نجت السفينة إيفرجرين مع مأزق جنوحها بعرض قناة السويس، لكن يبدو أن مأزقًا أكبر ينتظر السفينة، التعويضات. المعركة الضخمة التي ستدخلها السفينة ومالكوها سوف تبدأ بالبحث عن الجهة التي ينبغي أن تتحمل تكاليف إنقاذها الذي استمرت عملياته قرابة الأسبوع.

المحققون بالفعل على متن السفينة التي لم يُسمح لها بمغادرة قناة السويس إلا بعد الوقوف على السبب الرئيسي في جنوحها والمسئول الأخير الذي سيتحمل النفقات. بخاصة وأن والسفينة أدت إلى خسارة التجارة العالمية قرابة 7 مليارات جنيه إسترليني يوميًا، وخسارة قناة السويس قرابة 11 مليون جنيه إسترليني يوميًا.

الشركة المسئولة عن إدارة السفينة، «بي إس إم»، لا تزال مصرةً على أن اللوم الأساسي يقع على الرياح القوية، واستبعدت عبر تحقيقاتها الداخلية أن يكون جنوح السفينة بسبب أي خطأ فني أو عطل ميكانيكي في محركات السفينة. ودعمت الشركة بيانها بالتلميح إلى تأثير الشراع، أي أنه عندما تحمل السفينة عددًا كبيرًا من الحاويات، فإن الحاويات تعمل بمثابة شراع كبير يجعل تأثير الرياح على السفينة أكبر.

لكن تقارير أخرى قالت إن السفينة الضخمة تعرضت لانقطاع الطاقة ما تسبب في جنوحها. أما الجانب المصري فصرّح بأن الرياح القوية والعاصفة الترابية هما السبب في فقد الطاقم القدرة على توجيه السفينة. لكن عاد رئيس هيئة قناة السويس لاحقًا ليضيف جملةً أخرى يقول فيها، إنه لا يستبعد أن يكون الحادث قد وقع نتيجة أخطاء بشرية أو فنية.

قبطان السفينة نفسه قد يكون خارج كل هذه الفوضى والقضايا، إلا إذا ثبت إهماله شخصيًا وتسببه فيما حدث.

نعتذر عن القلق، ولن ندفع

الشركة اليابانية، المالك الأصلي للسفينة، اعتذرت عن القلق البالغ الذي تسببت فيه السفينة الجانحة، لكنها لم تضف شيئًا بخصوص من سيتحمل كلفة الإنقاذ والتعويضات. لكن عددًا من خبراء الإبحار والقوانين البحرية قالوا إن شركة «بي إس إم»، وشركة إيفرجرين التايوانية المُشغل الفعلي للسفينة، هما من ستتحملان كلفة التعويضات حال ثبوت أن الخطأ كان فنيًا أو بشريًا.

رغم أن هيئة قناة السويس قد نأت بنفسها عن السجال القانوني، وصرحت أكثر من مرة بأنها لن تتحمل أي تعويضات، لكن يخمن خبراء أن الهيئة المصرية قد يقع على عاتقها تعويضات ضخمة. مسئولية الهيئة المصرية تأتي من أنه إذا كانت الرياح العاتية بمثابة تهديد وخطر على السفينة، فكان الواجب إذن على مرشدي الهيئة عدم السماح للسفينة بالدخول لقناة السويس، فالسفينة قد جنحت بعد 5 أميال فقط في قناة السويس.

لكن بالطبع تنص قوانين الهيئة المصرية على أن السفن مسئولة مسئولية كاملة عن أي ضرر يحدث لها أو منها.

كلمة أي ضرر لم تُلق في البيانات الرسمية هباءً، فجميع الجهات تعلم أن هناك مجالات عدة محتملة للتقاضي، ويمكن إجمالها في خمسة مجالات أو احتمالات. الاحتمال الأول، هو المقاضاة بسبب الأضرار التي لحقت بالسفينة نفسها، والثاني، هو المقاضاة بسبب الأضرار التي لحقت بحمولة السفينة. أما الثالث، فهو المقاضاة بسبب تكاليف عملية إعادة التعويم والإنقاذ، ورابعًا، المقاضاة بسبب الخسائر المالية التي تكبدتها قناة السويس، وخامسًا، يمكن أن تأتي المقاضاة من السفن المتأخرة التي تراكمت خلف السفينة الجانحة.

وفي غالب الاحتمالات فإن الفاتورة الأبرز، والتي غالبًا ستُدفع، هى فاتورة عمليات التعويم والإنقاذ، وستكون باهظةً لحد اقتسامها بين شركة التأمين على السفينة، وشركات التأمين على الشحنات المحمولة على السفينة. وقدرت شركات المحاماة أن تكاليف التعويضات قد تصبح أكبر قضية تعويضات في تاريخ النقل البحري حتى وقتنا الراهن، خصوصًا أن السفينة نفسها ثمنها 110 ملايين دولار، وحمولتها تجاوز 500 مليون دولار.

