«لا مفاجأة» هكذا عبر الكاتب المقرب من دوائر الحكم في أنقرة «عبد القادر سلفي» عن شائعات ترشيح الحزب لـ«بن علي يلدريم» كمرشح أوحد لخلافة رئيس الحزب المتنحي أحمد داود أوغلو على إثر الخلاف الذي تصاعد مؤخرا بين داود أوغلو وبين زعيم الحزب الفعلي وصاحب الصوت الأعلى فيه، أردوغان. الأمر الذي أصبح واقعا وحقيقة بعد إعلان الناطق الرسمي باسم الحزب عمر جليك ترشيح يلدريم لخلافة داود أوغلو عقب مؤتمر الحزب في الثاني والعشرين من مايو/أيار الجاري. استمر الحزب في سنته التي استنها منذ 2001، مرشح واحد بلا منافسين. تم اختيار المرشح عن طريق استفتاء داخلي وزِّع على قيادات الحزب البرلمانية والمحلية والتنظيمية خلال الأسبوع الماضي. تصدر وزير المواصلات والاتصالات بن علي يلدريم نتائج التصويت متقدما على نائب رئيس الوزراء نعمان قورتلموش، ووزير العدل بكير بوزداغ. أحكم أردوغان بـ (يده اليمنى) قبضته على الحزب.


الصاعقة .. في البدء كانت اسطنبول

بدأت علاقة أردوغان بيلدريم حين انتخب الأول عمدة لمدينة اسطنبول عام 1994. كانت اسطنبول غارقة في بحر من النفايات، وتلوث الهواء ومياه البوسفور، بالإضافة إلى انقطاع وتلوث مياه الشرب. فاقم كل هذا اختناق المواصلات في المدينة الأكثر ازدحاما بتركيا. كان طريق الانتقال الوحيد بين شطري اسطنبول الآسيوي والأوروبي يمر عبر الجسرين المعلقين على البوسفور؛ واللذان أصبح المرور عبرهما ضربا من أنواع العذاب. دشن أردوغان مشاريع كبرى منذ توليه بلدية اسطنبول لحل مشكلة المواصلات المزمنة. وكان يده اليمنى في ذلك موظف تكنوقراطي يعمل مديرا للمواصلات البحرية في اسطنبول ويدعى «الصاعقة». يلدريم «والتي تعني الصاعقة باللغة التركية» قاد ثورة في المواصلات في تركيا ابتدأها في التسعينات من اسطنبول حيث تم تسيير خطي عبارات لنقل المواطنين بين ضفتي البوسفور لتخفيف الضغط على الجسرين المكتظين. في البدء كانت العبارتين، في البدء كانت اسطنبول، ثم أصبحت تركيا مركز مواصلات العالم.

http://gty.im/514027192


شرعية الإنجاز

مع انفصال أردوغان ورفاقه جول وأرينتش عن حزب الفضيلة الذي يتزعمه نجم الدين أربيكان،إثر حظر الحزب، وتأسيسهم لحزب جديد تحت اسم العدالة والتنمية بدؤوا في دعوة الكفاءات المناسبة والتي تتفق مع رؤيتهم للانضمام إلى الحزب الجديد. دعا أردوغان صديقه «التكنوقراطي» – والذي لم يسبق له المشاركة في العمل السياسي الحزبي- ليكون ضمن قائمة المؤسسين الأوائل للحزب الجديد، ولبى يلدريم الدعوة.

