اكتشفتُ أوقاف السيد عمر مكرم أثناء بحثي في وثائق الأوقاف وحججها المحفوظة في خزائنها الرسمية. وعرفت أنه كان من كبار مؤسسي الأوقاف في تاريخ مصر الحديث. كان ذلك في سنة 1996م، ومن يومها وأنا أتمنى أن ينهض باحث جاد أو باحثة جادة بكتابة رسالة جامعية في «التاريخ الحديث»، أو في «النظم السياسية» وأصولها الاجتماعية؛ ليشبع هذا الموضوع بحثًا وتوثيقًا، ولا زلت أنتظر من يفعل ذلك.

لقد قام السيد «عمر مكرم» -نقيب الأشراف- بوقف أملاكه جميعها من الأراضي والعقارات في الفترةمنسنة 1210ه/1795م، إلى ىسنة 1237هــ/1822م. أي أنه أوقفها بالتدريج خلال مدة ثمانية وعشرين عامًا. واشتملت أملاكه على أراضٍ زراعية، وعقارات مبنية متنوعة الاستخدامات. وشغلت هذه الأملاك مساحات مختلفة في عدد من مدن مصر، منها: أسيوط مسقط رأسه، والقاهرة، والقليوبية، والإسكندرية، وطنطا.

ورغم ضخامة أوقاف السيد عمر مكرم، إلا أن المصادر التاريخية لا تذكر عنها شيئًا في سياق الحديث عن سيرته وتاريخه. وجلُّ ما تذكره عنه هو أنه كان أحد كبار قادة المقاومة الشعبية ضد تلك الحملة، وأنه أسهم بدور قيادي في التصدي لها، وبخاصة في أثناء ثورة القاهرة الثانية سنة 1215هـ/1800م، حتى تم إجلاؤها عن البلاد في 1216هـ/1801م. وأنه قد أسهم كذلك بدور كبير في تولية محمد علي شؤون البلاد، حيث قام هو والعلماء بخلع خورشيد باشا في مايو سنة 1805م.

وتذكر المصادر أيضًا أنه حينما استقرت الأمور لمحمد علي خاف من نفوذ العلماء فنفى عمر مكرم إلى دمياط سنة 1222هـ، وأقام بها أربعة أعوام، ثم نفاه إلى طنطا وتوفي في سنة 1237هــ/1822م. وكانت لعمر مكرم مواقف صلبة في مواجهة ظلم الولاة المماليك الذين عاصرهم من حكام مصر مثل: إبراهيم بيك، ومراد بيك، وأحمد خورشيد.

ومن القليل النادر الذي تذكره المصادر عن علاقة السيد عمر مكرم بالأوقاف ما يذكره الجبرتي، وهو مؤرخ معاصر له، من أنه دافع عن أراضي الأوقاف، واعترض على قيام الوالي محمد علي باشا بفرض ضرائب باهظة عليها، في حين أنها كانت معفاة منها قبل أن يصير واليًا على مصر. ورغم اعتراف محمد علي بفضل السيد عمر مكرم، إلا أنه لم يتحمل معارضته، فعزله من نقابة الأشراف، ونفاه إلى دمياط، ثم إلى طنطا حتى وفاته كما سلف القول.

وتلك جوانب أساسية من سيرته، ولكنها تظل قاصرة عن التعريف بشخصية السيد عمر مكرم تعريفًا شاملاً، ما لم تُضف إليها قيامه بوقف جميع أملاكه وتخصيص ريعها لتمويل كثير من أعمال البر الخاص والبر العام، وهذا يتطلب البحث عن الظروف التي أحاطت بقيامه بوقف أملاكه، وبالتطورات التي مرت بها هذه الوقفيات، وبالمآلات التي آلت إليها.

