محتوى مترجم
المصدر
nationalinterest
التاريخ
2015/08/12
الكاتب
بارن كاياوغلو

لا تُعدّ محاربة حزب العمال الكردستاني في نفس الوقت مع تنظيم الدولة الإسلامية شيئًا جنونيًا فقط، وإنما تضر أيضًا بمصالح تركيا والولايات المتحدة.

بدأ يظهر عرض تركيا المرعب يوم 20 يوليو/ تموز عندما قتل انتحاري تابع لتنظيم الدولة الإسلامية 32 ناشطًا شابًا، وجرح 104 آخرين في بلدة سروج التركية. كانت هذه المجموعات الشبابية قد توجهت إلى بلدة كوباني الكردية السورية من أجل القيام بأعمال إغاثية.

اتهم حزب العمال الكردستاني الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، ورئيس الوزراء التركي «أحمد داوود أوغلو»، وحزب العدالة والتنمية، بتعاطفات إيوائية مع تنظيم الدولة الإسلامية، وشرع في الهجوم على قوات الجيش والشرطة التركية.

وفي الوقت نفسه، تلقف تنظيم الدولة الإسلامية وتيرة الأحداث. ففي 23 يوليو/ تموز، قام مقاتلو الخلافة المزعومة بقتل جندي تركي على الحدود السورية. وأطلقت أنقرة ضرباتها الجوية ضد كل من تنظيم الدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني، وفتحت قواعدها للولايات المتحدة في دعم لعمليات مكافحة تنظيم الدولة.

وعلى نفس المستوى، ليس الهجوم التركي المتزامن ضد المجموعتين أمرًا مستغربًا. فقد ذكر «أردوغان، وداوود أوغلو» مرارًا أن حزب العمال الكردستاني ونظام الأسد، وليس تنظيم الدولة الإسلامية أو غيره من الجماعات المتطرفة، أكبر خطر على بلدهم.

وفي بعض الأحيان، قعَّد مسؤولون أتراك لتكافؤ أخلاقي بين حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة. وحتى الشهر الماضي، رفضت تركيا المشاركة في العمليات التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية لعدم استهداف هذه العمليات لقوات الأسد.

لكن الجمع بين حزب العمال الكردستاني (وكذلك المجموعة السورية التابعة لهم، حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه المسلح، ووحدات الحماية الشعبية)، ومتطرفين دينيين من قبيل تنظيم الدولة الإسلامية؛ سيأتي بنتائج عكسية للأتراك وحلفائهم الأمريكيين.

ليس ذلك لأن تنظيم الدولة الإسلامية يطرح باعتباره خطرًا كبيرًا على أنقرة مماثلًا لحزب العمال الكردستاني. بل على النقيض تمامًا: مع بعض الوقت والجهد، وسفك الدماء، ستتمكن تركيا من تحقيق الاستقرار على الحدود السورية ومن تعقب وتحييد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية داخل حدودها. وبعد كل شيء، تركيا هي ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي.


النتائج نفسها

نادرًا ما يضمن الأفراد والقوة العسكرية النجاح. العنصر الأكثر إثارة للقلق في الحرب التركية ضد حزب العمال الكردستاني؛ هو أنها تفتقر إلى المباديء الأساسية للتفكير الاستراتيجي.

بغض النظر عن «صن تزو» وأهمية الذهاب إلى الحرب بعد تهيئة ظروف تحقيق النصر. ناهيك عن «كلاوزفيتز، وكون» الحرب ممارسة عقلانية لتنظيم الفرصة، والعنف لتحقيق أهداف سياسية ملموسة وقابلة للتحقيق. وفضلًا عن بـ«سمارك» وتحذيراته بشأن خوض حروب على جبهتين.

تتجاهل (إعادة) عسكرة أنقرة لمشكلتها مع حزب العمال الكردستاني حقيقة بسيطة؛ وهي أن حزب العمال الكردستاني هو أحد امتدادات المسألة الكردية، والتي هي في الأساس مسألة سياسية واجتماعية وقانونية.

ولفترة كبيرة من القرن العشرين، حُرِم الأكراد الأتراك من حقوقهم الثقافية والاجتماعية. وقد صعد حزب العمال الكردستاني كنتيجة للنظام العسكري القمعي في تركيا من عام 1980 إلى عام 1983.

وفي أغلب الفترة الممتدة من عام 1984 حتى منتصف الألفية، اتبعت الدولة التركية منطقًا شبيهًا لـ«مقاييس» وزير الدفاع الأمريكي «روبرت ماكنمارا» (اقرأ: إحصاء الجثث) خلال حرب فيتنام. ودون أي اعتبار للجوانب النوعية للحرب؛ افترض «ماكنمارا» أنه بمجرد أن تصل خسائر الفيتناميين الشماليين و«الفيتكونغ» إلى النقطة التي لا يمكنهم عندها تجديد مواردهم، ستكون الغلبة للولايات المتحدة، وفيتنام الجنوبية.

