أدلى أسطورة الكاميرون روجيه ميلا بتصريحات خطيرة حول «فوضى» سببتها دول الشمال الإفريقي قبيل بطولة كأس أمم إفريقيا، وانفعل مطالبًا تلك الدول التي حددها بالضبط في مصطلح «الشمال الإفريقي، مصر أو المغرب أو أي أحد» بأن تلعب في قارة أخرى إذا لم يرضهم أن يكونوا أفارقة.

وجه ميلا انفعاله إلى دول الشمال الإفريقي بشكل عام، لكنه حين ضرب مثالين، ذكر مصر والمغرب، ذوي النفوذ الكبير بين أروقة الاتحاد الإفريقي، وسحبًا على الاتحاد الدولي لكرة القدم.

تتركز العملية في صلبها على اسمين أساسيين يمنحان مصر والمغرب هذا التوغل: هاني أبو ريدة وفوزي لقجع.

الغالب أن ميلا قصد التمثيل لا أكثر، لكن التناول الإعلامي في كل من مصر والمغرب، لم يرَ التصريحات إلا أنه يعني مصر والمغرب لا باقي دول الشمال الإفريقي.

البطولة في موعدها

لا يخفى على أحد التوجه الدولي قبل شهر على الأقل من انطلاق كأس الأمم الإفريقية لتأجيل البطولة، تحت قيادة مباشرة من جياني إنفانتينو، وبإيعاز من كبرى الأندية الأوروبية التي لا تريد التفريط في نجومها المشاركين مع منتخباتهم في البطولة أولًا، والقلقين ثانيًا من تداعيات سفر هؤلاء اللاعبين الطويل وتنقلهم بين المدن واختلاطهم بلاعبين كثر وسط تفشي فيروس كورونا مجددًا في متحوره «أوميكرون».

لم يتحرك إنفانتينو لوحده في جولاته داخل القارة السمراء لتأجيل البطولة التي أعلن علنًا في حدث غير مسبوق أن الأفضل هو تأجيلها، بل قال إن أندية أوروبا هي من تضغط لهذا التأجيل، في مكاشفة هي الأولى من نوعها تاريخيًا ربما.

تحرك إنفانتينو مع موتسيبي الذي كان يمسك العصا من المنتصف بين الراغبين في التأجيل، والمصرين على إقامة البطولة وعلى رأسهم رئيس الاتحاد الكاميروني الجديد صامويل إيتو، المتحمس لتكريس موقف واضح تجاه العنصرية في القارة السمراء، وهو أحد أكثر من اكتووا بنيران العنصرية طيلة مسيرة أوروبية لا تنسى.

ولكن التحرك الأبرز لإنفانتينو كان برفقة هاني أبو ريدة عضو اللجنة التنفيذية للاتحادين الدولي والإفريقي، والرجل الفاعل بين أروقة الاتحاد المصري لكرة القدم، وبدرجة أقل مع فوزي لقجع رئيس الجامعة المغربية لكرة القدم وعضو اللجنة التنفيذية للفيفا أيضًا.

صاحب أبو ريدة ورئيس اللجنة المديرة للاتحاد المصري لكرة القدم قبل أسابيع قليلة، أحمد مجاهد، كل رحلات إنفانتينو الختامية، التي أنهاها بمقابلة واضحة مع موتسيبي، حمله فيها رسالة إلى الكاميرون، رفضت قبل أقل من شهر، ليعلن موتسيبي من الكاميرون أن البطولة في موعدها.

كان أبو ريدة في ذات التوقيت برفقة إنفانتينو «المستاء» في قطر، وقبل 48 ساعة من إقامة انتخابات الاتحاد المصري لكرة القدم، عاد أبو ريدة ومعه أحمد مجاهد جارين ذيول الخيبة إلى مصر بشأن تأجيل كأس الأمم، وذلك لرغبتهما في وضع الرتوش النهائية على قائمة جمال علام الرئيس الحالي لاتحاد الكرة المصري.

«ليس كل ما يعرف يقال»

كان هناك استعداد مصري واضح لتأجيل كأس الأمم الإفريقية، تجلى في مداخلة تليفزيونية لأحمد مجاهد سئل فيها حول مصير لاعبي الأهلي الدوليين حيال كأس العالم للأندية ومشاركتهم في أي من البطولتين، ليدلي مجاهد بتصريحه التاريخي: «سيلعب الأهلي بكافة لاعبيه الدوليين في كأس العالم للأندية، وسيلعب المنتخب بكافة لاعبي الأهلي الدوليين في كأس الأمم» وحينما سئل مجددًا عن فحوى هذا التصريح، أجاب: «ليس كل ما يعرف يقال!».

كانت تلك التصريحات كفيلة بإصدار الأهلي لبيان رسمي يشكر فيه مجاهد على «حل مشكلة تضارب المواعيد بين كأس الأمم وكأس العالم للأندية».