كانت وقفيته الأولى في سنة 1210هــ/1795م؛ أي بعد عامين فقط من توليه منصب «نقيب الأشراف» في سنة 1208هـ/1793م، وقبل ثلاث سنوات تقريبًا من الحملة الفرنسية على مصر في سنة 1213ه/1798م. وحجة تلك الوقفية صادرة من محكمة الباب العالي بمصر في 8 شوال 1210هـ، ومسجلة في سجلات وزارة الأوقاف برقم 135/3 أهلي. وهي وقف «مشترك» بين الأهلي والخيري، ولا يدل مضمونها على أنها كانت عملاً ذا صلة بتوليه منصب «نقيب الأشراف»؛ إذ لم يخصص شيئًا من ريعها «للأشراف»، أو لبعضهم بوصفهم أشرافًا مثلاً، كما لم يخصص شيئًا من ريعها على لزوميات قيامه بمهامه كنقيب لهم.

وتوالت وقفيات السيد عمر مكرم بعد ذلك؛ فكانت وقفيته الثانية التي أنشأها بموجب حجة صادرة من محكمة الباب العالي بمصر بتاريخ غرة ربيع الثاني 1235هــ، وهي مسجلة في سجلات وزارة الأوقاف برقم 153/3 أهلي/ب. واشتملت هذه الوقفية على ثلاثة أماكن مبنية، وربع وكالة تجارية، وربع سكني، وسبعة منازل سكنية، ونصف ريع ستة حوانيت، وتخت لاستخراج الزيوت، ومعصرة زيتون، ومرتبات غلال وعلوفة عثمانية.

وأنشأ وقفيته الثالثة بموجب حجة صادرة من محكمة الباب العالي بتاريخين أولهما 15 شعبان 1235هــ، وثانيهما 15 ربيع الأول 1235هــ، وهي مسجلة في سجلات وزارة الأوقاف برقم 2585/35 قديم. واشتملت هذه الوقفية على «جميع المكان الموجود بخط اسطبل الكارم بظاهر درب الجوهرية والجامع الأزهر. وجميع ملك البناء والخلو والسكنى والانتفاع والإذن بالعمارة بكامل المكان الكائن بمصر، بخط الأزهر بجوار درب الجوهرية المذكورة، الجاري أصله في وقف شرف الدين أبي السعادات محمد المسلمي. وجميع ملك قطعة الأرض الكائنة بمصر بالقرب من مطبخ الشورفية».

أما وقفيته الرابعة فقد أنشأها بموجب حجة صادرة من محكمة الباب العالي بتاريخ 15 شوال 1235هــ، وهي مسجلة في سجلات وزارة الأوقاف برقم 1837/32 قديم. واشتملت على جميع القاعة ومنافعها والحانوتين، والحاصلين، والربع علو ذلك بحارة اليهود القرائين بالشارع المسلوك بجهة درب الحبالة بمصر. وقد ألحق هذه الوقفية بسابقتها المحررة في غرة ربيع الثاني 1235هــ، وجعل شرطها وحكمها مثلها.

وله وقفيتان إضافيتان (الخامسة، والسادسة) وهما عبارة عن عقارات اشتراها في القاهرة وطنطا وقام بوقفها وإلحاقها بوقفياته السابق ذكرها. وقد صدرت الوقفية الخامسة بموجب حجة من محكمة مصر بتاريخ 5 رجب 1236هــ، وهي مسجلة في سجلات وزارة الأوقاف برقم 1822/3 قديم. وصدرت الوقفية السادسة بموجب حجة صادرة من محكمة مصر بتاريخ 11 ذي القعدة 1238هــ حررها ناظر أوقاف السيد عمر مكرم بما له من حق الشراء والإلحاق لأصل الوقف، وهي مسجلة في سجلات وزارة الأوقاف برقم 1239/73 قديم. وثمة حجج شراء وإبدال وتصرفات كثيرة يتضمنها ملف التولية رقم 2011، الخاص بأوقاف السيد عمر مكرم.