وبالمثل، ركز الجيش التركي والقادة المدنيون على عدد مسلحي حزب العمال الكردستاني الذين قتلوا (غالبية الـ40 ألف قتيل) في ذروة الصراع في التسعينيات، لكنهم لم يتمكنوا أبدًا من تفسير سبب عدم انتهاء الصراع.

يشبه الاشتعال الحالي بشكلٍ مخيف ما حصل في التسعينيات. فاليوم -كما في الماضي-تضرب القوات التركية مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين يهاجمون الموظفين الأتراك، ومن ثم يقوم الحزب بإعادة عملياته التفجيرية.

بالتالي؛ تجعل هذه الحلقة المفرغة الحل السياسي للمسألة الكردية -الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها حل هذا الصراع- أقل احتمالًا. حتى من وجهة نظر عسكرية بحتة، يمكن للضربات الجوية التركية ضد حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية أن تثبت عدم فعاليتها.

في مقابلة له مع كاتب هذه السطور، جادل الدكتور «هنري باركي» الخبير في الشؤون الكردية، ومدير برنامج الشرق الأوسط في مركز «وودرو ويلسون» في واشنطن؛ بأن الضربات الجوية التركية لن تكون بتلك الفعالية لأنه من غير الممكن أن تقوم بأي شيء جدي دون وجود مكون على الأرض. يفتقر سلاح الجو التركي إلى حنكة وقدرات سلاح الجو الأمريكي.

كما حذر «باركي»؛ وحتى الولايات المتحدة، على الرغم من قواتها الجوية، تعتمد على القوات البرية الكردية للتعامل مع تنظيم الدولة.


لكن، هل يمكن لتركيا أن تنشر جنودها على الأرض في العراق وسوريا؟

يمكن لأي زيادة في مستويات القوات التركية أن تجعل الفترة الأكثر كثافة في القتال في التسعينيات تبدو كحلم جميل. هناك جيل جديد من الأطفال الأتراك والأكراد الذين هم أصغر من أن يتذكروا كيف فاقم العنف من كل شيء، ويمكنهم (حرفيًا) إضافة الوقود لإطلاق النار.

وهذه الدينامية جارية بالفعل. منذ عام 2013، اشتبكت مجموعة تطلق على نفسها اسم «الحركة الوطنية الثورية للشباب»، وهي منظمة شبابية تابعة لحزب العمال الكردستاني، مع قوات الأمن التركية.

وفي مقابلة له مع هذا الكاتب، أشار «اليزا ماركوس» الخبير في شؤون حزب العمال الكردستاني، و مؤلف كتاب «الدم والإيمان: حزب العمال الكردستاني والكفاح الكردي من أجل الاستقلال»، إلى أن بعض الهجمات الأخيرة ضد الشرطة التركية قد تكون من عمل الحركة الوطنية الثورية للشباب.

ويقول «ماركوس»؛ أنه يمكن للعمل العسكري التركي أن يلعب لقوة حزب العمال الكردستاني. ودعم حزب العمال الكردستاني بين الشباب الكردي قوي، وما يحدثه العمل العسكري التركي يعزز ذلك الدعم.

وبعبارة أخرى، إن الأساليب الخرقاء تساعد فقط جهود التجنيد لحزب العمال الكردستاني داخل الوطن في تركيا وتكثف من الصراع.


تفكير إستراتيجي سيء وحنكة سياسية أسوأ!

إن المأساة الحقيقية تكمن في أن تركيا يمكن لها أن تتجنب هذه المعضلة. منذ عام 2009، وحتى أوائل عام 2015؛ تعهدت حكومة حزب العدالة والتنمية بـ«الانفتاح الكردي» وأجرت محادثات سلام سرية مع حزب العمال الكردستاني.

ومنذ أوائل عام 2013، دخل وقف إطلاق النار في حيز التنفيذ. وفي حين تم تناول المشاكل الاجتماعية والثقافية للأكراد؛ فإن الحقوق السياسية وتلك المتعلقة بالعدالة الانتقالية، -كيفية التعامل مع الحكم الذاتي الإقليمي الكردي، ومصير مقاتلي حزب العمال الكردستاني خصوصًا زعيم التنظيم المسجون «عبد الله أوجلان» ظلت دون حل.

ونتيجة لقلقه من فقدان الأصوات، وذهابها إلى الأحزاب القومية، في حال اتخذ قرارات غير شعبية؛ توقف حزب العدالة والتنمية عن الاستمرار.

