رأى الكاتب بصحيفة الجارديان البريطانية «جورج مونبيوت» أن اللهجة المثيرة للجدل التي يتبناها مرشح الحزب الجمهوري بالانتخابات الرئاسية الأمريكية «دونالد ترامب» بما تحويه من عنصرية وكُره للأجانب والنساء ورفض للمسارات الديمقراطية، ليست بالأشياء الجديدة في الثقافة السياسية حول العالم!وأوضح مونبيوت أن ترامب يُعتبر بالنسبة للكثيرين شخصًا مثيرًا للاشمئزاز، ليس لأنه يسئ للقيم الأساسية للحضارة بل لأنه يجسد تلك القيم، بل ويجسد صفات وسائل الإعلام والمؤسسات العالمية التي ينتقدها، تلك العوالم التي صنعت شخصيته بالأساس.فتضخيم الذات والغرور لدى ترامب يتناغم من الروايات التي تغلب على ثقافاتنا. فعلى سبيل المثال، البرنامج التليفزيوني الذي قدّمه ترامب «ذا أبرينتيس» على قناة إن بي سي، يحكي لنا أشياء لا تمثله هو شخصيًا كقصة الشخص الذي جاء من القاع إلى القمة من خلال مهارته وعمله الدؤوب.وعزى مونبيوت اختلاف سياسات ترامب عن بقية أعضاء الحزب الجمهوري الحديث، كونه أكثر تحررًا في العديد من النواحي. فكل خطيئة لنواب الحزب الجمهوري كـ«تيد كروز» و«سكوت ووكر» بالنسبة لترامب فضيلة، وكل فضيلة بالنسبة له خطيئة!كما أن الجمهوريين (الذين يمثلهم ترامب) متترسين بالإعلام، يشنون هجومًا كبيرًا على قيم كالتعاطف والإيثار تجاه الآخرين. وعلى الرغم من وجوههم التي ترتسم عليها ملامح المرح والسعادة، فإنهم يدمرون بحديثهم كل الضمانات السياسية والمعايير الديمقراطية فضلًا عن ما يمارسونه من قهر على كل ما هو وافر بالطبيعة البشرية ومتعاون معها، وعليه؛ فجميع ما سبق حول الحزب إلى لعبة (مورتال كومبات) الشهيرة كما وصفها موقع بريت بارت نيوز.


والسؤال هنا: هل ترامب هو الذي اخترع مصطلحات مثل «كراهية الأجانب» و«العنصرية» وهي المصطلحات التي تسيطر على خطابه الانتخابي؟ هل هو أيضًا من اخترع نظريات المؤامرة حول سرقة الانتخابات وتجريم معارضيه السياسيين؟الإجابة: لا، فتلك الأشياء كانت موجودة على الدوام، لكن الشيء الجديد والمختلف لترامب هو أنه قام بتبسيط ذلك الخطاب وتحويله إلى ديماجوجية خبيثة، والفرصة التي ظلت تتشكل طيلة سنوات، كانت تستلزم شخصًا فظًا وعديم الضمير لاستغلالها.
المشكلة لا تكمن كما يزعم ترامب في احتمالية سرقة الانتخابات عن طريق التلاعب بالأصوات، لكنها تكمن في أن العملية الانتخابية بأكملها تتعرض للسرقة من الأمريكيين أنفسهم قبل أن يدلوا بأصواتهم بصناديق الاقتراع!

لا يمكن أيضًا تمييز ترامب عن بقية أعضاء الحزب الجمهوري البارزين فيما يتعلق بتجاهلهم وسخريتهم من القضايا الرئيسية في عصرنا هذا مثل التغير المناخي، فجميع الجمهوريين لم تتفتق أذهانهم لمثل تلك الأمور.في حقيقة الأمر وعلى مدار 4 مناظرات رئاسية بين ترامب وكلينتون، لم يتم طرح سؤال واحد حول التغير المناخي. وحتى عندما يوافق الصحفيون والساسة على التطرق لمسائل علمية كهذه، فلا يختلف الأمر كثيرًا إذا تجنبوا الحديث عن موضوعات مثل الطاعون.لقد تخيل الرئيس الرابع للولايات المتحدة جيمس ماديسون أن دستور البلاد هو توضيح لحالة التنافس بين الفصائل السياسية، ففي المقال الفيدرالي العاشر لماديسون والذي ألفه عام 1787م، افترض أن الجمهوريات الكبرى تكون بعيدة عن الفساد بشكل أكبر من الديمقراطيات الصغيرة أو المحصنة، حيث إن العدد الأكبر للمواطنين سيُصعِب على المرشحين أن يمارسوا فنونهم الشرسة بنجاح.من الممكن أن تسعى مجموعة كبيرة من الناخبين لحماية النظام من جماعات المصالح القمعية، ومن المرجح أن تكون السياسات الممارسة على نطاق واسع هي السبيل لاختيار أشخاص يتصفون بوجهات نظر مستنيرة وأخلاق حميدة.لكن الولايات المتحدة، شأنها شأن العديد من الدول الأخرى، تعاني في الوقت الحالي من الشئ الأسوأ: وهو أن مجموعة كبيرة من الناخبين يسيطر عليها فصيل صغير.لذا وبدلًا من أن تحكم الجمهوريات رغبات خفية لأغلبية ظالمة، كما كان يخشى ماديسون، فإنها تدين بالفضل للرغبات الواضحة لأغلبية ظالمة أيضًا. لكن ما لم يستطع ماديسون توقعه هو المدى الذي تستطيع من خلاله الحملات الانتخابية الممولة حشد التأييد المتزايد والهيمنة على دولة بأكملها، بغض النظر عن حجمها.

نعم، ترامب شخص كاذب وضحل وخطير للغاية، لكن هذه السمات تؤكد أنه ليس بغريب على هذا العالم بل هو نموذج مثالي لطائفته، تلك الطائفة التي تدير الاقتصاد العالمي وتحكم سياساتنا

إن الديمقراطية داخل الولايات المتحدة يفسدها المال. يمكنك تنحية الساسة الفاسدين عن مناصبهم، لكن ما الذي يمكنك فعله حيال حياة سياسية فاسدة؟ المشكلة لا تكمن كما يزعم ترامب في احتمالية سرقة الانتخابات عن طريق التلاعب بالأصوات، لكنها تكمن في أن العملية الانتخابية بأكملها تتعرض للسرقة من الأمريكيين أنفسهم قبل أن يدلوا بأصواتهم بصناديق الاقتراع.إن الدستور السياسي للولايات المتحدة، لم يكن كما تخيله ماديسون معبرًا عن المنافسة بين الفصائل. الدستور الحقيقي يشير إلى أن جميع الأشياء التي تعوق السلطة المطلقة للمال هو الكشف في بعض الأحيان عن ثروات الأغنياء. وما يميز الحياة السياسية لترامب هو أن فضائحه لم تتسبب مؤخرا في أي ضرر له.إننا نرفض سماع ما يطرحه ترامب من موضوعات بشكل صريح لكننا ندرك في الوقت نفسه أن تلك الموضوعات تطغى على الأسلوب الذي يُدار به العالم، ولأن القصة لن تبدأ بترامب، فلن تنتهي عنده، على الرغم من أنه قد يخسر الانتخابات بشكل سئ. نعم، ترامب شخص كاذب وضحل وخطير للغاية، لكن تلك السمات تؤكد أنه ليس بغريب على ذلك العالم بل هو نموذج مثالي لطائفته، تلك الطائفة التي تدير الاقتصاد العالمي وتحكم سياساتنا.