وتعتبر الوقفية الأولى المؤرخة في 8 شوال 1210هــ أكبر وقفياته، وهي أساسها جميعها؛ من حيث استناد وقفياته اللاحقة عليها، وإحالتها إليها في أحكامها وشروطها، ومن حيث ضخامة الأعيان التي وقفها بموجبها. وقد اشتملت هذه الوقفية الأولى على الآتي:

2- جميع قيراط واحد وسدس قيراط من إجمالي أربعة وعشرين قيراطًا على الشيوع في كامل الرزقة الأحباسية في أراضي ناحية قرية أسيوط وقراها الثلاث وهي: درنكة، وريضة، وشطب.

1- رزقة طين سواد صالحة للزراعة، كائنة بأراضي ناحية الزاوية بظاهر أسيوط من الجهة القبلية، وعبرتها عشرة قراريط من إجمالي أربعة وعشرين قيراطًا على الشيوع في كامل أراضي الناحية المذكورة (لم تذكر حجة الوقفية كم هي مساحة أراضي جهة الزاوية المشار إليها).

من المثير أن مستندات الوقف لا تتحدث عن مساحة هذه الأراضي الزراعية ولا توضح حدودها بالتفصيل كما جرت العادة في حجج الأوقاف الأخرى. ومن المثير أكثر أن كلاً من وزارة الأوقاف والمستحقين في أوقاف السيد عمر مكرم لاذوا جميعًا بالصمت أثناء خصومتهم الممتدة أمام القضاء المصري منذ خمسينيات القرن الماضي حتى اليوم، ولم يتطرقوا إلى تحديد مساحات الأراضي الزراعية التي وقفها السيد عمر مكرم، ولم تتضمن عرائض دفوعهم ودفاعاتهم سوى إشارة لمرة واحدة إلى أن مساحة تلك الأراضي كانت 962 فدانًا، وأن محمد علي باشا استولى عليها، وقرر لوقف السيد عمر مكرم بدلاً منها مرتب رزنامة (حكومي) بمبلغ 485 مليماً و14 جنيهًا مصريًا لا غير ولا تتغير بمرور الزمن، وأن وزارة الأوقاف منذ تنظرها على أوقاف السيد عمر مكرم في سنة 1952م، ظلت تصرف هذا المبلغ من وزارة الخزانة (المالية)، وأنه تم صرف هذا المبلغ للوزارة آخر مرة في سنة 1981م.

3- جميع مرتب العلوفة التي عبرتها 342 عثماني بدفتر جوالي مدينة منورة لقراءة قرآن عظيم الشان، وعلى أولاد وعيال وعتقاء الواقف بالمسجد الكائن بمدينة أسيوط.

4- جميع اثنى عشر قيراطًا من إجمالي أربعة وعشرين قيراطًا على الشيوع في كامل منفعة الخلو والسكنى والانتفاع، بكامل التسعة أماكن الصغار وقاعة الحياكة بمدينة أسيوط على أرض عمارة الجلاية.

5- جميع المنزل الصغير الذي علو الحوض المعد لشرب الدواب الكائن بمدينة أسيوط، المشتمل ذلك على مرافق وحقوق.

وقد تركزت أملاك السيد عمر مكرم التي وقفها في القاهرة وأسيوط، إلى جانب عدد قليل منها كان في طنطا، وبعض المدن الأخرى. وتوضح وثائق وقفياته ومستنداتها أن أعيان وقفياته الكائنة بالقاهرة شملت الآتي:

  1. كامل أرض وبناء العقار رقم 1 حارة حمدي قسم الظاهر.
  2. كامل أرض وبناء العقار رقم 1 عطفة علي قسم الجمالية.
  3. كامل أرض وبناء الدكان رقم 9 حارة الشحامين بالصاغة قسم الجمالية.
  4. الحصة 12 قيراطًا من 24 قيراطًا في كامل أرض وبناء العقار رقم 8 حمام الجمعة ببولاق.

