في كرة القدم، يوجد شيئان، بإمكانهما تحويل موقفك من الفشل إلى قمة النجاح، ومن الغباء إلى قمة العبقرية. أولهما بالطبع هو النتيجة، فكما تعلم إن لعبت جيدًا وخسرت فالعيب فيك، وإن لعبت سيئًا وفزت فأنت عبقري لا تدرك قيمة نفسك.

أما الشيء الثاني فهو الصفقات؛ مع بداية كل موسم تتسابق الأندية لدعم فريقها بلاعبين جدد، ومع نهايته تنهال الجماهير بالمديح على من نجح منهم، وبالسخط على من خيب التوقعات. وفي كلتا الحالتين يبحث الجميع عن الشخص الذي كان وراء الصفقة، إما لوصفه بالعبقرية أو الفشل، مهما كانت الكواليس.

عوامل خفية

قبل الخوض في كواليس النجاح والفشل، دعنا أولاً نصحبك إلى كواليس إتمام الصفقة، والتي تبدأ بمنتهى البساطة باختيار النادي للاعب ما، ثم التواصل مع ناديه لمعرفة إمكانية بيعه. ليبدأ النادي المشتري رحلة الإقناع التي قد تصل أحيانًا إلى الابتزاز.

في تقرير بموقع «The Athletic»، لخص أحد وكلاء اللاعبين بنود الاتفاق في 3 نقاط تبدأ بحرف «F»؛ Football ،Finance ،Family ويقصد بها الناحية الفنية والمالية والعائلة. لوحظ مؤخرًا ازدياد نفوذ العائلة في تحديد وجهة اللاعبين، سواء بشكل رسمي عن طريق الاستعانة بالأخ أو الأب وكيلاً للاعب، أو بشكل غير رسمي.

من البديهي أن يبحث اللاعب عن مدينة تناسب عائلته إن قرر اصطحابها معه، لكن ما رصده التقرير كان مطالبة الأهل لأموال إضافية للمساهمة بإقناع اللاعب. أحد المصادر أخبر «The Athletic» أن والدي لاعب بالبريميرليج طلبا رقمًا من ستة أرقام، لمجرد أنهما والداه.

في أثناء تسديد فاتورة العائلة، يحتاج اللاعبون إلى الحصول على انطباع جيد عن النادي، وهنا يتعين على مسئوليه انتقاء وسيلة التواصل المناسبة. بعض اللاعبين يناسبهم التواصل الودي، وآخرون يفضلون الحصول على تفاصيل دقيقة عن المهام التكتيكية ومدى ملاءمة اللاعب لأفكار المدرب.

في عام 2008، كان «آرون رامسي» على أعتاب مغادرة كارديف سيتي، وانحصرت المنافسة بين مانشستر يونايتد وأرسنال للظفر بخدماته. توجه «رامسي» إلى مقر اليونايتد، حيث لم يكن «السير أليكس فيرجسون» متواجدًا وتولى مساعده «مايك فيلان» عملية الترحيب به وشرح رؤيتهم المستقبلية لتطوره.

أما في أرسنال، فلم يكن «فينجر» موجودًا أيضًا، لكن إدارة الجانرز اصطحبت اللاعب وأسرته إلى سويسرا حيث يتواجد الفريق، لمقابلة المدرب الفرنسي وجهًا لوجه، وبالطبع ترك الأخير انطباعًا مميزًا، حسم الصفقة لصالحه.

المسئول الأول

تفاصيل مثل هذه وأكثر تزداد تعقيدًا بحسب اسم اللاعب وحجم النادي ونفوذ الوكيل، لكننا سنفترض أن ناديك قد تمكن من استيفائها، وحصل على اللاعب المطلوب، الذي فشل فيما بعد، وأنت تبحث عن صاحب قرار التعاقد معه لانتقاده.

قديمًا، كان النظام المعمول به في معظم الأندية عبارة عن مدرب يتولى الجانب الفني واختيار القادمين والراحلين، مع وجود مدير تنفيذي يتولى الجوانب المالية، وفي هذه الحالة، كانت تنحصر القائمة بين المدرب واللاعب. أما الآن ومع تطور اللعبة على المستوى الاقتصادي والبياني، حدث توزيع جديد للسلطات.

