يتبقى دقيقتان و15 ثانية فقط على نهاية المباراة بين منتخبي مصر والكونغو، تشير النتيجة إلى التعادل بهدف لمثله، بينما يحتاج المنتخب المصري للفوز بتلك المباراة ليضمن المشاركة في كأس العالم بعد غياب 28 عامًا. يرسل «أحمد حجازي» المتواجد على يسار الملعب عرضية داخل منطقة الجزاء لينقض عليها «محمود تريزيجيه» ويتعرض لإعاقة من المدافع الكونغولي ليحتسب الحكم ركلة جزاء.

يسدد «صلاح» ركلة الجزاء ليضمن لمصر المشاركة في كأس العالم ويُرفع على الأعناق وسط جنون الجميع، بينما يتوارى في الظل «محمود تريزيجيه» السبب الرئيسي في ضربة جزاء العودة، والسبب أيضًا في ضربة الجزاء المفتاح في مباراة مصر الأولى ضد غانا المنافس المباشر للحصول على بطاقة الصعود قبل ظهور أوغندا في الحسابات.

يتوارى في الظل بهدوء ولنكن أكثر تحديدًا يتوارى في ظل الأسطورة المصرية الحالية «محمد صلاح». هل يذكرك ذلك المشهد بمشهد سابق؟

نعم، يوم الريموناتدا الذي لا ينسى.

يوم أن تسبب «نيمار» في عودة تاريخية لفريقه السابق برشلونة على حساب فريقه الحالي باريس سان جيرمان. تسبب في ضربة جزاء ثم أحرز ركلة حرة رائعة ثم ضربة جزاء أخرى ثم صناعة لهدف العبور في ليلة من ليالي الكرة التاريخية. التف الجميع حول «ليونيل ميسي» وتصدرت صورته أغلفة الصحف رافعًا يمناه انتصارًا والجميع يفرد ذراعه نحو البطل الأوحد لدعمه أو ربما للتأكد أن ما يحدث حقيقة لا محض خيال مشترك بينهم.

تشبه الصورة كثيرًا بل تصل للتطابق مع صورة البطل الخارق سوبرمان وهو يتلقى دعم مؤيديه، ربما قرر حينها «نيمار» أنه لا مكان له في برشلونة الموسم القادم، فهو مهما فعل أو سيفعل لن ينتزع بقعة الضوء من سوبرمان.

ربما تتفق أو تختلف مع المقارنة بين المشهدين لكن تبقى بعض الأسئلة التي تحتاج للإجابات لتكتمل الصورة عن «تريزيجيه». هل هناك ما يسمى بظل الأساطير في كرة القدم؟ هل «تريزيجيه» يقبع في ظل «صلاح»؟ وربما يبقي السؤال الأهم: لماذا لم ينجح «تريزيجيه» مثل «صلاح» حتى الآن؟


ظل صلاح: تلك ليست المشكلة

رحل «نيمار» عن برشلونة فكانت التعليقات السائدة تدور حول أن قرار الجناح البرازيلي بالرحيل كان للتخلص من ظل «ميسي»، حتى في رحيل «نيمار» عن برشلونة لم يتصدر وحده المشهد بل نازعه «ميسي» صدارة العناوين!

حقيقة لا يمكن نكرانها بعيدًا عن فنيات اللعبة وأهمية تناسق الأفراد سويًا في لعبة جماعية في المقام الأول ككرة القدم، إلا أنه هناك بعض اللاعبين في تاريخ اللعبة ينتمون لفئة الأساطير. الأساطير الضخمة للغاية والتي تقف منتصبة في ثبات لتلقي بظلالها بعيدًا بحجم ضخامتها الهائلة.

ربما يمتد هذا الظل بعيدًا حتى أن أحدهم يحتاج لقطع المسافة بين برشلونة و باريس ليتخلص من هذا الظل. وقد يمتد هذا الظل لفترة من الزمن ليخبئ خلاله لاعبين ذوي مهارات كبيرة مثلما حدث مع الأرجنتيني «أورتيجا»، الذي لعب كرة القدم 30 عامًا لم يتخلص فيهم أبدًا من ظل الأسطورة الأعظم «مارادونا».

في إنجلترا، «محمد صلاح» لاعب رائع. موهبة تقدم مستويات تتسم بالتطور وثبات الفعالية. أما في مصر، فصلاح أسطورة متكاملة الأركان. جماهير مصر التي تحمل الكثير من التقدير لميدو كونه لعب في فرق بحجم توتنهام، روما ومارسيليا، وتذكر دومًا أن «مورينهو» ذكر «عبد الستار صبري» في كتابه رغم أنه ذكر سلبي تمامًا؛ أصبح لديها الآن لاعب تتغنى باسمه جماهير ليفربول في أغانٍ أُلفت خصيصًا له.

