تمكن النادي الأهلي من ترسيخ عوائده، التي باتت عرفًا لا يمكن التنازل عنه، بقهر الأندية التونسية خلال المعتركات الإفريقية المتعددة كافة، لكن هذه المرة لم يكتف بالاقصاء من مشوار البطولة فقط، ولكنه أصر على أن يكون هذا الإقصاء بنتيجة هي الأكبر في تاريخ اللقاءات المصرية-التونسية طوال التاريخ، وذلك بعدما تمكن من الفوز الكبير على فريق النجم الساحلي التونسي بستة أهداف مقابل هدفين فقط، في لقاء الإياب من دور نصف نهائي بطولة أبطال أفريقيا، والذي أُقيم على ملعب برج العرب بالإسكندرية.

الملعب الذي بات ذا وجه حسن على كافة الجماهير المصرية بعد الصعود الذي طال انتظاره إلى نهائيات المونديال، كان له النصيب في أن يشهد ليلة تاريخية جديدة مع النادي الأهلي هذه المرة، لكن وبالرغم من قيمة هذا الملعب التي أصبحت كبيرة جدًا، لم ينل الليلة شرف أن يلعب على أرضيته لاعبو النجم الساحلي التونسي. كلا، الجملة ليست خاطئة.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والهدف الأول

الأهلي في ظل غيابات عديدة تضرب صفوف الفريق، بلا سبب معلن حتى اللحظة، قرر بداية اللقاء مضطرًا برامي ربيعة في خط الوسط ليتشارك مع السولية في موضع الارتكاز، في حين ظهر محمد هاني كظهير أيمن بدلًا من الغائب للإيقاف، أحمد فتحي، ليكمل رباعية خط الدفاع مع كل من سعد سمير، محمد نجيب والرائع علي معلول، وكذلك حل صالح جمعة في محل غير الجاهز عبد الله السعيد، مع جناحين هما مؤمن زكريا وجونيور أجاي تحت العائد من غياب طويل -جدًا- وليد أزارو، وبالطبع حراسة المرمى لشريف إكرامي.

في حين قرر المدير الفني الفرنسي، روبرت فيلود، أن يعبث بتشكيل النجمة الساحلية بشكلٍ واضح وقام بعدة تغييرات عن التشكيلة التي بدأت في لقاء الذهاب بسوسة، فقرر الحفاظ على البلبولي في حراسة المرمى، لكن مع التغيير في ثنائية قلبي الدفاع، ليشارك البدوي، بو غطاس في قلب الدفاع مع حمدي النقاز وغازي عبد الرازق في ظهيري الطرف، وسط ملعب يرتكز على أمين بن عمر ويعاونه كل من الطرابلسي وحمزة لحمر – هنا نضع خطوطا عديدة حمراء – تحت ثلاثي هجومي من اليمين إلى اليسار، البريقي وأكوستا وخليلو بانجورا.

البدري كان مضطرًا للتغيير فقام بالتغيير في أضيق حدود ممكنة، لكن فيلود لم يكن يحتاج ولا لتغيير واحد فقط، بالتالي ذلك العبث في التشكيل كان من شأنه أن يعبث بعقول لاعبي الفريق التونسي أيضًا، وهو ما ظهر من الدقائق الأولى من المباراة في ارتباك ورهبة شديدة للموقف وخوف واضح من الجماهير والأجواء المحيطة، عند لاعبي النجم، وما زاد الطين بلة، أن أكثرهم خبرة وهو الحارس المخضرم البلبولي قد تسبب في تسجيل الهدف الأول في الدقيقة الثانية من عمر المباراة.

الهدف المبكر مع الرهبة والخوف من الموقف بالإضافة للخوف المكتسب من المدير الفني، جعل الأمور تصب في مصلحة الأهلي قبل حتى أن يدرك لاعبو النجم أنهم في حاجة لإحراز هدف وحيد من أجل العودة لغمار المنافسة، لكن لم تكن تلك هي العوامل الوحيدة التي سهلت على الأهلي المهمة اليوم.


النجم كان أكثر من مجرد «خائف»

https://www.youtube.com/watch?v=FQD51Bzja2k

بالرجوع إلى لقاء الذهاب، سنجد أن تركيبة الهجوم عند النجم تشكلت على سواعد كل من بانجورا وعمرو مرعي والبريقي وكذلك حمدي النقاز، جبهة يمنى كانت ذهبية للساحلي بواسطة النقاز وبانجورا، جبهة كانت تشارك هجوميًا بشكل فعال وتسببت في الهدف الأول، لكنها كذلك ساعدت في وأد خطورة أحد أفضل لاعبي الأهلي اليوم -وخلال الموسم بالكامل- علي معلول.

التغييرات في فريق النجم لم تكن على مستوى الأسماء فقط، لكن الأدوار أيضًا، بانجورا تواجد اليوم في الطرف الأيسر من الملعب ليتشارك مع حمزة لحمر، الذي يبدأ اللقاء في مرة من المرات المعدودة مع الفرنسي هذا الموسم،في حين تواجد البريقي على الطرف الأيمن، الجهة التي كانت مباحة تمامًا من هجوم الأهلي خلال أحداث الشوط الأول.

ذلك التغيير في طرف الملعب الأيمن عند النجم الساحلي سهل مهمة الهجومية للأهلي عمومًا، ولعلي معلول خصوصًا، معلول كان يتقدم بلا خوف يذكر، بل كان يتكاتل مع أجاي، وفي بعض الأحيان مع مؤمن، على حمدي النقاز وحده الذي لم يجد أي معاونة تذكر من جانب البريقي، وهي الجبهة التي سُجل منها هدفا الأهلي الثاني والثالث وبنفس السيناريو تقريبًا.

