فليعاقب الله إنجلترا. ليس لأسباب قومية بل لأن الشعب الإنجليزي هو من اخترع كرة القدم. كرة القدم ما هي إلا ظاهرة معادية للثورة. البروليتاريون الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين، أي تحديدًا أولئك الذين لديهم القوة لكسر قيودهم، ليس لديهم وقت للثورة لأنهم يلعبون كرة القدم.
الوضع غريب. كل هؤلاء الشباب الذين على أتم الاستعداد أن تكسر سيقانهم هم بروليتاريون، كما لو أن عضلاتهم لم تتعرض للإيذاء الكافي أثناء الكدح الأسبوعي. ألن يكون ممتعًا إذا تم استخدام يوم الأحد لتدريب عضلات الدماغ المهملة؟ لكن لا، إنهم يريدون فعل أي شيء سوى التفكير! من يضحك وراء الكواليس هو الرأسمالي. إنه يعلم أنه سيكون في خطر فقط بمجرد أن يبدأ العمال في التفكير، لهذا يمنعهم من التأمل بكل الوسائل الممكنة.
اتحاد العمال الحر بألمانيا

ما قرأته لتوك هو كتيب نشره اتحاد العمال الحر بألمانيا في عشرينيات القرن الماضي. هذا الكتيب يبدو تعبيرًا عن فكرة الكرة أفيون الجماهير التي انتشرت بين اشتراكيي أوائل القرن العشرين في كل من أوروبا وأمريكا الجنوبية.

هل تستغرب ما علاقة كرة القدم بتلك الألفاظ السياسية التي لا يهتم بها لاعبو ومشجعو كرة القدم؟ هذا تحديدًا هو صميم حديثنا، نتحدث عن كرة القدم التي لعبت دورًا أكبر بكثير من مجرد لعبة ممتعة. استغلها السياسيون والاقتصاديون وحتى أصحاب الأفكار المجنونة والشاذة. تملك كرة القدم سحرًا خاصًا اجتذب الملايين وكان هذا تحديدًا سر أهميتها خارج الملعب تمامًا.

نحن هنا نتناول قصصًا من تاريخ كرة القدم، لكن الجديد أن أبطال تلك القصص لا علاقة لهم بكرة القدم أبًدًا سوى أنهم استغلوا تلك اللعبة الجميلة فصنعوا بها التاريخ.

أن تصنع التاريخ خوفًا من المصير

وقف كيم إيل سونغ القائد العظيم كما كان يلقب في وداع فريق كوريا الشمالية الذي استطاع التأهل لنهائيات كأس العالم في إنجلترا عام 1966 ثم قال في اقتضاب: لقد قرر الحزب أن عليكم الفوز في مباراة واحدة على الأقل. اذهبوا الآن ونفذوا ما قيل لكم.

يبدو المشهد غريبًا بالطبع، لكن في الحقيقة أن منتخب كوريا الشمالية حينئذ كان أكثر غرابة. لقد أمضوا عامين كاملين معزولين تمامًا عن العالم في مخيم عسكري. لم يكن أي منهم متزوجًا أو بشكل أدق لم يكن ذلك متاحًا.

تطلب طريقة لعب الفريق قدرة تحمل غير مسبوقة. لم يكن من قبيل المصادفة أن المصطلح الألماني Pferdelunge والذي يعني رئة الحصان قد تم استخدامه لأول مرة من قبل مراسل ما خلال إحدى مبارياتهم. لا يمكن تحديد دور أي لاعب في الفريق. هل يلعب هذا اللاعب ظهيرًا أم مهاجمًا في الأساس؟ لا أحد يعرف. كان فريق كوريا الشمالية جماعيًا بشكل مميز ومتحركًا بشكل مجنون.

في البداية لم يسمح الإنجليز للفريق بقيادة المدير الفني ميونغ راي هيون بدخول البلاد. لم يكن للمملكة المتحدة علاقات دبلوماسية مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، ومع ذلك تم منح التأشيرات في الأخير.

في المباراة الأولى ضد الاتحاد السوفييتي خسر الكوريون بثلاثة أهداف دون رد ثم تعادلوا بهدف أمام المنتخب التشيلي قبل نهاية المباراة الثانية بدقيقتين، ولم يتبقّ لهم سوى مباراة وحيدة لتنفيذ تعليمات الحزب، لكن المؤلم أن تلك المباراة كانت أمام العملاق الإيطالي.

استطاع الرفيق باك دو إيك أن يحرز هدفًا في مرمى المنتخب الإيطالي. بقية المباراة كانت عبارة عن منتخب يدافع عن هذا الهدف بحياته حرفيًا، فحديث القائد العظيم لا يمكن أن يستهين به أحد. حدثت المعجزة وفاز المنتخب الكوري.

اكتسب منتخب كوريا الشمالية تعاطف الجماهير الإنجليزية، حتى أنهم شجعوهم بجنون أمام البرتغال في الدوري التالي. حظي هذا الفريق بأربع وعشرين دقيقة من الخيال حيث تقدم المنتخب الكوري بثلاثة أهداف دون رد قبل أن ينهي إيزيبيو تلك الرحلة الأسطورية بفوز البرتغال بخمسة أهداف مقابل ثلاثية كورية شمالية.

يقولون إنه بعد كأس العالم اختفى كل اللاعبين مثل الأشباح. وفقًا للدعاية المعادية للشيوعية فقد انتهى بهم المطاف كعمال وفلاحين لكن هذا لم يكن حقيقيًا، حيث أصدرت BBC فيلمًا وثائقيًا بعنوان The Game of The Lives يتحدث عن هؤلاء الأبطال والذي أثبت أن هؤلاء تم تكريمهم وعمل بعضهم في كرة القدم لسنوات.

