مرت العلاقات المصرية–الأمريكية بالعديد من التقلبات مذ أطاح الجيش بالرئيس الأسبق «محمد مرسي» في يوليو/تموز 2013. رأت إدارة الرئيس السابق «باراك أوباما»، في ذلك الحين، أن ما قام به الجيش أمر غير مقبول،فجمدت جزءًا من مساعداتها العسكرية المقدمة لمصر «حتى يتم إحراز تقدم ذي صدقية نحو حكومة مدنية منتخبة في انتخابات عادلة وحرة».

رغم أن نفس الإدارة ألغت قرار التجميد واستأنفت إرسال المساعدات مرة أخرى في أبريل/ نيسان 2015. فإن علاقتها بإدارة الرئيس «عبد الفتاح السيسي» اتسمت بالفتور والبروتوكولية الشديدة في التعامل. شجع هذا إدارة «السيسي» على التقرب من المرشح الرئاسي الجمهوري – في ذلك الحين – «دونالد ترامب»، ولم تخف ابتهاجها بجلوسه على مكتب البيت الأبيض، إذ كان «السيسي» أول رئيس عربي يهنئ ترامب بفوزه في الانتخابات.

تبادل السيسي وترامب عبارات المدح والثناء في كل مناسبة أتيحت لهما، وهو ما شجع المحللين السياسيين على التنبؤ بحدوث تحسن كبير في العلاقات المصرية الأمريكية في عهد الرجلين، وهو ما حدث بالفعل حتى اتخذت الإدارة الأمريكية قرارًا مفاجئًا، في أغسطس/آب الماضي، بوقف معونات عسكرية مخصصة لمصر بسبب «مخاوف بشأن حقوق الإنسان»، لكن تقارير صحفية كشفت أن السبب الحقيقي لتجميد المعونة هو علاقات مصر السرية مع كوريا الشمالية.

جانب آخر من العلاقات تمثل في إقامة الكونجرس الأمريكي لجلسات استماع عن أوضاع حقوق الإنسان المتدهورة في مصر،وتوجيه شخصيات أمريكية بارزة، مثل السيناتور الجمهوري «جون ماكين»، انتقادات حادة لمصر بسبب أوضاع حقوق الإنسان، فضلًا عن انتقاد الصحف الأمريكية المتكرر للنظام المصري. اضطرت إدارة الرئيس السيسي إلى الاستعانة بشركات علاقات عامة، تدفع لها ملايين الدولارات سنويًا، من أجل تحسين صورتها في الولايات المتحدة، لكن شيئًا لم يتغير حتى الآن.

عن كل هذا وأكثر نحاور الأستاذ «محمد المنشاوي»، الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الأمريكي والمقيم في واشنطن، سعيًا إلى تلمس بعض من حقائق العلاقات المصرية–الأمريكية.


كان مبرر المعونة الأمريكية لمصر تشجيع مصر على الحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل. الآن نرى العلاقات المصرية الإسرائيلية على ما يرام، وهناك تنسيق عالي المستوى بين البلدين خاصةً فيما يخص سيناء والقضية الفلسطينية، فإلى متى ستستمر الولايات المتحدة في تقديم معونة لمصر؟ وما الذي تحصل عليه واشنطن في مقابل المعونة؟

أعتقد أن المساعدات الأمريكية لمصر ستستمر طالما هناك مصالح لواشنطن يتم تحقيقيها مقابل هذه المساعدات. واشنطن تستمتع بمعاملة تفضيلية عند مرور سفنها العسكرية قناة السويس. واشنطن تستخدم بحرية المجال الجوي المصري في أغراض عسكرية مختلفة. واشنطن ليست ملتزمة ولا يوجد ما يلزمها بضرورة تقديم مساعدات لمصر، على العكس من خطأ شيوع أن هذه المساعدات جزء من اتفاقية السلام مع إسرائيل.

لو رأت واشنطن أن مصر لا تستحق هذه المساعدات فلن تعطيها للقاهرة. هناك تحليل دائم ودوري مستمر داخل أروقة واشنطن عن موضوع المساعدات، وحتى الآن يغلب الرأي المؤيد للاستمرار في هذه المساعدات، وذلك على الرغم من تحديات كثيرة مؤخرًا؛ منها قطع وتأجيل منح مصر ما يقرب من 300 مليون دولار من المساعدات على خلفية غضب واشنطن من التعاون العسكري المصري مع بيونج يانج.

هل رضخت مصر للولايات المتحدة وتنازلت عن علاقاتها مع كوريا الشمالية من أجل استعادة الجزء الموقوف من المعونة؟ ومتى سيُستأنف إرسال الجزء المعلق من المعونة؟

يبدو ذلك، لكن لم تعلن القاهرة رسميًا هذا إلا من خلال وكالة أنباء كوريا الجنوبية أثناء زيارة وزير الدفاع المصري لها. ولا توجد معلومات لديّ عن استئناف إرسال الجزء المحتجز من المساعدات.

