ما زال اليمنيون يعانون منذ انقلاب الحوثيين في سبتمبر/أيلول 2014، وعلق الكثير منهم الآمال على نجاح عاصفة الحزم التي أطلقتها السعودية في مارس/آذار 2015 من أجل دعم الشرعية. وبهذا تحولت اليمن لساحة حرب بالوكالة، امتدت أخيرًا لتشمل تهديد الممرات الدولية، مع استمرار فشل المبادرات السياسية ودخول الأطراف الدولية في الأزمة.


ماذا يجري الآن

تعيش اليمن حالة من التصعيد العسكري، بعد فشل المبادرات والحلول السياسية حتى الآن بين فريقي: الانقلاب (تحالف الحوثي – صالح)، والشرعية التي يمثلها الرئيس منصور هادي؛ بدعم من التحالف العربي. وآخر هذه المحاولات السياسية كانت مباحثات الكويت التي انتهت في أغسطس/آب الماضي.

مع عدم الوصول لحل سياسي حتى الآن، لم يكتف الحوثيون بالتصعيد العسكري ضد الداخل أو السعودية؛ ولكن بدأوا في استهداف ممرات الملاحة الدولية

فمن ناحية، يتمسك هادي بشروط للمصالحة، ومنها قرار مجلس الأمن رقم (2216)، والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني،وأبرز ما فيها تسليم الانقلابيين أسلحتهم والانسحاب من صنعاء، ثم بعد ذلك البدء في الترتيبات السياسية بتشكيل حكومة انتقالية ووضع دستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

وفي المقابل، يتمسك الانقلابيون بموقفهم، إلى جانب مراوغتهم بإعلانهم الاستعداد للتفاوض؛ ولكن سرعان ما يتراجعون ويقصفون المدن المحاصرة مثل تعز، أو الحدود السعودية، وآخر تلك الهجمات كان إطلاق صاروخ «بركان 1» – يصل مداه إلى 800 كم – على مدينة الطائف، وهي تبعد 500 كم عن الحدود اليمنية السعودية، وهذا يؤكد حصول الانقلابيون على صواريخ متطورة من إيران.

ومع عدم الوصول لحل سياسي حتى الآن، لم يكتف الحوثيون بالتصعيد العسكري ضد الداخل أو السعودية؛ ولكن بدأوا في استهداف ممرات الملاحة الدولية حيث قصفوا أول أكتوبر/تشرين أول الحالي سفينة المساعدات الإنسانية الإماراتية «سويفت» في مضيق باب المندب، وهو ما لاقى إدانات واسعة، وخاصة من قبل مجلس الأمن،فيما اعتبره التحالف العربي عملًا إرهابيًا.

في المقابل، كثف التحالف عمليات القصف على مناطق الحوثيين، حيث شن غارة يوم 8 أكتوبر/تشرين أول الحالي على قاعة مجلس عزاء في صنعاء تواجد فيها قيادات تابعة للمتمردين وقتل وأصيب فيها المئات. وكان لهذا الحدث أثر كبير، حيث أدانته حكومة هادي، إضافة للاستغلال الدولي للحادث للضغط على السعودية. وبعد ذلك أعلن التحالف أن الضربة جاءت نتيجة لمعلومات مغلوطة، وحمل رئاسة الأركان اليمنية مسؤولية الضربة .

ومع فشل المبادرات السياسية لحل الأزمة، رغم إعلان ولد الشيخ أوائل أغسطس/آب الماضي بدء جولة جديدة من المفاوضات خلال شهر بعد إخفاق مباحثات الكويت، إلا أنه حتى الآن لا توجد ملامح واضحة لبدء جولة جديدة. فالمتمردون يواصلون قصف المدن اليمنية والمناطق الحدودية السعودية. وفي المقابل، يستمر حصار التحالف البري والبحري والجوي لليمنيين الخاضعين لسيطرة الحوثيين؛ مما تسبب في معاناة إنسانية واضحة.