من قال إن كرة القدم بهذه البساطة؟

نادرًا ما يتجاهل ديكتاتور ما كرة القدم
سايمون كوبر

يقول الصحفي البولندي ريزارد كابوسينسكي إن صحفيي البرازيل بعد فوز فريقهم بكأس العالم عام 1970 أكدوا أن الجناح اليميني العسكري يمكن أن يضمن ما لا يقل عن خمس سنوات أخرى من الحكم السلمي. يذكر أن الجنرال إميليو ميديسي قد نظم 30 استقبالاً فاخرًا للفريق بالفعل.

لكن من قال إن كرة القدم بهذه البساطة؟ فالجماهير تستغل أيضًا كرة القدم. دعنا نتناول ما حدث خلال كأس العالم للرجال لعام 1978 في الأرجنتين. كان الجيش قد سيطر على البلاد قبل ذلك بعامين وحكم الجنرال خورخي رافاييل فيديلا ورفاقه البلاد بقبضة من حديد. سُجن آلاف الاشتراكيين أو اختفوا ببساطة في جميع أنحاء العالم.

قام النشطاء بحملة ضد استضافة كأس العالم ودعوا إلى مقاطعة الحدث، لكن لم يمتثل أي شخص تقريبًا حتى أن اللاعب الهولندي الشهير يوهان كرويف قرر في البداية رفضه اللعب في الجولة سياسيًا لكنه ألغى هذا التفسير لاحقًا.

أقيمت الاحتجاجات وأعلنت جماعات المقاومة المسلحة وقف إطلاق النار. استطاعت الأرجنتين بقيادة المدير الفني اليساري سيزار مينوتي الفوز بكأس العالم، ويقال إن مينوتي بعد الفوز في النهائي تعمد عدم مصافحة فيديلا.

حتى يومنا هذا، لا يمكن الإقرار بأن الانتصار الأرجنتيني قد ساعد الجيش؛ لأنه من ناحية أخرى ذكّرت الاحتفالات الجماهيرية العديد من الأرجنتينيين بالقوى الشعبية والقدرة على الاتحاد تحت علم الأرجنتين، كان هذا أقوى من أي شيء يمكن للجنرالات السيطرة عليه.

كرة قدم من أجل الوطن

حسنًا، لقد تدرجنا سويًا من كرة قدم مسيسة بالكامل ثم كرة قدم لا يمكن أن يتم السيطرة عليها وصولًا لكرة القدم التي كانت أفضل خيار متاح للوطن، حتى أن بعض القصص التي تعاملت السياسة خلالها بدموية مع كرة القدم قد خُلدت على أنها قصص مقاومة.

هناك مثلًا ماتياس سيندلار وهو لاعب نمساوي أسطوري في الثلاثينيات. بسبب ضعفه عُرف باسم der Papierane وهي كلمة نمساوية تعني مصنوعًا من الورق، لكنه عوض الضعف الجسدي بمهارات تقنية رائعة.

في عام 1938 بعد الضم النازي للنمسا، رفض ماتياس اللعب في فرق الألمان وأدار مقهى في فيينا بدلاً من ذلك. تم العثور عليه ميتًا في شقة في يناير 1939 مع امرأة إيطالية كان قد التقى بها قبل أيام قليلة. كان السبب الرسمي للوفاة هو التسمم بأول أكسيد الكربون ولكن لم يتم توضيح الظروف الدقيقة. اختفت محاضر الشرطة عن القضية بشكل غامض.

تلك قصة مقاومة لا قصة حزينة لكرة القدم، وهناك قصص كانت كرة القدم فيها أقوى من الدول والأنظمة ذاتها.

خلال عام 1958 اجتمع عدد من أشهر اللاعبين الجزائريين في الدوري الفرنسي ليلاً وقرروا مغادرة البلاد سويًا. لم يدرك أحد الغرض حينذاك ولكنهم تجمعوا في تونس وشكلوا المنتخب الوطني الجزائري تحت رعاية جبهة التحرير الوطني.

خاض الفريق قرابة مائة مباراة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وشرق آسيا خلال فترة عشرين شهرًا، مثّل هذا الفريق طموحات الشعب الجزائري بالحكم الذاتي أكبر من أي شيء آخر.

اليوم يلعب المنتخب الفلسطيني الذي تم إحياؤه في أواخر التسعينيات دورًا مشابهًا. في مواجهة العديد من العقبات من قبل الاحتلال الإسرائيلي سواء رفض تصاريح السفر أو الإصابات والوفيات التي تضرب اللاعبين الفلسطينيين وأسرهم والناجمة عن الضربات العسكرية الإسرائيلية، فما زال يُنظر إلى الفريق على أنه رمز مهم في سعي الفلسطينيين إلى الاستقلال.

لا أحد ينسى روجر ميلا نجم الكاميرون في نهائيات كأس العالم 1990 والذي عقب على فوز فريقه ضد الأرجنتين، أنه يكفي أنه رأى رئيس بلاده بول بيا منتصرًا ويحيي بابتسامة رؤساء الدول المهزومة. نعم بفضل كرة القدم يمكن لبلد صغير أن يصبح عظيمًا.

هل ما زلت تستغرب علاقة كرة القدم بالألفاظ السياسية المعقدة؟ كرة القدم هي نحن وهم بل وكل العالم داخل بقعة خضراء وقلوب مؤمنة بالأفضل.

كل القصص المذكورة في المقال هي من كتاب Soccer vs. the State: Tackling Football and Radical Politics للكاتب Gabriel Kuhn.