يخضع الشعب الفلسطيني داخل الكيان الإسرائيلي لتمييز عنصري من قبل الأغلبية اليهودية منذ اليوم الأول لقيام هذا الكيان وذلك على عكس ما ادعت الحركة الصهيونية وقادتها، وعلى عكس الأكاذيب الشائعة بأن هذا الكيان هو “الدولة الديمقراطية” الوحيدة في المنطقة. ومن المهم في ذكرى يوم الأرض (الذي يحتفل به سنويا في 31 مارس منذ عام 1976 بعد الأحداث والاعتداءات التي تمت على الشعب الفلسطيني الذي انتفض ضد ممارسات دولة الاحتلال ومصادرة الأراضي) من المهم التذكير بثلاثة حقائق فقط من الحقائق التي تحرص الحركة الصهيونية على إخفائها لأنها تفضح حقيقتها العنصرية والكولونيالية، وتمثل جذور ما يعانيه العرب من تمييز واجحاف.


إنكار وجود العرب

لم تعترف الحركة الصهيونية بوجود العرب في فلسطين كأمة أو كشعب، كما أن الدولة لم تنشأ كدولة لكل المقيمين في فلسطين، وإنما كدولة لليهود أينما كانوا. ولهذا فالعرب غير متساوين في المواطنة مع اليهود، ومن هنا فمن الطبيعي ألا يتساووا في مجال التمتع بالحقوق في كافة مجالات الحياة، وأن يخضعوا لكل صنوف التمييز والإجحاف. لقد تحول أصحاب البلاد الشرعيون إلى أقلية تتحكم فيها أقلية الأمس على نحو عنصري بغيض وعدائي سافر، وتحولوا من الشعب العربي في فلسطين إلى طائفة “السكان من غير اليهود”.

وفي الوقت الذي كانت فيه الجماعات اليهودية أقلية في فلسطين، لجأت الحركة الصهيونية إلى التقنيع كأداة لتحقيق مطامعها في توسيع الاستيطان اليهودي في فلسطين، واستقطاب الرأي العام الدولي وخاصة في بريطانيا، وذلك عن طريق رفع شعارات: “ثنائية القومية”، و”عدم السيطرة على الآخرين”، و”المساواة”.

ومع زيادة أعداد المستوطنين اليهود في فلسطين رفضت الحركة الصهيونية فكرة المساواة، وادعت أن “اليهود هم المجموعة الوحيدة التي يمكن اعتبارها مجموعة قومية في فلسطين، ولها حقوق تاريخية كاملة على “أرض إسرائيل”، وليس هناك أي عرق أو أمة أخرى- كوحدة واحدة- ترى في هذا البلد موطنها”، وذلك كما أوضح (بن غوريون) أمام لجنة (بيل) الملكية عام 1937.

وعند قيام حرب 1948، انتهت قيادة الحركة الصهيونية إلى أن مشكلة عرب فلسطين حُلت بترك هؤلاء مساكنهم، فصارت دولة “إسرائيل” الوليدة دولة متجانسة السكان تقريبًا كما رأت الحركة.

ثم أعلنت “وثيقة إعلان دولة إسرائيل” إنشاء دولة “إسرائيل” لـ “شعب إسرائيل”، التي ستكون “مفتوحة أمام هجرة يهود العالم”، والتي ستضمن “المساواة التامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع مواطنيها دون التمييز بينهم بسبب المعتقد أو العرق أو الجنس”. ودعت الوثيقة العرب إلى القيام “بدورهم في تطوير الدولة على أساس المساواة التامة في المواطنة، والتمثيل العادل في كافة أجهزة الدولة”.

وعلى الرغم من هذا، وإلى جانب أن هذه الوثيقة بجملتها ليس لها أي وزن قانوني ملزم، فإن هناك تناقضًا بين إعلان الدولة كدولة لكل يهود العالم وبين الإعلان عن المساواة التامة بين جميع مواطنيها في كافة الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.


