الساعة تدق التاسعة صباحًا، إنه الموعد اليومي لإرسال التقرير اليومي المكُلف به لجنة «متابعة رحلة بيب جوارديولا إلى مصر». كان التقرير وافيًا بالفعل؛ فهو عبارة عن جدول تملأ اللجنة خاناته بشكل مفصل، عن الأماكن التي زارها بيب، وتعليقاته أثناء الرحلة، وكذلك أسئلته للمرافقين الرسميين وهكذا.

امتلأت خانات التقرير يومًا بعد يوم إلا خانة وحيدة، خانة المنشورات التي شاركها بيب عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هي الخانة الأهم في نظر السادة المسئولين، ويبدو الأمر منطقيًا فالمراد عند الجميع هو استغلال زيارة بيب جوارديولا إلى مصر لإنعاش السياحة وإظهار البلاد في أفضل حال.

أثار هذا حفيظة كبار المسئولين الذين يتلقون التقرير ويشاركونه مع مسئولين أكبر وصولًا لقمة الهرم. لابد أن هناك شيئًا ما يزعج الرجل ويتم التستر عليه وإلا لكان ملء الدنيا صورًا وتغريدات.

ولأن كل مسئول مدين بتبرير للجهة الأعلى؛ كان لا بد من ملء هذه الخانة أو الإجابة على سؤال بسيط: لماذا لم يشارك بيب أي صورة لرحلته في مصر على وسائل التواصل الاجتماعي؟

هبطت المسئولية كما هي العادة في المؤسسات المصرية من قمة الهرم إلى أسفله حتى وُجِه السؤال للرجل الخمسيني الذي يضع توقيعه فوق الجدول المُرسل كل يوم، السيد «عماد عبد المعطي» مدير عام الحاسب الآلي في وزارة السياحة.

أغلق السيد عماد الهاتف وهو يلعن اليوم الذي تقدم فيه لنيل دورة «ICDL» التي تنظمها الوزارة. هو في الأساس خريج كلية التجارة وقضى أعوامه الأولى في الشئون المالية قبل أن يدرك أنه لا مجال للترقي في هذه الإدارة المكتظة. هنا قرر التقدم ليكون النواة الأساسية للإدارة التي أنشئت حديثًا آنذاك وما عزز موقفه أنه الوحيد الذي اجتاز اختبارات «ICDL».

اجتمع السيد عماد بموظفي الإدارة جميعًا وأوضح لهم بأسلوبه الفريد أنه لن يعد أحد لبيته قبل الإجابة على هذا السؤال. أقسم الجميع أن المعلومات في الجدول صحيحة تمامًا هنا ثار الرجل في حنق. لماذا لا ينشر السيد جوارديولا شيئًا عن مصر؟ أتى الصوت خافتًا من أصغر الموظفين سنًا؛ لأن الفيلسوف لا يملك حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي!!

الرجل الزاهد

كان هذا صوت «يحيى محمود»، الموظف الجديد الذي لا يهتم به أحد أبدًا، إنه على الدوام يقول كلامًا غير مفهوم ويتحدث عن البرامج الحديثة التي درسها، العجيب أن كل البرامج باللغة الإنجليزية في إشارة فهمها مديروه على الفور، إنه مثال على الشباب الصغير المتكبر.

حسنًا، أصبح ليحيى قيمة الآن. التف حوله الجميع وسأله السيد عماد بابتسامة واسعة:

– يحيى يا حبيبي، كنت متأكد إن عندك إجابة. الشباب الواعد بقي اللي عارف الناس دي بتفكر إزاي. فهمني يا عماد مين الفيلسوف ده؟

= هو بيب جوارديولا يلقبونه بالفيلسوف لأنه يمتلك أفكارًا فلسفية عن الكرة.

– فلسفية عن الكورة؟ يا سيدي وماله، هو حر. المهم يعني ايه معندوش مواقع تواصل، معزول عن الدنيا يعني؟

هنا قرر يحيى شرح المسأله برمتها؛ لا يملك بيب وسائل تواصل اجتماعي بالمعنى المفهوم، فقط حساب على «انستجرام» لا يديره بشكل شخصي حتى إن اسم الحساب «فريق بيب» وليس باسمه الشخصي. لكن هذا لا يعني أنه منعزل عن العالم كليًا!

بعد أن سجل هالاند خمسة أهداف في مرمى لايبزيج، استبدله جوارديولا بعد مرور ساعة تقريبًا. تسبب هذا في انطلاق النكات على نطاق واسع على تويتر حيث اتهم الجميع جوارديولا بأنه أخرج هالاند حتى لا يسجل مرة أخرى ويكسر الرقم المسجل باسم لاعب بيب المفضل ليونيل ميسي.

