الكثير على المحك في انتخابات التجديد النصفي الأمريكية. جميع مقاعد مجلس النواب، 435 مقعدًا، و35 مقعدًا من مجلس الشيوخ، من أصل 100 مقعد، وحكام 36 ولاية من أصل 50 ولاية، كل هؤلاء يوضعون مرة أخرى تحت رحمة صناديق الاقتراع وتوجهات الناخبين المتغيرة، وبالطبع يدفعون ثمن أخطاء الرئيس والإدارة الحاكمة.

في الانتخابات المرتقبة التي ينتظرها العالم في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 يسعى الديموقراطيون للحفاظ على ما في أيديهم، بينما الجمهوريون يتوقعون أن تميل الكفة لصالحهم. في سعي كل طرف لما يريد وصلت الانتخابات المرتقبة لأن تصبح أكثر الانتخابات إنفاقًا على الإطلاق في التاريخ الأمريكي.

 إجمالي الإنفاق في انتخابات التجديد عام 2018 بلغ 3 مليارات دولار، بينما وصل حجم الإنفاق الإجمالي من الحزبين في الانتخابات القادمة 9.7 مليار دولار. ويُعتبر السباق لمقعد مجلس الشيوخ في ولاية جورجينا أغلى مقعد على الإطلاق بـ 276 مليون دولار منفردًا. في هذه الولاية تحديدًا يتنافس الجمهوري نجم كرة القدم الأمريكية، هيرشيل ووكر، ذو الشعبية الطاغية، مع سيناتور ديموقراطي، رافاييل وارنوك.

حاليًّا يسيطر الديموقراطيون على الكونجرس بأغلبية بسيطة لا تتجاوز 9 مقاعد، بينما يقتسمون مجلس النواب مناصفة مع الجمهوريين. أما في الولايات فالجمهوريون يحكمون 28 ولاية، بينما يسطير الديموقراطيون على 22 ولاية. تميل استطلاعات الرأي ناحية تقدم الجمهوريين. خصوصًا في مجلس النواب والولايات، بينما تتذبذب الآراء قليلًا حين يتعلق الأمر بالكونجرس.

لكن ما يتفق عليه الكل أن تلك الانتخابات مفصلية، خاصة في ظل حالة الانقسام العميق التي تعصف بالمجتمع الأمريكي. لذلك أيضًا تتوقع استطلاعات الرأي أن نسبة الإقبال عليها ستكون مرتفعة بصورة ملحوظة، وأن الانقسام بات أعمق، وجيش المراقبين ومنكري النتائج يتربص.

جيش الجمهوريين يتربص

تظهر التحليلات أن الاتجاه المؤمن بأن انتخابات الرئاسة عام 2020 تم تزويرها لصالح جو بايدن يزداد قوة. وأصبح هو الاتجاه السائد داخل الحزب الجمهوري. ويعتقد بذلك قرابة 300 مرشح جمهوري في مختلف الولايات الأمريكية. منهم قرابة 200 مرشح يتنافسون على مقاعد محسومة بالنسبة لهم. ويوجد قرابة 230 مرشحًا جمهوريًّا آخرين رافضين لنتيجة انتخابات 2020 من الأساس. إضافة إلى أنه يوجد بالفعل في مجلس النواب 139 عضوًا جمهوريًّا، رفضوا التصديق على فوز بايدن في الانتخابات السابقة.

بجانب أن انتخابات التجديد النصفي يُتوقع أن تضيف قرابة 40 عضوًا رافضًا لنتائج الانتخابات التي أتت ببايدن رئيسًا. فإن المخاوف الحقيقية من نتائج الانتخابات الراهنة هو تأثيرها على الانتخابات التي ستجري عام 2024. فإذا كانت الانتخابات الحالية ستضع أغلبية جمهورية في مجلس النواب، وعلى رأس العديد من الولايات، وتزيد من عددهم في الكونجرس، فإن الولايات المتحددة مهددة بأزمة دستورية عميقة إذا رفض الجمهوريون الاعتراف بنتائج عام 2024 إذا أتت على غير هواهم، وسط اعتقادهم الراسخ بأن الانتخابات يتم تزويرها لصالح الجمهوريين.

