خمسة عشر عامًا للوصول لهذه اللحظة، أخذنا الكثير من الوقت، الكثير من الخطوات الصعبة طوال الوقت، وأنا فخور للغاية بفريق SpaceX لتحقيقهم هذا الحدث الفارق في تاريخ استكشاف الفضاء
إيلون ماسك، مهندس ورائد أعمال أمريكي

بهذه العبارة ختم إيلون ماسك كلمته المقتضبة بعد النجاح الذي حققته شركته SpaceX والذي يعد إنجازًا فضائيا غير مسبوق يفتح أمام البشرية جمعاء عصرًا جديدًا من عصور استكشاف الفضاء ويقربنا خطوة أقرب نحو الحلم البشري بالوصول لسطح المريخ، فما الحكاية؟


ينطلق، يعود، ينطلق، يعود مرة أخرى

يمكنك الآن استخدام ثم إعادة استخدام المرحلة الأولى المدارية، والتي تعد الجزء الأكثر تكلفة في الصاروخ. سيصبح هذا في نهاية الأمر ثورة عملاقة في استكشاف الفضاء
إيلون ماسك

تابعنا سويا خلال العامين الماضيين محاولات SpaceX والتي نجح أغلبها في إنزال المرحلة الأولى من صاروخها الشهير Falcon 9 بعد إتمام مهمته في إيصال حمولته من أقمار صناعية أو إمدادات لمحطة الفضاء الدولية.

وفي إبريل الماضي، اليوم الثامن تحديدا، أطلقت الشركة صاروخا حمل حمولة جديدة لمحطة الفضاء الدولية، كما عادت مرحلته الأولى للهبوط على المنصة العائمة الخاصة بالشركة.

اليوم، ولأول مرة في تاريخ استكشاف الفضاء، قامت الشركة بإعادة استخدام نفس الصاروخ مرة أخرى بعد إعادة تهيئته وتجهيزه، وذلك لإطلاق مجموعة من الأقمار الاصطناعية التابعة لشركة SES الخاصة بالاتصالات لمدار Geostationary المزامن لدوران الأرض.

نعم كما قرأت، هذا الصاروخ قد استخدم من قبل، وهبط، ثم أعيد استخدامه اليوم مرة أخرى، وبنجاح كامل.

شاهد بث الرحلة بالكامل


لحظة فارقة

على اليمين المرحلة الثانية من الصاروخ تنطلق بحولتها، على اليسار المرحلة الأولى في رحلة العودة للأرض

منذ بداية 2015 بدأت SpaceX تجارب إعادة المرحلة الأولى من صواريخها لسطح الأرض على منصة عائمة أو في قاعدة أرضية، وبعد فشل متكرر بدأت الشركة تجني ثمار المجهود غير المسبوق لمهندسيها، وتمثل الليلة بالنسبة لهم تاج هذا المجهود؛ فالهدف كان إعادة استخدام الصاروخ المعاد مرة أخرى، انطلاقا من رؤية «إيلون ماسك» التي تهدف لتقليل الإنفاق على الرحلات الفضائية بإعادة استخدام كل شيء ممكن.

من 13 رحلة حاولت فيهم SpaceX استعادة المرحلة الأولى نجحت ثمانية، أطلقت الشركة اليوم أحدهم مرة أخرى. قبل ذلك، كانت جميع الرحلات الفضائية بلا استنثاء تنطلق على صواريخ جديدة مصنعة بالكامل من الصفر وتنتهي مهمتها بإيصال المهمة لخارج نطاق الجاذبية قبل أن تهبط بشكل عشوائي محترقة في طبقات الغلاف الجوي أو لتغرق في المحيط. وكان هذا يكلف الكثير والكثير من المال -عشرات وأحيانا مئات الملايين من الدولارات- والذي جعل برامج استكشاف الفضاء محدودة على دول ذات دخول عالية أو أحلام غير قابلة للتفاوض كالهند مثلا.

سيختلف هذا الأمر تماما بداية من الليلة، فالنجاح التام لمهمة الليلة يعني أننا -البشرية- قد نجحنا في خفض تكلفة الانطلاق للفضاء بنسبة كبيرة بإعادة استخدام مركبة الإطلاق الرئيسية، المرحلة الأولى من الصاروخ، الأكبر حجما والأكثر استهلاكا للأموال وللوقود كذلك.

وتكلف رحلة Falcon 9 المعتادة حوالي 60 مليون دولار، لكن هذه المرة قامت الشركة بعمل خصم 30% لأن الصاروخ معاد الاستخدام، ومستقبلًا وعندما تصبح التقنية هي الأساس سيتكلف الإطلاق أقل من ذلك بكثير.


مرة ثالثة

spacex سبيس اكس
spacex سبيس اكس
spacex سبيس اكس
المرحلة الأولى من صاروخ Falcon 9 المعاد استخدامه، بعد نجاحه في الهبوط على المنصة العائمة
تخيل أن لديك طائرات، وبعد كل رحلة طيران تقوم بالتخلص من الطائرة، في مقابل أن تكون قادرا على استخدام نفس الطائرة بشكل مستمر
إيلون ماسك

صاروخ اليوم، وهو الصاروخ رقم 2 في قائمة صواريخ SpaceX المعادة بعد الإطلاق، قد نجح إلى الآن في مهتمين مختلفين، ونجح كذلك في الهبوط بعد المهمة الثانية والتي تحمل على سطحها عبارة «بالطبع ما زلت أحبك Of Course I Still Love You» الموجهة للصاروخ القادم من السماء. ستتركز جهود الشركة في الفترة القادمة على إعادة تهيئة نفس الصاروخ، أو الصاروخ القادم، لرحلة ثالثة. فقد قال إيلون ماسك أن صاروخ اليوم سيتم التبرع به للقاعدة الفضائية بكيب كانافيرال Cape Canaveral Spaceport، للعرض في متحفها.

لماذا مرة ثالثة؟ حققت الشركة اليوم هدفها وأثبتت نجاح رؤيتها، لكن مرة ثالثة ستؤكد هذا كذلك، وستزيد من ثقة البشرية في التقنية الجديدة، وربما تحفز شركات أخرى لتطوير تقنيات مماثلة، قادرة على إطلاق حمولات لمدار الأرض قبل العودة، وكذلك حمل رواد فضاء.

يقول «ماسك» كذلك إن الهدف القادم الكبير للشركة هو الطيران مرة أخرى بعد 24 ساعة فقط، ولهذا ستجري الشركة في هذا العام ستة إطلاقات أخرى لصواريخ معادة الاستخدام، لكن ماذا عن أول صاروخ استعادته الشركة؟ قررت الشركة الاحتفاظ به للتاريخ، ويعرض حاليا في المقر الرئيسي للشركة بكاليفورنيا.

شخصيًا، أؤمن بأننا نعيش في هذه الفترة مرحلة سيئة للغاية من تاريخ البشرية؛ مرحلة سيذكرها التاريخ جيدًا ولعله يتعلم منها بشكل أو بآخر، لكنني أظن أنني سأكون فخورًا للغاية وأنا أحكي لأحفادي — والذيين ربما تصبح السياحة الفضائية ورحلات المريخ واقعًا يوميًا لجيلهم إذا استمرت البشرية دون أن تفني نفسها في حرب ما — أنه في ظل هذه الظروف رأيت بنفسي وعلى الهواء مباشرة أول إعادة إطلاق لصاروخ فضائي، ما مهد للبشر الواقع الذي قد يعيشوه بعد خمسين أو مئة عام من الآن.