ذات مرة كنت أجلس رفقة ثلاثة من أصدقائي، لتناول الحديث عن كرة القدم كعادة تلك الجلسات، ولكن إذا بنا نحول النقاش إلى منتخب مصر لكرة اليد. نتساءل من اللاعب الأهم في الفريق الآن؟ بدون تفكير كانت الإجابة: أحمد الأحمر، إجابة اتفق عليها أصدقائي الثلاثة، رغم تباين انتماءاتهم بين الأهلي والزمالك، بل وغير المتابع لكرة اليد من الأساس.

تعد تلك الجلسة هي صورة مصغرة للحالة الجماهيرية التي يخلقها الأحمر منذ بداية تألقه رفقة المنتخب الوطني. حالة من الإجماع النادر الذي تشهده الرياضة في مصر، رغم ما يشوب المشهد من تعصب واحتقان في معظم الأوقات، الأمر الذي سيطرح علينا سؤالًا منطقيًّا، لماذا اتفق الجميع على حب الفتى الذهبي لكرة اليد؟

قبل الإجابة على السؤال، دعني أؤكد أننا لسنا هنا لسرد السيرة الذاتية للأحمر، والتي يعرفها القاصي والداني، ولن يحتاج من لا يعرفها سوى دقائق معدودة من أجل البحث على جوجل، أو قراءة تصريح حسين ذكي واحد من أساطير كرة اليد المصرية أيضًا، والذي عادة ما يتم المقارنة بينهما تاريخيًّا، حين وصفه بـ «ميسي كرة اليد».

مشاعر متبادلة

الاحترام والحب مشاعر متبادلة، من الصعب أن تجدها من طرف واحد دون الآخر. حب الجماهير لأحمد الأحمر، يقابله بالضرورة حب واحترام منه للجماهير أيضًا. ينعكس ذلك على حديثه عادة، فلن تجده يستفز الجمهور بتصريح هنا، أو منشور هناك. هو يعلم جيدًا حدود ما ينطق به.

تواصلت «إضاءات» مع السيدة فاتن الأحمر، والدة قائد منتخب مصر لكرة اليد لسؤالها عن الأمر.

قالت الأحمر:

إلى جانب الحرص الشديد في تصريحاته، فأحمد لديه أصدقاء كثيرون من لاعبي الأهلي. هو يتعامل مع باقي اللاعبين في الأندية باحترام شديد، ويبتعد عن افتعال المشاكل مع الجماهير، وبالتالي كل هذه التصرفات ترصدها الجماهير بدقة، وتُقيم النجم على أساسها دائمًا.

منتخب مصر

وأوضح عمرو فكري، الصحفي المتخصص في الألعاب الأخرى بإذاعة ال BBC، أن السبب الأول لتعلق الجمهور بالأحمر هو منتخب مصر. قال فكري في حواره مع «إضاءات»: «الجمهور المصري لا يرى الأحمر إلا في مباريات منتخب مصر، بسبب قلة متابعة مباريات دوري كرة اليد على عكس كرة القدم، التي يتابعها الجمهور بأدق التفاصيل».

وأضاف:«جماهير الأهلي تحديدًا لديها حالة من التشبع بسبب إنجازات فريق كرة القدم في النادي، على عكس جماهير الزمالك التي تلجأ إلى الاهتمام بفرق الرياضات الأخرى مثل كرة اليد، بفضل تفوقهم بها، وبالتالي من المنطقي أن يتم معاملة الأحمر كأسطورة رياضية في النادي على مختلف رياضاته».

الوضع يشبه تمامًا، تشجيع جماهير الأهلي لعمرو ذكي رفقة المنتخب في بطولات أفريقيا، أو جماهير الزمالك لأبوتريكة ومتعب، لا يهم الانتماء طالما سيتسبب اللاعب في تحقيق بطولة لمنتخب مصر.
الصحفي عمرو فكري.

تابع فكري: «جمهور الأهلي مثلًا لا يرى أحمد الأحمر وهو يتسبب في هزيمة فريقهم لمباراة أو بطولة، ولكن الصورة الذهنية المتكونة لدى الجماهير، هي أن الأحمر لاعب مهاري للغاية، يجيد كلما أتيحت له فرصة اللعب مع المنتخب، وبالتالي فالجماهير تحب هذا النموذج الذي يساعد منتخب مصر في كل مشاركة له».

إذا انتقلنا إلى لغة الأرقام، فالأمر لن يختلف كثيرًا، حيث يعد أحمد الأحمر هو الهداف التاريخي لمصر في بطولات كأس العالم بـ 226 هدفًا -قبل بطولة كأس العالم الحالية- وهداف مصر في دورات الألعاب الأولمبية بـ 77 هدفًا، كما أنه أكثر من شارك في بطولات أفريقيا بـ 9 مشاركات، متوجًا بـ 4 نسخ منها، بالإضافة إلى أنه أكثر اللاعبين حصولًا على بطولات قارية على مستوى العالم.

