انتعشت البورصة الإيطالية، وأسهم فريق يوفنتوس، بمجرد وصول النجم البرتغالي «كريستيانو رونالدو» إلى أحضان السيدة العجوز. ارتفعت الأسهم بشكل غير مسبوق منذ حوالي العقدين، ووصلت إلى 1.8064 يورو للسهم الواحد ثم هوى كل ذلك على إثر حملة دشنتها بعض الصحف ضد التحرش والاعتداءات الجنسية بعنوان «أنا أيضًا – #METOO».

نموذج الانضباط والالتزام وقع ضحية اتهامات بالاغتصاب من قبل عارضة أزياء أمريكية من خلال الحملة المذكورة، والسؤال الذي لم يتوقف عن الطرح خلال تلك الفترة التي شغلت فيها هذه القضية الصحف والمتابعين هو: ما الذي قد يدفع نجمًا بقيمته لمثل هذه الفعلة؟


ما يصعب تخيله أن: «رونالدو أيضًا»

في عام 2017،نشرت فتاة مجهولة الهوية إحدى قصصها مع التحرش والاعتداء الجنسي عبر مجلة المرأة الألمانية «دير شبيغل – Der Spiegel»، تلك الفتاة التي تسمى «سوزان» -اسم مستعار اختارته الصحيفة- ذكرت ضمن حملة موسعة من الاعترافات المتصلة بذلك الشأن، أنها وقعت ضحية اغتصاب من قبل النجم البرتغالي رونالدو قبل أعوام، قدمت تلك القصة بعنوان «سر رونالدو».

أكدت الفتاة أنها تقابلت معه في سهرة بفندق بمدينة «لاس فيجاس»، وتمت دعوتها هي وآخرين إلى جناحه الشخصي، وهناك حدثت الواقعة. بعد ذلك سمحت للشرطة في المدينة بأن تتفصحها طبيًا للتبين من صحة الادعاء، وخلال الفحص نصحتها إحدى الممرضات بعدم ذكر اسم المغتصب لشهرته ومكانته الاجتماعية، مبررة ذلك بأن الأغلبية ستكون في صفه وسيتم اتهامها بأنها ترغب في الشهرة فقط، بجانب تحذيرها من رد فعل العامة، والذي ربما يصل إلى مرحلة العنف الجسدي.

وعليه، آثرت سوزان عدم ذكر اسم الشخص، واكتفت في التحقيقات بقول إنه لاعب كرة قدم مشهور، لتغلق القضية عند هذه النقطة.

قالت سوزان إنها أرسلت رسالة للاعب، بمعرفة المجلة، تتحدث فيها عن الواقعة وتبعاتها السيئة على حياتها، لتؤكد له أن المقابل الذي حصلت عليه لم يكن كافيًا بالمرة بالنظر لما قابلته، لكن المحامي «خورخي مينديز»، وكيل أعمال اللاعب، نفى الواقعة بشكل عاجل وقام بما حذرتها منه الممرضة، بوصفها والمجلة بالباحثين عن الشهرة، وهو ما اعتبرته الصحيفة تشكيكًا في ذمتها.

في التقرير الثاني للصحيفة، نشرت وثائق عليها توقيع البرتغالي، تفي بالتسوية بين طرفي النزاع، مقابل مبلغ من المال، ومضافًا إلى تلك الوثائق، نص من الرسائل المتبادلة بين اللاعب وبين «كارلوس دي كاسترو»،مستشاره القانوني لسنين طويلة، تلك الرسائل تم خلالها النقاش حول تطورات الوضع وما انتهى إليه بالصمت التام عن الواقعة مقابل حوالي 270 ألف يورو.

بذلك سقط النفي الأول الذي قام به وكيل رونالدو، وتم إثبات أن القصة ليست للضجة الإعلامية، وإنما بها أدلة تكذب أحد أهم ممثلي اللاعب بشكل مبدئي.


من الخفاء إلى العلن

توقفت أحداث القضية نسبيًا، ولم تتخذ أي منحنى إعلامي عالٍ، لكن يبدو أن أحدهم قد عمل في الخفاء من أجل إذاعة السر في العلن. إحدى المحاميات الأمريكيات وتُدعى «ليزلي ستوفال» قررت تتبع أثر تلك الضحية حتى توصلت إليها وأقنعتها بتحريك دعوى حقيقية ضد اللاعب دون خوف.

