ما إن تنتهي مباراة كرة قدم حتى يبدأ الجميع في الحديث. تلك الآفة ازدادت حجمًا مع وجود مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح الجميع مطالبًا بشكل أو بآخر أن يتحدث عن كل حدث. لكن وبشيء من الخبرة يمكنني أن أجزم لك أن البعض لم يشاهد المباراة التي يتحدث عنها من الأساس.

الفكرة بسيطة، كل ما عليك هو أن تتحدث عن أي مباراة تحب مستخدمًا كليشيهات كرة القدم التي لا تخيب. مثل أن الفريق لم تكن رغبته في الفوز كبيرة أو أن لاعبًا ما لا يلعب من قلبه، أما إذا كنت محنكًا فيمكنك أن تتحدث عن خبايا الأمور مثل أن هذا اللاعب لا يناسب الخطة أو أن المدرب يحب ويكره وشخصيته ضعيفة.

الحقيقة أن الحديث عن كرة القدم يمتلئ بالكليشيهات، تبدأ رحلة الكليشيه الكروي بعبارة أو مصطلح براق يحمل معنى حقيقيًا لكن تكرار استخدامه يفقده معناه.

فهذا المهاجم انخفض سجله التهديفي لأن المدرب يوكل له أداء أدوار أخرى مركبة في الملعب. هذا المهاجم يتم استخدامه بشكل تكتيكي ومن هنا يظهر مصطلح مهاجم تكتيكي ثم ينتشر المصطلح ويصبح معتادًا، ثم يتم استخدامه دون فهم ويصبح مع الوقت أي مهاجم سيئ يفشل في التسجيل هو مهاجم تكتيكي على الفور.

بعيدًا عن المدعين والمحنكين، يقع البعض في فخ الكليشيه دون قصد وحتى في محاولات البعض الصادقة لتفسير أو شرح مجريات كرة القدم، ربما يلجؤون للكليشيه لأنه التفسير الأسهل. دعنا نحاول تفكيك بعض أشهر كليشيهات كرة القدم ولنبدأ بالكليشيه الأشهر، المهاجم التكتيكي.

المهاجم التكتيكي: عندما لا يلعب المهاجم كمهاجم

لفظ المهاجم التكتيكي هنا المراد به أن هذا المهاجم يقوم بدور مختلف عن تسجيل الأهداف وهذا لخدمة تكتيك المدرب، هذا التعبير الذي تطور وصولًا لتعبير false 9 أو المهاجم الوهمي.

إحدى الأفكار التكتيكية ببساطة كانت تتمحور حول وجود مهاجم كلاسيكي يسقط في العمق ويقترب من خط الوسط بدلاً من البقاء داخل منطقة الجزاء، فيتبعه أحد قلبي دفاع المنافس مما يؤدي إلى حالة ارتباك في صفوف الدفاع.

هذا ليس بتكتيك جديد في كرة القدم. ماتياس زينديلار، مهاجم فريق النمسا في ثلاثينيات القرن الماضي، كان من أوائل المهاجمين الذين تحركوا نحو عمق الملعب لإحداث فوضى بين الدفاعات التي كانت تراقبه بشكل ملاصق لشدة تألقه.

أما في كرة القدم الحديثة فإن أقرب مثال لفكرة المهاجم غير الكلاسيكي كان دور توتي رفقة روما تحت قيادة سباليتي في موسم 2006/2007. اعتمد عدد من المدربين على فكرة المهاجم غير الكلاسيكي مثل روبن فان بيرسي رفقة فينجر أو ثلاثي الهجوم الذين يتبادلون المراكز (رونالدو، وتيفيز، وروني) تحت إمرة السير فيرجسون.

تطور الأمر وصولًا لفكرة المهاجم الوهمي حيث تتلخص الفكرة في عدم وجود مهاجم من الأساس في خطة اللعب، وبالطبع كان بيب وميسي النسخة الأفضل في تقديم تلك الفكرة.

بيب جوارديولا كان يتحدث مع تيتو فيلانوفا وكانوا يفكرون في أن ألعب كمهاجم وهمي. كان يضع صامويل إيتو وتيري هنري بعيدًا عن المرمى، بينما ألعب أنا كمهاجم زائف.
ليونيل ميسي

ميسي هنا ليس مهاجمًا من الأساس لكنه سبب ارتباكًا للمدافعين الذين أصبحوا أمام أمرين؛ الأول هو اتباعه نحو خط الوسط والثاني التقيد بمراكزهم في انتظار مراوغاته، وفي الحالتين كانت تحركات ايتو وهنري على الأطراف تصبح أكثر قيمة بعد هذا الخلل الدفاعي الذي أحدثه ميسي.

دعنا الآن نعود للواقع يا عزيزي، كليشيه المهاجم الوهمي لا ينطبق على مهاجم فريقك الذي لا يسجل أهدافًا رغم أنه يضيع الكثير منها. كذلك لا يوجد فائدة تكتيكية من مهاجم يستقبل الكرة الطويلة في نصف الملعب ثم لا يتحرك بعد ذلك.

