ربما أسرتنا بعض تلك الأحلام في طفولتنا، السفر إلى أحد الكواكب، والعيش فيها، والكثير من تلك الأحلام والأمنيات التي ظننا جميعًا أنها ستكون المستحيل الرابع بعد المستحيلات الثلاثة المعروفة، تلك الأحلام والأمنيات جاءها أخيرًا من يحققها، لن أبالغ في هذه العبارة: إن «إيلون ماسك» محقق أحلام البشرية، هذه الأحلام التي لم يظن أحد في يوم من الأيام أنه سيأتي أحد ويبدأ التفكير بها، محاولًا تحقيق ولو شيئًا بسيطًا منها. لذا، سأتحدث في هذا المقال عن أحد أهم العقول البشرية في القرن الواحد والعشرين، وهو إيلون ماسك.


إيلون ماسك وصراع النشأة

ولد إيلون ماسك في 28 يونيو في عام 1971 لأب جنوب أفريقي وأم كندية في جنوب أفريقيا، وأمضى طفولته هناك حتى وصل إلى عامه السابع عشر، ثم هاجر إلى كندا هربًا من الخدمة العسكرية الإجبارية في جنوب أفريقيا، وللبحث عن فرصة لتطوير نفسه في مجال الحاسوب، بعد أن تمكن من إنشاء لعبة صغيرة عليه، ثم غادر كندا واتجه إلى أمريكا، وهناك حصل على الجنسية الأمريكية ودرس الفيزياء وإدارة الأعمال.


بداية الصراع مع الأحلام

مع بدء ظهور الإنترنت وانتشاره انتبه إيلون ماسك للثورة التي سيحدثها وجوده، فقام بإنشاء أولى شركاته «Zip2»، وهي دليل للمواقع المحلية على الإنترنت، كانت تقوم بتوفير الخدمة لبعض المواقع الشهيرة كصحيفة النيويورك تايمز، ثم قام ببيعها إلى شركة «Compaq» للحواسيب بما يقارب 300 مليون دولار، ليصبح مليونيرًا وهو في العشرينيات من العمر، وقام بعدها بإنشاء شركة تختص بالحوالات المالية والخدمات المالية تُدعى «x.com»، وبعدها اندمجت مع الخدمة الأشهر «Paypal»، حتى تم شراؤها من قبل شركة التجارة الإلكترونية «Epay» مقابل ما يقارب مليار دولار.

لم يكتفِ إيلون ماسك بأن يكون مليونيرًا وحسب، فبدأ بتحقيق أحلامه التي أرادها دومًا، أنشأ شركة «spacex» المختصة بالفضاء عام 2002؛ ومن هنا بدأت حياته الحقيقية، فبعد ذلك قام بإنشاء شركة «تسلا – Tesla» المتخصصة في السيارات الكهربائية.. أليس هذا من الجنون.


افشل ثم افشل ثم افشل!

هناك قانون معروف في الحياة يسري على جميع البشر، وهو لكل مجتهد نصيب، فكل إنسان يحاول ويفشل، فيحاول ويفشل مرة أخرى، ثم مرة أخرى، لابد في النهاية أن يصل، وهكذا كان الرجل الحديدي إيلون ماسك، عندما بدأت شركته «spacex» بتصنيع الصواريخ الخاصة لرحلات الفضاء، بدأ بصاروخ «فالكون 1» الذي انفجر بعد إقلاعه، ثم انفجار ثانٍ لنفس الصاروخ بعد سنة من إطلاق الأول، ثم انفجار ثالث لنفس الصاروخ في العام الذي يليه، لكن هذه المرة كان محملًا بقمر صناعي.

بعد كل هذه المحاولات الفاشلة لإطلاق أول صاروخ للفضاء من الشركة لم يستسلم إيلون ماسك، وبدأ المحاولة من جديد، وفي العام الذي تلا الانفجار الثالث نجح أخيرًا بإطلاقه، ثم قام بعدها بإعادة إطلاقه مرة أخرى، ولكن محملًا هذه المرة بشحنة تجارية إلى الفضاء.


2008 عام النكسات

لابد أن يمر على كل إنسان فترة في حياته تكون صعبة كثيرًا، حتى يكاد يفقد الأمل من الحياة، لأن كل المصائب غالبًا ما تجتمع فيها واحدة تلو الأخرى، وهكذا كان عام 2008 مع إيلون ماسك، ففي البداية كان انفجار صواريخ «فالكون» واحدًا تلو الآخر، إلى أن وصل للانفجار الثالث الذي كان في عام 2008، وفشل شركة «Tesla» الذريع، وأوشك إيلون ماسك على الإفلاس، فبدأ بالدفع لشركاته من ماله الخاص ومن بعض القروض، ثم استثمرت وكالة «ناسا» بما يقارب مليار ونصف دولار في شركته «spacex».


