كان الأسبوعان الماضيان محبطين جدًا للمحور الإماراتي السعودي على الصعيد الأفريقي، فلم يفق مسئولو الدولتين من صدمة إعادة تشاد لعلاقاتها الدبلوماسية مع قطر، حتى جاءت ضربة إلغاء الحكومة الجيبوتية لعقد تشغيل مينائها مع شركة موانئ دبي الإماراتية، وتراجُع حكومة شمال الصومال «صوماليلاند» عن السماح للإمارات بإنشاء قاعدة عسكرية في أراضيها، ثم دخول الإمارات بعد ذلك في نزاع سياسي مع الحكومة الصومالية المركزية، بعد إلغائها عقدًا أبرمته الإمارات مع حكومة شمال الصومال وإثيوبيا بشأن ميناء بربرة الاستراتيجي، دون أخذ الإذن من الحكومة الصومالية المركزية، ما دفع حكومة الصومال لتقديم شكوى عاجلة لجامعة الدول العربية ضد الإمارات.

تأتي هذه النكسات والهزائم المتتالية للمحور الإماراتي السعودي رغم أن الدولتين أنفقتا ملايين الدولارات في أفريقيا لتحسين صورتيهما وشراء ولاءات القادة الأفارقة، بينما تحقق تركيا مكاسب مستمرة على الصعيد الأفريقي، وعقودًا بمليارات الدولارات لتطوير البنية التحتية للدول الأفريقية بين مطار في السودان، وسكة حديد في إثيوبيا، واستثمارات في قطاع الطاقة في تشاد، ومضاعفة الاستثمارات في موريتانيا وشراكة في قطاع الغاز مع الجزائر.

وبينما السعودية والإمارات تتقهقران فإن السياسة القطرية تُظهر أنها أكثر حنكة. ويظهر ذلك جليًا في الدعم الأفريقي الدائم لقطر في المنافسات الدولية، وهو ما ظهر بشكل واضح في انتخابات اليونسكو الأخيرة، عندما كاد المرشح القطري أن يفوز في مرحلة متقدمة بفضل دعم الدول الأفريقية له، ومن خلال رفض الدول الأفريقية الطلب السعودي والإماراتي بمقاطعة قطر وطرد بعثاتها الدبلوماسية، ودعم الدول الأفريقية لمبادرات الحوار والمصالحة.


التعالي وغياب المشروع

محمد بن سلمان, السعودية
«محمد بن سلمان» ولي العهد السعودي

المملكة العربية السعودية هي الخاسر الكبير في أفريقيا، وهي تدرك ذلك جيدًا، لأن حجمها الديني والسياسي أكبر وأثقل بكثير من الإمارات، ولذلك فإن السعودية ربما بغرض التصحيح قررت استحداث منصب جديد في مجلس وزرائها، وهو منصب وزير الشئون الأفريقية، وعينت فيه السفير أحمد القطان، السفير السعودي السابق في مصر.

أعتقد أن هذا التعيين لن يحل مشكلة انحسار النفوذ السعودي في أفريقيا، لأن المسألة لا تحل باختراع مناصب جديدة فقط، بل بتغيير جوهري في السياسة السعودية، حيث يكون للمملكة العربية السعودية مشروع سياسي تستطيع أن تستقطب الناس إليها من خلاله.

السعودية بالتحديد لا تمتلك أي مشروع سياسي اليوم، وقد كانت تمتلك نفوذًا كبيرًا في أفريقيا، لا لأنها غنية كما تظن، بل لأنها كانت تحمل مشروعًا سياسيًا ودينيًا هو المشروع الوهابي. ووقت أن تخلت عنه السعودية فإنها انتهت عمليًا.

فقد اختفت جمعيات السعودية الإسلامية الخيرية التي توزع المساعدات الإنسانية للأفارقة واستبدلت السعودية بها توجيه دعم مالي للأمم المتحدة لتقدمه هي، بينما تنشط في أفريقيا منظمات قطر الخيرية ومنظمة عيد جنبًا إلى جنبًا مع المنظمات الإنسانية التركية من منظمات كولن، وحتى منظمات الحكومة التركية الرسمية كوقف الخيرات.

اقرأ أيضًا: ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب: النظام الخليجي على حقل ألغام

لقد أساءت السعودية إلى نفسها عندما حاولت أن تستغل تأشيرات الحج لحث الأفارقة على مقاطعة قطر، كما كشفت صحف فرنسية. رأى كثيرون أن هذه المحاولة هي استغلال شيطاني لوجود المناسك في السعودية ومحاولة مرفوضة لشراء الذمم.

رحب الأفارقة بالحرب السعودية على الإرهاب، وشارك أغلب الأفارقة في التحالف الإسلامي الذي أعلنته السعودية ليتفاجئوا أن الأمير الشاب لا يقصد بالإرهاب داعش وأخواتها من المنظمات الإجرامية، وإنما يقصد جماعات إسلامية سلمية كجماعة الإخوان المسلمين، ودولًا مثل قطر وتركيا.

ومن أسباب انحسار النفوذ السعودي في أفريقيا: تعالي الأسرة الحاكمة السعودية على الأفارقة، فأفريقيا ليست وجهة مجدولة على أجندة سفريات العاهل السعودي، أو ولي عهده على الإطلاق، اللهم إلا الزيارات المقتضبة لجمهورية مصر، ورحلات الاستجمام في طنجة المغربية. هذا في حين يقطع الرئيس التركي أفريقيا شرقًا وغربًا كأكثر الرؤساء زيارة لأفريقيا، ويفعل الأمير القطري تميم بن حمد نفس الشيء.

