سأحاول أن أشرح لك المشهد. عذرًا لكنني مضطر أن أرفع صوتي قليلًا، فصديقي هذا الذي يصرخ بجانبي يبدو أنه لن يهدأ الآن. لا تقلق، إنه لا يصرخ ذعرًا كما يبدو عليه. كل القصة أنه أحرز الهدف الأول لتوه. هو لا يرتدي ملابس رياضية؟ ملاحظة ذكية تلك، لقد أحرز الهدف الأول في المباراة التي تجمعنا عبر ألعاب الفيديو. أنت تراه يبالغ بالطبع ولكني اعتدت على ذلك، والآن فلتستعد لذروة المشهد.يستعير صديقي نبرة «مارلون براندو» في فيلم العراب ثم يقرب فمه من أذني ويهمس:

انسَ أمر هذه المباراة، لقد حُفِظَت في الثلاجة.

تلك الجملة هي ذروة المشهد ولب الموضوع. دعني أشرحها لك سريعًا ثم نتحدث عن كرة القدم.بمجرد أن يحرز صديقي هدف التقدم في إحدى​ مباريات ألعاب الفيديو، يقرر ببساطة أن يحفظ المباراة في الثلاجة وذلك معناه أن يحافظ على نتيجة المباراة بأي شكل. يتضمن ذلك أن يعرقل خصمه قبل الانفراد بحارس المرمى أو يصرخ بشدة إذا تعرض للهجمات المرتدة ولا مانع لديه إطلاقًا أن يقوم بإيقاف اللعبة في أشد الهجمات خطورة على مرماه بدعوى أنه ظمآن ويريد بعض الماء. لا يعترف صديقي بقوانين الفير بلاي ولا يهتم إطلاقًا بفكرة التعاطف بين المتنافسين إلا بشروط محددة، ولكن هل صديقي هذا وحيد في اعتقاده؟الإجابة لا، الكثير من عناصر لعبة كرة القدم لديهم تلك القدرة على ليّ الحقائق خاصة تلك التي تتعلق بقواعد الفير بلاي. طالما أن الهدف هو الفوز بالمباراة فكل شيء له مبرر لدى الكثيرين من أجل تحقيق ذلك الهدف. نفس الأشخاص إذا تعرض فريقهم لنفس المواقف يتحولون إلى ملائكة ينشدون تراتيل المحبة والسلام ويستدعون فجأة مصطلح الفير بلاي. إذا ارتكب لاعب فريقك خطأً مؤثرًا في مجريات اللعب يصنف هذا الخطأ «فاول تكتيكي»، بينما إذا تعرض لاعب فريقك لنفس الخطأ بنفس الظروف يتحول الخطأ إلى خطأ متعمد غير نزيه ضد قواعد اللعب النظيف.دعنا نتحدث عن تلك المواقف التي قد تصنف تحت بند التحايل على قواعد الفير بلاي حيث تنقسم ما بين مؤثرة ينتفض لها البعض ويبررها الآخر وبين مواقف غير مؤثرة ظاهريًا اعتاد عليها البعض، ثم نحاول أن ننظر لصديقي هذا مرة أخرى بنظرة إنصاف.


هل أصبح التحايل جزءًا من لعبة كرة القدم؟

هناك العديد من القواعد لضمان اللعب النظيف أو النزيه بمعنى أدق. مع مرور الوقت أصبح هناك طرق معروفة للتحايل على تلك القواعد.هناك فيديو شهير على مواقع التواصل الاجتماعي للاعب يحاول أن يمنع هجمة مرتدة ضد فريقه بأن يجذب قميص اللاعب المنافس ليمنعه من الركض ويظل متعلقًا بالقميص لفترة طويلة. تلك اللقطة مثال رائع لفكرة ما يسمى بالخطأ التكتيكي. استنكر الكثيرون الفيديو فقط لأن اللاعب قام بارتكاب الخطأ بشكل فادح، لكنه يتم بشكل معتاد في كل مباريات كرة القدم.بيب جوارديولا نفسه تم اتهامه بأنه يلقن لاعبي مانشستر سيتي تعليمات تفيد بضرورة منع الهجمات المرتدة على الفريق بأي شكل. هذا الاتهام أشار إليه جوزيه مورينيو الموسم الماضي ثم تجدد عن طريق اللاعب السابق والمحلل التلفزيوني جاري نيفيل الموسم الحالي، وهو الأمر الذي استنكره بيب بشدة.هناك حيلة أخرى أيضًا تستخدمها بعض الفرق في تنفيذ الركلات الحرة، حيث يقوم أحد اللاعبين بحجب الرؤية أو الإعاقة الجسدية لأحد لاعبي الفريق الخصم والمكلف برقابة المهاجم الذي يجد نفسه وحيدًا دون مراقبة ليحرز الهدف.هدف ألمانيا الأول في البرازيل بمونديال ريو 2014 مثال جيد فقد تم إعاقة دافيد لويز والذي وجد نفسه فجأة بعيدًا عن موللر الذي أحرز الهدف. شاهد هذا الفيديو:

