بما أننا نمر على فترتي انتقالات في كل موسم كروي، يقفز أمامنا في كل مرة عدد من المعايير، يدعي أصحابها أنها لتقييم أسعار اللاعبين. من عمر اللاعب، إلى مركزه هجومًا أو دفاعًا، مرورًا بجودته واحتمالية تطوره في المستقبل، وانتهاءً بعدد السنوات المتبقية في عقده مع ناديه الحالي.

لكن تظل هذه المعايير تحت رحمة أطراف التفاوض الأربعة، النادي البائع، والمشتري، واللاعب، ووكيله، وحسب تباين قوة الأطراف تُحترَم القيمة السوقية أو تقل، أو تزيد بشكل جنوني كما اعتدنا في الآونة الأخيرة. المهم، أن الأطراف ستتفق في النهاية على مبلغ مالي، لكن ماذا لو كانت الأموال غير متاحة؟

زمن المقايضة

هنا نحن لا نتحدث عن العجز، لكننا نقصد عدم وجود المال من الأساس، وكأننا في زمن المقايضة، حيث كان الناس يشترون السلع عبر استبدالها بأخرى. وعلى هذا المنوال، بإمكانك تفكيك أي قيمة انتقال للاعب، إلى عدد من البضائع والسلع.

حاولت قناة «Oh My Goal» على اليوتيوب، تحويل مبلغ انتقال البرازيلي نيمار، من برشلونة إلى باريس سان جيرمان بهذه الطريقة، حيث كان يمكن لنادي العاصمة الفرنسية استبدال الـ 248 مليون دولار، بطائرتين من طراز «Airbus a320»، زائد 13 سيارة من نوع «Bugatti Chiron» الأغلى في العالم لعام 2019، أو عدد 310 ألف هاتف آيفون من نوع «iphone 11s»، ويمكنك أيضًا تخيل بدائل أخرى قدر استطاعتك.

طبعًا، الحديث عن المقايضة المتخيلة في ظل الأسعار الحالية يبدو دربًا من الجنون، لكنه بالتأكيد يذكرك بقصص سمعتها من اللاعبين القدامي، خاصةً في منطقتنا العربية، عندما يتحدثون عن صفقات انتقالهم في سن صغيرة، مقابل عدد من الكرات أو القمصان أو أدوات التدريب.

ويمكننا بالطبع مد الخط على استقامته لنتخيل مثل هذه الصفقات، في أدغال أفريقيا عندما كانت أدغالاً لنتخيل شراء لاعبين مقابل أبقار أو دجاج أو كيلوات من اللحم، وهنا يبدأ الأمر في التحول من الطابع الاقتصادي إلى الكوميدي، وتبدأ قائمة الغرائب والطرائف بالامتلاء، لكننا هذه المرة سنملأها من قارة أوروبا.

لاعب = قميص + كرة

البداية ستكون مع إنجلترا، حيث قلب الدفاع الإنجليزي «زات نايت»، والذي قضى معظم مسيرته في نادي فولهام بين عامي 1999 و2007. ورغم كوننا على أعتاب الألفية الجديدة، إلا أن المقابل المادي لصفقة انتقاله إلى فولهام كان لا يتوافق أبدًا مع تلك الحقبة. حيث أرسل رئيس النادي في ذلك الوقت، المصري محمد الفايد 30 بدلة رياضية لنادي «Rushall Olympic» القابع في درجات الهواة، تعبيرًا عن امتنانه لهم.

وإن كنت ستنسب الأمر لجنسبة رئيس النادي، فأنصحك بالتمهل، لأنه وعلى ما يبدو أن المقايضة كانت عرفًا في فرق دوري الهواة في إنجلترا. لدينا على سبيل المثال أحد نجوم ليفربول السابقين، «جون بارنز» والذي كان يعتبره الكثيرون في وقته واحدًا من أكثر اللاعبين تكاملاً.

انضم «بارنز» لليفربول في صيف عام 1987، قادمًا من نادي واتفورد، وقضى مع الريدز 10 سنوات بالتمام والكمال. لكنه قبل ذلك، انضم لواتفورد قادمًا من نادي «Sudbury Court» الهاوي، مقابل عدد من الأطقم الرياضية. ويبدو ذلك ثمنًا رخيصًا جدًا إذا علمنا أن واتفورد باعه بعد سنوات بمبلغ 900 ألف باوند، ليصبح «بارنز» -الجامايكي الأصل- لاعبًا دوليًا للمنتخب الإنجليزي.

