«يزي – كفى» هو عنوان الحملة التي أطلقها الأهالي بمحافظة صفاقس بتاريخ 22-02-2017 لتتواصل في شكل اعتصام مفتوح للمطالبة بغلق الشركة الصناعية للحامض الفوسفوري والأسمدة ( SIAPE )[1]. ولا يختلف المشهد كثيرًا في محافظة قابس المجاورة لها في الجنوب التونسي بعد أن قامت مكونات المجتمع المدني يوم 23-02-2017 بتنفيذ وقفة احتجاجية أمام مقر الولاية تنديدًا بتواصل سكب مادة الفوسفوجيبس في البحر، وهو ذات المشهد المتكرر في عدد آخر من المحافظات على غرار محافظة قفصة التي تتمركز فيها شركة فسفاط قفصة. وإن بدا ما ذكر أكثر مظاهر التلوث المتداولة إعلاميًا إلا أنها لا تخفي حجم التلوث الخطير الذي تعيشه البلاد التونسية عامة، وهو ما بينه مؤخرًا تقرير صادر عن معهد التأثيرات الصحية الأمريكي لتقييم وضع التلوث الهوائي في العالم تحت عنوان «وضع الهواء في العالم »، وكشف هذا التقرير أن تلوث الهواء مسؤول في تونس عن مقتل 4500 شخص في 2015 وذلك نتيجة التعرض له لفترات ممتدة [2].

تعكس هذه التحركات الوعي المجتمعي بأهمية القضايا البيئية رغم أولوية الهاجس الاقتصادي والأمني وضرورة الضغط على السلطة التنفيذية من أجل فرض الحق في بيئة سليمة [3]. أما السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة فتعجز عن تنفيذ قراراتها وفرضها على الشركات الملوثة والإيفاء بوعودها من ذلك القرار المتعلق بغلق معمل السياب بصفاقس والذي صدر منذ سنة 2008، والذي تم تأكيده من قبل كل الحكومات المتعاقبة على الحكم إلى حد اللحظة والذي تؤجله الشركة في كل مرة لارتباطه بتشغيل مصنع المظيلة 2 بولاية قفصة، كما أن القرار الصادر عن المجلس الوزاري المضيق الذي انعقد يوم الخميس 25 جوان 2015 بقابس والذي وعدت فيه الحكومة بالوقف النهائي في موفى 2016 لسكب مادة الفوسفوجيبس الملوثة في البحر ونقل هذا المصب إلى منطقة «المخشرمة» من مدينة وذرف – ولاية قابس لدفن آلاف الأطنان من مادة الفوسفوجيبس يوميًا أخل به المجمع الكيميائي بقابس ليصبح في موفى جوان 2017.

يلاحظ كذلك أن هذه الحلول المقترحة لا تنهي التلوث بصفة نهائية وإنما تنقله من منطقة إلى أخرى استجابة في كل مرة للضغط المجتمعي، وهي حلول قد تواجه باحتجاجات عمالية في صورة غلق المصانع التي تستوعب عددًا هامًا من الإطارات والعاملين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

تبدو الحكومة إذن أمام معادلة صعبة بين المحافظة على مواطن الشغل وبين القضاء على التلوث، وهي معادلة لم يخلُ منها الدستور التونسي أيضًا الذي كرس في عدة مواضع الحق في البيئة وخاصة في الفصل 45 من الدستور التونسي الذي جاء ناصا على أنه: «تضمن الدولة الحق في بيئة سلمية ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ، وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي»، والذي يقرن بصفة متواترة بين البيئة والاستدامة ما من شأنه أن يغلب المقاربة الاقتصادية على المقاربة البيئية الصرفة، كما أن «هيئة التنمية المستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة» التي نص عليها الفصل 129 من الدستور [4] لم يقع إحداثها بعد ولم تتم المصادقة على قانون أساسي خاص بها، علاوة على صلاحياتها الاستشارية المحدودة في مشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وفي مخططات التنمية. [5]


[1] مصنع السياب يفرز سنويًا أكثر من 500 ألف متر مكعب من السوائل الملوثة التي يلقيها في البحر على غرار الكبريت والفليور والفسفور، ويخلف أكثر من 200 ألف طن من المواد الصلبة والمسرطنة مما يتسبب بتلويث المائدة المائية على مساحة 280 هكتار: الأرقام المقدمة من قبل تنسيقية ائتلاف بيئة وتنمية صفاقس.[2] رابط التقرير: https://www.stateofglobalair.org/sites/default/files/SOGA2017_report.pdf[3] أظهر استطلاع للرأي حول الوضع البيئي أنجزته مؤسسة”هاينريش بول” بالتعاون مع مكتب الدراسات “وان تو وان” أن 8 تونسيين من أصل 10 يرون أن الشأن البيئي يعنيهم جدًا أو يعنيهم إلى حد ما، كما أكد 7 تونسيين من أصل 10 رغبتهم في تغيير عادات استهلاكهم للطاقة لمصلحة الأجيال القادمة 7 من أصل 10 تونسيين. ورغم تردي الوضع البيئي في تونس إلا أن المشاكل البيئية لم تكن من أولويات المواطن التونسي؛ نظرًا لأهمية الوضع الاقتصادي والأمني. وشمل الاستطلاع 1000 عينة من التونسيين في سن الانتخاب وممثلين عن 24 ولاية، حيث تم اختيارهم بطريقة عشوائية لتحديد تصوراتهم تجاه البيئة – للاطلاع على نتائج الاستطلاع:https://tn.boell.org/sites/default/files/communique_de_presse_f.pdf[4] الفصل 129 من الدستور: “تستشار هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة وجوبًا في مشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وفي مخططات التنمية، وللهيئة أن تبدي رأيها في المسائل المتصلة بمجال اختصاصها.تتكون الهيئة من أعضاء من ذوي الكفاءة والنزاهة يباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها ست سنوات”.[5] لمزيد من الاطلاع: مقال “الحق بالبيئة في الدستور التونسي الجديد” الأستاذ وحيد الفرشيشي – نشر بالعدد 21 من مجلة المفكرة القانونية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.