هذا بالطبع بخلاف الحالات الشهيرة مثل التحايل للحصول على ركلة ترجيح أو التظاهر بالإصابة وإضاعة الوقت والمطالبة بأن تخرج الكرة خارج الملعب لعلاج المصاب. هناك أيضًا رميات التماس التي اعتاد الجميع أن تلعب من مكان مختلف تمامًا عن مكان خروج الكرة من الملعب. أما تجمهر اللاعبين حول حكم الساحة بعد أن يحتسب قرارًا ما فهو نوع من التحايل لكي يشعر الرجل أنه مدين لذلك الفريق بشكل أو بآخر.

حلول لا تستبعد أن تشاهدها في المستقبل

يحاول الاتحاد الدولي لكرة القدم بشكل مستمر أن يتخلص من تلك المشاهد عن طريق إدخال بعض التعديلات على طريقة إدارة اللعبة. كان أهم تلك التعديلات هو تقنية الفيديو بالطبع والذي أكد بعد تطبيقه الفعلي أنه حل سحري لبعض تلك المواقف، لكن ومن أجل تدارك تلك المواقف وتحقيق فكرة اللعب النظيف هل يحاول الاتحاد الدولي لكرة القدم للعبة أقل سرعة ومتعة وإثارة؟اتخذ الفيفا في الاجتماع الأخير له والذي أقيم في مدينة أبردين بأسكتلندا 7 تعديلات على قوانين لعبة كرة القدم سيتم العمل بها بداية من شهر يونيو/حزيران المقبل. أهم تلك التعديلات طبقًا لحديثنا هو إيجاد تدابير للتعامل مع اللاعبين المهاجمين الذين يسببون مشاكل في الحائط الدفاعي المنافس في حالة الأخطاء المباشرة على المرمى. وهي حالة شبيهة بفكرة الإعاقة الجسدية للمدافعين في الركلات الحرة والركنية. يمهد ذلك أن نجد تعديلات أخرى مستقبلية دعنا نتخيلها سويًا.فكرة الميقات الذي يستخدم في كرة الصالات يبدو فكرة قريبة للتنفيذ لتفادي مسألة الوقت الضائع برمتها. هل نجد جهازًا طبيًا محايدًا يوضح للحكم هل يستحق اللاعب إنذارًا للتحايل أم لا في حالة سقوطه وإيقاف المباراة. ولن يكون الأمر بالغريب إذا توافر حكم مساعد مهمته الإشارة فقط لمكان خروج الكرة لكي تلعب رمية التماس بشكل دقيق.هل لا زلت تنظر إلى صديقي نفس النظرة؟ إنه لا يختلف عن الآخرين، فقط هو واضح بشكل كافٍ وهو يلعب ألعاب الفيديو. على كل الأحوال هو لا يبدو كذلك دائمًا بل يظهر تعاطفًا مع الخصم ويقرر أن يبقي المباراة خارج الثلاجة أحيانًا. يحدث ذلك طالما أنه ضمن الفوز بالمباراة وهو في ذلك لم يختلف أيضًا عن السائد في كرة القدم.