فإذا ما جمعنا العوامل النفسية السابق ذكرها مع ذلك الخطأ في التوظيف والاعتماد على أسماء معينة غير صالحة بالإضافة إلى كارثة الدفاع المتقدم بأربعة مدافعين يعانون من بطء مُفرط، فإننا سنحصل بالتأكيد على سبب كاف جدًا لنشاهد النجم الساحلي يظهر فوق أرضية ميدان برج العرب في تلك الليلة الظلماء.

خلال أحداث الشوط الثاني، وفي وقتٍ متأخر، حاول الفرنسي أن يعيد توازن الأمور مرة أخرى عن طريق الدفع بالمساكني في قلب الملعب لصناعة اللعب وتحويل بانجورا إلى جهة اليسار مرة أخرى، هذا قد ساعد في ضبط نسق الفريق شيئا ما، لكن أمرًا قد انتهى، والأهلي كان قد وصل إلى النهائي بالفعل.

لكن بالرغم من كل هذا اللغط والعبث في معسكر النجم الفني، ألا يظن الجميع أن البدري يستحق الثناء الليلة؟ بلى يستحق جدًا. حسام البدري من فئة المدربين غير المحبوبة مهما فعلت للجماهير، علاقة فلسفية يمكن البحث فيها مرات ومرات، لكن فيما يخص الجانب التكتيكي، فإنه دائمًا ما ينتقد عند المدرب المصري لأسباب عدة أهمها الإفراط في الارتكاز الدفاعي في نظر البعض.


كيف تواجدت نسخة جوزيه في غرف ملابس الأهلي؟

لا شك أن الجميع يضع ذلك الفوز الضخم على عاتق الشخصية الكبيرة للأهلي -الموجودة قطعًا- والضغط الجماهيري الضخم -المؤثر فعلًا- لكن كل ما سبق سيُعد نكرانًا لما قام به حسام البدري اليوم من عمل تكتيكي، جعلني أظن أن شيئًا من جوزيه قد عاد في غرف ملابس الأهلي. البدري اليوم أدار اللقاء بشكلٍ ممتاز، تشكيل طبيعي، أدوار طبيعية لكل لاعب وتوظيف منطقي أيضًا، استعداد جيد نفسيًا وبدنيًا للمباراة -الأهلي كان دائمًا ما يفوز بالالتحامات الجسدية- النتيجة أن كل العوامل كانت في الموضع السليم لها، البقية تأتي بالتوفيق أو عدمه وكلها أمور متواجدة في كرة القدم، لكن من الناحية الفنية البدري قدم ما يجب تقديمه والنتيجة خير مكافأة له على هذا العمل، والذي هو عكس تمامًا ما قام به الفرنسي.

حسام قرر بداية اللقاء برباعي هجومي، هو أجاي، أزارو، مؤمن ومن خلفهم صالح جمعة، الثلاثي الذي يمتلك المقدمة دائمًا يملك من السرعة ما تجعله يضرب دفاعات الخصم بمنتهى السهولة، مع الوضع في الاعتبار البطء الملحوظ في رباعيتهم، بالتالي بداية اللقاء كان يعتمد الأهلي على كرات طولية على رأس أزارو ليستغلها صالح في إرسال بينيات خلف طرفي الملعب عند النجم لاستغلال سرعة أجاي ومؤمن في ضرب تلك التكتلات. مما سَهَّل المهمة فعلًا أنه لم يكن هناك تكتلات أصلًا.

البدري وضع خطة جيدة، لكنه واجه سذاجة من نظيره الفرنسي في تقديم خط دفاع الخصم إلى مناطق قد تتخطى وسط الملعب في بعض الأحيان كما ظهر في الهدف الخامس، فما كان من البدري إلى أن يعتمد على الكرات القصيرة خلف هذا الدفاع الهش والذي سيضرب بسهولة جدًا بسرعة ثلاثي الأهلي، حتى بعد إصابة صالح المفاجئة جاء دور وليد سليمان مماثلا، ولم يكن هناك أدنى حاجة لتغيير 4-2-3-1 خاصة البدري، حيث حل سليمان في صناعة اللعب في مهمة بدت سهلة جدًا أمام وسط متخاذل كوسط النجم.

بعد الهدف تلو الآخر، كان على النجم الخروج أكثر نحو الهجوم، هنا استعمل البدري حيلة قديمة للعجوز البرتغالي، أربعة لاعبين في الهجوم بلا عودة دفاعية ستضمن لك خيارا من اثنين، إما قلة العدد الهجومي عند الخصم، أو زيادته ثم مرتدة مميتة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، والأخير قد كان.

السبب الوحيد الذي يجعلنا لا نؤكد أن البدري قد وصل للتطور التكتيكي الذي قد نال إعجاب الجميع عند مانويل جوزيه، هو أن الأهلي قد ظهر في دقائق كثيرة يقتل رتم المباراة ويتقهقر للخلف في صورة غير واضحة الأسباب، في حين كان يمكنه الضغط بأكبر طريقة ممكنة لزيادة الغلة التهديفية برقم يفوق الستة بمرات، لكن على كل فإن تلك النسخة التي ظهرت من البدري قد تظل محببة لدى الجماهير حتى موقعة محمد الخامس أمام وداد الأمة في نهائي البطولة. المؤكد في كرة القدم، أن مثل هذه اللقاءات لا يمكن بناء أي شيء عليها، لا يمكنك أن تضع الأهلي بطلًا للبطولة من هذا اللقاء، يملك الأسهم الأعلى فعلًا، لكن ليس بسبب هذا اللقاء فقط لكن بإجمال ما دار خلال هذه البطولة.