بمجرد أن يظهر اسم «عمرو وردة» أمامك، يذهب عقلك مباشرةً إلى توقع رؤية خبر رياضي يحمل طابعًا من أخبار الحوادث، عقوبة ما جزاء مخالفة ما، حتى يأتي مصطلح «الفرصة الثانية» لتسوية الأمر. وعندما أعلن نادي «لاريسا» اليوناني فسخ عقد الإعارة مع اللاعب وإعادته لناديه الأصلي «باوك»، بدأ المشهد يظهر أمامك من جديد، ولم يكن ينقصه سوى رفع أحد زملائه لقميصه بدافع الشهامة، أسوةً بـ«باهر المحمدي».

وما بين ثبوت المخالفات ونفيها، يبدو واضحًا إصرار نجل لاعب القرن الأفريقي في كرة السلة «مدحت وردة» على تكرار أفعاله، وكأن الحصول على الفرصة الثانية هو أمر سهل وفي المتناول. لكن سواء في الحياة بشكل عام أو كرة القدم بشكل خاص، فإن نيل الفرصة الثانية قد يكون مستحيلاً.

برونو فيرنانديز دي سوزا

أثناء كأس العالم 2014 بالبرازيل، كان «روني بارني» الصحفي بجريدة «الجارديان» الإنجليزية موجودًا بمدينة «بيلو هوريزونتي»، حيث قرر معايشة الأجواء لكتابة مقال عن مهاجم المنتخب البرازيلي «فريد» قبل مباراة ربع النهائي أمام تشيلي. كانت المنطقة تعج بمعجبي «فريد»، الذين أخبروا «بارني» أنه لا يدري حقًا مدى جودة مهاجمهم.

وفي خضم تلك التشجيعات، سمع «بارني» اسم لاعب آخر يدعى «برونو».

«فريد جيد لكن برونو كان لاعبًا رائعًا وبطلاً محبوبًا. اعتاد تناول المشروبات في تلك الحانة. اسأل أي شخص عنه، لقد ظل برشلونة يطارده لمدة.»

هكذا أخبره المشجعون، حتى علم أن مسيرة «برونو» لم تتعطل بفعل الإصابة وإنما بسبب دخوله السجن.

«برونو فيرنانديز دي سوزا» هو حارس وكابتن نادي «فلامنجو» البرازيلي، والمتوج معهم بلقب الدوري المحلي في عام 2009، بمساعدة مهاجم إنتر ميلانو السابق «أدريانو». وبينما كان الجميع يتساءل عن الموعد الذي سيصير فيه برونو حارس البرازيل الأول، كان هو يتورط في علاقة مع عارضة الأزياء «إيليزا ساموديو»، نتج عنها طفله الأول منها في 2010، والثالث له بعد ابنتيه من زوجته الأولى.

حاول «برونو» عدم الاعتراف بالابن، وحاولت «إيليزا» إجباره على الالتزامات المادية، حتى أتى يوم الرابع من مايو/آيار من عام 2010، حينما اصطحب أحد أصدقائه «إيليزا» إلى شقة بمدينة «بيلو هوريزونتي»، كان من المفترض أن يمنحها «برونو» إياها، وعوضًا عن ذلك تم خنقها وقتلها مع الطفل، واختفت الجثتان، ليتبين فيما بعض أنها أُطعمتا للكلاب.

في 2013 اعترف «برونو» بدوره التحريضي، وحكم عليه بالسجن لمدة 22 عامًا. لكن بدايةً من يوليو/تموز 2019، وُضِع «برونو» على برنامج يسمح له بالعمل نهارًا، على أن يعود إلى محل إقامته المتفق عليه منذ الثامنة مساءً حتى السادسة صباحًا، مع التواجد بالمحكمة بنهاية الشهر لتبرير أنشطته.