أما أعيان وقفياته الكائنة في أسيوط فقد بلغت 83 عقارًا منها معصرة زيتون، وثلاث قاعات لحياكة الملابس، وطواحين غلال، وهي موزعة كالآتي:

  1. عدد 69 عقارًا (أرض وبناء) في شوارع ودروب وحارات مدينة أسيوط، مساحاتها مختلفة.
  2. عدد 12 قطعة أرض فضاء بمساحات مختلفة بنواح متعددة بمدينة أسيوط، مساحاتها مختلفة.
  3. قطعتان من الأرض الخَرِبة. القطعة الأولى برقم 16 ومساحتها 23.20 مترًا مربعًا بعطفة العمارة الغربية، والقطعة الثانية برقم 16 ومساحتها 42.30 متراً مربعاً بعطفة العمارة الشرقية.

وبقراءة شاملة لتلك الوقفيات، يتضح أن السيد عمر مكرم قد وجَّهها للصرف على خمس جهات: أحدها جهة بر خاص وهم الأهل والأقارب، وأربعة لجهات بر ومنافع عامة وهي:

  1. المساجد.
  2. الفقهاء وطلبة العلم بأروقة الأزهر الشريف.
  3. إفطار الصائمين وقراءة الأذكار والأدعية ودلائل الخيرات.
  4. مقارئ القرآن الكريم بعدد من مساجد آل البيت والأولياء بالقاهرة، وهي مقارئ: الإمام الحسين، والإمام الشافعي، والإمام الليث، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة، والسيدة سكينة.

وما يلفت النظر أن تلك الجهات الخمسة كانت في أغلبها تتلقى مستحقاتها في صورة عينية عبارة عن «قمح» بالأردب، و«خبز» بكميات مختلفة. أما الاستحقاق النقدي فكان محدودًا لعدد محدود من الأشخاص؛ إما في صورة مرتبات مقابل أدائهم بعض الوظائف في إدارة الوقفيات، أو للقيام بعمل إصلاحات أو عمارات في الأعيان الموقوفة، مثل شراء مستلزمات الترميم والفرش والإضاءة في المساجد وأروقة الأزهر وشراء طعام وتمر للصائمين مثلاً، وغالبًا ما كانت القيمة النقدية مقدرة بكمية من القمح، يتم بيعها ويصرف ثمنها للجهة أو المصلحة المقصودة.

وتفسير غلبة «القمح» و«الخبز» على استحقاقات الجهات الموقوف عليها مرده إلى أن قسمًا كبيرًا من أعيان الأوقاف كانت عبارة عن أرض زراعية شاسعة بمديرية أسيوط، وكانت تمد الوقف بإنتاجها من القمح، كما أن المعاملات النقدية كانت لا تزال محدودة في في مصر حتى الثلث الأول من القرن الثالث عشر الهجري/الربع الأول من القرن التاسع عشر الميلادي.

