نحن نعيش في عالم يحولنا إلى أشياء مادية ومساحات لا تتجاوز عالم الحواس الخمس، إذ تهيمن عليه رؤية مادية للكون.
المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري، في آخر مقالاته قبل رحيله

فيسبوك يدرس مشاعر المراهقين ويلعب على إحباطاتهم النفسية والعاطفية لأغراض إعلانية، هذا ما كشف عنه تقرير مسرب نشرته مجلة The Australian والذي يقول إن فيسبوك يستخدم خوارزميات معقدة لتتبع النسق النفسي للأطفال حول سن الرابعة عشر وتحديد لحظات ضعفهم الإنساني، وقت شعورهم بالضعف وقلة الحيلة واللاجدوى، وتقديم تلك البيانات للمعلنين لاستغلالها في حملاتهم الإعلانية.

والتقرير المعنون «سري للغاية – للاستخدام الداخلي فقط» والمؤرخ لعام 2017، والمكون من 23 صفحة، يحمل تفاصيل كيفية تتبع آليات فيسبوك للحظات التي يحتاج فيها المراهق لما يعزز من ثقته بنفسه، وتشرح ذلك بدقة متناهية.

وتؤكد تقارير إخبارية أن التقرير تم إعداده من قبل اثنين من المديرين بفيسبوك بأستراليا، حيث إن التقرير يؤكد استهداف أطفال أستراليا ونيوزيلندا على الأقل حتى الآن.

تقوم خوارزميات فيسبوك -حسب التقرير- بتتبع نمط استخدام 6.4 مليون طفل وشاب أستراليا ونيوزيلانديا في المدارس العليا والثانوية والعمل. تقرأ الخوارزميات الذكية تفاعلهم مع الأحداث وصورهم وتحديث حالاتهم ومنشوراتهم المختلفة وأحداث حياتهم لتحديد إذا ما كان الشخص تحت ضغط نفسي أو يشعر بالانهزام أو القهر أو القلق أو العصبية أو الغباء أو الحماقة أو عدم الفائدة والفشل، بتعبيرات التقرير المسرب، وهي اللحظات التي يصبح فيها الشخص أكثر قابلية لتلقي رسالة الشركة المعلنة والتفاعل معها لو صيغت بطريقة مناسبة.

بتواصل «The Australian» مع أحد مديري فيسبوك، قدم المدير اعتذارًا عما حدث وأكد أنه كان خطأ وأكد أن فيسبوك قام بفتح تحقيق بالفعل في الأمر:

قمنا بفتح تحقيق لنفهم وجه القصور والخطأ ولنحسن رقابتنا على الأمر. وسنتخذ بعض الإجراءات التأديبية تجاه ما حدث.
أحد مديري فيسبوك في اعتذار مرسل لـ The Australian

وبتواصل موقع mashable مع أحد مديري فيسبوك، أكد:

فيسبوك لا يستخدم أدواته لتوجيه الإعلانات للأشخاص بناء على حالته النفسية. والبحث الذي أجراه باحث استرالي بفيسبوك كان بنية مساعدة الشركات الإعلانية في فهم طرق تعبير الأفراد عن أنفسهم على الشبكة الاجتماعية فقط.
اقرأ أيضًا: إعلانات الويب: الأخ الأكبر يراقبك

فيسبوك لم تنكر

ولكن المشكلة أن كل هذه التقاليد وكل هذه الخصوصيات آخذة في التآكل بسبب المد الجارف للحضارة المادية. وهذه الحضارة المادية ليست معادية للشرق وحده، بل هي ظاهرة ورؤية أمسكت بتلابيب العالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه، ولا يظنن أحد أننا بمأمن منها ومن عدميتها وعدائها للإنسان.
المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري

قام فيسبوك كذلك بإصدار بيان رسمي على موقعها، يقول البيان:

«في الأول من مايو، نشرت The Australian قصة تتعلق ببحث تقوم به فيسبوك وتمت مشاركته مع شركة إعلانية بعد ذلك. والفرضية التي يطرحها الخبر مضللة، حيث إن فيسبوك لا يقدم للشركات الإعلانية أدوات تساعدها على استهداف الجمهور بإعلانات موجهة طبقا لحالتهم العاطفية. والتحليل الذي قام به باحث استرالي كان بهدف مساعدة المعلنين فهم كيفية إعلان الجمهور عن مشاعرهم بفيسبوك، ولم يستخدم إطلاقًا في توجيه الإعلانات على البيانات والتي كانت مجمعة ومجهّلة تمامًا؛ أي غير مرتبطة بأشخاص معينة. وبدأ فيسبوك عملية لمراجعة الأبحاث الجارية، وهذا البحث تحديدًا لم يتبع تلك العملية، ونقوم حاليًا بمراجعة التفاصيل وتعديل الرقابة».

يؤكد البيان أن هناك بالفعل متابعة دقيقة لنفسيات المستخدمين، سواء تم استخدامها لجني مزيد من الأرباح أم لا. فالواقع الآن أن كل ما تعبر عنه فيسبوك يحلله الموقع بشكل دقيق بهدف الاستفادة من إحباطاتك بشكل أو بآخر ولا تتحدث عن الأخلاقيات البحثية هنا، نحن في عالم النيوليبرالية وسيطرة الشركات العابرة للقارات يا صديق.

اقرأ أيضًا: إعلانات الويب: الملايين من الأموال الخفية

ويأتي فيسبوك في المركز الثاني بعد جوجل في سيطرته على سوق الإعلانات الرقمية والذي ينمو بمعدل سريع جدًا، فحوالي نصف الإعلانات الرقمية في العالم من خلال الشبكتين، بدخل للفيسبوك متوقع أن يصل إلى33.76 مليار دولار في 2017.

إلا أن فيسبوك أصبح في موقع المُهَاجَم بشكل دائمًا خصوصًا بعد عدم بذل أي مجهود حقيقي في مكافحة الأخبار الكاذبة، وإجراء تجارب على مستخدميه بدون موافقتهم بشكل واضح -قد تكون موافقتك على اتفاقية الاستخدام هي موافقة ضمنية على خضوعك لأبحاث وتجارب لكنك لا تعلم ذلك بالتأكيد-، وأخيرا وليس آخرا استغلال لحظات ضعف المراهقين لزيادة الأرباح.