وبالفعل، في الشهور الأخيرة من عام 2018، تحركت دعوى قضائية من عارضة أزياء أمريكية تدعى «كاثرين مايورغا» ضد البرتغالي تتهمه فيها باغتصاب وقعت أحداثه في ليلة الجمعة، 12 يونيو/حزيران من عام 2009، داخل أحد الفنادق في لاس فيجاس. من هنا انفجرت القضية وتحركت من مجرد تقارير في مجلة غير مشهورة، إلى قضية تشغل الرأي العام، حتى غير المهتمين بالرياضة، في نقض واضح لبنود التسوية التي وقّعها الطرفان.

ادعت المحامية الجديدة للضحية أنها تملك أيضًا توكيلات من فتاتين أخريين لديهما نفس المشكلة مع اللاعب، وهي ادعاءات اغتصاب، لكنها لم تستطع بعد إقناع أي منهما بالتحرك ضده، فيما تراه «ستوفال» وممثلو المجلة الألمانية أنه إثبات لكونه يعاني اضطرابًا نفسيًا، بالرغم من كل ما يملكه من نفوذ ومال.

كما ارتأت ليزلي أن في تلك التسوية ما هو غير قانوني وفي الخروج عنها لا يوجد أي أضرار على الضحية، ثم بدأت في تحريك القضية معتمدة في ذلك على أسس قانونية تفيد بضرورة إلغائها أو ضياع أساس بنائها.


لماذا نقضت الضحية التسوية؟

في البداية، التسويات في تلك القضايا هي إحدى الطرق المعتمدة من القضاء والمعترف بها مجتمعيًا، لأنها ترفع حالة السخط التي قد لا يرغب أحد الطرفين في إثارتها، بجانب أنها تُعتمد في الغالب في الحالات الواقع بها أحد الشخصيات المشهورة الذي سيجد ملايين المدافعين عنه، وبالتالي تضمن تلك التسوية مبلغًا من المال كفيلاً بترضية الضحية نتيجة الآلام النفسية التي وقعت عليها.

وُقعت تلك الاتفاقية مع وكيلها السابق، الذي لم يُذكر اسمه بالكامل في التحقيق الصحفي واكتفوا بـ«ماري». وهو من قرر التوسط لحل الأزمة بعدما وجدت الضحية نفسها عرضة للضغط الإعلامي والاجتماعي.

تواصل مع ممثلي اللاعب واتفقا على عقد جلسة بدأت في 12 يناير 2010، ولمدة 12 ساعة، توصلا لاتفاق قالت عنه المحامية «ليزلي ستوفال» إنه باطل لأن موكلتها لم تفهم بنوده آنذاك وفقًا للعقاقير التي كانت تعتمد عليها في تخطي الأزمة النفسية والصحية التي واجهتها على إثر الواقعة.

ومن خلال أحد المتخصصين في الاختراقات الإلكترونية،تمكنت المحامية من الوصول إلى رسائل عن طريق البريد الإلكتروني، تفيد باستخدام العنف اللفظي والابتزاز ضد «كاثرين» من قبل ممثلي الطرف الآخر، مما يجعلها مجبرة على توقيع تلك التسوية، وهو بند كفيل بنسفها من الأساس.

رد محامو رونالدو على كل ادعاءات المحامية بأنهم غير مسئولين عن الحالة الطبية والذهنية للمدعية، وذلك لأنها مهمة وكيلها السابق، فسواء حسنُت نيته أم لا، فإن ذلك الشأن لا يؤثر في القضية بالمرة، بجانب أن هذه الرسائل لا يُعتد بها لأن وكيلتها وكتاب المجلة قد توصلوا لهذه الوثائق بطرق غير قانونية واختراق فج لخصوصيات البرتغالي.


مدى تورط ريال مدريد في القضية

معتاد في تلك الحالات وجود روايات مختلفة من كل الأطراف، لكن باستنباط المتشابه من بينها يتضح أن الأحداث سارت على النحو التالي: تواجد طرفي القضية في إحدى السهرات العامة التي تبعتها سهرة خاصة في جناح رونالدو بفندق «بالمس بليس». تعرفت كاثرين على اللاعب في منطقة الرقص الخاصة بكبار الزوار عن طريق إحدى صديقاتها، والتي من خلالها تم دعوة الضحية ومجموعة أخرى من الأصدقاء إلى جناحه الشخصي.

