محتوى مترجم
المصدر
Open Democracy
التاريخ
2018/07/02
الكاتب
وائل إسكندر

لم يكن خروج مصر من كأس العالم صادمًا، لكنه مخيب للآمال. مشكلة مصر الحقيقية أنها مكان لا يعيش فيه الأملُ أبدًا، لكنه لا يموت أبدًا كذلك. تجرأنا على الشعور بالأمل مرة أخرى على الرغم من رفض كل شيء لنا. استلهمنا من النجاح غير المتوقع ممن شعرنا أنه واحد منا، حاربنا نفس المعارك التي كنا نضطر إليها للوصول إلى القمة، عملنا بدأب واجتهاد. «محمد صلاح»، الرجل الصغير المختار، الذي تحدى العمالقة ليصبح واحدًا منهم، مصدر أمل للكثير من المصريين بطرق مختلفة.أردنا أن نرى فيه مستقبل مصر، لكننا عرفنا في أعماقنا أنه يمثل نفسه فقط. أُعجبنا بهروبه من مصير الضحالة الكريه، الذي كان سيحكم عليه بالبقاء في مصر. لو أنه فقط الآن قويٌ بما يكفي، لو أنه فقط يعود الآن ويقاتل نيابةً عنا. وقد فعل، لكن نجاح رجل واحد لا يكفي لإنقاذ أمة.

هل قلت أمة؟ كنت أعني الفريق.

أُهدرت مهارات صلاح، لأنه بينما كان نجمًا، كان يحتاج لمن حوله ليتألق. لا أستطيع حقًا إلقاء اللوم على زملائه كأفراد، فقد كانوا أيضًا ضحايا لعدم هروبهم. لا يمكنهم الهروب من الضحالة حولهم. لم يكن هناك فريق. كل شيء في مصر مُسيس حتى عندما لا يبدو كذلك. كرة القدم سياسية، وتجاهل سياستها هو بيان سياسي.تحليل الخطأ الحادث هو شيء مجازي، فتألق عدد قليل لم ينقذ الفريق. ينطبق ذلك على أشياء أخرى كثيرة في مصر لم يكن أقلها الثورة. طموحات ونزاهة قلة قليلة لا يمكن أن تنقذ أمة، هناك الكثير من القوى الأخرى في اللعب خارج نطاق السيطرة.تجرأنا على الشعور بالأمل، وما زلنا. بعد أن تعهدنا ألف مرة بعدم فعل ذلك مرة أخرى، لم نتمكن من المساعدة ولكن شعرنا بالأمل مرة أخرى. عندما تأتي الضربة، ليست صادمة، وليست مفاجئة، لكن ببساطة مخيبة للآمال. بعد الانتهاء من قول وعمل كل شيء نسأل أنفسنا: «هل نحن أغبياء أم شيء كهذا؟».قلت لنفسي ألا أشعر بالأمل مرة أخرى لأن كل شيء ضدنا، لكن سأفعل ذلك مرة أخرى. فنحن لا نتعلم أبدًا.رغم كل هذه الضربات، يسعدني أن هذا هو الدرس الذي لم نتعلمه، ولا نتعلمه، ولا نريد تعلمه أبدًا. التقيت الكثير ممن هربوا من هزيمتنا الثورية. تعهد الجميع بأن يفقد الأمل بطرق مختلفة، فغيّر بعضهم بيئته، وغيّر آخرون طريقتهم في الحديث عن الثورة، والبعض الآخر ينتقدها ويلعنها بشكل خاص. لكن في كثير من هذه الحالات يكون هذا البعد عن الثورة هو مجرد واجهة واهية، تُفقد عند الدخول في محادثة أعمق، وعدد قليل من المشروبات في حفلة أو من خلال آمال الفوز بمباراة كرة قدم. لا يوجد أي شيء بعيدًا عما يمكن أن نفعله، وما كان يمكن أن نفعله. فهي باقية على غرار مذاق شراب حلو مر.


تجرأنا على الشعور بالأمل، وما زلنا

لكن بغض النظر عن الثوريين، يعلم الذين يقبلون الغناء الشعبي كلحن للنظام جيدًا أنه تحت طبولهم وخطاباتهم الصاخبة عن النجاح والفخر، لا تنجح مصر حقًا. كانت كرة القدم أفيونًا أداره النظام لكنه خرج عن السيطرة. كما أصبح الهروب حيث هرب الناس من سيطرة الحكومة مكانًا للفرح الخالص المحرر من الواقع السياسي. لهذا السبب، قامت مجموعات من الشباب بمتابعة فرقهم وتحريكها سياسيًا في زمن الثورة. لأن كرة القدم أصبحت أكثر من مجرد أفيون للشعب، وبعدها ساند النظام أنصاره، وتآمروا أولًا على قتلهم في استاد بورسعيد، وبعده استاد الدفاع الجوي، ثم اعتقالهم ووضعهم تحت ظروف قاسية دون أي تهم حقيقية.بالنسبة لأولئك المصريين الذين لا يملكون أي شيء لصالحهم مع ارتفاع الأسعار وتدهور الأحوال المعيشية، فيبحثون عن كرة القدم لإعطائهم نوعًا من السعادة الخالصة. عزز صلاح فخرهم، لأنه كان ناجحًا حقًا في جميع أنحاء العالم، وكان على استعداد للعودة والقتال نيابة عنهم.بطريقة ما، كنّا نأمل ألا نضطر إلى القيام بأي شيء بشكل جماعي لوضع أنفسنا خارج تلك الحفرة. لكن بغض النظر عمّا فعله، كان ذلك مستحيلًا دائمًا. لا يستطيع رجل واحد كبح مائة مليون مهما كانت قوته. وبالمثل، لم يكن مجرد رجل واحد حفر لنا حفرة على الرغم من أنه يبدو في بعض الأحيان بهذه الطريقة.يمكننا أن نتحدث عن كيف استغل مسئولو كرة القدم كأس العالم وكيف استُخدم صلاح كدعم دعائي. يمكننا الحديث عن تفاصيل كيفية تعطل كل شيء بالتفصيل، لكن في النهاية ليست هذه التفاصيل هي المهمة. نحن مسئولون بشكل جماعي عن مكان وجودنا بغض النظر عن مدى حسن أو سوء غير عادي للبعض منا.كان الأمر أكبر من أن يحمله واحد فقط، ومع ذلك نشعر بالأمل باستمرار. ومثلما حدثت معجزة في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، حيث كان هناك ما يكفي من المنعمين بالنزاهة والشجاعة ليوقظوا نهضة، ربما سيأتي وقت في المستقبل يكون فيه ما يكفي من المتألقين لإخراجنا من هذه الحفرة التي وجدنا فيها أنفسنا. ولهذا، وعلى الرغم من مرارة خيبة الأمل التي تأتي من الأمل الذي لا يولد، ربما يكون من المجدي الاستمرار في الاحتفاظ ببعض الأمل وألا ندعه يموت. ربما في يوم ما قد يحدث شيء جيد، ويعيش الأمل مجددًا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.