مع دخول فصل الشتاء وتلبد السماء بالغيوم، تكبد المواطنون في قطاع غزة العديد من الأزمات، كان آخرها انقطاع الكهرباء، والذي دخل مؤخرًا منعطفًا خطيرًا، لا سيما مع زيادة ساعات قطعها في ظل موجة البرد الشديدة التي تضرب الأراضي الفلسطينية، وأصبح سكان القطاع لا يرون الكهرباء سوى ساعات محدودة يوميًا، مما جعل الغزاويين يسألون عن الدفء في قادم الأيام.

الظلام الذي ساد القطاع لساعات طويلة دفع المئات للخروج في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة صارخين بحقهم في الحياة، رافعين شعارات «بدنا نعيش» و«يكفي ظلام، يكفي حصار»، حيث تناقصت مؤخرًا ساعات الوصل من 12 ثم 8 وأخيرًا 4 ساعات، ومع ذلك قيمة الفاتورة لا تنقص بل تزيد والمبرر؛ الأحمال.


استفحال الأزمة

تعتبر أزمة الكهرباء في قطاع غزة، والمستمرة منذ سنوات، أزمة مركبة، تدخل فيها العديد من الأسباب الأمنية والمالية، بل حتى السياسية.

ثلاث مؤسسات رئيسية مسئولة بشكل مباشر عن أزمة الكهرباء في قطاع غزة هم: شركة الكهرباء، وسلطة الطاقة، والهيئة العامة للبترول.

أزمةٌ باتت تضرب بأطنابها كل مناحي الحياة المعيشية للسكان في القطاع، مما دفع منظمات حقوق الإنسان للتعبير عن صدمتها للأوضاع المعيشية، فيما دعا منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، الأطراف المسئولة عن القطاع إلى حل أزمة الكهرباء «بشكل فوري».

عام 2006 كان البداية، حينما أقدمت الطائرات الإسرائيلية على تدمير محطة التوليد الوحيدة في القطاع، عقب فوز حماس في الانتخابات التشريعية.

حينها استطاعت الحكومة في غزة التخفيف من حدة أزمة الكهرباء، بسبب إمداد مصر لمدينة رفح بـ 25 ميغاوات، ولكن نتيجة الاشتباكات الدائرة بين الحكومة المصرية والمسلحين في سيناء أصبحت خطوط الكهرباء المصرية تنقطع بشكل مستمر مما زاد من حدة أزمة الكهرباء.

وتفاقمت الأزمة مع زيادة عدد السكان بنحو نصف مليون نسمة خلال 10 سنوات، والزيادة الطبيعية في المنشآت الصناعية، إضافة إلى زيادة أسعار الوقود العالمية، وعدم وجود السيولة المالية الكافية لشراء السولار، حيث بلغ عجز الطاقة قرابة 400 ميغاوات، في حين يحتاج القطاع إلى 600 ميغاوات، وذلك بحسب ما نشرته دائرة العلاقات العامة والإعلام بشركة توزيع الكهرباء.

وفيما يتعلق بتدهور برنامج الكهرباء عن الأعوام الماضية، قال نائب رئيس سلطة الطاقة، فتحي الشيخ خليل، خلال مؤتمر صحفي عقده في مدينة غزة، إنه تم إضافة أحمال كبيرة على الشبكة تقدر من 2 إلى 30 ميغاوات.

وما زاد الطين بَلَّة، فرض حكومة رام الله ضريبة «البلو»؛ وهي نوع من الضرائب المخصصة لكل أنواع الوقود في السوق المحلية، تقترب نسبتها من 90% من سعر لتر الوقود الأساسي، مما جعلها بمثابة السيف المسلط على رقاب الغزاويين.

وبحسب سلطة الطاقة بغزة، تُجمع حوالي 52% من الأموال التي تُرسل لشراء الوقود لتشغيل محطة الكهرباء من جباية فاتورة الكهرباء.


من المسئول؟

ثلاث مؤسسات رئيسية مسئولة بشكل مباشر عن أزمة الكهرباء في قطاع غزة هي: شركة الكهرباء، وسلطة الطاقة، والهيئة العامة للبترول.

من الوهلة الأولى بدا مشروع شركة الكهرباء – والتي تأسست عام 1999 – مشروعاً وطنياً يهدف إلى الاستقلال عن دولة الاحتلال، لكن سرعان ما ظهرت على السطح الشبهات، مع بروز أسماء المؤسسين، وكان غالبيتهم مقربين من السلطة.