العجيب أن بيب علق على الأمر بسخرية وذلك بعد أن أخرج هالاند مرة أخرى بعد تسجيل ثلاثية في مباراة ضمن كأس الاتحاد الإنجليزي بأنه فعل ذلك حتى لا يكسر رقم ميسي في كأس الاتحاد. هل تعرف ما يعني ذلك يا أستاذ عماد، إن بيب يملك حسابًا آخر سريًا.

هنا اندهش السيد عماد، حساب سري؟ لجان يعني، كده تمام جدًا. ده جالنا منطقتنا يابني.

انطلق السيد عماد ليزف الخبر السعيد، إن السيد بيب يمتلك حسابات سرية قبل أن يلحقه يحيى بأعجوبة، إنه لا يمتلك لجانًا بل هو لا يحب الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد قرر الرجل أن يستمتع بعمله بغض النظر عن الجدل الدائر حول عمله.

– زاهد يعني؟ مفيش يا ابني الكلام ده! اركن بقى واتفرج.

أصبحت التعليمات واضحة، المهمة الآن هي معرفة الحسابات السرية التي يمتلكها السيد بيب وهل هناك لجان معينة يحب أن «تتراضى» حتى ينشروا صورة تعني للبلد الكثير. ما هي إلا ساعات حتى حصل المسئولون على كل متعلقات السيد بيب وأسرته بدعوى احترام قدسية الفراعنة وأن معبد أبو سمبل لا يدخله تكنولوجيا بناء على قرارات اليونيسكو.

نحن سننشر الصور

التزم الفيلسوف بالتعليمات ولم يعرف أن السر الذي حافظ عليه لسنوات أصبح في أيدي المسئولين، لكن يبدو أن ما يبحثون عنه لا وجود له. لا يملك جوارديولا لجانًا يديرها في الخفاء ولا يملك آراء سياسية واضحة، لكنه في المقابل يتابع عددًا من صفحات الفانتازي حتى يقوم بجلط متنافسي اللعبة كلما أمكن، كما يتابع «تويتر» في صمت. أما عن حساب «انستجرام» فهو بالفعل لا يديره بنفسه.

هنا تم إذاعة الخبر، لقد راهنوا على رجل زاهد في الدنيا! كانت الصدمة شديدة على البعض، لقد صُرفت ملايين على هذه الرحلة لكن نصيبنا أن يأتي لنا رجل عبقري لكن بركة! لا يريد من الدنيا لايكات ولا يحب استخدام الفلاتر.

أحس بيب في يوميه الأخيرين بتغيير هائل في المعاملة. لا أحد يجيب طلباته أو يهتم بزيارته كما كان في السابق. شعر للحظات أنه ربما قرر المصريون أن يعتبروه واحدًا منهم، لكن ليس للحد الذي وجد نفسه في رحلة خاصة لزيارة خط المترو الثالث في شارع الهرم.

الواقع أن السادة المسؤولين قرروا أن يقوموا بالدور الذي لا يعرف عنه بيب شيئًا، إذا كان بيب لا ينشر صورًا لتنشيط السياحة، إذًا لا مجال سوى أن نقوم بتصويره في الأماكن التي نقررها وننشر نحن الصور.

قرر بيب أخيرًا أن يرحل على وجه السرعة بعد أن التفت حوله الجماهير في شارع العريش واضطر للبقاء ساعة كاملة في مول أميرة للكمبيوتر هربًا من الزحام. شاهد خلال تلك الساعة مباراة الأهلي ومنتخب السويس وعرف جيدًا أنه لا مجال للخروج من هذا الزحام بأمان قبل أن يصرح للجميع بأنه أعجب بالأهلي كثيرًا ثم قال بالعربية «الأهلي عمهم».

عاد بيب إلى إسبانيا محملًا بعديد من الذكريات الجميلة، لكنه تفاجأ برسالة عجيبة على حسابه السري. كانت رسالة من السيد المسئول «صلاح القليوبى» يؤكد خلالها أنه على بيب ألا يقلق فلا أحد يعرف قصة الحساب السري ذلك لكنه فقط يريد طلبًا وحيدًا؛ تشكيل مانشستر سيتي كل أسبوع قبل المباراة بأكثر من ساعتين لأن نجله تامر يريد الفوز بالجائزة الكبرى التي قدمها معرض«الرواس» للسيارات لصاحب المركز الأول في دوري الرواس للفانتازي وهي موتوسيكل بوكسر هندي.