المهاجم الكلاسيكي يقوم بدور تكتيكي إذا طلب منه، لكن في المقابل إذا ما سنحت له الفرصة للتسجيل فهو لا يتردد مثل هاري كين رفقة مورينهو، أما المهاجم الوهمي فهو لاعب مهاري يمكنه أن يجعل للجناحين قيمة أكبر مثل فيرمينو رفقة ليفربول وليس مجرد مهاجم يستقبل الكرة ويمررها.

النهائيات تُكسب ولا تُلعب

الحقيقة أن هذا القول ملتبس بعض الشيء، فهو من زاوية يشير إلى أهمية تحقيق البطولة في المقام الأول لما للنهائيات من صفة الحسم، لكنه يتطرق بنا بالضرورة لمناقشة فكرة أيهما أهم في كرة القدم الأداء أم النتيجة.

أهم من ردد مقولة النهائيات تُكسب ولا تُلعب هو جوزيه مورينهو بالطبع، الرجل الذي استطاع الفوز في 85% من النهائيات التي خاضها محققًا 11 بطولة من أصل 13 بطولة متاحة فقط من عام 2003 وحتى عام 2017.

أطلق مورينهو هذا التصريح بعد فوزه بنهائي كأس رابطة الأندية رفقة فريق تشيلسي موسم 2014/ 2015 كتبرير لتفوق خصمه فريق توتنهام خلال اللقاء، بينما أحرز تشيلسي هدفين من كرات ارتطمت بمدافعي الخصم قبل دخولها الشباك.

تستطيع أن تتبع مسيرة مورينهو بعد موسم 2014/ 2015 لتتفهم أن فكرة الاهتمام بالنتيجة فقط كانت العامل الأساسي في اختلال مسيرة مورينهو فيما بعد. لم تتوافق فلسفة مورينيو المتعلقة بالنتائج مع فرق أخرى في طور إعادة البناء مثل اليونايتد أو فرق أقل شأنًا مثل السبيرز وروما الآن.

فكرة الاهتمام بالنتيجة تجعلنا نقف أمام فكرة تذكر التاريخ للفائز وحده وهي فكرة معيبة تمامًا. إذا سألت أحد المصريين عن أفضل مباراة شاهدها للمنتخب المصري فالنتيجة على الأغلب ستكون مباراة مصر والبرازيل التي خسر فيها المنتخب المصري رغم تحقيق نفس الجيل لثلاث بطولات إفريقية على التوالي.

الحقيقة أن التطرف في تناول تلك الفكرة هو مربط الفرس، وكأن كرة القدم تنقسم إلى أداء فقط دون فوز أو بطولات فقط دون أداء. والحقيقة أن النهائيات لها حسابات خاصة لكن ضمن تلك الحسابات بالطبع تقديم أداء جيد.

اللاعب الوسيم والأداء القوي

يمتلك المشجع صورة ذهنية عن اللاعب الجاد الذي يعطي الفريق كامل مجهوده ولا يبخل بنقطة عرق. هذا اللاعب يظهر قاطبًا جبينه على الدوام ويصرخ في من حوله من فرط الحماسة، وهو بالطبع لا يمكن أن يكون وسيمًا بأي شكل من الأشكال.

في استفتاء أجراه موقع جلوب أور لأكثر لاعبي كرة القدم وسامة، احتل بيكهام المقدمة بالطبع وضمت القائمة لاعبين مثل روبرت ليفاندوفسكي وسيرجيو راموس وجورج بيست وأليسون بيكر.

الحقيقة أن بيكهام الرجل الذي احتل المرتبة الأولى في الوسامة في العالم وليس كرة القدم فقط عانى من هذا التنميط خلال مسيرته الكروية. مسيرة بيكهام اللاعب لم تقيم كما يستحق الرجل بسبب تلك الوسامة، فبيكهام لاعب وسط من طراز فريد يجيد مهام مركزه بشكل لا يمكن تجاهله، لكن وسامته كانت أكبر من تجاهلها أيضًا.

التحق بيكهام بجلاكتيكوس مدريد لأنه وجه جميل سيزيد من إشراق الفريق لدى المعجبين، لكن كان هذا على حساب لاعب الوسط المدافع كلود ماكيليلي، ومع الوقت أصبح بيكهام هو المدان في تلك القصة وكأن ذلك هو ذنب اقترفه بإرادته.

حتى رحيله إلى الميلان تم دون علم المدرب كارلو أنشيلوتي، فسليفيو بيرلسكوني لم يهتم بالرأي الفني لأنشيلوتي أمام وجه بيكهام الجميل، والنتيجة أنه لم يكن دوره بارزًا في الفريق كما يستحق الرجل على الإطلاق.

كليشيهات كرة القدم كثيرة وربما لن تنتهي، بل ستولد كليشيهات جديدة طالما أنتجت لنا كرة القدم تعبيرات جديدة تحمل معنى هامًا في وقتها إلى أن يبتذلها البعض وتتحول إلى كليشيه دون معنى حقيقي للأسف.