وقد تبع فوز «أردوغان» بالرئاسة في أغسطس/ آب 2014 بنسبة 52% من أصوات الناخبين، فقد حزبه لـ 11 نقطة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر يونيو/ حزيران من هذا العام.

ومن المفارقات، خسارة حزب العدالة والتنمية للأصوات مقابل حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، لفشله في حل المسألة الكردية، وحزب العمل القومي المتطرف لشجاعته الماضية في التعاطي مع حقوق الأكراد.

يشكل العمل على حل المسألة الكردية في الوقت المناسب وبشكلٍ مشرف قبل بضع سنوات ظلالًا على ضرورة قصف حزب العمال الكردستاني اليوم. وفي الواقع، يمكن أن يتحالف مسلحي حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا والعراق مع تركيا ضد تنظيم الدولة الإسلامية و«الأسد». ويمكن للرئيس «أردوغان» أن يكون بطلًا للجميع في الداخل والخارج.

بدلًا من ذلك، حوَّل «أردوغان، وداود أوغلو» بلدهم نحو «طريق الجهاد في سوريا». ويكمن جزء كبير من المشكلة في أن «أردوغان» إستراتيجي سيء، ورجل دولة أسوأ. كما يعرقل الرئيس التركي رئيس وزرائه بشأن تشكيل حكومة ائتلافية، على أمل أن يستخدم الصراع مع حزب العمال الكردستاني في الدعوة إلى انتخابات مبكرة؛ وبالتالي تعويض الخسائر الانتخابية.


جر الولايات المتحدة نحو المشاكل

لا تؤذي تركيا نفسها فقط. فأفعالها تقوض أيضًا مصالح الولايات المتحدة في الحرب الأهلية السورية والشرق الأوسط. استيقظت إدارة «أوباما» من أحلامها بشأن الربيع العربي التي طرحت تركيا بوصفها عامل «استقرار» في المنطقة.

لكن تصاعد الصراع التركي الكردي قد يحول حليف الناتو من شيء ثمين إلى مسؤولية خطيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ويمتلك حزب العمال الكردستاني مصدرًا جاهزًا من الشباب الكردي الساخط في العديد من المدن التركية، والذين يمكن أن يشنوا هجمات على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد.

وكما أظهرت الأحداث الأخيرة، قد لا تنفصل المواقع الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية في تركيا عن ذلك كله.

فالولايات المتحدة تعترف بحزب العمال الكردستاني باعتباره «منظمة ارهابية»، وتدعم الغارات الجوية التركية الأخيرة ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. وبينما لم يظهر التمركز الأساسي للتنظيم في شمال العراق أي مصلحة في مهاجمة أهداف أمريكية في تركيا، فإن حوادث فردية من قِبل مسلحين أكراد يمكن أن تفعل ذلك.

كما قد تقوض العمليات التركية ضد حزب العمال الكردستاني من جهود الولايات المتحدة في سوريا أيضًا. وإن صورة «أمريكا تبيع الأكراد» لسيئة بما فيه الكفاية. لكن الأمور قد تزداد سوءً إذا هاجمت أنقرة قوات حزب الاتحاد الديمقراطي، التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية مع دعم جوي أمريكي منذ خريف عام 2014.

بالنسبة إلى «اليزا ماركوس» فإنها تقول؛ هذه مشكلة خطيرة. أعتقد واشنطن قصيرة النظر جدًا ولا تدرك أن المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية قد تتقوض إذا استمر النزاع بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة. ويجب على واشنطن النظر في التوسط بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة للوصول إلى وقف إطلاق النار مرة أخرى، وتأمين دور حزب الاتحاد الديمقراطي في مكافحة تنظيم الدولة.

وأضافت: كسب تركيا في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية أمر مهم جدًا، ولكن ستضيع الكثير من المكاسب إذا تم الإضرار بحزب الاتحاد الديمقراطي أو تمت خسارته.

يوافق «هنري باركي» على ذلك قائلًا: إن الولايات المتحدة لا تمانع بشأن عملية تركية في شمال العراق. ولكن إذا ضربت تركيا أيضًا حزب الاتحاد الديمقراطي؛ ستسير الأمور خارج القضبان. ويضيف: إذا كان هناك خطًا أحمر للولايات المتحدة؛ فإنه حزب الاتحاد.

وأخيرًا، هناك فرصة جيدة لنشوء دولة كردية مستقلة في العراق وسوريا في السنوات القليلة المقبلة. وقد قاومت أنقرة وواشنطن لسنوات فكرة دولة كردستان المستقلة. ولكن إذا لم يمرر الاستقلال الكردي، فإنه لن يكون من مصلحة تركيا أو الولايات المتحدة تمريضه من خلال قتل المزيد من الأكراد.