فكيف ينتظر السعوديون دعمًا من الأفارقة إذا كانوا بمثل هذا التعالي عليهم؟ وقمة نواكشوط العربية كاشفة لذلك، حيث امتنع العاهل السعودي وولي عهده عن الحضور لأن فنادق نواكشوط لا تليق به وبحاشيته، كما كشفت صحف عربية.


الإمارات في أفريقيا تجري وراء الموانئ

الإماراتيون يختلف وضعهم عن السعوديين لأنهم يعرفون ما يريدون جيدًا. هم قادمون لأفريقيا، هذا يظهر في تدخلاتهم لتأجيج الحرب الأهلية في ليبيا عبر إرسال الأسلحة لقوات خليفة حفتر بالمخالفة لقرارات مجلس الأمن الدولي، وما يفعلونه في الصومال من دعم تفكيكه وزعزعة استقراره، وذلك بتوقيع اتفاقية ميناء بربرة مع الإقليم الانفصالي رغمًا عن الحكومة الشرعية، ودون الالتفات للقانون الدولي الذي يجبرها على التعامل مع السلطة الرسمية.

اقرأ أيضًا: موانئ دبي: الاغتيال الإماراتي للأمم

الإمارات لديها مشروع واضح، وهو الحرب على الإسلام السياسي -همّها الأكبر- ثم السيطرة على الموانئ. وتبقى المعضلة الكبرى أن الإسلام السياسي ربما يكون أزمةً للإمارات، لكنه ليس كذلك للأفارقة، وعلى الإمارات ألا تربط تطور علاقاتها مع الدول الأفريقية بمسألة الإسلام السياسي، اقتداء بعدوتها تركيا التي طالبت الدول الأفريقية بإغلاق مدارس ومراكز جماعة فتح الله كولن، ورغم أن عددًا من الدول الأفريقية رفضت هذا الطلب التركي استمرت تركيا في التعامل معها.

أما مسألة الموانئ فقد كان يلزم الإمارات أن تأخذ إذن الحكومة الشرعية الصومالية قبل أن تقدم على توقيع مثل هذا العقد؛ لأن إصرار الإمارات على هذا العقد بحالته الراهنة لن يجلب لها سوى العداء، وربما تتخذ الدول الأفريقية قرارًا جماعيًا بمقاطعتها، كونها دولة غير أفريقية تقوم بنشر الفوضى في أفريقيا.


«روشتة» لتصحيح المسار الإماراتي السعودي

تتصف السياسة السعودية بغياب المشروع، ما يجعل التعاطي معها أفريقيًا أمرًا محلًا للريبة، في حين يتصف أمراؤها بالتعالي على أفريقيا الفقيرة.

كعربيّ وأفريقي مؤمن بضرورة الاستقلال الوطني وسيادة الشعوب، أُسدي عددًا من النصائح لصنّاع السياسات السعودية والإماراتية إذا ما كانوا عازمين على تصويب مسار علاقاتهم بدول أفريقيا:

1. على المملكة العربية السعودية أن تسمح للمنظمات الخيرية السعودية بمعاودة النشاط في أفريقيا، لأن سحب هذه المنظمات منذ البداية كان قرارًا غير موفق، يُفقدها نفوذًا كبيرًا في بلاد أغلب سكانها من الفقراء، والمحتاجين لهذه الإعانات.

2. على العاهل السعودي أو ولي عهده والمسئولين الإماراتيين تنظيم رحلات سنوية إلى مجموعة من الدول الأفريقية، هذه الزيارات تنفع السعودية أكثر من زيادة العلاقات العامة في نيويورك ولندن.

3. استخدام المنح الدراسية كقوى ناعمة لاستقطاب الأفارقة وجعلها منحًا دراسية متنوعة -ليست دينية فقط- على غرار المنح الدراسية التركية السنوية التي ستصنع يومًا القادة الذين سيحكمون أفريقيا بعد سنوات، لأنها منح في كل المجالات.

4. مخاطبة هموم الشعوب الأفريقية بدلًا من الخطابات التي تعجّ بكلام عن التسامح والتحضر وربط مآسي العالم الإسلامي بتآمر الغرب، وذكر المؤامرات الغربية تجاه دول الخليج كون الأفارقة يكرهون الغرب.

5.إنشاء بنك للتنمية سعودي وبنك آخر إماراتي، ومنح قروض للحكومات الأفريقية لكسب ولائها على غرار ما تفعل الصين.6. دخول شركات سعودية وإماراتية للعمل في أفريقيا مهما كانت المكاسب تافهة أو ليست مجزية، فالاستثمار في أفريقيا هو استثمار في الأمن القومي العربي.7. الابتعاد قدر الإمكان عن موضوع مياه النيل وعدم إعلان دعم أي موقف فيه.8. الاستعانة بخبرات رجال القذافي في أفريقيا الذين جعلوه ملكًا لملوك أفريقيا، بدلًا من الاستماع لتنظيرات الأكاديميين ومراكز الدراسات.

9. عدم نقل المعارك المذهبية في الشرق الأوسط لأدغال أفريقيا، فأفريقيا لا تنقصها الصراعات.

هذه بعض النصائح التي يمكن أن تجعل من العلاقات السعودية والإماراتية الأفريقية علاقات نافعة للجميع، يشعر فيها الأفارقة بالرضا والتودد الخليجي، بينما يتمتع الخليج بالنفوذ الذي يرجوه، ويتكلم نيابة عن القارة في المحافل الدولية كما يفعل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

أن تنتقد المنافس وسياساته لاتصافها بالنفعية لا يعني سوى أمرين، أنك نظيف اليد واثق الخطى، أو أنك تفشل فيما ينجح فيه، والحلبة الأفريقية تتسع لكثير من المتنافسين/المتصارعين على أمل أن يصب ذلك في صالح شعوبها، لا أن يزيدهم من الهم/الشعر بيتًا أو بيتين.