محتوى مترجم
المصدر
مركز بيجن السادات للدراسات
التاريخ
2016/03/29
الكاتب
هيليل فريش

تعتبر محاولة صوغ سياسة إسرائيلية متسقة تجاه السلطة الفلسطينية في عهد ما بعد عباس أشبه بمحاولة بناء منزل على رمال متحركة. فالوضع مضطرب باستمرار بفعل التيارات والهزات غير المعلنة، يشمل ذلك موجة العنف الإرهابي ضد الإسرائيليين رغم تراجع مستوياتها، الخلاف المتزايد داخل فتح بين عباس ومنتقديه والمرتبط بشدة بالمعركة على خلافته، واحتمالية أن العلاقة بين هذين التطورين قد تتحول إلى حرب أهلية (ساحة جديدة للحرب بالوكالة بين إيران والسعودية وحلفائهما).لا تستطيع إسرائيل تحمّل أن تكون مراقبًا سلبيًا للأحداث مع تبلورها داخل السلطة الفلسطينية. تستقر قرية «بدرس» الفلسطينية في موقع إستراتيجي على بعد 11 كيلومترا فقط من المدرج الرئيسي بمطار إسرائيل الدولي الوحيد. تبعد حافة بلدة طولكرم الفلسطينية مئات الياردات عن طريق رابين السريع، شريان إسرائيل الرئيسي الرابط بين الشمال والجنوب.وعندما يغادر عباس المشهد، سيتعين على صناع القرار الإسرائيليين دراسة خمسة خيارات مختلفة جذريًا لسياساتها تجاه السلطة الفلسطينية.أولًا: يمكن لإسرائيل المشاركة في حل للنزاع بشكل يبقي على احتمالية إنشاء دولة فلسطينية.ثانيًا: يمكن لإسرائيل تعزيز الاحتكاكات مع الفلسطينيين عبر اغتنام الفرص لمباشرة التوسع الاستيطاني والصور الأخرى من بناء الدولة الإسرائيلية. ثالثًا:يمكن لإسرائيل الكف عن الإجراءات اللازمة لتعزيز الاستقرار داخل السلطة الفلسطينية في حال اندلعت الفوضى بسبب مسألة الخلافة. أما الخيارين الرابع والخامس، اللذين اقترحهما جانبان متقابلان بالساحة السياسية، هما اتخاذ خطوات أحادية، حيث يسعى حزب الاتحاد الصهيوني وراء الانسحاب أحادي الجانب، بينما يدعو حزب البيت اليهودي إلى الضم والاستيطان الانتقائي.


خيار فض النزاع

يقول خيار فض النزاع إن السلام ليس ممكنًا في المستقبل المنظور، بل على إسرائيل الانتظار لتكسب من الامتناع عن خطوات مثل بناء المستوطنات التي تهدد فرص تحقق حل الدولتين في النهاية. تتمثل ميزة هذا الحل في أنه يتفق مع أعراف وتوقعات المجتمع الدولي، بما في ذلك الحليفة الأكثر إخلاصًا، الولايات المتحدة، والدول الصديقة في أوروبا مثل ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا.تعتبر هذه الأطراف إقامة الدولتين الحل الوحيد المطروح على الطاولة، رغم أنها تعترف بأنه غير قابل للتحقيق في المستقبل القريب. ترى هذه الدول أن حكم إسرائيل لما بعد الخط الأخضر يُعد احتلالًا، وتقلق من أن الفشل في حل المشكلة على أساس الدولتين سيؤدي إلى دولة ثنائية القومية مختلة وظيفيًا مشوبة بقدر كبير من العنف الداخلي.

قد تستفيد إسرائيل من تفشي الفوضى في السلطة الفلسطينية، لكن الانعكاسات السلبية على اقتصادها ستكون أكبر.