هل تعتقد أن الضغط الأمريكي على مصر من أجل احترام حقوق الإنسان من الممكن أن يؤدي إلى نتيجة، أم أن القاهرة اكتسبت مناعة ضد هذه الضغوط؟

كل الضغوط المتعلقة بسجلات وقضايا حقوق الإنسان تُستخدم أمريكيًا من أجل تحقيق مصالح أخرى! واشنطن لا تكترث في الواقع بغياب الديمقراطية في مصر. كذلك أعتقد أن النظام المصري يدرك ذلك تمامًا، ويقدم تنازلات في قضايا إقليمية وأمنية مختلفة من أجل إرضاء واشنطن. هناك توافق مصري أمريكي اليوم، وفي ظل إدارة ترامب تحديدًا، على هامشية قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر.

من الواضح أن العلاقات بين الرئيسين ترامب والسيسي جيدة جدًا، ومن الواضح كذلك أهمية زيادة مبيعات الأسلحة في رؤية الرئيس ترامب. رغم ذلك قامت القاهرة بعقد صفقات تسليح كبيرة مع دول أخرى، فلماذا؟ وهل يزعج صنيع مصر الإدارة الأمريكية؟

مشتريات السلاح قضية شديدة التعقيد! من ناحية، لا تمانع واشنطن في شراء مصر أنظمة دفاع جوي متقدمة إذ إنها لم تقدم هذه الأنواع لمصر على مدار العقود الأربعة الأخيرة. ما يزعج واشنطن هو شراء القاهرة لطائرات مقاتلة من روسيا أو الصين، ولا أعتقد أن القاهرة أقدمت بعد على هذه الخطوة.

واشنطن لا تعرف كيفية فك لغز شراء القاهرة المستمر لأسلحة مع استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية وضعف موارد العملة الصعبة داخل منظومة الاقتصاد المصري. رغم ذلك، علاقات التعاون العسكري المصري الأمريكي مستقرة ولم تهتز بعد بسبب عقد مصر لصفقات جديدة، فالقاهرة لم تتخل بعد عن السلاح الأمريكي.

الأسلحة الجديدة تتطلب سنوات قبل إدخالها الخدمة الفعلية (تدريب وإعداد)، والولايات المتحدة ما زالت الوجهة المفضلة للجيش المصري، الذي تدرب ما بين 20-30 ألفًا من ضباطه في الولايات المتحدة خلال العقود الأربعة الأخيرة.

تقاربت مصر كثيرًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا مع روسيا خلال عهد الرئيس السيسي، فهل يدل هذا على عدم شعور قيادة القاهرة بالأمان في تحالفها مع الولايات المتحدة، أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد رغبة في إحداث توازن في العلاقات الخارجية؟ وكيف ترى الإدارة الأمريكية التقارب المصري – الروسي؟

لا أعرف، لكن روسيا تمثل نموذجًا فعالًا لحكام القاهرة. فلاديمير بوتين رئيس ديكتاتور يسيطر على كل مقومات الدولة، وجيش قوى، وهذا النموذج يروق لحكام القاهرة، لكنه لا يمثل اهتزازًا لعلاقاتها مع واشنطن. مصر تستثمر الكثير في هذه العلاقات.

يستعين النظام المصري بشركات علاقات عامة لتحسين صورته في الولايات المتحدة، فهل هذا يعني أن وزارة الخارجية لا تقوم بدورها أم أن دورها لا يكفي؟

نعم ولا، جهاز المخابرات العامة هو من قام بالتعاقدات الأخيرة مع شركتين بواشنطن، وهذا قد يكون تنافسًا على إرضاء الرئيس. الخارجية والسفارة بواشنطن تقوم بالتعامل مع شركة أخرى منذ سنوات عقب سيطرة الجيش على الحكم. لم يكن لهذه الشركات دورٌ عندما خفّضت إدارة ترامب المساعدات لمصر، وتستطيع هذه الشركات القيام بدور محدود يتحكم فيه بصورة كبيرة تطور الأحداث ومساراتها في القاهرة.

يدفع النظام المصري 400 ألف دولار شهريًا لشركات علاقات عامة في أمريكا، من أجل تحسين صورته. رغم ذلك ما زالت صورة النظام سلبية للغاية، إذ يوصف في الصحف الأمريكية بأنه نظام ديكتاتوري، وتوجه له انتقادات حادة بسبب ملف الحقوق والحريات المدنية، كما عُلقت المعونة المقدمة لمصر جزئيًا. فهل هذا فشل من الشركات المُعتمد عليها، أم أن الصورة سيئة لدرجة أن «محاولات تحسينها» لا تؤتي ثمار؟

هذه الشركات لا تعمل في فراغ، والمحدد الأول لإنجاز مهامها وتحقيق أهدافها تدفعه سياسات النظام داخل مصر. لا يمكن تحسين الصورة السلبية إذا ما كان الواقع سيئًا! ولا أعرف لماذا هذا الإدمان الحكومي والإعلامي على نقطة «صورة مصر بالخارج». الصورة في الخارج ما هي إلا انعكاس للداخل المصري.