خصوصًا أن 49% من الناخبين الديموقراطيين يرون ضرورة أن يعترف مرشحهم بالهزيمة حال خرجت النتائج بذلك. بينما يرى 30% من الجمهوريين ذلك، ويرى الآخرون أنهم سيدعمون مرشحهم إذا لم يعترف بهزيمته وطعن في نتائج الانتخاباب. كما يعمل نشطاء يمينيون على حشد جيش من المراقبين لانتخابات التجديد المقبلة. ودعا العديد من نشطاء اليمين أنصارهم للتسجيل للمشاركة في مراقبة وتنظيم العملية الانتخابية، ووصفوا الأمر أحيانًا بأنه قد يكون هناك دعوة لحمل السلاح لاحقًا.

هذا الحشد قد يشكل ضغطًا وترهيبًا للناخبين من الأصل. كما قد تشهد الولايات المتحدة عددًا هائلًا من الطعون الانتخابية، خصوصًا في كل الدوائر التي سيفوز فيها ديموقراطي على جمهوري. المحامية كيلتا ميتشيل صديقة ترامب، وستيف بانون مستشار ترامب، أكدا أنه تم تدريب قرابة 20 ألف مواطن للعمل كمراقبين للانتخابات، خصوصًا في الولايات التي يتوقع أن تكون فيها معارك انتخابية. الجمهوريون يرون أن الديموقراطيين دائمًا ما سيطروا على فرز الأصوات دون أي إشراف من اليمين.

تعتبر تلك من النقاط التي تقع على رأس أولويات الحزبين. فكلاهما يرى أن النظام الانتخابي الأمريكي فيه بعض المشاكل. الديموقراطيون يقولون بضرورة إصلاح النظام لتسهيل التصويت، بينما ينادي الجمهوريون بالإصلاح للحيلولة دون حدوث تزوير. لذا نجد مصطلح ضمان نزاهة الانتخابات أصبح من ضمن القضايا الانتخابية بجانب الاقتصاد والهجرة والإجهاض.

شبح العزل والفيتو

قبل الوصول إلى انتخابات 2024 فإن سيطرة الجمهوريين على النواب يشكل خطرًا في ذاته. فمن صلاحيات مجلس النواب البدء في إجراءات عزل الرئيس. ولا ينسى الجمهوريون أن رئيسهم، دونالد ترامب، تم التصويت على عزله مرتين خلال فترة حكمه. والحالة الصحية لبايدن توفر فرصة ذهبية لقرار العزل، فالرجل دائم إصدار تصريحات غريبة وغير متناسبة مع سياقات الخطابات.

وإذا سلمنا أن العزل لن يحدث، إذ يستدعي موافقة ثلثي أعضاء الكونجرس، وهي النسبة المستبعد حصول الجمهوريين عليها في الكونجرس، فإن تلك الفوضى التي سيخلفها الجمهوريون ستعيق قدرة الإدارة الأمريكية على الحكم. سواء داخليًّا في ظل سيطرة الجمهوريين على الولايات، أو خارجيًّا لأن الإدارة ستكون مشغولة بمشاكلها الداخلية. ومن أبرز المشاكل المتوقع حدوثها أن يعتمد بايدن على حق النقض، الفيتو، لمنع الجمهوريين من تمرير أية قوانين تخالف توجهاته. كما أن سيطرة الجمهوريين على الجهات التشريعية سوف تعيق الرجل من تنفيذ أجندته لباقي مدته الرئاسية.

حظوظ الجمهوريين التي ترتفع يومًا بعد الآخر تأتي من سوء أداء إدارة بايدن. فاستطلاعات الرأي تقول إن الاقتصاد والتضخم هما الكلمتان اللتان تشغلان الناخب، وأكثر ما يسأل عنه الناخبون مرشحيهم. ويقول 59% من الناخبين إن الاقتصاد فقط هو من سيحدد المرشح الذي سيختارونه. ويرى 75% من الأمريكيين أن الاقتصاد ليس جيدًا، أو سيئًا في بعض الاستطلاعات الأخرى. لكن 25% فقط من يرون الاقتصاد الأمريكي جيدًا حاليًّا، أو ممتازًا في استطلاعات أخرى.