ومما تضمنته حجة وقفية 8 شوال 1210هــ من خيرات: 30 أردب قمح سنويًا في ثمن فرش ضريح سيدي جلال الدين السيوطي بالقرافة الكبرى بالقاهرة، وعلى السبيل الكائن بجواره، وفي عمل مولد في الضريح المذكور. و16 أردب قمح سنويًا لمن يكون إمامًا راتبًا بمسجد جلال الدين السيوطي في الأوقات الخمسة. و8 أرادب قمح سنويًا لمن يكون خطيبًا في يوم الجمعة. و35 أردب قمح لأربعة مؤذنين: رئيس ونفران معه ومساعد، يوم الجمعة وشهر رمضان وأيام المواسم، يؤذنون في الخمس أوقات، للرئيس 12 أردبًا، وللنفرين 20 أردبًا، وللمساعد 3 أرادب. و50 أردب قمح لعشرين نفرًا من قراء القرآن الكريم، وأردبان لمرقي الخطيب على المنبر، و3 أرادب لقارئ القرآن قبل صلاة العصر، وأردبا قمح لمن يقرأ سورة الكهف كل يوم جمعة، 15 أردب قمح لمن يكون سائقًا لساقية المسجد وتنظيف المغطس والحوض، و8 أرادب لملء السبيل ورش الماء أمام المسجد صباحًا ومساءً، و3 أرادب لمن يحضر قواديس للساقية، وكيزان للسبيل، وأباريق لشرب المصلين، و2.5 أردب قمح لنجار يعمر الساقية وأبواب المسجد. و2.5 أردب قمح لرجل يذكر الله في كل ليلة بعد صلاة العشاء بالمسجد المذكور، وأردبان لمن يحسن الإنشاد بالذكر، و3 أرادب لرجل يقرأ الورد بمقام سيدي مصطفى البكري، و4 أرادب لرجل يتقيد بحفظ خزينة الكتب، و4 أرادب لرجل يتقيد بمعرفة المواقيت. و10 أرادب قمح لفقيه يقرأ الفقه على مذهب الإمام مالك، و10 أرادب قمح لفقيه يقرأ الفقه على مذهب الإمام الشافعي. و20 أردب قمح يباع ويصرف ثمنه في شراء فول عليق ثيران الساقية لمدة 8 شهور، ويزرع فدان ونصف فدان برسيم لأكل تلك الثيران باقي السنة.

أما حجة ربيع الثاني 1235هــ، فقد نصت على استحقاقات من «الخبز»، وليس من القمح، ومن ذلك: 200 رغيف كل يوم للسادة المجاورين برواق الصعايدة بالجامع الأزهر، و1000 قرش رومي للسادة المجاورين برواق الصعايدة المرتب لهم الخبز المذكور، و100 رغيف للسادة المجاورين برواق الفشنية بالجامع الأزهر.

وتشمل مصارف ريع تلك الأوقاف خمسة مصارف هي: الصرف على مسجد الواقف بأسيوط، من حيث إقامة الشعائر وفرشه وصيانته وإلقاء الدروس الدينية فيه، وصرف خبز ومرتبات سنوية لطلبة الأزهر ومدرسيه، والصرف على مدفن الواقف وعمارته، والصرف على زاوية ومقام الشيخ أحمد الدرديري، وصيانة الأعيان الموقوفة، والصرف على أصحاب الاستحقاقات من أقارب الواقف وتابعيه وعتقائه.

وببحث الخيرات المشروطة في وقفية سنة 1210هــ تبين أنها عبارة عن: 228 أردب قمح لمسجد الواقف بأسيوط، وثمن الأردب 400 قرش، بإجمالي 912 جنيهًا مصريًا سنويًا فقط لا غير. و145 أردب قمح للمقارئ الكبرى بالقاهرة، وثمن الأردب 440 قرشاً بإجمالي 1800 جنيه مصري سنويًا فقط لا غير. و62 أردب قمح، وثمن الأردب 400 قرش بإجمالي 248 جنيهًا مصريًا سنويًا فقط لا غير.

