أثار إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء يوم الإثنين 24 ديسمبر/ كانون الأول، بإجراء انتخابات عامة مبكرة من المقرر لها شهر أبريل/ نيسان المقبل، الكثير من ردود الفعل المتباينة في الداخل الإسرائيلي، لاسيما أنها جاءت في توقيت حسّاس تتعالى فيه التكهنات بإمكانية شن حرب ضد غزة، وكذلك التوقعات حول إعلان تفاصيل ما بات يعرف إعلاميًا بصفقة القرن.كان لافتًا أن تناولت الصحف الإسرائيلية الأسباب الكامنة وراء إعلان نتنياهو المثير للجدل، والتي كانت أسبابًا كثيرة تنوعت بين من اعتبرها أسبابًا داخلية تتعلق بوضع نتنياهو القانوني واتهامه بقضايا فساد وضعف ائتلافه الحاكم، وأسباب خارجية تتعلق بعدة تطورات وعلى رأسها غزة.مع ذلك، فإن السؤال الأكثر حساسية وإثارة للجدل بالداخل الإسرائيلي، كان هو هل كانت غزة هي سبب الإعلان عن هذه الانتخابات؟ وإذا كانت هي السبب فما هي الدوافع وراء ذلك؟ وهل من الممكن أن تصبح غزة هي ضحية هذه الانتخابات أيضًا؟وقد حاولت بعض الكتابات الإسرائيلية الإجابة – على استحياء – على هذه التساؤلات، وذلك على النحو التالي.


غزة بين السبب والضحية

تحدث تقرير لصحيفة هآرتس، يوم 25 ديسمبر/ كانون الأول، للكاتب الإسرائيلي عاموس هرئيل، عن واقع أمني متغير اتسم بالفشل لاسيما حيال غزة، أدى بنتنياهو إلى إعلان الانتخابات المبكرة، خاصة في ظل احتفاظ نتنياهو بحقيبة وزارة الدفاع بعد استقالة أفيجدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا، وهذا الوضع الأمني تم استغلاله ليس كذريعة مؤقتة لإعلان الانتخابات لكن أيضًا للهروب من أزمات داخلية يواجهها نتنياهو وائتلافه الحاكم.وأضاف الكاتب الإسرائيلي أن الوضع في غزة وكذلك على الحدود مع لبنان التي تشهد حملة عسكرية إسرائيلية لتدمير الإنفاق بينها وبين إسرائيل، قد يدفع بنتنياهو وحكومته إلى نشر تقارير أمنية مضللة كنوع من أنواع الدعاية المبكرة للانتخابات، وأنه على الشعب الإسرائيلي عدم الثقة في هذه التقارير خلال الأشهر القليلة المقبلة. مع ذلك، لمح الكاتب إلى إمكانية أن تؤدي الانتخابات المبكرة إلى نتيجة التصعيد ضد غزة، فنتنياهو الذي تولى حقيبة الدفاع – وأخذها من غريمه أفيجدور ليبرمان – أصبح يتاجر بصورته وهو يرتدي أفارولًا عسكريًا وسط الجنود والدبابات، فتحقيق نجاح أمني سيكون هو القشة الذي ستنقذه أمام حزب إسرائيل بيتنا الذي بإمكانه تحقيق انتصار انتخابي، وتحقيق نسبة الحسم المطلوبة لتشكيل الحكومة.وأضاف الكاتب الإسرائيلي أنه في حال تحقيق أي فشل أمني أو عسكري ضد غزة، فإن ذلك يعني نهاية لعصر نتنياهو السياسي، فالمسؤولية ستكون عليه هو فقط، لذلك فان نتنياهو سيحاول الابتعاد عن أي مغامرة عسكرية وسيكون حذرًا جدًا تجاه اتخاذ أي إجراءات قد تؤدي للحرب مع غزة، فالدرس الذي تعلمه نتنياهو من عملية عامود السحاب ضد غزة عام 2012 كان قاسيًا جدًا ومن الصعب أن يكرره. أما الكاتبة الإسرائيلية شيريت افيتان كوهين، فقد اعتبرت في مقالها بصحيفة ماكور ريشون يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول، أن الانتخابات كانت قنبلة فجرها نتنياهو بوجه أعضاء حكومته والقوى المعارضة كذلك، قبل أن يفجروا في وجهه أحداث غزة التي تورط بها نتنياهو. واعتبرت الكاتبة الإسرائيلية، أن غزة ستكون هي الحدث الأكبر في انتخابات أبريل/ نيسان 2019 ، ذلك على الرغم من حرص نتنياهو على عدم الدخول في معارك خاسرة، فإنه من الممكن أن يوعز لرئيس أركانه بتسخين الجبهة مع غزة للحصول على مكاسب سياسية تكون كافية لإخراس أصوات المعارضة التي تتهمه بالفشل في غزة. متوقعة أنه في حال فوزه بالانتخابات فإنه سيقوم بتشكيل ائتلافه الحكومي بنفس أعضاء الائتلاف الحالي تقريبًا مع بعض التغييرات القليلة.