وفي الفترة نفسها تقريبًا، تواجد أحد أفضل المدافعين مع مانشستر يونايتد، الإنجليزي «جاري باليستر»، والذي ضمه السير أليكس فيرجسون في عام 1989 من نادي ميدلزبره، بمبلغ 2.3 مليون باوند، كأغلى لاعب إنجليزي في تلك الفترة. الغريب أن ميدلزبره قد تعاقد مع «باليستر» قبل 4 سنوات من نادي «بيلينجهام Billingham»، نظير شبكة وكرة وعدد من القمصان.

لكن إن تذكرنا أن الأساس في المقايضة هو الحصول على ما ينقصك، فإن احتياجات الأندية ستتجاوز القمصان والكرات، لتصل إلى ما لا يمكنك توقعه.

لاعب = وزنه جمبري

كانت الصالة الرياضية الجيم لنادي «Greenwhich Borough» بحاجة لبعض الأوزان، ولم يجدوا مصدرًا لجلبها سوى بيع اللاعب الشاب «إيان رايت» لنادي كريستال بالاس، والذي سيبيعه بعد ذلك لأرسنال في عام 1991، بـ 2.5 مليون باوند، ليتحول إلى واحد من أهم المهاجمين في إنجلترا، وثاني الهدافين التاريخيين للجانرز برصيد 185 هدفًا.

أما نادي «Godoy Cruz» الأرجنتيني، فكان يحتاج إلى طلاء ملعبه بلون جديد، فقرر الحصول على 40 لترًا من الطلاء، مضافًا إليه مرميين وشبكة لكل مرمى، نظير انتقال الأرجنتيني «فرانكو دي سانتو» إلى نادي «Audex Italiano» التشيلي. ثم سينتقل «دي سانتو» بعد ذلك إلى أوروبا عبر بوابة تشيلسي الإنجليزي، لكنه لم يقدم المنتظر منه، ليخرج ويطوف أندية أوروبا، منها ويجان، شالكه، فيردر بريمين، رايو فاليكانو.

ومن طلاء الحوائط وإكمال معدات الصالة الرياضية إلى مقابل أغرب، حدث مع انتقال المهاجم «كولينز جونز» في بداية مسيرته. قد يكون الاسم مألوفًا لدى جماهير البريميرليج، التي عرفت المهاجم الهولندي الفائز مع منتخب بلاده ببطولة كأس أمم أوروبا تحت 21 عامًا في عام 2006، من خلال نادي فولهام.

كان فولهام قد تحصل على خدمات «كولينز» من نادي تيفينتي الهولندي، الذي اشتراه في عمر السابعة عشر، من نادٍ صغير يدعى «DES Nijverdal»، مقابل عدد من الكتب والمراجع العلمية، لمساعدة طلاب المدرسة المحلية لمدينة «نيفردال» الهولندية.

وأخيرًا وصلنا إلى الحالة الأغرب، والتي على ما يبدو حدثت بسبب شعور إدارة النادي البائع بالجوع. في عام 2002، كان المهاجم النرويجي «كينيث كريستنسن» يقدم بداية موسم ممتازة مع فريقه «Vindbjart» بالدرجة الثالثة بالنرويج. حينها طلب نادي «Floey» التعاقد معه، وبدلاً من أن تطلب الإدارة وزنه ذهبًا تعبيرًا عن قيمة اللاعب، طلبوا ما يوازي وزنه جمبري.

صعد «كينيث» على الميزان، وتبين أن وزنه 75 كيلو جرامًا، حينها قال رئيس نادي «فلوي»: «لا مشكلة، نملك ما يكفي من الجمبري»، وتمت الصفقة.

وعلى نفس النهج، وفي الدرجات الدنيا بالدوري الروماني، كان نادي «CS Jiul Petrosani» يمر بضائقة مالية، فقرر رئيسه بيع متوسط ميدانه «أيون رادو» لنادي «Chimia Ramnicu Valcea»، مقابل طنيّن من لحم البقر والخنزير، باعها فيما بعد لتوفير المال اللازم للمرتبات.

قد تكون تلك الصفقات الغريبة قد انتهت في عصرنا الحالي، لكن المقايضة ستظل قائمةً في الكثير من الدول التي لم يطلها ذلك التطور في كرة القدم ومداخيلها، وحتى نرى المزيد من الطرائف، كان هذا أغرب ما أنتجه لنا نظام المقايضة.