خسارة هائلة لصناعة التأمين

حادثة إيفرجرين تمثل خسارة هائلة لصناعة إعادة التأمين في العالم، لأن التعويضات لن تقتصر على عدد الحاويات الموجودة على متن السفينة فحسب، بل تحتوي الحاوية الواحدة على منتجات ترجع ملكيتها لثمانية أو تسعة مالكين مختلفين، يتعامل كل واحد منهم مع شركة تأمين محلية مختلفة.

بالطبع لن تُسلم شركة التأمين بصحة كل طلبات التعويضات، لذا يتوقع أن يعيش العالم عدة سنوات مقبلة في معارك قضائية رئيسية وفرعية كثيرة.

فالتحقيقات سوف تشمل كل نقطة صغيرة أو كبيرة متعلقة بالسفينة، يبدأ فريق التحقيق بإجراء فحص فني بالكامل للسفينة. ثم دراسة خطط توزيع الحاويات على ظهر السفينة، ففي حالة تحميل المقدمة بحمولة أكبر من الغاطس الخلفي تصبح احتمالية جنوح السفينة أكبر. كما سترصد فرق التحقيقات مدى تجاوب قبطان السفينة مع توجيهات المرشد الملاحي لقناة السويس، إذ من المحتمل أن قبطان السفينة لم يستجب لتوجيهات هيئة القناة.

لكن حتى في حالة كانت توجيهات هيئة القناة للسفينة بالمرور، فإن الهيئة تنص بشكل واضح وحاسم أنه في حالة سوء الأحوال الجوية فإنها تُخيّر السفينة بين المرور والانتظار، والقرار يعود كاملًا في النهاية لربان السفينة. لأن الهيئة تُعرف دور المرشد بأنه يقتصر على تقديم النصائح لقبطان السفينة.

ولأنه لا يوجد عقد ملزم بين قناة السويس والسفن المارة، فمن غير المحتمل بأي شكل أن تضطر هيئة قناة السويس لدفع تعويضات لأي جهة، سواء كانت السفينة الجانحة أو السفن التي تراكمت خلفها. وتنص اتفاقية القسطنطية الموقعة عام 1888 على حرية الملاحة في قناة السويس، ولا تُلزم الاتفاقية هيئة القناة بأي تعويضات.

حجم التعويضات

لإدراك حجم التعويضات الفلكية التي يمكن أن تُطلب يجب أن نعلم أن إحدى السفن السياحية، كوستا كونكورديا، قد انقلبت عام 2012، واحتاجت تلك السفينة الضخمة لمعدات إنقاذ كبيرة وعملية معقدة لإنقاذها، حتى بلغت قضايا التعويضات المرفوعة عليها 1.2 مليار دولار، كل هذا الرقم رغم أن السفينة لم تغلق مجرى الملاحة العالمية.

خوفًا من هذا الرقم الفلكي بادر مالك السفينة إيفرجيفن في الأول من أبريل/نيسان برفع دعوى تقييد الأميرالية في محكمة العدل في المملكة المتحدة مستندًا لقانون الشحن التجاري الصادر عام 1995. وتقييد الأميرالية معناه أن مالك السفينة يرغب في تقليل مسئوليته تجاه حادث ضخم جرى للسفينة التي يملكها.

على عكس ما يبدو من أن الأزمة محصورة فقط بين جهات عالية المستوى تتحدث بملايين الدولارات، فإن الواقع يقول، إن المستهلك العادي والبعيد تمامًا عن موقع الحادث أو احتمالية المشاركة فيه سوف يدفع هو الآخر ثمنًا في تلك الأزمة.

فالتعويضات الهائلة التي ستُدفع من قبل الشركات لا بد أن تُعوض، كما أن تأخير وصول السلع وشحّها في الأسواق سيعني كذلك أن التاجر النهائي سيكون مضطرًا لرفع الأسعار لتعويض خسائره، والأهم أن تكاليف الشحن في قناة السويس سترتفع خصوصًا بعد جائحة كوفيد الوبائية.

فرغم أن التعويضات تنحصر حاليًا في سلاسل الإمداد لكن تحميل التكلفة النهائية سيكون على المستهلك، لكن بالطبع سوف يستغرق ذلك بعض الوقت. فمثلًا يتوقع ارتفاع سعر القهوة بأشكالها المختلفة، مثل النسكافيه. كما سيرتفع سعر الأثاث الجاهز إذ كانت تحوي السفينة الجانحة كميةً هائلة منه، كذلك يتوقع أن يصل ارتفاع الأسعار لأبسط الأشياء حتى ورق المراحيض.