في بدايات تطور كرة القدم، وقبل أن يصل التكتيك ذروته لما يحلو للبعض وصفه بتقييد اللاعبين، استطاع عدد لا بأس به الإفلات، وتقديم نفسه بكل حرية، لإضافة مهارات جديدة إلى قاموس اللعبة. وكل مهارة تراها الآن، كانت لها مرتها الأولى التي قدمت فيها وسجلت أحيانًا باسم صاحبها.

لدينا مثلاً مهارة الوقوف على الكرة بقدم، والدوران بها عبر الأخرى، المعروفة باسم «The Marseille Turn» والتي رأيناها بكثرة من زيدان، لكنها في الأصل كانت من اختراع مواطنه «يفيس ماريوت» في سبعينيات القرن الماضي. وحركة الـ«Elastico» التي اشتهر بها رونالدينيو، بحمل الكرة على وجه القدم للخارج، ثم ضمها للداخل، والتي قدمها البرازيلي «روبيرتو ريفيلينو» لأول مرة في السبعينيات أيضًا.

وصولاً إلى تسديد ضربة الجزاء بطيئة ساقطة في منتصف المرمى، والمعروفة باسم «ركلة بانينكا»، نسبة إلى «أنتونين بانينكا»، لاعب منتخب تشيكوسلوفاكيا السابق. لكن تظل مهارة التمرير والتسديد بوجه القدم الخارجي، ورغم قدرتها على جذب أعين الجمهور، لا نعلم عنها نفس القدر من المعلومات، ولا نعلم من قدمها لنا.

تاريخ غير معلوم

حاول قسم «Joy of Six» بالقسم الرياضي لصحيفة الجارديان الإنجليزية، أن يقدم لنا عددًا من الأهداف التاريخية عبر التسديد بوجه القدم الخارجي، لعلنا ندرك نقطة البداية. وكانت أغلب اللقطات تعود إلى عام 1978، وتحديدًا مع لاعبي أمريكا الجنوبية.

في مباراة بيرو واسكتلندا بكأس العالم في نفس العام، تمكن «توفيلو كوبيلاس» الملقب بـ«بيليه بيرو»، من إحراز ركلة حرة مباشرة، باغت من خلالها الحارس والحائط، وسدد بوجه قدمه الخارجي بجوار الحائط من الخارج.

ثم تبعه الظهير الأيمن البرازيلي «نيلينيو»، بتسديدة شبه مستحيلة من الجانب الأيمن لمنطقة الـ18، ليودعها في الزاوية البعيدة لمرمى المنتخب الإيطالي، حتى ظل البعض يتساءل لمدة طويلة هل كانت عرضية أم تسديدة. وفي نفس العام أحرز الجناح الأيسر، البرازيلي «إيدير» هدفًا بنفس الكيفية لصالح نادي جريميو في مرمى انترناسيونال. ووفقًا للجارديان، أحرز «إيدير» عددًا من الأهداف بنفس الطريقة، في تلك الحقبة.

وبالطبع لا يمكن ذكر هذا النوع من الأهداف دون المرور على تسديدة روبيرتو كارلوس الخارقة، في مرمى فابيان بارتيز، عام 1997، والتي ظل البعض يبحث عن تفسير فيزيائي لمسارها. وصولاً للجيل الحالي، والذي ستجد فيه الثنائي لوكا مودريتش، وبول بوجبا، مميزين على مستوى التمرير بوجه القدم الخارجي، والتسديد في لحظات لا تتكرر كثيرًا، لكن يظل هناك لاعب واحد،نعتبره جميعًا أيقونة لهذا التكنيك.

براءة اختراع

إنه بالطبع، ريكاردو كواريزما. باللغة البرتغالية، تعرف التسديدة بوجه القدم الخارجي التي تأخذ اتجاهًا على شكل قوس بــ«trivela»، وإذا ذهبت إلى محرك البحث جوجل لتبحث عن مخترع الـ«trivela»، فستجده كواريزما. وقد تكون هذه أول براءة اختراع في كرة القدم، تذهب للاعب لم يكن هو الأول في تنفيذ اختراعه.

استحق كواريزما أن ينال براءة الاختراع تلك، لأنه أضاف لتلك المهارة بشكل ملحوظ، ولم يقدمها في لقطات نادرة من مسيرته، كغيره من اللاعبين، بل يمكننا القول إنه عرَّف مسيرته كلها عبر وجه قدمه الخارجي، وصار تلقائيًّا، إن رأيت اسم كواريزما، ستتذكر تلك التسديدة.

