تبقى الرغبة في اعتراف الجميع بالإنجاز الذي حققه الفرد هي رغبة أصيلة في الإنسان. لهذا فإن وجود الجوائز أقدم مما قد يعتقد البعض، هذا الدليل المادي على التفوق كان متواجدًا في العصور القديمة على شكل تماثيل وأعمدة وأقواس.

لم تكن الجوائز مبهرة وبراقة كما هو الحال الآن. فأبطال الألعاب الأولمبية القديمة كانوا يكتفون بتيجان من أغصان الزيتون الملتوية. تطور الأمر شيئًا فشيئًا ثم أصبح معقدًا ومليئًا بالتفاصيل كما هو الحال في كل شيء.

أصبح مجال تصميم جائزة ما هو مجال مليء بالتنوع من حيث الشكل والمواد المستخدمة والدلالات والتناسب بين الجائزة والحدث. تستطيع أن ترى ذلك مع كل جائزة يرفعها أحد المنتصرين حول العالم سواء في ملاعب كرة القدم أو غيرها. تستطيع أن ترى ذلك في كل مكان إلا مكان وحيد أنت تعرفه بالطبع.

دعني أقدم لك الأسطى أشرف وهو أفضل استرجي دمياطي في مصر. حسنًا .. الأسطى أشرف هو شخصية خيالية كما يبدو لكنه حتمًا هناك أسطى أشرف يعرفه جيدًا أحد العاملين في الاتحاد المصري لكرة القدم.

تبدو تلك هي وظيفة أحدهم داخل اتحاد الكرة، ما إن يقترب الأهلي من حسم الدوري المصري يصحو هذا الرجل من سبات عميق ليعيد التواصل مع الأسطى أشرف، والذي ينفض غبار عام كامل عن نفسه هو الآخر ويأتي في كامل أبهته لمقر اتحاد كرة القدم ليقوم بإعادة تلميع درع الدوري المصري.

يقال إن هذا الدرع تم تصميمه بأمر مباشر من الملك فاروق ليتقلده الفريق الفائز بالدوري المصري. تبدو الرواية متماسكة لأن بداية الدوري كانت في عهد الملك فاروق ولأننا جميعًا لم نر أي فريق يتوج بالدوري إلا وهو يحمل هذا الدرع الخشبي المليء بالقوائم الدمياطي الأصيلة.

ربما يبدو الأمر عديم القيمة للبعض، لكننا لا نملك للرد على تلك المزاعم سوى تتبع الجوائز التي ترفع كل موسم حول العالم للتعرف على ما تحتوي من دلالات وقيم وقصص وأسماء هامة.

لعلك تتذكر تلك الحادثة العجيبة عندما قررت إدارة نادي الزمالك أن ترسل درع الدوري المصري للنادي الأهلي عقب تتويجه باللقب، بينما وقف اتحاد الكرة المصري موقف المتفرج رغم أنه المعني بهذا الأمر دون غيره. دعنا نتأمل الموقف سويًا: ماذا لو فُقد هذا الدرع من خزينة بطولات نادي الزمالك، وإذا كنت تستبعد مثل هذا الأمر فعليك أن تعرف أن كؤوس بطولة أمم أفريقيا للمنتخبات لا يوجد لها أثر داخل خزائن اتحاد الكرة المصري إلى الآن.

كأس الدوري الإنجليزي: أنت الأسد أيها البطل

حسنًا، المسئولون عن إدارة الكرة في إنجلترا لن يقعوا في مثل هذا الموقف لأنهم ببساطة يمتلكون كأسين واحد يبقى رفقة الفائز بالدوري والآخر يقبع داخل مقر اتحاد الكرة الإنجليزي. مع الأخذ في الاعتبار أن على حامل اللقب إعادة الكأس إلى الاتحاد الإنجليزي قبل ثلاثة أسابيع على الأقل من المباراة النهائية للدوري الحالي.

 

أما الكأس نفسه والذي يحفظ شكله أغلب الجماهير فهو عبارة عن قاعدة مصنوعة من حجر الملكيت، وهو حجر شبه كريم موجود في إفريقيا لونه أخضر حيث يرمز إلى أرضية الملعب.

فوق تلك القاعدة يبرز الكأس بشكله التقليدي الذي عرفته البشرية منذ العصور الوسطى، إلا أن المقبضين هنا يعتليهما أسدان وفي المنتصف تمامًا هناك تاج وبمجرد أن يرفع كابتن الفريق المنتصر الكأس فكأنه ارتدى التاج ليصبح هو الأسد الثالث في إشارة للأسود الثلاثة المميزة لكرة القدم الإنجليزية.

