لم يكن أكثر المراقبين يتوقعون أن يحصل مثل هذا الصدام العرقي المروع في إثيوبيا البلد الأفريقي الذي كان يبدو أكثر بلدان القارة استقرارًا أمنيًا واجتماعيًا.

منذ نوفمبر عام 2015م، نظم مجموعة من أبناء عرق «الأورومو» احتجاجات ضد سياسات الحكومة الإثيوبية، وكانت هذه الاحتجاجات رفضًا لعمليات بيع الأراضي في مناطق الأورومو للأجانب من خارج إثيوبيا، ورفضًا لقانون إصلاح الأراضي الذي طرحته الحكومة. كانت هذه الاحتجاجات محدودة وصغيرة؛ بل إنها كانت تبدو في بعض الأوقات «احتجاجات مجهرية»، وكانت تتعرض لعمليات قمع كبيرة وتعتيم حتى لا تخرج أخبارها للإعلام الدولي.

ومع ذلك، فقد نجحت الاحتجاجات الشعبية في إجبار الحكومة الإثيوبية على سحب قانون إصلاح الأراضي على أمل توقف الاحتجاجات، ولكن حراك جماهير الأورومو كان سقفه قد تجاوز مسألة بيع الأراضي وأصبح ينادي باستقلال أوروميا ليتخلص مما يراه ظلمًا واقعًا عليهم من الحكومة الإثيوبية.

ومناطق الأورومو هي المناطق المجاورة لسد النهضة، ولذلك فإنها مناطق خطيرة جدًا بالنسبة للحكومة الإثيوبية، لذا استخدمت الحكومة القوة المفرطة في تفريق الاحتجاجات، حتى يقال إنها قطعت شبكة الإنترنت واستخدمت المروحيات لتفريق المظاهرات بعد أن نجح المحتجون من الأورومو في قطع الطريق المؤدي إلى سد النهضة، وقامت بحملة لخلع الأطباق الفضائية اللاقطة (الستالايت) حتى لا يشاهد المواطنون القنوات العالمية ولا إذاعات المعارضة الإثيوبية.


دعم إقليمي لإسقاط النظام الإثيوبي

يقال همسًا في المجالس إن حراك الأورومو لقي دعمًا إقليميًا من الحكومة المصرية ومخابراتها وإعلامها، وأصبحت القاهرة مقرًا لتجميع المعارضين من الأورومو؛ ذلك بسبب قيام الحكومة الإثيوبية بإنشاء سد النهضة الذي تراه حكومة القاهرة تهديدًا لأمنها القومي وتعطيشًا لشعبها.

تناقلت صحف إريترية معارضة أخبارًا مفادها أن السيد «برهانو نقا»، زعيم حركة 7 مايو/أيار الإثيوبية المعارضة (7 قنبوت)، ذهب إلى أسمرا والتقى بقيادات في المخابرات الإريترية للحصول على دعم لمقاومة النظام الإثيوبي، ووعده النظام الإريتري بتقديم الدعم لإسقاط حكومة أقلية التيجراي في إثيوبيا.

وحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإن السيد برهانو نقا هو مرشح سابق في انتخابات بلدية أديس أبابا، وأستاذ جامعي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية، وهو يقود شبكة من مئات المتمردين المسلحين الذين يقيمون في إريتريا، وآخرين غير معلومي العدد موجودين داخل الأراضي الإثيوبية.


انفجار الصراع العرقي أخيرًا

إريتريا ومصر هما المتهمتان في الإعلام الإثيوبي بأنهما سبب الاضطرابات في إثيوبيا، إلا أن المتهم الحقيقي في نزاعات أفريقيا هو الاستبداد والديكتاتورية

طالب أهالي منطقة «فولقاييت» بأن لا يكونوا جزءًا من إقليم التيجراي، وأن يكونوا في إقليم منفصل هو إقليم غندر (غندار)، ولكن الحكومة رفضت هذه المطالبات بسبب خوفها من أن تكون هذه المنطقة موضع تهديد لها؛ كونها تجاور عدوتها اللدود (إريتريا).

خرج الأهالي في احتجاجات، ولكن الحكومة قمعتها بشكل دموي وأوقعت قتلى وجرحى في صفوف المتظاهرين. وكانت المعارضة المسلحة مستعدة فدخلت على الخط، وانتشرت الميليشيات القبلية لتعمل قتلًا وتشريدًا في الإثيوبيين التيجراي، الذين فروا بأعداد كبيرة تُقدر بـ 10 آلاف لاجئ خلال أسبوع واحد، دخلوا إلى ولاية القضارف في السودان.

السودان يراقب بقلق أحداث إثيوبيا، وكله أمل في أن ترجع الأمور للاستقرار، خصوصًا أن له تعهدات قطعها مع الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بمنع الهجرة غير الشرعية، وكذلك لأنه يعلم أن دخول اللاجئين بأعداد كبيرة هو تهديد أمني كبير، وخوفًا من تحول إثيوبيا إلى دولة فاشلة تكون ملجأ للجماعات الإرهابية كداعش وأخواتها، أو ملجأ للمعارضة السودانية المسلحة التي خسرت في السنين الماضية قواعدها في ليبيا وتشاد وجنوب السودان (قريبًا)، ولم يتبقّ لها أي داعم أو رافعة إقليمية، وهي تحت ضغط التوقيع على السلام والمشاركة في الحوار الوطني، وإذا تحولت إثيوبيا إلى دولة فاشلة فمن اليسير على المعارضة المسلحة نقل سياراتها من الغرب إلى الشرق وفتح جبهة حرب على الحكومة السودانية هي في غنى عنها.

هناك إجماع بين المحللين على أن رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي لم يستطع ملء مكان «ميليس زيناوي»، الرئيس الإثيوبي الراحل، الذي كان يتعامل مع الأمور بحكمة أكبر، ويراعي الحساسيات العرقية في بلاده، ولا يستخدم سياسة القبضة الحديدية فقط في التعامل مع المعارضة مثلما هو حال حكومة الرئيس «هايله مريام ديساليين».

ورغم أن موقف المجتمع الدولي ومجلس الأمن يعمل الآن مع الإثيوبيين بسياسة غض الطرف على أمل عودة الأمور إلى الاستقرار، فإن هذا الموقف سيتغير مع الوقت، خصوصًا لو استمر تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة؛ فليست إثيوبيا كرواندا أو أفريقيا الوسطى بل هي دولة محورية في أفريقيا، وتعتبر أديس أبابا عاصمة للاتحاد الأفريقي.

أخطر ما حدث خلال الشهرين الماضيين هو تحالف الأمهرا والأورومو ضد حكومة التيجراي في إثيوبيا، وهاتان العرقيتان تمثلان ما يساوي 60% من عدد سكان إثيوبيا، وهذا التحالف لو نجح واستطاع إيجاد رافعة إقليمية له فإنه يستطيع إسقاط الحكومة الإثيوبية بكل سهولة.

إريتريا ومصر هما المتهمتان في الإعلام الإثيوبي بأنهما سبب الاضطرابات في إثيوبيا، وهذا الاتهام رغم أن له شواهد موضوعية إلا أن المتهم الحقيقي في نزاعات أفريقيا هو الاستبداد والديكتاتورية، ولو أن الحكومة الإثيوبية قامت بمصالحة مع المعارضة في الخارج لتمكنت من إيقاف التدخلات الخارجية.