عندما تصل للقمة يبدأ التحدي الحقيقي

بعد عام النكسات، بدأت شركات إيلون ماسك بالإنتاج الذي أدى إلى وصوله إلى ما هو عليه اليوم. شركة «Tesla» أطلقت أولى سياراتها الكهربائية تحت اسم «رودستر Roadster»، ثم سيارات من نوع «S» النموذج المصمم للعائلات، وقد أثبت سيارات الشركة جدارتها، فأصبحت شركة السيارات الأعلى قيمة سوقية في الولايات المتحدة.

شركة «spacex» قامت بإطلاق صواريخ جديدة باسم «فالكون 9» وكان مصممًا ليعود للأرض بعد انفصال الرأس عنه في الفضاء، وككل مرة بدأت المحاولات تلو الأخرى بانفجار تلو انفجار، حتى جاء العام السعيد لإيلون ماسك ولجميع سكان الأرض عام 2015، حيث نجح «فالكون 9» في الهبوط سالمًا على منصة أرضية، ثم في العام التالي قام بإطلاقه مرة أخرى لكن هذه المرة نجح في الهبوط على منصة بحرية متحركة.. إنه يكتب التاريخ.

شركة «Solarcity» المتخصصة في الطاقة النظيفة وتركيب الألواح الشمسية، من خلالها ابتكر إيلون ألواحًا ملتصقة بأسقف المنازل بدلًا من الأسقف العادية.


إيلون صاحب الأفكار المجنونة

لم يكتفِ إيلون ماسك بكل ذلك، فقد قدم عدة أفكار لمشاريع مجنونة، ومنها ما قام بإنشاء شركة لها، ومنها مشروع «هيبرلوب – Hyperloop»، وسيلة نقل فائقة السرعة تشبه القطار، لكن أكثر أمانًا منه ومن الطائرة، وهي عبارة عن كبسولات تتحرك على وسادات من الهواء المضغوط داخل الأنبوب، وتصل سرعتها لسرعة أكبر من سرعة الصوت –هذا هو الجنون بحد ذاته- وأيضًا مشروع «نيورالينك Neuralink» الذي تم تأسيس شركة له، ويهدف من خلالها لتصنيع رقائق تُزرع على الدماغ البشري، بهدف المساعدة في الاندماج مع التكنولوجيا.

من المشاريع الغريبة كذلك، «بورينج كومبني – Boring company»، وهي شركة أطلقت حديثًا، وتهدف لإيجاد حلول لأزمة المرور من خلال حفر أنفاق تحت الأرض لكن بطريقة مختلفة نوعًا ما.


إيلون ماسك وهوس الكوكب الأحمر

إنها الفكرة التي تزعج إيلون منذ سنوات، في هذا المشروع يأتي قول «ستيف جوبز» الشهير: «الحلم ليس الذي تنام وتحلم به، بل الذي لا تستطيع النوم بسببه».

حلم الكوكب الأحمر، من منا لم يحلم بأن يعيش على أحد الكواكب يومًا ما. حلم المريخ بدأ يكبر مع إيلون شيئًا فشيئًا من إطلاق أول صاروخ إلى الفضاء للأغراض التجارية، حتى تحول هذا الحلم إلى حقيقة بعد نجاح صواريخ «فالكون» بالهبوط سالمة، بدأ التفكير جديًا في إرسال البشر إلى المريخ، وإقامة مستعمرات على سطح الكوكب الأحمر. وفي إحدى المقابلات التي أجراها إيلون سُئل: لماذا تريد إقامة مستعمرة على المريخ؟ فكانت الإجابة أنه من المحبط جدًا ألا يكون في مستقبلنا كائنات تعيش على عدة كواكب.


صاروخ «فالكون» الثقيل والحلم الذي بدأ يتحقق

أعلن إيلون مطلع هذا العام عن الصاروخ الأضخم على وجه الأرض، «فالكون الثقيل Falcon Heavy»، أما عن تفاصيل الصاروخ فكان محملًا بسيارة «تسلا» الخاصة بإيلون ماسك، ومدعمًا بصاروخين «فالكون 9»، وكانت رحلة الصاروخ الضخم هو إرسال سيارة «تسلا» إلى مدى المريخ، أما الصواريخ المعززة فعادت إلى الأرض سالمة، وبهذا يؤكد إيلون أنه في السنوات القادمة ربما ينجح بالفعل في إرسال البشر إلى المريخ.


وأخيرًا.. إيلون المجنون والعبقري!

بكل تأكيد لم أكتب هذا المقال الطويل من أجل أن أريكم إنجازات إيلون ماسك التاريخية، بل هدفي من هذا المقال هو الاستفادة من حياة الرجل الحديدي الذي يعد الشخصية الأكثر تأثيرًا في العصر الحديث، لهذا دعونا نتعلم منه الإصرار على أحلامنا حتى إذا كانت صعبة المنال، ففي بداياته قال عنه الناس إنه مجنون ولن يحقق أي شيء لأن طموحاته تعد من المستحيلات، لكن في كل سنة يبهرنا إيلون بابتكار جديد أو فكرة مجنونة جديدة، هذا ما أسميه المحافظة على القمة، نعم يصح عنه أنه المجنون والعبقري في نفس الوقت!