واللافت أن الجمهوريين يتقدمون على الديموقراطيين بـ 17 نقطة حين يتعلق الأمر بثقة الناخب في قدرتهم على التعامل مع الأزمة الاقتصادية. ويتقدمون بـ 18 نقطة في ثقة الناخب في أنهم الأجدر بالتعامل مع التضخم المتصاعد. وتُظهر استطلاعات الرأي أيضًا أن الجمهوريين يتفوقون بـ 22 نقطة في مجال التعامل مع الجريمة. كما يتفوقون في التعامل مع تغيُّر المناخ بـ 21 نقطة، وهو الأمر المربك للعديد من المحللين في ظل سياسة الجمهوريين المشككة في تغير المناخ من الأصل، لكن الناخب يرى الأمر كما يراه الجمهوريون.

البطة العرجاء في الحُكم

بعيدًا عن الإحصاءات السابقة، فإن انتخابات التجديد النصفي في العرف الأمريكي هي استفتاء شعبي حول رضا الشعب عن الحزب الحاكم. التاريخ لصالح الحزب الديموقراطي، فنادرًا ما خسر الديموقراطيون انتخابات التجديد النصفي. لكن الواقع يقول إن الحزب الديموقراطي ربما يكون في طريقه لخسارة صعبة ومهينة. بسبب ركود الاقتصاد وارتفاع التضخم وزيادة أسعار الطاقة.

ومن الأزمات الأخرى التي يواجهها الديموقراطيون إلغاء حق الإجهاض. الولايات المتحدة تعمل بهذا الحق منذ عام 1973. لكن المحكمة العليا قررت إلغاء الحق، وأعطت الولايات السلطة لتحديد ما يناسب كل ولاية. لكن لأن أغلبية المحكمة العليا من المحافظين، فإن النساء قد يملن للتصويت ضد الجمهوريين . بينما يرى الآخرون أن القرار صدر في ظل إدارة ديموقراطية فيجب التصويت ضدها هي.

لم يحسم الرئيس الأمريكي موقفه من الترشح لولاية ثانية قادمة. لكن إذا أتت انتخابات التجديد النصفي لصالح الجمهوريين فإن القرار قد حُسم ضده، وسيكون رهان الديموقراطيين على بايدن خاسرًا، وعليهم البحث عن مرشح جديد للانتخابات القادمة. خصوصًا أن بايدن شخصيًّا قد خسر أي احتمالية أن يصطف خلفه الجمهوريون بعد أن هاجمهم بقسوة في سبتمبر/ أيلول 2022.

بايدن قال إن الجمهوريين ولاؤهم محصور لترامب فقط. وإنهم يقتاتون على الفوضى. وإنهم يحاولون تقويض الديموقراطية حتى لو بالعنف. كما قال إن أنصار ترامب قد يكونون الشرارة التي ستشعل العنف السياسي في البلاد، مؤكدًا أنهم لا يحترمون الدستور الأمريكي. بالطبع يرى ترامب وأنصاره العكس هو الصحيح، وأن تلاعب الديموقراطيين بالنتائج هو السبب.

تقع الولايات المتحدة على بُعد أيام قليلة من اختيار صعب، ومن أهم انتخابات في تاريخها. انتخابات تقف فيها البلاد على مفترق طرق، وسيختار الناخبون فيها بين رؤيتين مختلفتين تمامًا لبلادهم. رؤية ستظهر تداعياتها لفترة طويلة، لكنها في أقرب تأثير ستطلق يد الإدارة الأمريكية الحالية لتنفذ أجندتها المتفق عليها مسبقًا، أو ستجعلها كالبطة العرجاء لا تعرف كيف تسير، وسيكون تحرُّكها مرهونًا بطرف صناعي يتحكم الجمهوريون في منحه أو منعه.