أما الخيرات المشروطة في حجة وقفية سنة 1235هــ، فكانت عبارة عن 20800 رغيف سنويًا للمقارئ الكبرى بالقاهرى، و160500 رغيف سنويًا للأزهر الشريف، وسعر الرغيف الواحد خمسة مليمات، بإجمالي 906 جنيهات ونصف جنيه مصري فقط لا غير. و1000 قرش رومي، تساوي عشرة جنيهات مصرية سنويًا لرواق الصعايدة، و13000 نصف فضة سنويًا تساوي 28.880 جنيهًا مصريًا سنويًا لملء الصهريج الكائن بجوار منزل الواقف، والصهريج الكائن بجوار حوش مدفن الواقف، وفي قراءة قرآن كريم، وفي مصالح ومهمات وشعائر مسجد سيدي أحمد الدردير. وكل 90 نصف فضة تساوي 20 قرشًا مصريًا بحسب نص حجة الوقف. وما يلزم لعمارة المدفن الكائن بالقرافة الكبرى وما به من الترب، وما يلزم لعمارة مدفن جلال الدين السيوطي وعمل مولد سنوي وملء السبيل المجاور له. وقدر لهذه المصالح 150 جنيهًا مصريًا سنويًا. ويكون إجمالي المبالغ المشروطة بالحجتين 2435.380 جنيهًا مصريًا سنويًا. وقدرت الوزارة مصروفات مسجد الواقف بأسيوط بمبلغ 1997 جنيهًا في سنة 1981م، فيكون الباقي بعد خصم هذه المصروفات هو 438.380 جنيهًا وهذا لا يكفي المشروط صرفه على المقارئ والأزهر وقراءة القرآن والأذكار ودلائل الخيرات التي تبلغ 1523.380 جنيهًا سنويًا بحسب تقديرات وزارة الأوقاف ابتداءً من ستينيات القرن الماضي.

وتكشف مستندات «ملف التولية رقم 2011/1» الخاص بالتصرفات التي حدثت لأوقاف السيد عمر مكرم عن كثير من التطورات التي مرت بها، والمآلات التي آلت إليها تلك الأوقاف، ومن ذلك: أنه وزارة الأوقاف قدرت في سنة 1981، و1982م، و1984م، و1986م، جملة الخيرات المشروطة في وقفياته بحسب أسعار سنة 1952م، وخلصت إلى أن ما تحتاجه هذه الخيرات المشروطة أكبر من ريع تلك الأوقاف، وعليه فليس للمستحقين الأفراد من أقارب الواقف ريع يأخذونه، ورأت الوزارة أيضًا أن أعيان الوقف كلها خيرية وليس لأحد استحقاق فيها. ولكن هل حسم ما توصلت إليه الوزارة الخلاف بينها وبين المستحقين في أوقاف السيد عمر مكرم؟

الإجابة على هذا السؤال لم تنحسم حتى اليوم، ولا تزال قيد البحث والتداول في أروقة وزارة الأوقاف ووزارة العدل وأروقة المحكام منذ سنة 1952م، والله وحده يعلم متى تكتب الإجابة التي تحسم هذا الخلاف.

لقد استندت وزارة الأوقاف في الإجابة التي تقدمها وتتمسك بها إلى نصوص حجج أوقاف السيد عمر مكرم، وبخاصة وقفية 8 شوال 1210هــ، ووقفية 5 رجب 1227هــ، ووقفيات سنة 1235هــ. وقدرت حصة الخيرات التي اشترطها الواقف بحسب أسعار سنة 1952م تاريخ إلغاء الوقف الأهلي في مصر. وتوصلت -كما سلف القول- إلى أن ريع أعيان الوقف لا يكفي حصة الخيرات المشروطة، وعليه فإن هذا الوقف خيري ولا استحقاق لأحد فيه. فبحساب جملة ريع أوقاف السيد عمر مكرم الكائنة في القاهرة وأسيوط في سنة 1952م، توصلت وزارة الأوقاف إلى أنها بلغت 816.044 جنيهًا في تلك السنة؛ بينما المشروط صرفه للخيرات هو مبلغ 2435.380 جنيهاً سنوياً بحسب أسعار سنة 1952 أيضاً.

أما أصحاب الاستحقاق في ريع تلك الأوقاف فقد ذهبوا إلى أن حصة الخيرات فيها تعادل 2.6% فقط من جملة الريع السنوي، وتوصلوا إلى تقدير هذه النسبة في ضوء بعض المعلومات التي وردت في مصادر تاريخية ترجع إلى زمن نشأة أوقاف السيد عمر مكرم، وفي ضوء مستويات الأسعار التي كانت سائدة وقت تأسيسه لتلك الوقفيات في أواخر القرن الثامن عشر، وفي الربع الأول من القرن التاسع عشر. كما استندوا إلى تقرير أعده خبيران بشأن المادة (289) لسنة 1952م -تصرفات محكمة القاهرة الشرعية- وقد ورد فيه أن تقدير ريع الوقف وحصة الخيرات وقت صدور حجة الوقف هو الصحيح، وذلك تطبيقًا لأحكام م/36 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946م، وهي التي تقضي بتقسيم الغلة بين أصحاب المرتبات والموقوف عليهم، على أنه إذا نقصت أعيان الوقف تنقص حصة الخيرات والاستحقاقات الأخرى بنفس نسبة النقصان.

