عندما قرر ليفربول النهوض من سباته العميق والعودة إلى سابق عهده، كان الأمر تدريجيًّا. خطة محكمة تدار بواسطة إدارة ذكية، مع مدرب طموح وتعاقدات للمستقبل. لتبدأ العودة عبر نهائي لليورباليج، ثم نهائيين لدوري الأبطال، ثم منافسة شرسة على الدوري، ثم التتويج به.

كلما كان النجاح تدريجيًّا كما حدث، ضفت عليه صفة المنطقية، وعليه صار ليفربول هو النموذج المحفز لكل من يريد الوصول لنفس الهدف. لكن الغريب أن نفس المدينة قررت أن تقدم لنا نموذجًا آخر، يريد الوصول لنفس الهدف، لكن في أقصر زمن ممكن.

مجرد بداية موفقة بالفوز في أول 4 مباريات، كانت كافية لتذكير جماهير إيفرتون بعراقته، وأنه رابع أكثر الفرق الإنجليزية تتويجًا ببطولة الدوري بـ 9 ألقاب، خلف اليونايتد وليفربول وأرسنال. ولأن مخزون الجنون والمفاجآت بالبريميرليج أكثر من غيره، بدأت الطموحات بالانفجار، والفضل دائمًا وأبدًا لليستر سيتي.

بمَ تتذكر إيفرتون؟

على الأغلب، لم يسمع أحد من المتابعين الحاليين بعراقة إيفرتون، لأننا ببساطة لم نشاهد منها شيئًا. على سبيل المثال ومنذ بداية الألفية الجديدة، فنحن نتذكر إيفرتون بلقطتين؛ الأولى أنه كان طرفًا في أحد أغرب صفقات ريال مدريد في تاريخه.

عندما انتقل الدنماركي جرافيسين لمجاورة زيدان ورونالدو في فريق الجلاكتيكوس الأول (يناير/كانون الثاني عام 2005). والثانية تمثلت في مدرب إيفرتون الأسبق ديفيد مويس، الذي اختاره السير أليكس فيرجسون لخلافته، ورفعت له جماهير الأولد ترافورد لافتة «The Chosen One»، لكنه في الأخير لم يكن الرجل المختار ولا غيره.

أما إيفرتون الحالي، فقد أنفق في العقد الأخير أكثر من بايرن ميونخ وبروسيا دورتموند ونابولي، لكنه لم يتأهل أبدًا لدوري أبطال أوروبا. بل إنه حول النادي لمركز لاستقبال اللاعبين غير الموفقين مع أندية الصف الأول.

لنجد في التشكيلة الحالية ياري مينا ولوكاس دين وأندريه جوميز من برشلونة، وخاميس رودريجيز من ريال مدريد، والكوت – قبل رحيله – وأليكس أيوبي من أرسنال، وشنايدرلين من مانشستر يونايتد، وسيجريدسون من توتنهام.

جعل هذا الأسلوب في التعاقدات – بجانب عدم الصبر على المدربين – إيفرتون عالقًا في المنقطة الدافئة، لا هو قادر على التقدم للأمام ولا هو يتراجع للخلف. لكن في وجود المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي، ومع بداية وردية صاحبها هزيمة بقية الكبار بنتائج ثقيلة، قرر مشجعو التوفيز ( لقب فريق إيفرتون ويعني الحلويات ) منح الأمل لأنفسهم بأغرب طريقة ممكنة.

حدث في مثل هذا اليوم

حيث لم يجدوا أفضل من البدء باستحضار التاريخ، فبجانب احتلال الفريق للمركز الرابع من حيث عدد ألقاب الدوري، تذكروا أن إيفرتون أنهى الدوري في مركز ضمن الستة الأوائل 45 مرة، أكثر من الثلاثي تشيلسي، ومانشستر سيتي وتوتنهام.

وبعد التأكيد على عراقة الفريق، شرعوا بربط الأحداث بعضها البعض، ليتيقنوا أن هذا الموسم هو موسم سعدهم. آخر مرة تمكن بها إيفرتون من الفوز بأول 4 مباريات بالدوري، فاز باللقب، وكان ذلك في موسم 1969/70.

إليك الأغرب، آخر مرة هُزم اليونايتد في أول مباراتين على ملعبه في افتتاح الدوري كان في موسم 1986/1987، وكان مدرب إيفرتون هو رون أتكينسون، وفاز معهم بالدوري في ذلك الموسم. حتى خسائر ليفربول الثقيلة أمام أستون فيلا تؤكد نفس الاحتمالات.

عندما فاز أستون فيلا بنتيجة 6-2 على حساب الريدز، فاز إيفرتون باللقب في موسم 1914/15. وعندما فاز الفيلانز بنتيجة 6-1 في موسم 1931/32، فاز إيفرتون بذلك الدوري أيضًا. وفي موسم 2020/21، فاز أستون فيلا بنتيجة 7-2!