الأمر الذي فتح الباب لمحاولة ثالثة لعودة حارس فلامنجو الأسبق إلى الملاعب، عبر نادي «أوبيراريو» البرازيلي، عقب محاولة أولى استمرت لخمس مباريات مع نادي «Boa Esporte Clube»، وثانية لمدة 48 ساعة مع نادي «poços de caldas». يسعى «برونو» إلى فرصة جديدة لإحياء مسيرته بل حياته بأكملها، لكن جريمته ستظل تلاحقه، فهل سيمنحه البرازيليون فرصة ثانية؟

آدم جونسون

أغلب الظن أنك تتذكر ذلك الاسم، ففي وقت من الأوقات كان «آدم جونسون» واحدًا من أهم المواهب الصاعدة في إنجلترا. كان يمتلك قدمًا يسرى مميزة، ومهارة لم تكن معتادة في الأجنحة الإنجليزية، وعليه، اقتنصه مانشستر سيتي من نادي ميدلزبره في عام 2010، لكنه لم يرتقِ لمستوى التوقعات، لكثرة النجوم والإصابات.

لينتقل بعد عامين إلى نادي سندرلاند، آملاً في إحياء مسيرته من جديد، خاصةً على المستوى الدولي. لكن على خلاف طموحه، وقع «جونسون» في المحذور، بعد اتهامه بمحاولة استمالة قاصر. بدأت القصة بتوقيعه لقميص سندرلاند وإهدائه لمشجعة تبلغ من العمر 15 عامًا.

ومن هنا بدأ «آدم» يمهد لإغواء الفتاة، للحصول على مكافأته نظير القميص. لكن قبل أن تنزلق الأمور إلى ما يدور في ذهنك، أبلغت الفتاة والديها. استمر «جونسون» في إرسال الرسائل، والتي وصلت إلى التهديدات – على حد قول والدة الفتاة – حتى أبلغ الأهل الشرطة، ليتم القبض على اللاعب في الثاني من شهر مارس لعام 2015.

اعترف «جونسون» بما اقترف، وحدث ما كان متوقعًا، استغنى عنه سنرلاند، وكذلك صديقته ووالدة ابنه، وحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات، وذهبت مسيرته إلى نقطة اللاعودة. لكن بعد قضائه لنصف المدة، أطلق سراح «آدم»، ليعود مرة أخرى لتصدر العناوين، لكن هذه المرة ليس بسبب أدائه في الملعب، ولكن لمناقشة إمكانية عودته له مرة أخرى.

كان المدرب الإنجليزي الكبير «سام ألاردايس» واحدًا من المؤيدين لمنح اللاعب فرصة أخرى، لكن ما هكذا تتم الأمور، ولا هكذا يتصالح أفراد المجتمع مع بعضهم، ليظل السؤال مطروحًا، هل يمنَح «آدم جونسون» فرصة ثانية بعد قضائه لفترة العقوبة؟

كريم بنزيما

في عام 2015، تعرض جناح الدولي الفرنسي «ماثيو فالبوينا» إلى عملية ابتزاز من مجهولين، ادعوا امتلاكهم لمقطع فيديو جنسي له مع زوجته. أبلغ «فالبوينا» الشرطة، وطلب منهم الاستعانة بأحد الضباط – متخفيًا بالطبع – للتفاوض بينه وبين المبتزين.

لكن ما زاد غرابة الأمر هو تدخل بعض زملائه من اللاعبين في التفاوض. بدأ الأمر بتورط لاعب ليفربول السابق «جابرييل سيسيه»، وبعد القبض عليه والتحقيق معه، ثبت عدم تورطه في الأمر، واعتذر له «ماثيو» علانية في تغريدة على موقع تويتر.

ثم بعدها ظهر اسم «كريم بنزيما»، والذي اعترف بتحدثه مع فالبوينا» عن قصة الشريط في أحد الحصص التدريبية للمنتخب. اعترف «كريم» بمعرفته بأمر الشريط عن طريق أحد أصدقائه المقربين، والذي أشار عليه بنصح «ماثيو» بالتفاوض مع المبتزين عن طريقه، وكانت هذه النصيحة التي زادت الشكوك حول مهاجم ريال مدريد.

كانت التبعات قاسية على «بنزيما»، حيث حرم من الاستدعاء لتمثيل المنتخب الفرنسي منذ عام 2015، وحتى الآن، بدافع الحفاظ على وجاهة وروح الفريق. لكن ظل الاستبعاد من يورو 2016 التي أقيمت بفرنسا الأكثر قسوة، لأن موسم 2015/2016 لـ«بنزيما» كان تاريخيًّا مع ريال مدريد، بإحرازه 31 هدفًا في 42 مباراة.