مستنقع غزة

تحدث تقرير لصحيفة معاريف يوم 25 ديسمبر/ كانون الأول عن إمكانية إقحام هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في المعركة الانتخابية عن طريق استغلال الأوضاع الأمنية الحساسة في قطاع غزة، كاشفًا عن أنه خلال الاجتماع الأخير للمجلس الأمني الوزاري الإسرائيلي المصغر الذي ناقش تزايد الهجمات الصاروخية من قطاع غزة، مؤخرا، والتي وصلت إلى 500 صاروخ، فقد عرض رئيس هيئة الأركان جادي إيزنكوت صورة الوضع أمام الوزراء متوقعًا حدوث مواجهة عسكرية قريبة مع غزة.ومع ذلك فإن التسريبات التي خرجت من الاجتماع تقول، إنه كان هناك توافق في الآراء حول التوجه إلى الجانب المصري لإقناع حماس بوقف هذه الهجمات الصاروخية من القطاع، ومع ذلك فإن معظم المشاركين في الاجتماع كانت لديهم مخاوف من الاحتجاجات الشعبية على هذه الهجمات، وهو ما دفعهم إلى الحفاظ على مصالحهم السياسية وعدم التوصية باتخاذ أي إجراء عسكري ضد القطاع في الوقت الراهن. وأضاف التقرير أن الدعوة لانتخابات مبكرة في هذا التوقيت كانت بمثابة حل مفروض قسريًا على نتنياهو للخلاص من ذلك المستنقع الذي وضعته فيه غزة والذي أدى لتزايد حدة تبادل الاتهامات بين أعضاء حكومته، بل واستقالة وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيجدور ليبرمان من منصبه، الذي أعلن أن استقالته كانت بسبب السلوكيات العسكرية ضد غزة لكنها في حقيقة الأمر كانت ذات خلفية سياسية تهدف إلى توريط نتنياهو أكثر وأكثر في مستنقع غزة، لاسيما وأن استطلاعات الرأي كلها أكدت أن تراجع شعبية السياسيين الإسرائيليين، مؤخرًا، كانت بسبب الإخفاقات في غزة. كما أكد التقرير أن استقالة ليبرمان إضافة إلى انتقادات الوزير نفتالي بينيت لسلوك إسرائيل تجاه غزة، كلها أمور سترسم الجدول اليومي للانتخابات المبكرة القادمة والتي من المؤكد أنها ستكون على خلفية أمنية وعنوانها الكبير هو غزة، وهو ما يعني أن الجيش أيضًا سيدخل في هذه اللعبة السياسية، فالأمن في جنوب إسرائيل سيكون الموضوع الأكبر الذي سيثيره كل المرشحين في الانتخابات القادمة. والكل سيتحدث عن مدى قدرة الجيش لتحقيق الردع ضد غزة. كما شدد التقرير على أن المعركة الانتخابية القادمة ستكون ساخنة جدًا، وأنه سيكون بمعتركها إمكانية تفعيل القوة العسكرية ضد غزة، وأنه من المؤكد أن رئيس الأركان الحالي بات يعد أيامه الباقية له للبقاء في منصبه.