في عام 2011 صدرت عن دار الساقي رواية «أريد رجلًا»، وهي الرواية الرابعة للكاتبة المصرية نور عبد المجيد، وتقع في 364 صفحة. وقد تم تحويلها بعد صدورها بأربع سنوات إلى مسلسل مصري من بطولة إياد نصار وسهير المرشدي.

في عام 2017 صدرت رواية نيجيرية للكاتبة أيوبامي أديبايو، وصدرت ترجمتها العربية عن دار المنى هذا العام بعنوان «ابقي معي»، وتقع في 313 صفحة. وصلت هذه الرواية إلى القائمتين الطويلة والقصيرة لخمس جوائز أدبية عالمية، ووصفت صحيفة الفايننشال تايمز مؤلفتها بأنها «نجمة لامعة في سماء الأدب النيجيري».

تميزت كلتا الروايتين بالسلاسة والإسهاب في السرد، وربما نستطيع جمعهما تحت مسمى «الأدب الأفريقي». فرغم اختلاف الثقافتين، المصرية والنيجيرية، فإن ما يلفت النظر –وهو موضوع هذا المقال- هو تشابه الحبكة الرئيسية في الروايتين، أو فلنقل تشابه الدافع الرئيسي الذي يغير مجرى أحداث الرواية.

زوجان متحابان يعيشان حياة هادئة، وفي كل مرة تتدخل والدة الزوج في حياتهما، مرة رغبة في إنجاب الذكر في «أريد رجلًا»، حيث لم يُرزق البطل سليم سوى بطفلتين من الإناث، ومرة رغبة في إنجاب الأطفال أصلًا في «ابقي معي»، حيث لم يرزق الزوجان بأي أطفال.

تدخُّل الأم جاء على نفس الشاكلة: إرغام ابنها (الزوج/ بطل الرواية/ الذكر) على الزواج من زوجة ثانية. يرضخ الابن في كل مرة تحت ثقل الضغط الهائل، فيتزوج سليم الصعيدي من لبنى بنت المدينة في السر، ويتزوج أكين النيجيري من فنمي في العلن. فرغم اختلاف الدين في الروايتين (العائلة النيجيرية في الرواية تدين بالدين المسيحي) إلا أنه يبدو أن الكنيسة في نيجيريا تسمح بتعدد الزوجات.

إذن هي متلازمة الأم المتسلطة والابن الخاضع. يامنة، الأم الصعيدية في الرواية المصرية، طلبت المعونة في الضغط من أخويها (أخوال البطل) ومن شيخ النجع، ثم امتنعت عن النوم وعن تناول الطعام والشراب، وفي النهاية أعلنت أنها ستكتب في وصيتها منع ابنها من غسلها وتكفينها أو حتى استلام العزاء فيها بعد أن تموت، إن لم يرضخ لرغبتها في الزواج من زوجة ثانية.

منذ الصفحات الأولى تصف الكاتبة نور عبد المجيد شخصية الأم في روايتها، فتقول:

يا منة لا ترد لها كلمة ولا يستطيع أحد أن يقف أمامها.. هكذا أراد لها أبوها وعلى هذا تفتحت أعين أخويها علي وعبد السلام. هكذا بقيت يامنة، امرأة لكنها بألف رجل من رجال نجع الحواويش.

الأم النيجيرية لم تختلف عنها كثيرًا. فبعد مضي سنتين على زواج ابنها دون إنجاب، بدأت تظهر في مكتبه مرة شهريًا، ولا تأتي وحدها، بل تحضر معها دائمًا امرأة ما: زوجة ثانية محتملة! ثم هددته بأنها ستبدأ بزيارة زوجته أسبوعيًا، مصطحبة امرأة جديدة إذا لم يختر واحدة خلال شهر.