في الأعلى، دعا البرتغالي كل الحضور إلى النزول إلى المسبح، وقوبلت الدعوة بالموافقة من الكل، عدا كاثرين، مبررة ذلك بأنها غير جاهزة بالملابس الخاصة، فاقترح عليها لاعب مانشستر -حينها- استخدام أحد الأزياء الرياضية التي يمتلك، فوافقت، وذهبا معًا إلى غرفة نومه، وهناك سمحت له بتقبيلها بناء على طلبه، لكن تؤكد أن تطور ذلك لم يكن ضمن نطاق الموافقة.

إلى هنا بدأت القصة في الاختلاف بين الطرفين، ولم تلتقِ في نقطة وفاق جديدة سوى أنها رددت في تلك الأثناء: «لا.. لا.. توقف». كلاهما أكد أن ذلك حدث لكن كليهما فسره بشكل مختلف، حيث أكد اللاعب أنه لا يرى ذلك اعتداءً جنسيًا بالمرة، وإنما وجد ذلك يحدث برضا كامل، وهو رأيه الذي لم يتغير من بداية اشتعال القضية وحتى آخر أحداثها، إذن فلماذا حرص على تسوية الأمر؟

هنا يأتي دور إدارة ريال مدريد، حسبما ذكرت إحدى الصحف البرتغالية. بعد تلك الواقعة بشهور قليلة انتقل من مانشستر إلى مدريد، بقيمة هي الأعلى بين اللاعبين آنذاك، وبقيمة إعلامية لا يمكن وصفها، لكن في حال وصلت تلك القضية بحيثياتها إلى الصحف، فإن الوضع دعائيًا لن يكون محبذًا بالمرة، وسيكون الضرر الأكبر على ناديه الجديد، كما حدث في أسهم يوفنتوس.

شرحت صحيفة «كوريرو دي مانها» أن لإدارة الـ«ميرينجي» يدًا في إجبار لاعبهم وقتها على الدخول في تسويات مادية مع الضحية، من أجل الصمت التام وعدم الإفصاح حتى عن اسمه مع المقربين وإلا سيكون هناك تعويضات لما قد يتكبده اللاعب وممثلوه دعائيًا، وهو ما تم فعلًا وتحاول المحامية الجديدة الابتعاد عنه واتهامه بالبطلان.

وبالرغم من عدم وجود دليل قوي على ذلك سوى اعتراف اللاعب نفسه باستعداده لخوض التحقيق حول ذلك، إلا أن المنطق يتخذ صف الصحيفة وروايتها للغاية؛ لأن اللاعب نفسه سبق وأن اعترف بعلاقته بتلك الفتاة وبـ 60% من فحوى ما تحكيه.


ما الدافع وراء الاغتصاب؟

يسير العوام الآن حول إجابة سهلة في مثل هذه القضايا: أنها فتاة تسعى للشهرة وأنها مدفوعة من إحدى الجهات، ربما النادي الذي تركه سابقًا، لكن إذا ما نظرنا إليها على أنها ضحية وقعت بين براثن كل تلك القوى، سنجد أن للأمر رؤى أخرى يجب أن تُتخذ.

احذف اسم رونالدو، وضع مكانه شخصًا عاديًا تتهمه فتاة باغتصابها بنفس الأحداث والأدلة بالضبط، 100% ستختلف اعتقاداتك تجاه القضية، وهذا هو محل الجدل، الجميع يدافع عنه لكونه محترفًا وملتزمًا في عمله، وهو إن كان وصفًا في صالحه العام كشخص، لكنه ربما يدينه فيما بين ذلك.

الدافع الحقيقي ربما يكمن في كونه شخصية غير معتادة على الرفض، كيف لفتاة غير معروفة نسبيًا رفض شخص بقيمته؟ ضع ذلك مع حالة الحماس التي امتلك حينما كان شابًا -وقعت الحادثة وعمره 24 عامًا، ستجد أن هناك احتمالاً، ولو ضئيلاً، بحدوث الواقعة.

نحن الآن في انتظار قرار المحكمة؛ إما ببطلان التسوية والتحقيق معه في ذلك، أو بثبوتها وضياع كل هذا اللغط.