أما عن فكرة ارتباط إنجلترا بالأسود الثلاثة فهي قصة أخرى. يُعرف المنتخب الإنجليزي باسم «منتخب الأسود الثلاثة»، وهذا الشعار يرجع إلى القرن الثاني عشر، فالملك «هنري الأول» كان يُعرف باسم «أسد إنجلترا»، وتزوج من «أديليزا» التي كان والدها أيضًا يحمل شعار الأسد فوق دِرعه، ثم جاء الملك «هنري الثاني» وتزوج «إليانور» التي كان شعار عائلتها الأسد كذلك، وهكذا انضمت الأسود الثلاثة لتكوِّن الشعار. وفي وقت لاحق، استخدم «ريتشارد قلب الأسد» شعار الأسود الثلاثة رمزًا للعرش الإنجليزي.

درع البوندزليجا: من قال إن التاريخ لا يتجدد

هذا عن كأس الدوري الإنجليزي أما في ألمانيا فهناك درع أيضًا لكنه درع مختلف تمامًا عن مثيله الدمياطي العتيق.

إذا امتلكت الدرع فهذا يعني أنك أستاذ. هكذا يقال في ألمانيا دلالة على عراقة هذا الدرع الذي يستلمه بطل الدوري الألماني والذي يعرف أيضًا باسم طبق السلطة.

 عام 1903 رفع فريق لايبزج أول بطل للدوري الألماني تمثال فيكتوريا وهو تمثال برونزي تم اعتماده كجائزة البطل حتى عام 1944. فقد هذا التمثال إثر اضطرابات الحرب العالمية الثانية. وبحلول عام 1949 كان على مسئولي الدوري الألماني أن يجدوا حلًا بعد أن استطاع إف سي نورنبيرغ أن يحسم أول بطولة دوري بعد الحرب وكان الحل ذهبيًا خالصًا باسم إليزابيث تريسكو.

 

إليزابيث تريسكو هي بروفيسور في جامعة كولن كانت تترأس قسم صياغة الذهب والفضة. استطاعت تريسكو أن تصمم دروع الدوري الألماني رفقة طلابها وتم نقش جميع أبطال الدوري الألماني منذ عام 1903.

في عام 1981 تمت إضافة حلقة خارجية إلى الدرع لضمان مساحة لمزيد من الأبطال الجدد. يزن درع البطولة اليوم أحد عشر كيلوغرامًا وقطره 59 سنتيمترًا. ربما يكون هذا الدرع هو أغلى طبق سلطة في العالم حيث تبلغ قيمته السوقية 25 ألف يورو.

يتخذ هذا الدرع قيمة تاريخية في ألمانيا ربما إجلالًا للبطولة ذاتها أو لصانعة الدرع السيدة تريسكو والتي تحمل إحدى الساحات في كولن اسمها تخليدًا وإجلالًا، لكنك يكفيك أن تلقي عليه نظرة لتتأكد أن التاريخ دومًا يمكن إن يتجدد في أبهى حلة.

ذات الأذنين: لأن أوروبا لا تملك ذوقًا واحدًا

ربما هي الكأس الأغلى في أوروبا، فمن لا يحلم برفع ذات الأذنين؟ لكنك ربما لاحظت أن كأس دوري أبطال أوروبا غير متناسق بعض الشيء وتسأل عن السبب. حسنًا إليك القصة كاملة.

خلال موسم 68 / 69 دخل السيد يورغ ستادلمان ووالده هانز إلى مكتب المسئول عن الاتحاد الأوروبي وقام الثنائي بتغطية الأرضية بالكامل بالرسومات. وكانت التعليقات تتمحور حول أن البلغار يريدون الجزء السفلي من تلك الرسمة بينما  الإسبان يفضلون رسمة أخرى لكن الإيطاليين يفضلون شكلًا آخر وهكذا ظهر التصميم مثل أحجية من الصور المختلفة وصولًا للصورة النهائية لذات الأذنين.

 

استغرق صنع الكأس 340 ساعة فقد أصر السيد ستادلمان أن ينهي صناعة الكأس قبل 28 مارس. والسبب ببساطة أنه كان قد وعد زوجته برحلة على متن قارب لمدة عشرة أيام إلى لوس أنجلوس

دعنا نعود سويًا إلى أرض الوطن حيث لا زال المسئولون متمسكين بدرع الدوري الخشبي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تجديده كما رأينا في ألمانيا أو أنه حتى يحمل دلالات ما مثلما رأينا في إنجلترا.

خرج المسئولون في مصر خلال موسم 2015/ 2016 بتصميم جديد لشكل درع الدوري يشبه تمامًا الدرع القديم لكنه ليس خشبيًا. لكن لا أحد يعلم أين ذهب هذا التصميم خاصة أن النادي الأهلي استلم الدرع القديم منذ أسابيع بعد أن حسم بطولته المفضلة. ربما تدخل الأسطى أشرف ومعارفه لكي يعود الدرع الخشبي في مقدمة الحدث.