حتى ديسمبر 2019، كانت التحقيقات مستمرة، وحاول دفاع «بنزيما» دحض القضية بأكملها عبر اتهام الشرطي المتخفي المخول بالتفاوض بمحاولة دفع الطرفين لإتمام الصفقة، كي تصبح القضية مكتملة الأركان. لكن محكمة فرنسا العليا رفضت استئناف «بنزيما»، لتصبح الأدلة قانونية، ويعود «كريم» لدائرة الخطر من جديد.

على مدى أربعة أعوام، كان «بنزيما» يفوز بالبطولات في ريال مدريد، متمنيًا أن يمنح فرصة ثانية مع منتخب بلاده. وفي وجود تخمة المواهب الحالية، كان تتويجه بكأس العالم واردًا. لكنه لم يستجدِ تعاطف أحد، بل إنه حاول الظهور وكأنه لا يحتاج الفرصة، خاصةً مع تمسك ريال مدريد به، في مخالفة غير معتادة لأعراف النادي الملكي التسويقية، لكن يظل السؤال مطروحًا، هل كان يستحق اللاعب فرصة ثانية؟

عمرو وردة

يستحق نموذج «عمرو» أن يكون ملهمًا لـ«وردة»، لأن «عمرو وردة» مرتكب الخطأ رقم 3 كان ملهمًا لعمرو وردة مرتكب الخطأ رقم 4، وبما أن رقم 3 نجا، فما المانع من نجاة رقم 4 و 5 … وإلخ. وبعد تفكير، فإن إعادة سرد مخالفات اللاعب لن تقدم أو تؤخر، ومن الأفضل لنا شكره لأنه لفت نظرنا جميعًا لمصطلح الفرصة الثانية.

الأمر الذي يتجاوز فكرة مجموعة من الأصحاب، قرروا استخدام المصطلح لتمرير خطأ زميلهم وإفلاته من العقاب، لكنه موضوع أكبر من ذلك بكثير، وله من التأثير ما يطول علاقاتنا الاجتماعية والمهنية، وفي بعض الأحيان يحتاج إلى متخصصين نفسيين، وبرامج تأهيلية لمنح الفرصة الثانية.

في مقال بعنوان فن الفرص الثانية بموقع «psychologytoday»، طرحت طبيبة علم النفس «ماريسا ماورو» بعضًا من الخطوط العريضة المتعلقة بالأمر:

  • بفرض تفكيرك في إعطاء فرصة ثانية لأنك قررت أن الجريمة تستحق المسامحة، وبقدر وضوح الأمر لك، لكن يبدو أن بعض الناس يعتقدون أن الصفح ليس لهم الحق أن يعطوه.
     
  • تذكر دائمًا أن أفضل مؤشر على السلوك المستقبلي هو السلوكيات الماضية. وهنا يكون التحدي الأكبر لمرتكب المخالفة، ولمانح الفرصة الثانية.
  • هل الجاني نادم حقًّا؟ يصعب تقييم ذلك في بعض الأحيان حيث يتلاعب بعض الأشخاص بمظاهر الندم الكاذب والدموع من أجل المغفرة.
  • هل يتقبل مرتكب المخالفة كونه مخطئًا؟ أم يسارع بالتبرير؟ والأخير تحديدًا هو ما يبرع اللاعب عمرو وردة في فعله، إذ يظن أن العالم يتآمر عليه لإفساد مشواره بكرة القدم.
  • أخيرًا، افحص رؤيتهم وأحكامهم حول سبب مشكلتهم أو جرمهم. واسأل إن كان بإمكانهم العودة بالزمن، هل سيتصرف بشكل مختلف؟ ثم حاول اكتشاف أسباب ردهم.

بالطبع يمكن أن نستخدم هذه القواعد بشكل شخصي، وكلما كنت جزءًا من مؤسسة أو منظومة عليها الالتزام أمام عملائها أو جماهيرها، فسيصبح الأمر أكثر تعقيدًا. لكن في الأخير تظل كل حالة من حالات الفرص الثانية محل جدال، لكن ما يتفق عليه الجميع، هو أنها تمنَح بعد فرض العقاب المناسب، الجميع باستثناء لاعبي منتخب مصر في كأس أمم أفريقيا 2019.