أخيرًا تحققت المُستحيلة الرابعة، أخيرًا انتهت اللعنة وأخيرًا صعد مُنتخب مصر إلى كأس العالم في روسيا صيف 2018 بعد غياب 28 عامًا وبعد الفوز على الكونغو بهدفين مُقابل هدف في ملحمة استاد برج العرب التي كان بطلها وكما كان مُتوقعا محمد صلاح الذي أحرز هدفين وحمل المُنتخب إلى روسيا. كأس العالم التي اعتدناها دون مصر كان أقصى أحلام الشاب المصري خصوصًا مواليد الثمانينات والتسعينات، الشيء الوحيد تقريبًا الذي كان يتفق جميع المصريين عليه هو الرغبة في الوصول للمونديال.

تأهلت مصر إلى كأس العالم وتمتلك فرصة ذهبية لتكرار الوصول لامتلاكها لاعبين ليسوا فقط موهوبين ولكن يمتلكون الشخصية المُناسبة بسبب وجودهم في أعلى مستوى من الكرة الأوروبية وتدربهم مع لاعبين ومدربين من الفئة الأولى، ولكن يجب الإعداد جيدًا حتى لا يكون التأهل مُجرد مُسكن يُعاني الجميع بعده فترة طويلة حتى يأتي وقت ليشاهد المصريون هدفًا صلاح في الكونغو وينتظروا أن تتكرر اللحظة مرة أُخرى.


قبل اللقاء: الكُل يُريد مصر

اليوم الذي يسبق اللقاء أوغندا مُنافس مصر المُباشر على بطاقة التأهل تستضيف غانا وسط دعوات كل الشعب الأوغندي بفوز يُطالب مصر بالفوز في المُباراتين المُتبقيتين ويصعب المُهمة خاصًة أمام غانا في كوماسي والجميع يعلم ذكريات لاعبي المُنتخب هُناك. تبدأ المُباراة وكلما مر الوقت يظهر أكثر وأكثر ضعف إمكانيات لاعبي أوغندا وعجزهم عن تهديد مرمى النجوم السمراء، كذلك لعب الغانيون على الفوز الذي قد يُحيي ولو بصيص أمل لو لم تفز مصر أمام الكونغو ولكن الطاقم التحكيمي للمُباراة أراد صعود مصر بكُل الطرق المُمكنة، فالمساعد الأول يلغي هدفًا غانيًا صحيحًا الشوط الأول، يفعل مثله تمامًا المُساعد الثاني في الشوط الثاني، فلم يقف حكم المُباراة مكتوف الأيدي وقام بالتغاضي عن ركلة جزاء واضحة لغانا!

كل شيء أراد انتهاء المُباراة بالتعادل لتُصبح مصر أمام مُباراة لم يشدها الشارع المصري مُنذ 1989، أمامكم مُباراة وهدفكم الفوز بأي نتيجة حتى ولو بنصف هدف، الفوز = التأهل للمونديال فنحُن لا نحتاج للفوز بـ102 هدف على الجزائر في الجزائر وأن تخسر السنغال في داكار ولا نحتاج أن نفوز على الجزائر بفارق هدفين حتى نلعب مُباراة فاصلة، ولا أن نعوض فارق خمسة أهداف أمام غانا، فقط الفوز في مُباراة أمام خصم أقل من المتوسط على ملعبكم ووسط جماهيركم لتصنعوا شيئًا يشتهيه الجميع لمُدة أكثر من رُبع قرن. كُل تلك الظروف جعلت الجميع يقولها بقلبه أولًا « مبروك مصر في روسيا 2018 ».


اللقاء: كوبر ينتصر على مصر

هيكتور كوبر، وهاني أبوريدة رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم
هيكتور كوبر (يمين) وهاني أبوريدة رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم

كوبر المعروف بسوء حظه في اللقطة النهائية في مُعظم محطات مسيرته كمُدرب يقود مُنتخبا لا يعرف سوى الحظ السيئ في تصفيات كأس العالم، تعويذة ما أراد تنفيذها من أحضر كوبر ليُدرب مُنتخب مصر وبالفعل نجحت. الغريب أن كوبر طالما أخطأ في قرارات فنية تخص اختيارات اللاعبين وطريقة اللعب بشهادة جميع خُبراء اللعبة في مصر، والأغرب أنه كان ينجح دائمًا وكأن تواجد كوبر في مصر أزال اللعنة عنه وعنها بطريقة ما غير مفهومة. كُل شيء كان لا يُريد أن يكون منطقيا حتى النتيجة النهائية وهي صعود مصر بهذا الشكل والسيناريو لكأس العالم.