وقد أقرّت وزارة الأوقاف أنه لم يبق تحت يدها من أعيان الوقف سوى العقارات المبنية في القاهرة وأسيوط، وأنها لا تعرف شيئًا عن الأراضي الزراعية التي وقفها السيد عمر مكرم (حوالي 1000 فدان)، وأن محمد علي باشا لما استولى على تلك الأراضي صرف له بدلاً منها مرتب رزنامة بمبلغ 15.458 جنيهاً في السنة.

وطبقًا لتقديرات تقرير الخبيرين المشار إليهما فإن صافي ريع أعيان الوقف مبلغ قدره 65784.25 ريالاً فقط، وأن صافي ريع العقارات المبنية مبلغ 9310 ريالاً فقط (كان الريال عملة متداولة في مصر في تلك الفترة)؛ أي أن ريع العقارات المبنية لا يمثل سوى 14.5% فقط من جملة صافي الريع، وأن ما نقص من أعيان الوقف يمثل 85% من جملته، وهذا النقص يتبعه -حسب رأي المستحقين خصوم وزارة الأوقاف- وطبقًا لنص م/36، وم/38 من قانون الوقف لسنة 1946م؛ أن تنقص الخيرات بنفس نسبة ما نقص من أعيان الوقف، وعليه لابد من احتساب نسبة الخيرات إلى الوقف وقت صدوره، وليس في وقت آخر كما ذهبت وزارة الأوقاف. وعليه فقد توصل المستحقون إلى أن حصة الخيرات طبقًا لأسعار سنة 1952م، وطبقاً لنسبتها (لا لأسعارها) في سنة 1952م، قدرها 21 جنيهاً و600 مليم تقريباً.

وبهذا تكون أوقاف السيد عمر مكرم قد دخلت في حالة «اللا معقول»؛ بدليل وجود هذا الفرق الشاسع بين تقدير وزارة الأوقاف لحصة الخيرات في تلك الأوقاف سنة 1952م بمبلغ 2435 جنيهًا و380 مليمًا، وتقدير المستحقين لتلك الحصة في السنة نفسها بمبلغ قدره 21 جنيهًا و600 مليم، والسبب هو اختلاف طريقة الحساب لدى كل من الطرفين. وترسخت حالة «اللا معقول» هذه بتمسك وزارة الأوقاف بوجهة نظرها وما انتهت إليه من أنه لا استحقاق لأحد في أوقاف السيد عمر مكرم وأنها كلها خيرية تخضع لإدارة الوزارة وتصرفها وحدها، في مقابل تمسك المستحقين من ذرية الواقف وأقاربه من أن حصة الخيرات تعادل 2.6% فقط من جملة ريع الوقف، ولا زال الخلاف قائمًا بين الطرفين، ولا تزال أوراق هذه القضية تتداولها لجان القسمة وتقارير الخبراء وأحكام المحاكم.

ولو أن تلك الوقفيات التي أنشأها السيد عمر مكرم سارت في مسارها المرسوم لها؛ لكانت أنفع لوزارة الأوقاف ولجميع جهات البر والخيرات التي خصصها لها، ولذاعت شهرتها في تمويل أعمال المنافع العمومية والأهلية، ولتفوقت على شهرة سرادقات العزاء التي تقام في المسجد الذي يحمل اسم «عمر مكرم» بميدان التحرير.