراك الطلابي بمطالبه العادلة حراكا سلميا منذ أكثر من مائة وخمسينعاما، ولهذا لقى الحراك في السابق دعما من فئات كثيرة.

فالقضاة كانوا متعاطفين مع الطلاب أيام الملك وأصدرت بعض المحاكم أحكاما مخففة على الطلاب بعد انتفاضة 1935/1936، وحدث ذات الشيء تقريبا أيام السادات. لكن لا يمكن مقارنة هذا بما آلت إليه الأمور الآن بالنظر إلى أحكام الإعدام وقرارات الفصل النهائي للطلاب وسياسات الدهم والاعتقال والتعذيب.بأي منطق يمكن للبعض تصور أن هذه الأحكام والممارسات والسياسات ستحل المشكلة؟

كما أيدت الغالبية العظمى من أعضاء هيئة التدريس الطلاب خلال العهد الملكي، ولا يمكن مقارنة هذا بالطبع بما آلت إليه الأمور منذ عبدالناصر وحتى اليوم حيث تم القضاء على استقلال الجامعات تدريجيا وإيجاد طبقة من الأساتذة التابعين للسلطة التنفيذية من خلال أدوات كثيرة تشريعية وإدارية وأمنية وغيرها..

إلا أنه وفي ضوء العنف الحكومي المشار إليه وفي ظل الانقسام المجتمعي والسياسي الحاد، شهد فترة ما بعد 2013 جنوح بعض الطلاب إلى العنف ضد منشآت الجامعة وضد الشرطة وضد العملية التعليمية. وهذا أمر أفقد الحراك الطلابي تعاطف الجماهير وقدّم للنظام مبررات قوية لاستمرار السياسة الأمنية بأمل القضاء نهائيا على الحراك الطلابي. فهل يتصور الطلاب أن استخدام العنف ضد الحكومة سيؤدي في النهاية إلى تحقيق مطالبهم؟ وأين نجح الطلاب بالعنف؟

…..

لن تختفي السياسة في مصر التي يمثل الشباب نحو 60 بالمائة من سكانها، ولن يتلاشى الحراك الطلابي في الجامعات والمعاهد التي بها أكثر من 2 مليون طالب وطالبة. وستظل المطالب الطلابية الجامعية والمطالب الوطنية الجامعةتبحث دوما عمن يرفعها ويطالب بها بكل الطرق السلمية الممكنة حتى يصل إليها ولو بعد حين.