يبحث النادي الأهلي عن مدير فني جديد بعد أن انتهت علاقته بالأوروجوياني لاسارتي. وكنوع من أنواع جلد الذات يقرر أحدهم أن يطرح اسم المدير الفني السابق للفريق الفرنسي كارتيرون. يعتذر كارتيرون لأنه مرتبط بتدريب فريق الرجاء المغربي في الوقت الحالي، ثم يمزح مع الجميع ويرشح المدرب البرتغالي الأعظم جوزيه مورينيو لتدريب الفريق كونه غير مرتبط بنادٍ الآن.

لكن تلك المزحة لم يلتقطها أحد المسئولين في النادي الأهلي. بدأ يفكر الرجل فيما سيحدث لو وافق مورينيو على تدريب النادي الأهلي. أي مجد سيتحقق إذا اقترن اسم النادي الأعظم في الكون بـالسبيشيال وان. قرر الرجل بعد أن وهب ثروة عائلته لتحقيق الأمر أن يجرب حظه. أحداث خيالية كما يبدو لكن الإعجاز حدث عندما وافق مورينيو بالفعل على تدريب النادي الأهلي.

دعنا نتناول الأسبوع الأول من تلك الفترة التاريخية في مسيرة الطرفين.

التدريب الأول: يبدو أن المهمة صعبة بالفعل

فلنترك مشاهد التفاف الصحفيين والكاميرات حول الرجل منذ أن وطئت قدماه أرض مصر ونختصر الكثير من الأحداث التي تناسب قدوم مورينيو إلى مصر، ونبدأ بالتمرين الأول للفريق تحت إمرة البرتغالي المخضرم.

بدأ مورينيو التعرف على أفراد الفريق طبقًا لمركز كل لاعب. قرر الرجل أن يبدأ بالتشكيل الأساسي لآخر مباراة للفريق، توقف البرتغالي عند ثاني الأسماء بعد حارس المرمى. المدافع أيمن أشرف مدافع الارتكاز الأساسي للفريق. لم يتفهم مورينيو أبدًا لماذا يلعب صاحب المتر وال 75 سم كمدافع ارتكاز.

طلب البرتغالي تفسيرًا من مساعده المصري ليؤكد له أن المركز الأساسي لأيمن هو الظهير الأيسر ولظروف ما لعب كمدافع ارتكاز وأجاد بشكل لافت فحافظ على مركزه الجديد، رغم التدعيم بصفقات جديدة في نفس المركز.

صاح مورينيو متحمسًا: حسنًا فلنبدأ العمل ولنختبر ما يقوله هذا الرجل. قرر مورينيو أن يقوم بجملة تدريبية بسيطة ليختبر مدافعه القصير. فليقوم الظهير الأيمن بإرسال عشر كرات عرضية إلى المهاجم لنرى هل يستطيع أيمن أن يمنع تلك العرضيات.

تقدم محمد هاني بابتسامة ثقة معتادة وهو يمسك بالكرة وكأننا في حضرة داني ألفيش بنفسه. من أصل عشر كرات عرضية لم يستطع هاني أن يرسل الكرة في المكان الصحيح سوى أربع مرات فقط، فشل أيمن أشرف أن يتصدى لأي من الكرات الأربعة، وفشل أزارو أن يحرز أي كرة في الشباك الخالية.

سقطت الصافرة من فم مورينيو الذي لم يصدق ما يشاهده، والتف بوجهه نحو مساعده المصري الذي بدأ بالنظر نحو السماء ببلاهة سائح ألماني في زيارته الأولى لمصر.

بوجه حزين وبروح يائسة قرر الرجل أن يجرب حظه مع خط الوسط. فليحاول لاعب خط الوسط المهاجم أن يخترق من العمق. نجح صالح جمعة أن يخترق في المحاولات العشر جميعًا لينفعل المساعد المصري واقفًا: انظر هذا هو اللاعب الاستثنائي يا سيدي لقد كان على شفا الانهيار ولكننا أنقذناه. انفعل مورينيو بدوره هو الآخر صارخًا: ولماذا لم تنقذوا أيضًا هذا اللاعب الذي يحاول أن يمنعه من المرور؟ ليرد المساعد: كابتن عمرو السولية.