مرحبًا بالفير بلاي طالما كان الفوز مضمونًا

يرتبط الأمر كله بشكل أساسي بتحقيق الهدف من المباراة وهو الفوز. بمجرد ضمان الفوز يظهر في الكثير من الأحيان مشاعر من التعاطف مع الفريق المهزوم. يظهر على السطح فجأة كل قواعد ومبادئ الفير بلاي حتى تلك التي لم تفطن لها الفيفا بعد. ولكن هذا لا يحدث مع كل الفرق المهزومة.تغلب مانشستر سيتي على الفريق بورتون ألبيون في مباراة الذهاب من الدور نصف النهائي لكأس إنجلترا بتسعة أهداف مقابل لا شيء. مما أثار تساؤل العديد من متابعي كرة القدم: هل يُعد ذلك إذلالاً للفريق المغمور؟ هل وجب على مدرب السيتي ولاعبيه أن يتعاطفوا مع لاعبي الخصم الضعيف ويكتفوا بأربعة أهداف تم إحرازها في الشوط الأول من المباراة؟ بينما على الجانب الآخر هناك أصوات كانت واضحة للغاية، كرة القدم تلعب من أجل إحراز الأهداف فلماذا يتوقف فريق ما عن التسجيل؟ربما ينقسم الرأي حول مباراة كتلك، لكن هناك ظروف تحيط ببعض المباريات تفرض التعاطف من قبل الجميع. مباراة كتلك التي جمعت فريق الجونة المصري بفريق الأهلي بعد قرار إدارة نادي الجونة الدفع بالناشئين في مواجهة فريق الأهلي في كأس مصر. انتهت المباراة بثلاثة عشر هدفًا للنادي الأهلي لكن بتعاطف كامل مع لاعبي الجونة الشباب والأقرب للطفولة.المباراة الشهيرة التي جمعت بين ألمانيا والبرازيل في كأس العالم 2014 وانتهت بخسارة الفريق البرازيلي بسبعة أهداف على ملعبه ووسط جماهيره شهدت أيضًا تعاطفًا مماثلاً. حيث تحدث فيما بعد المدافع الألماني هوملز عن قرار تم اتخاذه بين شوطي المباراة بعدم ممارسة أي ألعاب من شأنها إذلال الفريق البرازيلي والذي كان متخلفًا بخمسة أهداف بالفعل، نوع من التعاطف مع الجماهير وتاريخ الفريق البرازيلي الكبير. في نفس تلك المباراة أحرز الفريق الألماني هدفه الأول بعد إعاقة دافيد لويز التي تحدثنا عنها من قبل. أرجوك لا تنسَ، فقط لم يكن الفوز مضمونًا قبل تسجيل الهدف الأول مما لا يستدعي التعاطف بل التحايل.إذن لا تظهر أخلاق الفرسان على أرض الملعب إلا بعد ضمان الفوز فقط. هل ترى ذلك ظلمًا لكرة القدم؟ حسنًا دعنا نطرح سؤالاً واضحًا: ماذا إذا كان الفوز بعدد كبير من الأهداف أمرًا مفيدًا للفريق؟ ماذا لو كان إذلال المنافس سيصبح مفيدًا فيما بعد؟ فلننس مرة أخرى كل قواعد الفير بلاي ولنُعد دفن تلك الأخلاق التي تحدثنا عنها وتستعيد كرة القدم جنونها على الفور.من مصلحة كل فريق أن يهزم غريمه التقليدي بعدد وافر من الأهداف دون شفقة أو تعاطف. ذلك بالطبع سيبقي الغريم أسير تلك الهزيمة الساحقة التي قد تحتاج لسنوات كي يتخلص من آثارها. ربما ذلك يفسر عصبية مانويل جوزيه المدرب التاريخي للنادي الأهلي أثناء مشاهدة لاعبيه يضيعون الأهداف رغم إحراز ستة أهداف كاملة في مرمى الفريق الغريم الزمالك. السير أليكس فيرجسون دومًا ما يوجه عبارات الاحترام لفريق أرسنال ومدربه التاريخي أرسين فينجر، لكنه بمجرد أن واتته الفرصة سحق هذا الفريق بثمانية أهداف أزاحت أرسنال من ذاكرة البعض لسنوات.

أرجو أن تكون الأمور أصبحت واضحة الآن. فلتغير نظرتك تلك إلى صديقي من فضلك، هو لا يختلف عن الآخرين. يمكنك أن تجرب ذلك بنفسك وتلعب معه إحدى مباريات ألعاب الفيديو، ولكن احذر أن يتقدم عليك أولًا، ستضطر حينها أن تشاهد المباراة وهي تُحفَظ في الثلاجة أمام عينيك.