اضطر إلى اتخاذ قرار، فأمه ليست امرأة تطلق تهديدات فارغة، وهكذا اختار المرأة الوحيدة التي لم تصر على الانتقال للعيش معه ومع زوجته الأولى، ورضيت بشقة منفصلة تبعد أميالًا عن مسكنه مع زوجته، ولم تطلب أكثر من عطلة نهاية أسبوع في الشهر، ومصروف جيب مقبول، ووافقت أن لا تكون أبدًا من ترافقه إلى الحفلات والمناسبات العامة، وهكذا توسم فيها حلًا وسطًا سهلًا.

يجيده، البطلة المتهمة بعدم القدرة على الإنجاب، تمتلك أربع زوجات أب، تولت واحدة منهن بكل بساطة أمر تقديم العروس الجديدة إلى «ضرتها»، وإفهام الزوجة الأولى أن الأمر مفروغ منه شاءت أم أبت. أما عم زوجها فتسلم دور اللعب على وترها العاطفي وهو يشرح لها سبب قرارهم:

إنه طفل واحد من يستدعي طفلًا آخر إلى هذه الدنيا. من يدري! الحاكم في السماوات قد يستجيب لصلواتك يا يجيده بسببها. وحالما تحبل وتنجب طفلًا، نحن واثقون من أنك أنتِ أيضًا ستحبلين.

أما ردة فعل الزوجة الأولى فقد اختلفت، فـأمينة المصرية ثارت ثائرتها حين علمت بأمر الزوجة الثانية، ووكلت محاميًا ليرفع لها دعوى طلاق ضد زوجها رغم عشقها له، ولم تكتفِ بذلك، بل ظهرت في برنامج تلفزيوني لتعلن أن طلب الطلاق من زوجها سببه أن «خلفته بنات»، ما تسبب له بفضيحة وهو القاضي المحترم. أما يجيده النيجيرية فتقبلت الأمر على مضض. عادت إلى عملها كمصففة شعر في صالونها الخاص، وتجاهلت الحديث عن الزوجة الثانية كأنه ليس لها وجود.

في كلتا الروايتين أيضًا جاء مصير الزوجة الثانية تعيسًا مع اختلاف الطريقة. في «أريد رجلًا» يطلق سليم زوجته الثانية لبنى رغم توسلها له بأن لا يفعل، أما في «ابقي معي»، فيُنهي أكين حياة زوجته الثانية عن غير قصد تحت تأثير شرب الكحول، حيث يدفعها عن رأس الدرج لتسقط سقطة مميتة، بعد أن هددته بفضح عجزه الجنسي وهي تحت تأثير الكحول أيضًا.

ما يلفت النظر هو ندم كل من الزوجين فيما بعد على الرضوخ لمشيئة أمه، وإن اختلفت طريقة كل منهما في التعبير. سليم، القاضي المصري، البار بأمه، عاتبها عتابًا رقيقًا موزونًا، حيث الحوارات كلها في الرواية بالعامية المصرية، فيقول لها بلهجته الصعيدية:

ليه ما قلتيش الحمد لله، سليم ولدي كفاية، بناته كفاية، نجاحه في شغله وفي جوازه كفاية.. ليه يا أمي هملتي كل اللي في يدينا ووقفتي تبكي على الحتة الصغيرة الناقصة؟
أما أكين النيجيري فجاء رده قاسيًا وحاسمًا، حيث يقول:
كما لو أنكِ لم تحطمي حياتي بما فيه الكفاية.. لا تتدخلي في هذه المسألة أكثر مما فعلتِ. أتسمعينني؟ لا تطلبي رؤيتي من أجل هذا النوع من النقاش مجددًا. أبدًا وإلى الأبد.

كلتا الوالدتين ظنت أنها تصلح حياة ابنها وتتدخل لإسعاده، لكن النتيجة جاءت معاكسة تمامًا. سليم طلّق زوجتيه وعاش وحيدًا. أكين تسبب في مقتل زوجته الثانية، وهجرته زوجته الأولى. غادرت المدينة كلها وانتقلت لتبدأ عملًا جديدًا وحياة جديدة في مدينة أخرى، ولم تعد إلا بعد خمسة عشر عامًا. عادت لتجد مفاجأة مذهلة بانتظارها، سأترك لكم متعة اكتشافها عند قراءة الرواية!

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.