فينفعل مورينيو أكثر: أيًا كان اسمه، إنه يكتفي بالتحليق كلاعب كرة يد. أنا الوحيد الذي يستحق الإنقاذ في هذا المكان.

أعاد مورينيو الفقرة التدريبية مستبدلًا بالسولية اللاعب حمدي فتحي، فلم يستطع صالح أن يمر سوى بثلاث كرات فقط. عاد لمورينيو بعض الأمل واكتفى المساعد بلعب دور السائح الألماني المتأمل.

يحب مورينيو كثيرًا لاعبي الأجنحة؛ لذا قرر أن يختتم بهم تعرفه إلى اللاعبين. عرف مبكرًا أن رمضان صبحي قضى موسمين في الدوري الإنجليزي، هناك بادرة أمل إذن. قامت أجنحة الأهلي جميعًا بالمراوغة للمدافعين ثم التمرير للوراء. سأل مورينيو لماذا لا يسددون بعد المراوغة؟

التقط رمضان كلمة shoot من حديث الرجل ليرد فورًا: ok sir. اصطف لاعبو الأهلي شاغلو مركز الجناح جميعًا وتناوبوا التسديد على المرمى. لم يفهم مورينيو لماذا يكتفون بمهمة واحدة إما التسديد وإما المراوغة، ولذا لم ينجح أحد في إحراز أي هدف من تلك التسديدات. ولكن لا يهم كل ذلك سيتم تعديله، على الأقل هم يراوغون ويسددون.

المباراة الأولى: هي دي كورة؟

الأهلي في ضيافة فريق المقاولون العرب الذي قرر الاستعانة بخدمات المخضرم علاء عبد العال لتدريب الفريق. تقدم كابتن علاء نحو مورينيو ليؤكد له مستعينًا بالمترجم: «أنا لا أصدق نفسي أنت مثلي الأعلى. أنا متأثر بك كرويًا بشكل كبير، ولكن للأسف هنا في مصر لا يقدرون تلك الطريقة التي نلعب بها أنا وأنت. ستتفهم ذلك مع الوقت. أتمنى لك التوفيق أيها الملهم».

لم يكن يتخيل مورينيو مدى تأثيره على كرة القدم في العالم في مثل هذا اليوم. إنه يلعب أمام فريق يعتنق فلسفته، ولكن طبقًا لإمكانياته وحسب. بعد مرور ربع ساعة فقط وجد مورينيو نفسه أمام خصم يتكتل بعشرة لاعبين أمام المرمى دون حراك.

بدأ مورينيو في التفكير في العديد من الأسئلة الوجودية الهامة. هل أنا سيئ؟ هل بالفعل أنا سبب اندثار المتعة في كرة القدم. هل يكرهني الناس على ما فعلت؟ ولكنني أينما ذهبت أجد محبين. هل كل محبيَّ من نفس نوعية هذا المدرب؟ ماذا فعلت بنفسي بل ماذا فعلت بكرة القدم؟! أنا أسوأ من هتلر ذاته. أنا أفسد متع الحياة على الناس وأقتل فرحتهم. أنا أسوأ شخص على وجه الأرض.

لم يفق مورينيو من هذا الحديث الهام مع النفس إلا قبيل انتهاء المباراة بخمس دقائق. تشير النتيجة إلى تعادل الفريقين بعد أن أضاع أزارو عدة أهداف محققة. لاحظ مورينيو أن رمضان راوغ الأحد عشر لاعبًا دون أن يسدد مرة واحدة. قرر مورينيو أن يستخدم إحدى حيله الشهيرة وتناول ورقة صغيرة كتب عليها بخط واضح للغاية: « !PLEASE SHOOT».