بدأ كوبر اللقاء بـ4-2-3-1 تقليدية بوجود الحضري لسبب ما غير معروف في حراسة المرمى أمامه أحمد حجازي ورامي ربيعة قلبي دفاع وأحمد فتحي ومحمد عبد الشافي ظهيري جنب يتقدمهم النني وطارق حامد أمامهم صالح جُمعة كصانع ألعاب وعلى الأجنحة محمد صلاح ورمضان صُبحى وكوكا مُهاجم وحيد.

ملعب بُرج العرب كان يمتلئ عن بكرة أبيه من الآلاف كذلك كُل شوارع المحروسة كانت تعُج بمن ضربتهم الحياة ولم تترك لهم يومًا لالتقاط أنفاسهم، كُل شيء كان يوحي لهؤلاء المُهمشين أن هذا اليوم قد حان، لحظة إنه اليوم ولذلك لم يتوانوا ولو لحظة عن التشجيع والهتاف لتحقيق ولو انتصار واحد في تلك الحياة البائسة، ولكن الأكثر بؤسًا هو البرود الذي ظهر عليه مُعظم لاعبي المُنتخب، الشيء الذي أدهش كُل المُتابعين، وكأن مصر صعدت بالفعل أو ودعت التصفيات.

حالة الفتور التي كان يلعب بها لاعبو مصر خصوصًا والكُرة بحوزة الكونغو كانت مُلفتة للنظر حتى للاعبي الكونغو نفسهم الذين كانوا متوترين في بداية المُباراة، ولكن فقط وبعد مرور 20 دقيقة أصبحوا يلعبون بثقة ويهددون الحضري.

الأزمة الفنية لمصر مع كوبر تتلخص في الانفصال التام بين عناصر المُنتخب، تشعًر أن كُل لاعب يلعب بمُفرده وذلك يجعل اللاعبين في مستوى سيئ فرديًا ويُظهر المُنتخب في شكل يوحي بالعشوائية. الفريق كان يفتقد للاعبي وسط أفضل من النني وطارق حامد أو على الأقل للنُسخة الأفضل منهما، فحامد حاول بكُل الطُرق التمرير بشكل خاطئ ونجح، والنني كان كما اعتاد واعتدنا منه تائهًا بلا أدوار، وسط ملعب كان يلعب فقط والكرة معه دون أن يبذل أدنى مجهود لاستراجعها من الخصم !

لاعبو الثلث الأمامي لم يكونوا أفضل من نُظرائهم في وسط الملعب فرمضان صُبحي يلعب وكأنه في مُباراة اعتزال أو ملعب خُماسي، وصالح جُمعة الذي كان تائهًا دون أدوار مُحددة، أما كوكا وصلاح فقد كانا يحاولان قدر الإمكان، بعد نهاية الشوط الأول قرر كوبر إنعاش الهجوم بلاعب مثل تريزيجيه وبالفعل دخل تريزيجيه بديلًا لصالح جُمعة ولم تمر سوى دقائق ليُخطئ مُدافع الكونغو ويجد صلاح نفسه مُنفردًا بالمرمى ليضع الكرة في الشباك، وينفجر الملعب وكالعادة يعود الفريق للخلف دون أدنى مُبرر، فلا الخصم شرس يجب تفادي خطورته، وبالفعل المُباراة قد أعطتك الفُرصة لتُريح الملايين بهدف ثان وثالث، ولكن الرعونة من ناحية وتعليمات كوبر بالتقهقر من أُخرى جعلت المصريين يعيشون أسوأ نصف ساعة من كُرة القدم مُنذ زمن بعيد، والكارثة الحقيقية هو تلقي هدف في الدقيقة 87 من مُنتخب ضعيف فعلًا، ولكنك سمحت له بفعل هذا.

دقيقة كانت كفيلة بتدمير كُل شيء واسترجاع كافة الذكريات السيئة واللعنات السابقة في تصفيات المونديال ولكن لقطة واحدة تُثبت قيمة محمد صلاح ككابتن فعلي لمُنتخب مصر، صراخ متواصل وحماس لا نهائي ورغبة وإيمان في الفوز حتى يمنحه القدر فرصة لوضع اسمه كأسطورة حية وهو في الخامسة والعشرين من عُمره ويحرز الهدف الثاني في الدقيقة 95 من ضربة جزاء لتصعد مصر بطريقة -كانت ولابد أن تكون درامية- لكأس العالم وسط سخط شديد على الأداء، ولكن الفرحة العارمة أنست الجميع كُل شيء. في وقت ما شعر الجميع بأن كأس العالم هي التي يتريد تأهلنا، هي التي أتت إلينا.