للحفاظ على قابلية تطبيق حل الدولتين في المستقبل، سيكون من الضروري كبح الاستيطان فيما يتجاوز مستوطنة «جوش عتصيون» وجميع المستوطنات غير المجاورة للخط الأخضر؛ باختصار، الحفاظ على الوضع الراهن.تبدو عيوب هذا النهج واضحة: فالفلسطينيون ليس لديهم حافز للجلوس إلى مائدة المفاوضات، ويتحول المستوطنون والمواطنون الإسرائيليون المتجاوزون للخط الأخضر إلى ضحايا للسلبية السياسية. ومع ذلك فإن أنصار هذا الخيار يقولون إن تلك العيوب ضئيلة بالمقارنة بالعزلة الدولية التي ستعاني منها إسرائيل إن تخلت عن حل الدولتين. سيشمل ثمن الانحراف عن هذا الالتزام بحل الدولتين تغريب أغلبية من الشتات اليهودي، خصوصًا في الولايات المتحدة.يؤيد حل فض النزاع الإبقاء على السيطرة العسكرية الكاملة على الضفة الغربية، مع تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الفلسطينيين عبر الخط الأخضر. تخدم تلك العلاقات هدفين؛ فهي تُهدّئ السكان العرب بالضفة الغربية، وتضمن الوصول إلى ثاني أكبر سوق بإسرائيل، كما تؤدي زيادة عدد العاملين الفلسطينيين في إسرائيل إلى زيادة المال الكافي لشراء السلع الإسرائيلية. لقد نجحت تلك الإستراتيجية حتى الآن، من حيث خفض مستويات الإرهاب وزيادة القوة الشرائية الفلسطينية.في حال أبقت الحكومة على هذه السياسة، ستقابل على الأرجح بالقليل من المعارضة، سواء داخليًا أو وسط الحلفاء الدوليين لإسرائيل.


خيار «الاحتكاك»

عادة ما يقول منتقدو خيار فض النزاع إن إسرائيل قد فقدت زمام المبادرة في نزاعها مع الفلسطينيين، ويأكدون على أن إسرائيل لا يجب أن تتحمل تكاليف المبادرات الفلسطينية لتغيير الوضع القائم؛ كالهجمات الإرهابية أو البناء المكثف غير القانوني في المنطقة ج (الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الحصرية). بدلًا من ذلك، يجب على إسرائيل أن تناظر المبادرات الفلسطينية بمبادرات أكثر جرأة، مثلما فعلت بنجاح شديد أثناء الانتداب البريطاني وخلال السنوات الأولى بعد قيام الدولة. يجب على إسرائيل تعزيز بناء الدولة في الضفة الغربية، على الأقل حتى يسعى الفلسطينيون للسلام.على سبيل المثال، خلال الموجة الأخيرة من الهجمات الفلسطينية، كان يتعين مقابلة تشجيع السلطة الفلسطينية وحماس للعنف في الخليل والقدس بتحركات إسرائيلية هجومية، بما في ذلك الاستيطان، لذلك يقال إن المستوطنات تُعزّز الأمن.على أقل تقدير، يجب على إسرائيل كبح أو هدم البناء الفلسطيني واسع النطاق الهادف إلى تغيير الحقائق الإستراتيجية على الأرض. يتضح ذلك النوع من البناء في المنطقة هـ1، الممتدة من التلة الفرنسية عبر العيساوية، والزعيم، والقطاع الشرقي من جبل الطور بطول طريق القدس – أريحا السريع. في تلك المنطقة، يبذل الفلسطينيون جهودًا متضافرة لإنشاء رقعة عمرانية فلسطينية مستمرة من جنوب القدس إلى شمالها، رغم وجود الجدار الأمني.تبدو عيوب هذه السياسة واضحة، حيث ستكون هناك معارضة محلية من اليسار، لكن الحكومة تستطيع تجاوزها. ويتمثل الخطر الأكبر في العداء الشديد الذي سيتولد تجاه إسرائيل من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الأوروبي إن بنت إسرائيل مستوطنات ردًا على الإرهاب، وشاركت في حملة تفكيك واسعة للأبنية غير القانونية، الذي كان بعضها تحت رعاية الاتحاد الأوروبي.