مرر مورينيو الورقة خفية لرمضان الذي فتح الورقة مستغربًا ثم نظر إلى مدربه فاغرًا فاه دون أن يعي ماذا عليه أن يفعل. سأل مورينيو مساعده المصري لماذا يبدو على لاعبه الاستغراب؟ أجابه مساعده أن رمضان لا يجيد الإنجليزية. انهار مورينيو: «ألم تخبرني أنه قضى موسمين في إنجلترا؟» ليرد المساعد: «نعم ولكنه لم يحب اللغة الإنجليزية. ثم لماذا ترسل له ورقة، إننا نلعب دون جمهور. فقط أخبرني بما تريد أن تقوله له وسأخبره مباشرة».

بصوت عاجز عن المجادلة تحدث مورينيو: «نعم أنت على حق. أنتم جميعًا هنا على حق. أخبره فقط أن يسدد بعد المراوغة». أومأ المساعد برأسه إيجابًا ثم نظف حنجرته ودون أن يقوم من فوق كرسيه صرخ عاليًا: «رمضاااااان شووووط».

قرر رمضان أن يسدد أخيرًا على المرمى بعد تلك الصيحة وقبل ثوانٍ من انتهاء المباراة ليحرز هدف المباراة الوحيد. صرخ الجميع في الملعب وجن جنون البدلاء والجهاز الفني. لعب الأدرينالين الكروي الذي كان مورينيو يفتقده بشدة ألاعيبه ولم يشعر مورينيو بنفسه سوي وهو يركض على طرف الملعب كعادته فرحًا بالهدف.

ركض مورينيو صارخًا، ولكنه شعر بأنفاس أحدهم في قفاه. ربما أحد اللاعبين يحتفل معه فلا وجود احترام للمساحة الشخصية في هذا البلد. نظر مورينيو للخلف ليجد أحد أفراد الأمن الغاضبين بشدة يريد أن يفتك به. لماذا قد يلاحقه الأمن لاحتفاله بهدف في مباراة كرة قدم فهو ليس من الألتراس على سبيل المثال. نظرة أخرى خاطفة نحو هذا الذي يلاحقه كانت كفيلة ليفهم الأمر. إنه هذا المدرب الذي أخبره بحبه له في أول المباراة. إنه السيد علاء عبدالعال بنفسه.

ركض علاء عبدالعال خلف مورينيو بطول الملعب مرددًا: «هي دي كورة؟!»، ثم أطاح به بالفعل بيمناه الحديدية ليغيب السيد مورينيو عن الوعي.

اللحظات الأخيرة: الآن تستطيع الانصراف

من قلب أحد المستشفيات الأجنبية في أطراف القاهرة، طمأن مورينيو الجميع على صحته. وأكد للعالم الذي أبدى قلقًا كبيرًا على الرجل بعد أن انتشرت لقطة كابتن علاء في كل بقاع الأرض أنه بخير، وأن ما حدث ليس أكثر من انفعال كروي مفهوم.

مصر بلد متحضر وذلك المشهد هو الاستثناء فقط وتلك الأحداث تتكرر في كل دول العالم. ولم ينس الرجل أن يثني على طيبة المصريين وجدعنة أهلها وكيف اطمأن الشعب المصري بأكمله على الرجل وأرسلوا له أطنانًا من الورود.

ما إن انتهى حديث البرتغالي المخضرم حتى امتدت يد أحد المسئولين نحوه بالباسبور الخاص به. تلقف مورينيو الباسبور بشوق طفل عاد إلى أمه حالًا. وبصوت رزين وعاقل تحدث المسئول الكبير: «الآن يمكنك الانصراف».

لم يغير مورينيو من حديثه بعد العودة للبرتغال، ولكنه وفي قرار مفاجئ قرر اعتزال التدريب نهائيًا دون رجعة.