الموقف الأمريكي

وافقت الولايات المتحدة على قيام السعودية بقيادة تحالف عسكري في اليمن، وشاركت في دعمها لوجستيًا واستخباريًا. ولكن مع طول أمد الحرب، تتعرض الإدارة الأمريكية لضغوطات كبيرة، سواء من قبل الكونجرس الذي هدد أكثر من مرة بوقف صفقات أسلحة مع المملكة بسبب عملياتها العسكرية، أو من قبل منظمات حقوق الإنسان وضغوطات الرأي الداخلي الذي يدعو لعدم التورط في هذه الحرب.

ونتيجة هذه الضغوطات بجانب عوامل أخرى، أهمها تخلي واشنطن التدريجي عن الرياض، اتخذت الولايات المتحدة مسارين للتعامل مع الأزمة، وهما:

1. المسار العسكري

وذلك من خلال تخفيض مشاركتها في العمليات العسكرية؛ إذ سحبت أغلب مستشاريها من التحالف في أغسطس/آب الماضي. إضافة لرفضها أكثر من مرة بعض العمليات العسكرية للتحالف. وآخرها إدانتها لحادث العزاء، حيث أكدت أن الرياض ليس لديها شيك على بياض لتفعل ما تريد.

ومع استهداف الحوثيين للمدمرة الحربية «ماسون» الأمريكية ثلاث مرات في الفترة من 8 – 16 أكتوبر/تشرين الأول الحالي في باب المندب، أرسلت واشنطن بوارج حربية في المضيق من أجل حماية سفنها. فهي لم ترد على استهداف الانقلابيون «ماسون» في المرة الأولى، ولكن في الثانية قصفت ثلاثة مواقع رادارات للمتمردين، وأكدت أنها سترد على أي تهديد جديد ضد سفنها وضد الملاحة التجارية.

ويبدو أن استهداف الحوثيون للسفن (على الرغم من نفيهم) سيأتي في صالح التحالف، حيث يدعم موقف السعودية في استهداف معاقل الانقلابيين وذلك بدعوى تهديدهم لحرية الملاحة الدولية. ولكنه في المقابل سيزيد من التدخل الدولي في الأزمة، وسترسل دول عدة سفنًا حربية في هذه المنطقة مما قد يزيد من تعقيد الأزمة.

2 ـ المسار السياسي

تصر واشنطن على الحل السياسي للأزمة، رغم دعمها لعمليات التحالف، وآخر مبادرة لها في هذا الشأن، ما طرحه وزير الخارجية جون كيري في أغسطس/آب الماضي، وهو تشكيل سريع لحكومة وحدة وطنية، وتقاسم السلطة بين الأطراف، وانسحاب القوى العسكرية من صنعاء وغيرها من المدن، وتسليم جميع الأسلحة الثقيلة إلى طرف ثالث. ورغم ترحيب حكومة هادي ودول الخليج بهذا، إلا أنه لم يتحقق، رغم ما به من تنازلات للحوثيين.

واستمرارًا للضغط السياسي من قبل واشنطن وحلفائها،دعت، بجانب لندن، في اجتماع مشترك بين وزيري خارجية البلدين يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار لإنهاء الحرب والانتقال إلى طاولة المفاوضات. واعتبر الجانبان أن الصراع في اليمن هو مصدر قلق دولي متزايد.

وسبق هذه الدعوة،إعلان بريطانيا أنها ستقدم إلى مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في اليمن، واستئناف المفاوضات، وبهذا تكثف الولايات المتحدة وحلفاؤها ضغوطهم من أجل إنهاء الصراع، لأنه تحول إلى مصدر تهديد بالنسبة لهم؛ وهذا ما اتضح في تعرض السفن الأمريكية للهجوم أكثر من مرة.

ومما يجعل واشنطن تسرع بحل الخلافات دخول، روسيا على خط الأزمة، فقد عرقلت في أول أغسطس/آب الماضي مشروع قرار في مجلس الأمن، يدعو تحالف الحوثي-صالح للتعاون مع المبعوث الأممي، وتمسكت بتوجيه الدعوة إلى جميع الأطراف، وهذا يوضح أن روسيا ستوظف الورقة اليمنية مستقبلا، في إطار خلافها مع واشنطن، لذا لا تريد الأخيرة تكرار سيناريو سوريا.


إيران تدفع السعودية للاستنزاف

قادت السعودية التحالف العسكري من أجل منع سيطرة الحوثيين على اليمن الموالين لإيران، كما تريد منع قيام «حزب الله» آخر في جوارها المباشر، وقد كلفتها هذه الحرب ماديا وسياسيا.