الفوضى البنّاءة

بدأ العديد من الخصوم داخل السلطة الفلسطينية بالفعل التنافس على هوية من يرث القيادة بعد مغادرة أو موت محمود عباس، الذي يبلغ من العمر 83 عامًا. أثارت تلك المنافسة نقاشًا حول إن كان يتعين على إسرائيل دعم مرشح ملائم من أجل الاستقرار، أم المشاهدة في صمت حتى مع احتمالية تحول النزاع إلى الفوضى. يعتقد مناصرو وجهة النظر الأخيرة أن الفوضى والحل المحتمل للسلطة الفلسطينية، والتركيز اللاحق من قبل اللاعبين الدوليين على تسكين المنطقة، يمكن أن يخفف الضغوط على إسرائيل لتدخل عمليات سلام غير واقعية.

يُطرح خيار الانسحاب الأحادي من الضفة الغربية على أنه أداة إسرائيل للحفاظ على يهودية الدولة.

يمكن للجانب الفلسطيني الضعيف بفعل الاضطراب المستمر أن يكون سهل الانقياد إلى توقيع تسوية سلمية أكثر ملاءمة للمصالح والمخاوف الإسرائيلية. لكن يُرجّح بشكل أكبر أن الفلسطينيين سيظلون مُفتّتين، مع تحول السلطة الفلسطينية إلى سلطتين أو أكثر في الضفة الغربية.في كلا الحالتين، من غير المرجح أن يظن المجتمع الدولي أن بإمكانه حل المشكلة الفلسطينية على حساب إسرائيل. في حال تفتت السلطة الفلسطينية، قد يصبح حلفاء إسرائيل أكثر ميلًا للتفكير في المشكلة الفلسطينية على طريقة الإسرائيليين – كمشكلة فض نزاع وليس كمشكلة قابلة للحل عبر إنشاء دولة؛ ما يمثل تناقضًا صارخًا مع الحقائق على الأرض.وفي ضوء ذلك، تُعد عيوب الفوضى البناءة صارخة بشكل متساو. فالفوضى قد تعني النهاية، مبدئيًا على الأقل، للتعاون الأمني الذي خفّض مستويات الإرهاب الموجه صوب الإسرائيليين بشكل عام والمستوطنين بشكل خاص. قد تُعزّز الفوضى أيضًا المحرك الشعبي لنزع الشرعية عن الدولة اليهودية من قبل هؤلاء الذين سيلومون إسرائيل على الحالة المزرية للأوضاع في الضفة الغربية.كذلك تعد التكاليف الاقتصادية للفوضى كبيرة، فالسلطة الفلسطينية تمثل ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وربما أكبر سوق للسلع والخدمات الإسرائيلية، باستثناء المتعلقة بالتكنولوجيا الحديثة. إنها شريحة من السوق توظف الحصة الأكبر من قوة العمالة الإسرائيلية، وعادة ما تجلب الفوضى في ذروتها انكماشًا اقتصاديًا؛ ما سيؤدي على الأرجح إلى تخفيف الطلب على المنتجات الإسرائيلية.يُرجَّح أن يقابل خيار الفوضى معارضة من اليسار المتطرف وجماعات الضغط القوية كرابطة المصنعين و«هيستدروت» (الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية). ومع ذلك، إن اختارت الحكومة مباشرة هذا الخيار، من غير المرجح أن تكون المعارضة الداخلية قوية كفاية لمنعها.


الانسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية

يُروّج إسحاق هرتسوج، زعيم حزب الاتحاد الصهيوني، بشكل رسمي للانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من 85% من أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك 28 من المحليات الفلسطينية داخل الحدود البلدية للقدس، كوسيلة للانفصال عن الفلسطينيين. تتصور خطته الإبقاء على السيطرة العسكرية الحصرية والكاملة على الكتل الاستيطانية بجوش عتصيون، وآرئيل، ووادي الأردن، ووجود عسكري نشط في أماكن أخرى تحت حكم السلطة الفلسطينية.يُفترض أن الانسحاب أحادي الجانب سيضمن لإسرائيل طابعها كدولة يهودية عبر الانسحاب إلى محيط الحاجز الأمني، الذي يتفق بشكل وثيق مع الحدود المستقبلية الدائمة كما تتصورها الولايات المتحدة، الحليفة الرئيسية لإسرائيل. وعبر تحويل مسئولية معظم أراضي الضفة الغربية، وعمليًا، جميع السكان الفلسطينيين، إلى السلطة الفلسطينية، لن تعتبر إسرائيل (مجددًا، حسبما يُفترض) محتلة؛ بل ستتحسن صورتها، وستتبلد قوة حركة مقاطعة إسرائيل.مرة أخرى، من السهل نسبيًا تحديد عيوب هذه الخطة، فمهمة إخراج عشرات آلاف المستوطنين الإسرائيليين ستكون صعبة ومُكلِّفة. علاوة على ذلك، ستفاقم تلك الخطوة الوضع الأمني بشكل كبير، في ضوء أن العديد من القوى والتنظيمات الإرهابية في السلطة الفلسطينية ستفسرها على أنها نوع من الضعف وستُشجع على زيادة الهجمات بهدف تحقيق الانسحاب الكامل.يُقدّم الانسحاب أحادي الجانب حافزًا ضئيلًا لقادة السلطة الفلسطينية لدخول عملية السلام، ويُرجّح أنها ستصلّب المواقف الفلسطينية بصدد القضايا الشائكة المتعلقة بالسيادة على القدس وما يُسمى بـ «حق العودة» للاجئين. في جميع الاحتمالات، سيؤدي ذلك الخيار إلى سقوط الحكومة. ستمتنع أي حكومة وحدة مشكلة في صحوتها على الأرجح عن هذا الخيار.


الضم أحادي الجانب للمنطقة ج

ستصطدم أي محاولة إسرائيلية لضم المنطقة ج بمعارضة دولية شرسة، ناهيك عن إضعاف موقفها على مائدة المفاوضات.

يدعو حزب «البيت اليهودي» الحكومة لضم المناطق المعرفة في اتفاقية أوسلو بـ «المنطقة ج». تقع تلك الأراضي تحت السيطرة السياسية والإدارية الحصرية لإسرائيل، وهي، في أغلبها، مأهولة بشكل غير كثيف بالعرب. تتشكل تلك المنطقة من تلال الخليل الجنوبية، معظم الأجزاء الشرقية من الضفة الغربية، والمنطقة بين «معاليه أدوميم» وأريحا نزولًا إلى نهر الأردن.يعني الضم ممارسة أنشطة استيطانية في المناطق المضمومة. ومجددًا، تبدو العيوب واضحة. فالمعارضة الدولية ستكون صاخبة. ربما لدرجة فرض عقوبات على إسرائيل. كذلك ستكون المعارضة الداخلية مكثفة، رغم عدم ترجيح بلوغها القدرة على وقف القرار إن اتخذته الحكومة الحالية. سيترتب على مثل تلك الخطوة القليل من الآثار الاقتصادية المحلية، لكن ربما ستتضرر تجارة إسرائيل الدولية وتدفق الاستثمارات إليها بشكل كبير.لا يعد أي من تلك الخيارات مثاليًا، وهو ما يرجح أنه السبب في كون النقاش بشأنها حيًا وغير محسوم. تؤكد جميع الخيارات على ضرورية الإبقاء على الوجود العسكري في الضفة الغربية، لكن لأهداف مختلفة.يُرجّح أن الخيار «المؤقت» هو الأكثر عملية، بينما خيار الانسحاب أحادي الجانب هو الأقل عملية.يُرجّح أن خيار الانسحاب أحادي الجانب سيثبت في جميع الأحوال كونه مستحيلًا داخليًا.كما أن خيار الفوضى ليس بيد إسرائيل بالكامل، بل هو مشروط بالتطورات داخل السلطة الفلسطينية.سيقابل خيارا الاحتكاك والضم بمعارضة دولية قوية؛ ما قد ينتج عنه معارضة داخلية من قبل الجمهور غير المستعد لتحمل التكاليف الاقتصادية بعيدة المدى لمثل تلك السياسات.