أُوكل إلى يلدريم منصب وزير النقل والاتصالات على مدار حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة من 2002 إلى 2013 «باستثناء الفترات التي كان يجب على وزير المواصلات فيها الاستقالة قبيل الانتخابات البرلمانية العامة» ومن نوفمبر 2015 إلى الآن. قاد يلدريم وزارة المواصلات والاتصالات لتصبح واحدة من أهم نجاحات العدالة والتنمية التي يتباهى بها الحزب؛ وكان لاسطنبول نصيب الأسد. فمن نفق قطار «مرمراي»، الذي سمح بانتقال القطارات بين الشقين الآسيوي والأوربي لاسطنبول، إلى الجسر الثالث «جسر السلطان سليم» الذي من المتوقع أن يسمح بمرور 270 ألف سيارة يوميا من خلاله، ومن مشاريع نفق (أوراسيا) -الأول من نوعه في العالم – الذي سيسمح بمرور السيارات والسكك الحديد من خلال طوابقه الثلاثة، إلى مطار اسطنبول الثالث والأكبر في العالم.

ازداد طول الطرق السريعة عبر البلاد من 6000 إلى 18000 كم، تضاعف عدد الأنفاق 4 أضعاف، وبنيت الجسور لتختصر المسافات بين المدن الكبرى. أدخلت خطوط القطار السريع لتصل أنقرة بقونية وإسكي شهر ومن المتوقع أن تكتمل في 2023 بوصل أنقرة باسطنبول لتختصر مدة السفر بين المدينتين إلى النصف. وبجانب تطوير الخطوط الجوية التركيةـ، جددت المطارات القديمة ووسعت وبنيت عشرات المطارات الجديدة، ليصل عدد المسافرين عبر المطارات التركية إلى 50 مليون شخص خلال الربع الأول فقط من عام 2016.


صديق أردوغان الأمين

طوال السنوات الماضية تجلت العلاقة الوطيدة التي تجمع بين أردوغان ويلدريم. فيلدريم كان على طول الخط أحد أكثر قيادات العدالة والتنمية ولاء لأردوغان خاصة خلال الفترة العصيبة التي مر بها الحزب في 2013 و 2014. قام يلدريم بحظر تويتر على إثر رفض الشركة حذف حسابات قامت بنشر تسجيلات صوتية ، ثبت لاحقا أنها مفبركة، بين قيادات منتمية للعدالة والتنمية إبان أزمة «الانقلاب القضائي» في ديسمبر/كانون الأول عام 2013 والتي قادها تنظيم فتح الله كولن، الأمر الذي تكرر مع التسريب الذي تم التصنت فيه على قيادات الدولة التركية أثناء مناقشة قضايا الأمن القومي واحتمال التدخل العسكري في سوريا. في ظل هذه الأزمة حملت الانتخابات المحلية في مارس/آذار 2014 أهمية غير عادية إذ مثلت استفتاء على مستقبل أردوغان ومستقبل العدالة والتنمية ككل. أقال أردوغان رجله القوي من وزارة النقل ليدفع به في مواجهة حزب الشعب الجمهوري في عقر داره، إزمير. اكتسح العدالة والتنمية الانتخابات المحلية، إلا أن يلدريم لم ينجح في إسقاط حزب الشعب خارج قلعته رغم النتيجة الكبيرة التي حققها.

لاحقا، وعندما انتخب أردوغان رئيسا للجمهورية – في أول تصويت شعبي مباشر لاختيار رئيس الجمهورية في تاريخ الجمهورية التركية – كان اسم بن علي يلدريم مرشحا بقوة لخلافته، إلا أن أسهم داود أوغلو، المفكر والدبلوماسي القدير والذي يحظى بقاعدة أوسع من التوافق بين تيارات الحزب، في مقابل يلدريم المحسوب بشكل كامل على تيار أردوغان، كانت الأوفر حظا. اختار أردوغان داود أوغلو كمرشح وحيد لخلافته،وانتخبه قيادات العدالة والتنمية رئيسا جديدا للحزب في مؤتمر تغيب عنه يلدريم.