الاحتراف

تلعب خطوة الاحتراف لأي رياضي بشكل عام دورًا حيويًّا في توحيد الجماهير المصرية خلفه، وذلك بغض النظر عن ميول اللاعب سواء كان أهلاويًّا أو زمالكاويًّا، ففي كرة القدم مثلًا، وجد أحمد حسام ميدو دعمًا كبيرًا من الجماهير الحمراء في رحلة احترافه في بداية الألفية الحالية، والوضع نفسه بالنسبة لحسام غالي أيضًا، من جانب الجماهير البيضاء.

ورغم أن رحلة الأحمر في الاحتراف لم تكن بالطويلة إذا ما قورنت بلاعبين آخرين مثل محمد سند، أفضل لاعب في الدوري الفرنسي الموسم الماضي، ومحمد ممدوح هاشم، حامل لقب دوري أبطال أوروبا مع مونبيليه الفرنسي، والمحترف حاليًّا في نادي بوخارست الروماني، أو حتى على المستوى العربي مثل علي زين، لاعب نادي الشارقة الإماراتي، إلا أنها كان لها طابع مميز يختلف عنهم جميعًا.

حيث حرصت عدة فرق عربية على الاستعانة بخدمات أحمد الأحمر في مشاركاتها القارية الهامة، مثل بطولة أفريقيا للأندية رفقة الأفريقي التونسي، والذي توج معه بدوري أبطال أفريقيا، والجيش القطري وأهلي جدة السعودي، والذي توج معهما بـ 4 ألقاب لأبطال آسيا، كما تواجد مع تلك الأندية في بطولات كأس العالم للأندية أيضًا.

تلك الرحلة التي توجت في عام 2015 بالانتقال إلى فريق فلينسبورج، بطل أوروبا وقتها، وذلك لمدة 6 أشهر على سبيل الإعارة، فترة لم تكن بالطويلة أيضًا، ولكنه استطاع وقتها الفوز ببطولة كأس ألمانيا، ليفتح باب الطموح واسعًا أمام لاعبي كرة اليد للمنافسة والاحتراف في فرق الصف الأول في أوروبا، مثلما فعل محمد صلاح بالانتقال إلى ليفربول الإنجليزي أيضًا.

لعبة مختلفة

الأسباب تبدو منطقية إذا ما حصرناها داخل لعبة كرة اليد، ولكن ماذا لو كان أحمد الأحمر لاعب كرة قدم كما كان يود والده؟ هل كانت ستتأثر علاقته مع الجماهير؟

أحمد الأحمر هو الزمالكاوي الوحيد الذي أحبه في جميع الرياضات، بعيدًا عن كونه أحد من جعلونا نحب كرة اليد، إلا أنه لا يتعمد الزج باسم الجماهير في عمله. هو لاعب كرة يد ودائمًا يركز على القيام بذلك في أفضل صورة، دون البحث عن لقطة أو سوكسيه كما يفعل بعض لاعبي كرة القدم.
طاهر منيسي – مشجع للنادي الأهلي

من جانبه، قال حسام زايد، نائب رئيس القسم الرياضي بجريدة الشروق، في حوار خاص لـ «إضاءات»، إن تجربة حب الجماهير لأحمد الأحمر تعد أمرًا نادرًا لا يجب القياس عليه، لأنه لاعب بخلاف الفنيات العالية التي يتمتع بها، فهو أيضًا يتمتع بكاريزما مميزة.

وأضاف: «بالإضافة إلى أن طبيعة كرة اليد مختلفة تمامًا عن كرة القدم، من حيث الالتحامات والتدخلات في الملعب مثلًا، أو حتى على صعيد العلاقات بين الأندية والاتحاد واللاعبين، تشعر وكأنهم أسرة واحدة تعمل من أجل كرة اليد المصرية، لا تصل الأمور عادة لحد التراشق مثلًا، أو ما يعرف الآن على السوشيال ميديا بقصف الجبهات في ظل غياب الجماهير عن الملاعب في كرة القدم».

واختتم زايد حديثه:

أحمد الأحمر يستطيع خطف أنظار الجماهير حتى مما لا يتابعون كرة اليد، مشاهدته من الملعب مختلفة تمامًا عن الشاشة، تشعر للحظة أنه يلقي قصيدة شعرية أو يعزف مقطوعة موسيقية، هو لاعب بدرجة موسيقار بالفعل، وأتمنى أن يتواجد في الملاعب لأطول فترة ممكنة، لأن تواجده يعد مكسبًا كبيرًا لكرة اليد في مصر.