التمييز بقوانين عنصرية

بعد الكثير من المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية قبل قيام الكيان الإسرائيلي وتشريد الآلاف وإبادة أكثر من 500 قرية، استأنف قادة الكيان بعد حرب 1948/1949 عملية التشريد الجماعي للشعب الفلسطيني وتجريده من كافة حقوقه وممتلكاته، وذلك من خلال استخدام التشريعات القانونية التي درجت مؤسسات الدولة على إصدارها منذ العام 1950 وحتى اليوم، حيث تؤمّن كافة هذه التشريعات للمواطنين اليهود حقوقًا وامتيازات يُحرم منها المواطنون الذين تصنفهم الدولة على أنهم غير يهود.

وكان على رأس هذه التشريعات قانونا العودة والجنسية، وهما قانونان ليس لهما مثيل في أي مكان في العالم. فالقانون الأول ترجم وعدًا إلهيًا (هو الوعد الذي يزعم أن الله وعد اليهود “أرض إسرائيل”)، في صورة نص قانوني يقول: “لكل يهودي الحق في القدوم إلى البلاد” فيميّز على أساس الدين بين اليهود وغير اليهود الراغبين في الهجرة إلى “إسرائيل”.

أما القانون الثاني فيمنح جنسية الدولة الوليدة آليًا لكل يهودي يصل إلى “إسرائيل” أو حتى قبل وصوله إليها، وذلك بمجرد تعبيره عن الرغبة في الحصول على تلك الجنسية، ومن دون التنازل عن الجنسية التي يحملها، فيميّز بذلك بين اليهود (القادمين من أعراق وجنسيات مختلفة) وبين من تبقى من عرب فلسطين. حيث صار على كل غير يهودي يرغب في الحصول على الجنسية أن تتوفر فيه شروط التجنس الستة مجتمعة.

وقد طُبق هذان القانونان بأثر رجعى، حيث أضحى كل اليهود الذين هاجروا قبل عام 1948 إسرائيليين، في الوقت الذي توجّب على أصحاب البلاد الأصليين الذين لم يغادروا فلسطين بعد 1948 إثبات توفر ثلاثة شروط مجتمعة للحصول على الجنسية الإسرائيلية، وهي شروط يصعب توفرها في الواقع.

كما يحصل المولود اليهودي على الجنسية الإسرائيلية استنادًا إلى “حق العودة” وليس بناءً على ولادته ومن دون شروط، أما المولود العربي فلا يحصل على الجنسية بالمولد إذا لم يحصل والداه عليها، بالرغم من أن الولادة في “إسرائيل” إحدى طرق الحصول على الجنسية شريطة أن يكون أحد الوالدين مواطنًا إسرائيليًا.

وبشكل عام قانون الجنسية قانون عنصري ويميز على أساس الدين، ويخالف كل مبادئ الأمم المتحدة وبنود الاتفاقية الدولية لإزالة أشكال التمييز العنصري والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.


مصادرة الأراضي

كان لزامًا على الدولة التي قامت على زعم أن “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” أن تُسخّر كل الوسائل القانونية لمصادرة الأرض العربية، وطرد أصحابها منها، وتهويدها. ولتحقيق هذا الهدف سنت الدولة عددًا من القوانين من جهة، وأنشأت عدة مؤسسات وأجهزة من جهة أخرى.

ولا زالت الدولة حتى اليوم تستند إلى هذه القوانين في الأراضي التي يمتلكها العرب، حيث حدد قانون أملاك الغائبين الصادر عام1950 الغائب بأنه كل مواطن ترك مكان إقامته الاعتيادي إلى خارج فلسطين قبل أو سبتمبر 1948 أو إلى مكان آخر في فلسطين كان خاضعًا لقوات هدفها منع قيام “دولة إسرائيل” أو حاربتها بعد قيامها. وكان الهدف من ذلك تسهيل الاستيلاء على الأراضي العربية وتهويدها.

كما راحت دولة “إسرائيل” تطبق قوانين الطوارئ التي وضعتها سلطة الانتداب البريطاني عام1945، بشكل أعنف على العرب فقط، وفرضت بموجبها الحكم العسكري عليهم، حيث صار بالإمكان توجيه أية تهمة لعربي بحجة أمن الدولة، بل وتعذيبه وانتزاع أسباب الإدانة بالقوة والتعذيب.

وترتيبًا على ما شرعه قانونا العودة والجنسية، خضع العرب في “إسرائيل” لكل صنوف التمييز العنصري في كافة أوجه الحياة من سياسية واجتماعية واقتصادية وتعليمية وثقافية، وغيرها. ولهذا حديث آخر.