رفضت السلطة الفلسطينية عددًا من المشروعات التي قُدمت إليها مؤخرًا لحل أزمة كهرباء غزة، منها: إمداد محطة توليد الكهرباء بخط غاز بدلًا من السولار.

على رأس هؤلاء المؤسسين «محمد رشيد»، الشخص الأهم والمُلاحَق منذ سنوات في قضايا فساد واختلاس أموال، بلغت 34 مليون دولار من صندوق الاستثمار الفلسطيني.

وفي العام 2004 قدّم رئيس هيئة الموازنة والشئون المالية في المجلس التشريعي، سعد الكرنز، تقريرًا مفصلًا يكشف فيه البنود السرية للعقد الموقع بين السلطة الفلسطينية والشركة، الذي قيل بأنه عقد امتياز للشركة، ومن أخطر ما تضمنه العقد التزام السلطة بدفع مبلغ شهري يتراوح بين 2.4 و2.7 مليون دولار، سواء عملت المحطة أم لم تعمل، مما جعله أقرب لعقد إذعان لصالح الشركة، بحسب ما خلص إليه التقرير.

والأخطر أن المشروع الوطني تسللت إليه أيادٍ إسرائيلية، حيث كشفت وثيقة حصل عليها تحقيق استقصائي لقناة الجزيرة، دخول شريك إسرائيلي، هي شركة «دورالون». وكان العقد مع الشركة الإسرائيلية الذي رعاه محمد رشيد قد وفر لها أرباحًا ضخمة في الفترة الماضية، إذ شكل سوق غزة 39% من مبيعاتها.

وفي عام 2006 ظهرت الآثار الكارثية لعقد الامتياز، إذ بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية ضربت إسرائيل حصارًا مشددًا على القطاع؛ مما دفع الاتحاد الأوروبي للتدخل لحل الأزمة، وتقديم معونات مباشرة للسلطة الوطنية، ومع ذلك فرضت السلطة الفلسطينية ضرائب بلغت على اللتر الواحد من الوقود ما نسبته 165%، بما جعل الكهرباء في غزة أعلى بـ 3 أضعاف من الكهرباء الموزعة داخل الكيان الإسرائيلي.

ومن المعلوم أن رئيس سلطة الطاقة يتبع إداريًا لوزارة المالية، ولا يمتلك أحد في غزة توجيه سياساته أو محاسبته، أي أن من يتحكم بالكهرباء والمولدات وجداول القطع هي سلطة رام الله.

أما الهيئة العامة للبترول – المسئولة عن توريد الوقود لمحطة كهرباء غزة – تم إلحاقها بمؤسسة الرئاسة الفلسطينية هي الأخرى منذ تأسيسها، الأمر الذي وضعها فوق المساءلة والمراقبة، ثم تم إلحاقها بوزارة المالية عام 2003.

وأطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج #لصوص_الكهرباء، والذي حظي باهتمام مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، كونه يصف معاناة أهل غزة في ظل انقطاع الكهرباء.

وعلى صعيد آخر، رفضت السلطة الفلسطينية عددًا من المشروعات التي قُدمت إليها مؤخرًا لحل أزمة كهرباء غزة، منها: إمداد محطة توليد الكهرباء بخط غاز بدلًا من السولار، وتشكيل لجنة من المهنيين (التكنوقراط) لإدارة ملف الكهرباء في غزة حتى تتوقف المناكفات السياسية.


تسييس الأزمة

تتبادل السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية حماس الاتهامات بالمسئولية عما آلت إليه أزمة الكهرباء، بينما المواطنون الذين يرزحون تحت الظلام الدامس، لم يعدوا كونهم وقودًا يُشعل هذه الاتهامات والمعارك الكلامية.

وإن كانت قشور الأزمة بدت مالية فجوهرها سياسي، وفي خلفية المشهد يندلع خلاف حاد بين السلطة وحماس بسبب تحصيل الضرائب، وكذلك الوقود المخصص لإنتاج الكهرباء الذي تشتريه السلطة الفلسطينية للقطاع من إسرائيل.

من جانبها، اعتبرت الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله أنها تتعرض لحملة «تحريض» بسبب أزمة انقطاع الكهرباء في قطاع غزة، وأن استمرار سيطرة حماس على شركة توزيع الكهرباء، وعلى سلطة الطاقة، هو الذي يحول دون تمكين الحكومة من القيام بواجباتها.