توسعت قائمة الكشافين والمحللين مع توافر المزيد من البيانات، وزاد الاهتمام بقطاعات الناشئين، وكذلك التغذية والأجهزة الطبية، وجميع هذه الأقسام تطلب شكلاً جديدًا للإشراف والإدارة، تمثل بوجود مدير رياضي، يجمع بين الخبرة الإدارية والرياضية، ناهيك عن دوره الأساسي في الربط بين احتياجات المدرب الفنية، وقدرة النادي المالية.

أصبح منصب المدير الرياضي أكثر أهمية بسبب الرقم التالي، والذي أوضحته شركة «21st Club» للبيانات والإحصائيات؛ منذ موسم 2012/13 حتى عام 2018، كان متوسط بقاء المدرب مع النادي 14 شهرًا فقط. تخيل موقف النادي عندما يغير خططه مع كل مدرب جديد، سيطلب لاعبين معينين، وقد يعتبر لاعبي المدرب السابق عديمي الفائدة!

لذلك صار المدير الرياضي المسئول عن رسم إستراتيجية النادي وتحديد سياسته في الانتقالات -بجانب إدارة بقية الأقسام- مع تقليص دور المدرب ليقتصر على إدارة العناصر المتاحة، ومحاولة رفع كفاءتها (في حالة المدربين الكبار، تأخذ تلك السياسة طابعًا أكثر توافقية)، وإلى هنا قد وصلنا إلى صاحب قرار التعاقد مع تلك الصفقة الفاشلة، الذي يمكنك انتقاده، لكن بعد قراءة التجارب التالية.

المسئول الحقيقي

في موسم العجائب بالبريميرليج، موسم 2015/2016، حقق ليستر سيتي المعجزة بمساعدة صفقته في صيف 2015 «نجولو كانتي» الذي اعتبر فيما بعد واحدًا من أهم صفقات الدوري الإنجليزي في العقد الماضي، ونال المدير الرياضي «ستيف والش» الكثير من الإشادة بفضل تلك الصفقة، بجانب صفقتي جيمي فاردي ورياض محرز.

الغريب أن كانتي كان الخيار الثاني على لائحة ليستر، بعد «جوردان فيرتو» (لاعب نانت في ذلك الوقت) الذي تمكن أستون فيلا من خطفه في نفس الصيف. قدم الفيلانز مع فيرتو موسمًا مخيبًا (بقيادة المدرب تيم شيروود)، انتهى بحصد 17 نقطة، والهبوط للتشامبيونشيب، وهنا تأتي مزيد من المصادفات.

كان أستون فيلا قد باع نجميه كريستيان بينتيكي وفابيان ديلف، وعوضهما بخمسة لاعبين صغار، هم فيرتو (لاعب روما الحالي والذي يقدم أداءً رائعًا بموسم 2020/21)، جوردان أمافي (ظهير أيسر مارسيليا)، إدريسا جايا (متوسط ميدان باريس سان جيرمان)، أداما تراوري (جناح ولفرهامبتون)، وأخيرًا جوردان أيو(مهاجم كريستال بالاس).

بالنظر إلى هذه الأسماء وما تقدمه رفقة أنديتها حاليًا، فإننا كنا أمام مدير رياضي عبقري، وهو «بادي ريلي»، الذي تمكن من اكتشاف خمس مواهب، وجلبها لأستون فيلا بسعر مناسب، لكن من سوء حظه أنها تحولت إلى تعاقدات كارثية، تم لومه عليها.

سرد «مايكل كوكس» هذه الوقائع بتقريره على موقع «The Athletic»، ثم مد الخط على استقامته وطرح سؤالاً عن النجاح الذي حققه صلاح وماني رفقة لاعبين من هوفنهايم ونيوكاسل وستوك سيتي وهال سيتي، هل كان له أن يتحقق مع مدرب غير يورجن كلوب؟ (بالحديث عن الريدز فقد سبق لهم إقالة المدير الرياضي «داميان كومولي» في أبريل 2012، وكان إهدار 20 مليون باوند للتعاقد مع كابتن الفريق الحالي «جوردان هندرسون» أحد الأسباب).

قد لا يمكننا الجزم بالإجابة، لكن ما وصل إليه «كوكس» من خلال هذه الأمثلة، أننا نحكم على عمل المدير الرياضي وصفقاته الجديدة من خلال عمل المدرب، إما يكون بنفس جودة عمل كلوب أو يكون بنفس رداءة تيم شيروود. لذا ستصبح عملية انتقاء شخص واحد للومه على الصفقة الفاشلة أمرًا معقدًا، لكن إن كنت مصرًا على لوم أحد، فالمدير الرياضي قد لا يكون الشخص المناسب.