من عادة اللاعبين الكبار في ذلك المستوى أن يطوروا القدم الضعيفة، لمحاولة زيادة خياراتهم في الملعب، سواء على مستوى التسديد أو التمرير. واستمرارًا لتلك العادة، رأينا أصحاب القدم اليمنى أكثر قدرة على تطوير قدمهم اليسرى، أما العكس فلم يحدث إلا نادرًا، ونتج عنه على سبيل المثال، لقطة ميسي وبواتينج الشهيرة، عندما راوغ ثم سدد بقدمه اليمنى.

لكن كواريزما لم يفعل ذلك، بل قرر تطوير الوجه الخارجي للقدم اليمنى، بشكل يجعله يبدو كمن يجيد بكلتا القدمين. سأعطيك مثالًا، إن كان لاعب بورتو السابق على الجبهة اليسرى، فحتمًا سيدرك الظهير أن ريكاردو سيحاول المرواغة إلى داخل الملعب كي يرسل عرضية بيمينه، وعليه فسيغلق الداخل، ويفتح المجال باتجاه الخط الجانبي. إلا أن كواريزما وعبر تكنيكه المميز، سيذهب للخارج ويرسل عرضية متقنة، تمامًا كاللقطة التالية، والتي نتج عنها هدف لكريستيانو بمرمى أستونيا.

https://www.youtube.com/watch?v=6DFm6wl6dRU

سر إتقانه

في مقطع فيديو لصالح موقع اليويفا، حاول جناح نادي بشكتاش أن يشرح سره لإتقان تلك المهارة. لكنك ستتفاجأ بجمل ركيكة، لم يستطع كواريزما أن يفيدنا بشيء، سوى إعلامنا بمدى أهمية الـ«trivela» بالنسبة له.

وبما أنه ترك لنا باب التخمين مفتوحًا، فعلى الأغلب يمكننا أن نعرف السبب من خلال رصد مسيرته غير الموفقة مع الأندية الكبيرة. حيث لم يكن كواريزما محظوظًا عندما ينتقل لأعلى مستوى في المنافسة، سواء في نادي برشلونة أو انتر ميلان أو تشيلسي. وفي كل مرة كان يصطدم بتقييد مدربيه، أو عدم حصوله على الفرصة من الأساس.

وكان يبدو كأنه يبحث عن اللعب بطريقته الخاصة، كغيره من الموهوبين الكسالى، حتى إن مورينيو في 2008، قال عنه: «أنا متأكد أنه سيتحسن ويصبح ملتزم تكتيكيًّا، لكنه الآن يحب ركل الكرة بوجه القدم الخارجي». لكنه لم يتحسن، وفضل أن يستمر بأسلوبه، وكانت هذه المهارة هي ملاذه الأخير. ظل متمسكًا بها، كآخر ما يمكن تذكره به، عوضًا عن مسيرة كانت تقارن في بدايتها بمسيرة رونالدو.

كان كواريزما – على حد قوله – لا يفوت أي فرصة سانحة أثناء المباراة لركل الكرة بطريقته المميزة، لذلك تمكن من ترك بصمته في عدد كبير من اللقطات. وكانت أول بصمة رسمية مع أول هدف له في مسيرته مع الأندية على طريقة الـ«trivela»، رفقة نادي بورتو في موسم 2004/2005، في مرمى فريق بيراميرا بالدوري البرتغالي. وعلى مستوى المنتخب، أتى هدفه الأول بنفس التكنيك في مرمى منتخب بلجيكا، بتصفيات كأس أمم أوروربا 2008.

وبالطبع لم ينسَ المرور على اللحظات الأهم، مثل كلاسيكو البرتغال ضد بنفيكا، وهدفه في عام 2007. ثم البصمة الكبرى مع منتخب البرتغال في كأس العالم 2018، بهدفه في مرمى إيران، والذي جعله أكبر لاعب برتغالي يسجل في كأس العالم، على الأقل مؤقتًا، حتى يحطم كريستيانو ذلك الرقم في كأس العالم 2022.

إلى هنا ويبدو أن كواريزما بات يمثل النقطة التي انتهت عندها مهارة وجه القدم الخارجي، لأن البداية ليست معلومة إلى الآن، لكن على كلٍّ، إن كنت ما زلت تمارس اللعبة، وتشاهد مقاطع كواريزما على اليوتيوب، فبإمكانك محاولة تنمية تلك المهارة لديك، فقط حاول التركيز في الصور التالية، ثم جربها عندما تحين الفرصة.