لقد مر على علم الكثير منا عن الامبراطوريات التي مرت وتوالت في تاريخ العالم القديم والحديث العادل والطاغية الذكي والمغفل، أكثرهم فطنة وحكمة وأكثرهم سذاجة، أكثرهم قوة وأكثرهم وهنًا، الديكتاتور الطاغي والحاكم المحبوب الكثير من الأبيض والأسود والكثير من درجات الرمادي!

ولكن يبقي أكثرهم شهرة هو الإمبراطور الأول في التاريخ، وهو إمبراطور روما الإمبراطور يوليوس قيصر، الجنرال يوليوس، ليس فقط بمجرد حاكم عادي فهو عسكري محنك وله صولات وجولات، عرف يوليوس بالكثير من الصفات الذكاء، القوة، غيرهما، لكن تبقى الصفة الأشهر له هي صفة الوفاء!

الوفاء الذي كان يكنه للجميع منهم هذا الشاب المقرب ماركوس جونيوس بروتس.

لكن تبقي الحادثة الأشهر هي حادثة اغتيال يوليوس القيصر بطعنات الخناجر، كانت الخطة أن تتوالى الطعنات من الجميع على جسد يوليوس كي تكون الجريمة جماعية، توالت الطعنات على جسد الإمبراطور، الطعنات كلها تبدو متشابهة كلها تمثل نفس الألم، النهاية تقترب ويوليوس ينازع، ولكن هناك ضربة كانت مؤلمة بقدر كل هذه الضربات بل وكانت أكثرهم ألمًا، هي ضربة بروتس الخائن!

الضربة جاءت من أقرب الأشخاص له، ولعلها كانت بخنجر أتى بها المسكين يوليوس كهدية لبروتس من قبل وبقت الجملة الأشهر ليولويس «حتي أنت يا بروتس؟» رد عليه بروتس: «إنى أحبك ولكنى أحب روما أكثر منك».

من يدري بنفس بروتس هل أنقذ بروتس إمبراطورية روما، أم كانت تلك الخيانة مدبرة فقط لقتل يوليوس، وما ذنب هذا الجريح قيصر كي يموت بهذه الطريقة البشعة، التي لقبها الكاتب التاريخي شكسبير بأسوأ خيانة بالتاريخ؟


فَيا عَجَباً لمن رَبَّيتُ طِفلاً -أُلقَّمُهُ بأطرافِ البَنانِ أُعلِّمهُ الرِّمايَةَ كُلَّ يومٍ –
فَلَمّا اشتَدَّ ساعِدُهُ رَماني

مضت الكثير من السنوات ومرت القرون تلو الأخري حتى وصلنا للقرن الـ21 بالتحديد لعام 2017.

عجوز آخر أتى من روما يدعى كلاوديو رانييري، يحقق معجزة القرن وواحدة من أقوى مفاجآت التاريخ الكروي بفوز ليستر الفريق الإنجليزي المغمور الصاعد حديثًا للدوري الممتاز الذي كان يصارع على البقاء، الآن هو بطل الدوري ببعض اللاعبين المدمر منهم كرويًا وفي نهاية مسيرته والآخر الذي أتى هاويًا فقيرًا وبعض الشباب المغمورين والمحطمين نفسيًا ليصنع منهم مجموعة مدمرة لكل من يلاقيهم على العشب الأخضر.

كلاوديو لم يكن الرجل الأكثر توفيقًا، فبالعكس الأيطالي العجوز كان أكثرهم «نحسا» وسوء حظ طيلة ما يقارب الـ30 عامًا، تلقى كلاوديو الكثير من الضربات والطعنات المؤلمة، ولكن هذه كانت الضربة الأكثر إيلامًا. الطعنة هذه المرة جاءت من الخلف الطعنة جاءت من ليستر!

قررت إدارة ليستر إقالة كلاوديو رانييري لسوء النتائج خوفًا من الهبوط بعد انقضاء أقل من عام على التتويج بالدوري.

«حتى أنت يا ليستر؟» لسان حال رانييري بعد هذه الطعنة، فهو من صنع منهم فريقًا هو من حقق المعجزة، هو من صنع لهم الطموح، وهو من زرع بهم الثقة، اليوم إدارة ليستر لا تثق برانييري لأن طموحه يبدو غير مفيد بالنسبة لهم.

الكثير سيتكلم ويبرر أحقية فعل إدارة ليستر، فكيف لها أن تقف مشاهدة فريقها يتعرض لخطر الهبوط وضياع أموال طائلة على النادي، الكثير يتكلم عن أهمية ليستر على رانييري، ماذا سيفيد رد جميل رانييري عندما يهبط النادي ويغرق مع الكثير ممن غرقوا من أبطال إنجلترا السابقين الذين لم يعودوا مرة أخرى؟

لكن لم يتكلم أحد عن نكران الجميل، عن الخيانة الموجعة، ولماذا بهذا التوقيت، هل كان لإدارة ليستر أمل إضافي مثلاً في دوري الأبطال، رغم الفرصة الكبيرة لليستر بالتأهل؟

هل كانت إدارة ليستر تتوقع الفوز بالدوري أو حتى مزاحمة الكبار والبقاء في دائرة المنافسة، بالتأكيد هم يخشون الهبوط، ولكن من قال إن الحل الوحيد لتجنب الهبوط هو إقالة رانييري!