لم تقتصر هذه الأجواء على الجمهور فقط، بل نالت اللاعبين أيضًا. بعد مباراة كأس الرابطة أمام سالفورد سيتي، طلب الظهير الأيمن والكابتن شيموس كولمان من الفريق الإعلامي بالنادي إعداد فيديو قصير عن تاريخ إيفرتون. ثم قام بدعوة اللاعبين على رأسهم الوافدين الجدد، خاميس وألان وديكوريه، لمشاهدته.

حسب The Athletic، أراد كولمان أن يفهم زملاءه طبيعة اللعب لواحد من أعرق الأندية الإنجليزية، وتضمن الفيديو أجمل لحظات الفريق التاريخية، خاصة عندما توج بكأس الكئوس الأوروبية 1984/85، وأقصى بايرن ميونخ من نصف النهائي.

بإمكان هذه الأجواء أن تترك أثرًا نفسيًّا إيجابيًّا، يساعد على تحقيق الإنجاز، لكن يظل الأهم دائمًا هو ما يحدث على أرض الملعب، هل يمتلك إيفرتون حقًّا الخلطة المناسبة للوصول إلى الحلم؟

تأثير أنشيلوتي

يعد وجود مدرب فائز بـ 3 ألقاب لدوري أبطال أوروبا أمرًا غير مسبوق لإيفرتون، ولعل اسم أنشيلوتي هو المحفز الأكبر لهذا الحلم. يعرف المدرب الإيطالي بهدوئه ومرونته التكتيكية، بالإضافة لقدرته الفائقة على إدارة غرفة خلع الملابس.

بدأ كارلو بإظهار مرونته عبر التحول من طريقة 4-4-2 التي انتهجها في موسم 2019/2020، إلى 4-3-3 في موسم 2020/21، بإضافة الثنائي ألان (نابولي) وعبد الله دوكوري (واتفورد) إلى وسط الملعب، وخاميس رودريجيز إلى ثلاثي المقدمة. مع العلم أن الأول والأخير قد سبق لهما اللعب تحت قيادة أنشيلوتي، مما أسرع عملية اندماجهما.

يستمد إيفرتون قوته من المرونة التي يمنحها أنشيلوتي لاعبيه، يعود أندريه جوميز بجوار ألان للخروج بالكرة من منتصف الملعب، بينما يتقدم دوكوري للأمام، ويلتزم بالجانب الأيمن لتغطية خاميس رودريجيز، الذي يميل للدخول إلى عمق الملعب وإيجاد الفراغات بين الخطوط. وحسب تحركات جوميز ودوكوري، قد يتغير شكل الفريق أثناء التحضير.

وجود لاعب قوي بدنيًّا مثل دوكوري خلف رودريجيز ساعد الكولومبي كثيرًا، وساهم في تألقه في مطلع الموسم، وتمكن من إظهار جودته على مستوى التسديد والكرات الثابتة، وكذلك على مستوى التمرير وصناعة اللعب.

ساهمت تعديلات أنشيلوتي في رفع عدد التمريرات التي يمررها إيفرتون لكل 90 دقيقة من 416.4 تمريرة في موسم 2019/20، إلى 581.5 في موسم 2020/21. كذلك ارتفعت دقة التمرير من 78% إلى 86.4%، وعليه ارتفع متوسط الاستحواذ من 49% إلى 55%.

وفقًا للتحليل الذي نشرته قناة Tifo Football، يتنوع إيفرتون بدون الكرة بين الضغط العالي والمتوسط، مع الضغط بأكثر من طريقة مختلفة، بين 4-3-3، و4-4-2، و4-1-4-1. وبفضل تطور الفريق وإضافة البارعين دفاعيًّا ألان وديكوري، ارتفع عدد العرقلات التي يقوم بها الفريق لكل مباراة، من 17.7 في الموسم الماضي إلى 20 عرقلة، وعدد الاعتراضات (قطع الكرة) من 10.7 إلى 15.3 (في المركز الأول).

وبما أننا في بداية الموسم، من المنتظر أن يتطور لاعبو أنشيلوتي أكثر وأكثر، خاصة مع عدم انشغالهم بأي بطولة أوروبية. ومع الربط الزمني السابق، يحق لجماهير التوفيز أن تحلم كما تريد، إما بمقعد مؤهل لدوري الأبطال أو يبالغون بالحلم لتكرار إنجاز ليستر سيتي.

لكن قبل أن يبالغوا عليهم الاطلاع على معلومة أخيرة، كارلو أنشيلوتي هو أحد أسوأ المدربين الكبار من حيث سجله في بطولة الدوري. فقد تولى مهمة تدريب عدد من الفرق الكبيرة، رفقة تشكيلة قوية من اللاعبين في كل فريق، ومع ذلك اكتفى بالفوز بـ 4 بطولات دوري فقط منذ 1995.