من الواضح أن مجاهد وُعِد من أبو ريدة، الموعود بدوره من إنفانتينو بتأجيل البطولة، لتحل مشكلة الأهلي.

مقابل ذلك، إنفانتينو لم يكن يريد من أبو ريدة سوى مواصلة الضغط لتأجيل البطولة، كي يعود السويسري إلى أوروبا عودة المظفرين، حاملاً البشريات لأندية أوروبا، بأن صلاح وماني وكوليبالي ومحرز وغيرهم، سيقضون معهم تلك الفترة الحرجة من الموسم الكروي بلا تدخلات عنيفة في بطولة الأجساد الشاهقة، وبتدابير احترازية مثالية حيال تفشي فيروس كورونا، وبأقل مجهود بدني ممكن.

تلك هي المعادلة التي لخصها مجاهد حين قال: «ليس كل ما يعرف يقال».

بين لقجع وأبو ريدة

من الناحية المغربية، لا يبدو تلاقي المصالح مع «فيفا» بذات الوضوح، إلا أن لقجع وأبو ريدة، يشكلان عادة جبهة عربية إفريقية مشتركة داخل اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي، وعادة ما يتصرفان حيال مشكلات القارة السمراء تصرفات مشتركة، ولكن في هذه الحالة لم يكن لقجع بذات الحماسة لتأجيل البطولة.

يدخل المغرب البطولة مرشحًا فوق العادة للفوز، بمدرب ذي شخصية كبيرة وإرث مميز في القارة السمراء هو وحيد خليلودزيتش، وبلاعبي صف أول في كبرى الأندية الأوروبية.

المشكلة الوحيدة ربما التي انفجرت خلال آخر شهر بين المغرب وأوروبا كانت حول عبد الصمد الزلزولي، اللاعب الذي استُدعي رسميًا لقائمة أسود الأطلس، وجاء وذهب كثيرًا بين المغرب وإسبانيا، حتى صار عدم لعبه في «الكان» أمرًا واقعًا مع وعود إسبانية بتمثيله للماتادور في قادم المواعيد لو لم يمثل المغرب.

ولكن تبدو الحالة المصرية أشد التصاقًا برأي «فيفا» نظرًا لتضرر الأهلي المباشر من أزمة تضارب المواعيد بين كأس الأمم الإفريقية وكأس العالم للأندية، ولذلك لم تقابَل تصريحات ميلا باستهجان كبير في الأوساط الإعلامية المصرية، التي تتسابق للذود عن البلاد دائمًا حيال تصريحات من هذا النوع، وبالتأكيد لم يرد الاتحاد المصري رسميًا على هذه التصريحات، فقط هجوم بسيط من أحمد موسى، وأبسط من عمرو الدردير على قناة الزمالك.

أما في الحالة المغربية، فقد صدرت تصريحات رسمية من فوزي لقجع حيال الأمر نفى فيه جملةً وتفصيلاً أي تدخل مغربي في حالة الفوضى التي سبقت البطولة، وتبارت الأقلام للدفاع عن الاستعداد المغربي للبطولة، ولدرء كل ما قاله ميلا حيال الأمر.

يقول توفيق الصنهاجي، الصحفي الرياضي وأستاذ مادتي الصحافة الرياضية والرعاية الرياضية بجامعة الأخوين في المغرب، في تصريحات خاصة لـ«إضاءات»: «لقجع صرح بأن هذا الكلام فارغ، والمغرب لم يفعل شيئًا في الكواليس ضد إفريقيا بشكل عام، وليس هناك أي موقف للمغرب حيال تأجيل كأس الأمم».

هذا هو ما ذهب إليه أيضًا الصحفي المغربي المهدي القشيني الصحفي يجريدة أخبار الفجر المغربية، الذي قال في تصريحات خاصة لـ«إضاءات»: «المغرب على استعداد دائمًا، المجهودات التي تقوم بها الجامعة المغربية منذ قبل البطولة تدل على ذلك، بخصوص طرح لعب المغرب في آسيا أو أوروبا، فالمغرب له عمق إفريقي منذ القدم وليس هناك حاجة لهذه التصريحات التي تخلق حالة من الشنآن دون أي داعٍ أو أي أساس».

تحدث ميلا عن ضغط شمال إفريقي عام تجاه التأجيل، ومثّل بمصر والمغرب فقط دون تبيين واضح، ولكن ردود الفعل أثبتت أن الحالتين مختلفتان، فبينما نفى المغرب بشدة رسميًا وإعلاميًا، كان المصريون يعلمون بكل تأكيد أن كل تلك «الفوضى» التي سبقت البطولة، كانت بإيعاز إنفانتينو ومساندة أبو ريدة، ولكن إيتو قطع الطريق على الكل.