نعم ليستر يبتعد بنقطة عن مراكز الهبوط بنقطة واحدة، لكن أيضًا إن نظرت إلى الجدول ستجده يبتعد 9 نقاط فقط عن المركز العاشر، أين كان ويستهام من شهر و نصف ،وأين هو الآن؟ هل تمت إقالة ستيفان بيليتش رغم تمرد أبرز نجومه ديمتري باييه!

هل يستطيع ليستر أن يجزم بأن المنقذ قادم لكي يتمكنوا من البقاء بعد كل هذا الاضطراب؟

أصبح من الواضح جدًا أن بنهاية الموسم أيًا كان الوضع سيفقد ليستر أبرز نجومه رياض محرز وكاسبر شمايكل الواعدين والمطلوبين بالكثير من الأندية الكبرى، أما فاردي المحير فيبدو وضعه غير متوقع.

الجميع ينتظر نهاية الموسم وتصفية ليستر من النجوم، الجميع يريد جزءًا من الفريق كمن يذهب السوق لشراء الإكسسوارات. لا أحد يعلم إن كانت الخيانة تمت من طرف اللاعبين أم من طرف الإدارة وحدها، لأنه من المحير أن يتحكم لاعبون من مستوى فرق الدرجة الثانية بمدرب محنك صنع لهم المجد وأي مجد.

لا حقيقة ثابتة تذكر من هذه الأحداث والتوقعات، لكن هناك حقيقتين مثبتتين:

الأولى هي أنه بالعام الماضي ليستر كان معشوق الجميع، العالم كله ينظر للمعجزة، المشجعون كلهم يحبون ليستر ويحفظون أسماء اللاعبين عن ظهر قلب، الكل يتغنى برانييري المكافح الذي لم ييأس من إخفاقات طيلة عمره التدريبي الطويل. الكل يجتمع كل أسبوع لمشاهدة لقاء ليستر، الجميع ينتظر نهاية القصة السعيدة. حتى جماهير فرق الدوري الإنجليزي كانوا يتقبلون الهزيمة من ليستر، نعم هم غاضبون من الخسارة، ولكنهم ليسوا حاقدين على ليستر. هكذا كان الحال بالأمس.

أما اليوم تحولنا للحقيقة الثانية، المعظم تحول من عاشق ومتعاطف مع ليستر لكاره! الكثير يريد هبوط ليستر، الكثير سيهتف لزوال ليستر، جماهير الكرة تنتظر لعنة رانييري أن تحل على ليستر، كما حلت لعنة جوتمان على بنفيكا! حتى جماهير فرق الدوري الممتاز المتعاطفة مع ليستر، ستنتظر مباراتهم أمام ليستر بشدة، الكل يريد الانتقام لكلاوديو المسكين.

تلك النهاية المأساوية لقصة من أجمل قصص كرة القدم بالقرن الحديث ستفتح النار على هؤلاء الملاك الجشعين؛ هؤلاء من يفكرون في المال فقط وأكاد أجزم أنهم لم يكونوا بجماهير كرة قدم حتى من قبل. المالك التايلاندي الذي يريد الاستفادة بكل شئ، بعد أن أدخل النادي بشبه السحر والشعوذة وبعد البخل بتغيير أجور اللاعبين، رغم زيادة رأس ماله الطبيعي بالنجاح الترويجي والدعائي الذي كان أساسه رانييري وهؤلاء المغمورون.

الجميع سيصيح ضد مسمى إفساد كرة القدم، جماهير باقي الأندية ستظل غاضبة حتي تقوم إدارة ناديها بالقيام بإفساد كرة القدم هي الأخرى/ الكثير من الآراء هنا وهناك، من يرى أن إدارة ليسترهم ناكري الجميل، ومن يرى أنها إدارة عملية ذكية لا تهتم بالعواطف السخيفة، بالقياس على أسئلة وحوارات مفتوحة عن اعتبار «إفساد كرة القدم» جريمة أم أنها مجرد تجارة عادية.

ولكن ستظل واحدة من أسوأ النهايات وأقساها على جماهير كرة القدم وستظل هي الطعنة الأكثر ألمًا لكلاوديو رانييري «يوليوس قيصر القرن الـ21» حتى أنت يا ليستر؟ إذن فليمت رانييري.

ترك يوليوس قيصر الكثير من الآثار الأدبية والمواعظ من وراء قصته، بينما سيظل مقطع فيديو كهذا ذكري جميلة عذبة لرثاء الإمبراطور كلاوديو رانييري بجملة أنهى بها الحوار:

أنا أقوم بهذا العمل لأني أكون سعيدًا جدًا عندما تكون الناس والجماهير سعيدة أقدم جميع التضحيات من أجل هذه اللحظة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. الدوري الإنجليزي الممتاز 2016/2017
  2. Marcus Brutus, By Plutarch
  3. Infoplease/Julius Caesar
  4. بطل معجزة ليستر يُقال من منصبه!