محمد صلاح

محمد صلاح نجم منتخب مصر الوطني ولاعب ليفربول الإنجليزي

لا شيء يصف ما فعله ولا شيء يوفيه حقه، اللاعب الشاب الذي أصبح أسطورة لأمة تتعدى 100 مليون إنسان قرر يحمل أحلامهم على كتفيه ويطير بها إلى روسيا، مصر سجلت 7 أهداف في تصفيات كأس العالم، 5 وضعها صلاح بنفسه و2 صنعهما لزملائه، شخصية تستحق أن تُصبح مثلًا لكُل شاب عربي طموح وليس فقط لاعب كُرة. حماسه بعد هدف الكونغو وذهابه لتنفيذ ركلة الجزاء وكذلك طريقة التنفيذ بوجه القدم في لقطة يهرب منها أعتى لاعبي العالم، تخيل فقط لو ضاعت ضربة الجزاء، يوحي بأن التاريخ يُكتب هُنا ليُسجل مُلهمًا آخر بعد أعوام حسام حسن ومن بعده أبوتريكة.

الحُب الذي يتلقاه صلاح ليس لأنه أفضل لاعبي المُنتخب على الإطلاق ولا لأنه أكثرهم حماسًا وأكثر من يُحاول، ولكن لأنه يُمثلهم ويُمثل أملهم في حياة أفضل، فالشاب المصري الذي عانى الأمرين للعب الكُرة في ناد محترف وصل لبازل ثم لتشيلسي فروما وأخيرًا في ناد بحجم ليفربول. النجاح الذي يفتقده المصريون والذي يُمثله صلاح ليس السبب الأوحد أيضًا فرغم أنه لعب في أندية لم يسبق لعربي أن لمس الكُرة فيها، ولكن ابتسامته البريئة وعدم تصنعه واستمرار مصريته كما هي جعلته أقرب للقلوب، فلا تغير في شكل الشعر ولا طريقة الكلام والمعاملة والزيارات المُستمرة لبلده وأهله وأصدقائه ترفعه أكثر وأكثر.

الصعود لكأس العالم بقدمه كان التكريم الأفضل للاعب المصري الأفضل خلال الأعوام الأربعة الأخيرة وإنذارا للجميع ببدء حقبة محمد صلاح في مصر وأفريقيا.


رسائل إلى…

حازم إمام وسيف زهر ومجدي عبد الغني: هل يجوز أن يكون أعضاء إتحاد الكُرة المصري العمل بالإعلام في توقيت كهذا؟ وهل يجوز أن يدخل الفنانون إلى مُعسكر المنتخب وغرف اللاعبين؟ أين الالتزام والنظام؟ أين أنتم؟

أحمد أبو هشيمة: ما داعي تواجدك في غرفة ملابس مُنتخب مصر بعد اللقاء؟ ولو كان الاحتفال، فالكثيرون كانوا يُريدون التواجد مع اللاعبين، ما الطريقة للتواجد هُناك؟

مدحت شلبي: تمتلك طريقة كانت فريدة للتعليق ولكن المُبالغة والرغبة في لفت الانتباه جعلت أسهمك تنحدر بشكل كبير.

عصام الحضري: أنت أسطورة حقًا، ماتفعله غير منطقي وضد الطبيعة ولكن الحقيقة أن إكرامي والشناوي أفضل منك الآن، بكثير.

كوبر: مزق دفاترك القديمة كُلها.

أحمد حجازي: كيف أرسلت تلك العرضية التي تسببت بركلة الجزاء، أنت رائع ولو أكملت بهذا المستوى ستلعب في مستوى أعلى بالتأكيد.

رمضان صبحي: أرجوك لا تجعلنا نقول يومًا ما «خسارة» أرجوك مرة أُخرى.

أحمد فتحي: هل تعلم أنك فُزت بكُل شيء مع الأهلي ولعبت كأس عالم للأندية وفُزت بكأس الأمم الأفريقية للشباب ولرجال ولعبت كأس العالم للشباب والأولمبياد وكأس القارات وستلعب كأس العالم بمشيئة الله؟ هل تعلم عدد مُبارياتك الدولية الذي تخطى المائة؟ هل تعلم أنك صاحب المستوى الثابت والأداء القوي دائمًا؟ هل أخبروك بأنك أسطورة؟

هاني أبوريدة: متى سيتشاجر أعضاء مجلس إدارة الاتحاد على السفر في بعثة المُنتخب إلى روسيا وكيف سفض النزاع؟

الإعلام المصري: ماذا سيحدث لو أصبحتم أكثر احترافية؟