وقد نجحت إيران في إنهاك الرياض وباقي دول الخليج في اليمن وإشغالهم بحدودهم المباشرة، وتحويل اليمن لساحة مضطربة، إضافة لتواجد الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيمي القاعدة وداعش، وهذا ما يزيد من التدخلات والتواجد الدولي في المنطقة مما يؤثر على أمن المنطقة مستقبلا.

ولم تكتف إيران بتزويد الحوثيين بالأسلحة،لكن استغلت ما يجري في باب المندب من أجل تعزيز تواجدها العسكري هناك، حيث أرسلت بحريتها يوم 13 أكتوبر:تشرين الأول الحالي، سفينتين حربيتين إلى خليج عدن ومضيق باب المندب، في ظل تصاعد الأزمة اليمنية، لكنها أفادت بأن الهدف من إرسالهما هو حماية السفن التجارية من هجمات القراصنة.

وتعمل إيران على مد نفوذها إلى اليمن لتحقق هيمنتها على مياه الخليج ومضيق باب المندب، ولتقدم نفسها كقوة هامة في الشرق الأوسط للغرب والذي رضخ لكثير من مطالبها في الاتفاق النووي، فكما استغلت سوريا والعراق في الحصول على تنازلات وامتيازات لدورها هناك تريد أن تكون اليمن كذلك.

وعلى الرغم من ضعف المقارنة بين ما تملكه السعودية ودول التحالف العربي من قدرات عسكرية، مقارنة بالحوثيين، إلا أن إيران ومن خلال دعمها حتى وإن كان ضعيفًا، فإنه نجح في تهديد أمن الخليج بشكل كبير، بل جعل السعودية تظهر بشكل سيئ للرأي العام الغربي ،حيث اتهامها بارتكاب جرائم إنسانية في اليمن، إضافة إلى تسويق دعمها للإرهاب، وقد نجحت في ذلك، وهو ما يتبين في المواقف الغربية الأخيرة من المملكة وأبرزها قانون جاستا الأمريكي.


مسار الأزمة

نجحت إيران في إنهاك الرياض وباقي دول الخليج في اليمن وإشغالهم بحدودهم المباشرة، وتحويل اليمن لساحة مضطربة

نظرا للتصعيد العسكري، ونقل الحوثيين المواجهة إلى الممرات الدولية وتفاقم المعاناة الإنسانية، تعمل الدول الكبرى وخاصة واشنطن ولندن على حل سياسي للأزمة حتى لا تتحول لسوريا أخرى. لهذا، قد يأخذ مسار المفاوضات انفصال الجنوب، حيث ينادي به الكثير من الجنوبيين، رغم ضرر ذلك بشكل كبير على السعودية، حيث سيقيم الحوثيون دولتهم في الشمال، وبهذا ستكون عملياتها العسكرية ذهبت سدى.

ومن أجل منع سيناريو الانفصال، كثفت السعودية من ضرباتها العسكرية، واغتيال قيادات الحوثيين لاجبارهم على الاستسلام ومنعهم من تشكيل دولة على حدود المملكة، للدفع في سيناريو الوحدة مع دمج الحوثيين دون أن يتحولوا إلى «حزب الله» جديد، ولكن في اليمن.

وستدفع السعودية نحو إنهاء الأزمة بسرعة، لمنع تدخل المزيد من الأطراف الدولية، وخاصة روسيا حتى لا تتحول اليمن لحلبة صراع جديدة،ستكون المملكة الخاسر الأكبر فيها، لأنه من المرجح أن تفعل ورقة الانفصال وبهذا يقيم الحوثيون دولتهم على حدود السعودية، وسيساعدهم في ذلك أيضا وجود رغبة جنوبية مماثلة.

يمكن القول أن اليمن لن يعود كما كان؛ فالحوثيون لن يرضخوا بشكل كبير لهادي وداعميه، إضافة إلى رفض جنوبي كبير للعودة مرة أخرى للوحدة مع الشمال. وهو ما يشير إلى أن الأزمة ستطول ولن تحل قريبًا، وستستمر في استنزاف المتورطين فيها.