كما يتهم قيادات فتح مؤسسات حماس، ووزارات وموظفي غزة، الذين يُقدر عددهم بـ 50 ألف موظف، بأنهم يستهلكون الكهرباء مجانًا دون أن تستفيد شركة الكهرباء شيئًا.

وأكد بيان رامي الحمد الله بأن حكومة الوفاق الوطني؛ أنفقت 18 مليار ونصف شيكل (حوالي 4.7 مليارات دولار) خلال الـ 30 شهرًا الماضية على القطاع. أرقام دعت حماس إلى التشكيك بها واصفة إياها بأنها «قلب للحقائق وتضليل للرأي العام».

في المقابل، وبشعارات «ضد مؤامرة عباس بقطع الكهرباء» و«مجرم من يتآمر على شعبه»، نظمت حماس مسيرة في شمال قطاع غزة، معتبرة أن أزمة الكهرباء «مفتعلة ومسيسة، وتهدف إلى إحداث حالة من الإرباك والفوضى»، وأن حكومة رامي الحمد الله غير جدية في القيام بواجباتها.

وفي السياق ذاته، قال مشير المصري القيادي في حركة حماس أن «السلطة تأخذ ضرائب من غزة بقيمة 120 مليون دولار، منها 70 مليون لصالح موظفيها، وتضع في جيبها 50 مليون دولار، كما أنها تأخذ على كل لتر وقود صناعي لمحطة التوليد نحو دولار كضرائب».


بدائل مطروحة

السلطة الفلسطينية تأخذ ضرائب من غزة بقيمة 120 مليون دولار، منها 70 مليون لصالح موظفيها، وتضع في جيبها 50 مليون دولار.

بينما تتنوع الحلول والبدائل لإنهاء أزمة الكهرباء، والتي تاهت وسط وعود المسئولين، تتسع دائرة السخط لدى مواطني القطاع، الذي أصيب بالإرهاق نتيجة التفاف الأزمات عليه، أهمها الكهرباء.

فطرحت سلطة الطاقة في تقريرها عدة بدائل لحل الأزمة، شملت إعفاء كامل لوقود محطة التوليد من الضرائب، وهذا من شأنه المساعدة على تشغيلِ عدد ساعات أكبر وقدرة أكبر.

ومع اشتداد أزمة الكهرباء في القطاع، تلاحقت دول الإقليم على تقديم المنح، منها تركيا التي قامت بإرسال 15 ألف طنّ وقود للمحطة، ودولة قطر والتي قدمت منحة مالية قدرها 12 مليون دولار لشراء الوقود لمدة ثلاثة أشهر.

ومن جهتها، دعت شركة الكهرباء في محافظات القطاع المؤسسات الأممية ومؤسسات حقوق الإنسان للضغط على الاحتلال من أجل السماح بإدخال الرافعات الخاصة بالشركة لتتمكن من تعويض النقص الكبير فيها، حيث إن العديد من أعمال الصيانة متوقفة.

كما دفع انقطاع الكهرباء، للبحث عن مصادر بديلة للطاقة؛ أملًا في قهر الظلام، الذي يحل ضيفًا كل مساء على أجزاء واسعة من القطاع، حيث تتخذ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في غزة «الأونروا» من ألواح الطاقة الشمسية حلًا لمواجهة أزمة الكهرباء في القطاع، ومدت الوكالة حتى الآن 80 مدرسة بهذا النظام، ومع نهاية العام الجاري ستغطي 30% من مرافقها.

المراجع
  1. "الزق: حماس المستفيدة الوحيدة من أزمة الكهرباء في غزة"، صوت فتح الإخباري، 31 يناير 2017.
  2. عبد الغني الشامي، "أزمة "كهرباء غزة تدخل منعطفًا خطيرًا وسط غياب الحلول"، قدس برس إنترناشيونال، 11 يناير 2017.
  3. "لهذه الأسباب تتفاقم أزمة الكهرباء في غزة"، القدس، 10 يناير 2017.
  4. أحمد سامي، "بسبب أزمة الكهرباء: هل تسلم حماس السلطة في غزة لـ «الحمد الله»؟"، صحيفة التقرير، 20 يناير 2017.
  5. "غزة في مواجهة الظلم والظلام"، الجزيرة نت، 23 يناير 2017.