أردوغان على الرغم من ذلك استرضى صديقه الأمين، والذي تعرض لصفعتين متواليتين – في إزمير وفي مؤتمر الحزب – نزولا على رأي صديقه أردوغان، بأن اصطحبه معه إلى القصر الرئاسي الجديد كأحد أهم مستشاريه. حرم قانون الفترات الثلاث يلدريم من الترشح لانتخابات يونيو/حزيران 2015 البرلمانية، لكن هذا البرلمان على أية حال فشل في تشكيل الحكومة على إثر خسارة العدالة والتنمية لأغلبيته القديمة وفشل أحزاب المعارضة في التوافق حول حكومة ائتلافية، لتتجه البلاد إلى الانتخابات المبكرة في نوفمبر/تشرين الأول من العام ذاته. انتصر العدالة التنمية انتصارا مؤزراـ، وعاد يلدريم إلى قبة البرلمان، وإلى وزارة المواصلات.

http://gty.im/498936412


مستقبل العدالة والتنمية تحت رئاسة يلدرم

أتى اختيار بن علي يلدريم لخلافة داود أوغلو كنتيجة طبيعية للمميزات التي يتحلى بها. فيلدريم أولا شخصية قوية تتمتع بكلا الشرعيتين، شرعية النجاح والإنجاز وشرعية كونه أحد قيادات الحزب ومؤسسيه الأوائل، مما يجعله اختيارا مناسبا لملء الفراغ في رئاسة الحزب الذي خلفه غياب شخصيتين كاريزميتين بقامة داود أوغلو ومن قبله أردوغان. وثانيا كونه أكثر ولاء وقربا لأردوغان مما يعني قدرته على العمل بتناغم أكبر مع الرئيس الذي يريد أن يحكم إدارته لكل من الحكومة والحزب.

من المتوقع أن تتركز مهمة بن علي يلدريم في اتجاهين؛ الأول استكمال تنفيذ المشروعات الداخلية الكبرى ضمن رؤية «تركيا 2023»، مما يعني أيضا ترك ساحة السياسة الخارجية للتصرف الكامل لأردوغان ولوزير الخارجية المقرب منه جاويش أوغلو، والتي مثلت فيما مضى نقطة خلاف بين أردوغان ورئيس الوزراء السابق داود أوغلو. والثاني تمرير الانتقال إلى النظام الرئاسي الذي يطمح إليه أردوغان، والذي أعلن القيادي بالعدالة والتنمية «نور الدين جانيكلي» عن نية الحزب طرح مشروع تعديل دستوري بهذا الخصوص يشمل 5 مواد تتعلق بصلاحيات الرئيس والسماح له بالانتماء للأحزاب «ورئاستها» خلال يونيو/حزيران القادم.

سنبذل ما بوسعنا وسنعمل في انسجام تام مع مؤسس حزبنا ورئيس جمهوريتنا «أردوغان»، وكافة رفاقنا داخل الحزب، من أجل الوصول إلى أهداف تركيا الكبرى.

بنعلي يلدرم، اليوم على إثر إعلانه مرشحا لرئاسة حزب العدالة والتنمية

من المتوقع أيضا أن تشهد وزارة بن علي يلدريم التي ستتشكل خلال الأيام القادمة عددا من التغييرات تشمل،بحسب صحيفة «حرييت» التركية، رحيل نائب رئيس الوزراء لطفي علوان وعدد من الوزراء المقربين من داود أوغلو، وعودة القيادات المحسوبة على تيار أردوغان كنهاد زبكجي -وزير الاقتصاد السابق- وربما دخول وزراء جدد كمصطفى شنتوب.

يلدريم، والذي تعود أصوله إلى محافظة «أرزينجان» ذات الأغلبية الكردية، قرر أن يستهل مهام وضعه الجديد بزيارة أهالي الجنود والمواطنين في ديار بكر الذين فقدوا حياتهم خلال الصراع الذي تخوضه الدولة التركية مع تنظيم حزب العمال الكردستاني PKK الإرهابي. صراع يمثل أولوية كبرى للدولة الساعية إلى الحفاظ على وحدتها واستمرار مسيرتها بغية الوصول إلى هدف «تركيا الجديدة» 2023. هدف ستسير إليه تركيا عبر طرقات بن علي يلدريم.