لاعب ينافس على لقب هداف الدوري الإنجليزي، ويرتبط اسمه بالانتقال لريال مدريد. الرجل الذي أعاد مصر إلى كأس العالم بعد غياب 28 عامًا كيف له ألا يصبح أسطورة؟

هو إذن أمر منطقي، تواجد لاعب بحجم وإمكانات «صلاح» من شأنه أن يستحوذ على اهتمام الجميع. لكن بالنظر لمسيرة «تريزيجيه» نفسه نجد أنها ليست بالمسيرة التي تناسب إمكانيات اللاعب، مما يشير إلى أن المشكلة ليست في توهج «صلاح» من الأساس.


تريزيجيه البداية

بينما كان جيل الأهلي التاريخي يفقد نجومه تباعًا بفعل الزمن، بزغ نجم جديد لناشئ اسمه «محمود حسن» في فئة الناشئين، وبالرغم من إمكاناته الواضحة للجميع من سرعة مع قدرة جيدة على الاحتفاظ بالكرة إلا أنه كان قريبًا من مغادرة النادي الأهلي في أكثر من فرصة لولا إصرار مدرب الناشئين آنذاك «علي ماهر» على عدم التفريط في موهبة كتلك. وهو ما أثبت صحته بعد قترة قصيرة حيث بدأ الأهلي في الاعتماد على اللاعب بشكل كامل في الموسمين التاليين لموسم ظهوره الأول بقميص النادي الأهلي.

ربما في البداية دلالات هامة لتوضيح ما نود الإشارة إليه في مسيرة «تريزيجيه»، فاللاعب طبقًا لكلام مدربه في مرحلة الناشئين قضى أربعة أعوام في تهديد مستمر بالخروج من النادي الأهلي بالرغم من كونه يتدرب بجدية واضحة، لكنه في المباريات الرسمية ينتابه قلق غير مبرر.

هو لا يملك الشخصية القوية الواثقة، بل يحتاج دومًا للشعور بأن المدرب يدعمه ويثق به، وبعد تدريبات مكثفة بدأ يلمع نجم «تريزيجيه» وتتضح إمكاناته، خاصة أنه ينفذ تعليمات مدربيه جيدًا ليلتحق بالفريق الأول، ويستمر لثلاثة مواسم ينتقل بعدها إلى نادي أندرلخت البلجيكي.

يتضح لنا من بداية مسيرة «تريزيجيه» بعض مما يفتقده اللاعب وأشياء أخرى يمتاز بها أيضًا. ربما أكثر ما يفتقده «تريزيجيه» عنصرا الوقت والشخصية. الجناح المصري الشاب يحتاج لوقت طويلًا نسبيًا للتأقلم مع المرحلة التي يعيشها، ووقت لاكتساب التطور الذي يؤهله للمرحلة التالية، كما أن شخصية «تريزيجيه» تحتاج للتطور أيضًا بما يتناسب مع ظروف متغيرة مثل دعم المدرب أو رضا الجماهير.


أنا لاعب كبير، لا لست كذلك

ربما يعبر ذلك التصريح عن فترة أندرلخت والتي لم تشهد نجاحًا للجناح المصري على المستوي الفني. خرج «تريزيجيه» من مصر في سن صغير، لكنه خرج وهو نجم النادي الأهلي وذلك تحديدًا مثّل عقبة لم يستطع أن يتجاوزها «محمود» سريعًا، حيث وجد نفسه يحتاج لإثبات نفسه من جديد والتعامل كلاعب صغير السن في حاجة للتأقلم والتطور.

لن يجد تريزيجيه صعوبة لإثبات ذاته في أي وقت، إلا أن ذلك بالطبع لن يحدث سريعًا لظروف تتعلق بالقدرة على التكيف مع الحياة الأوروبية سريعًا، وظروف أخرى أيضًا، كإصابة الكتف التي أبعدته عن الملاعب 3 شهور.

كذلك الهجوم الذي لاقاه من الصحافة البلجيكية بعد أن نشر صورة قام بتعديلها لإخفاء وجوه مشجعات «أندرلخت» البلجيكي في المدرج، وهو ما لم يلق استحسان الجماهير والصحافة في بلجيكا بالطبع!.

تمت إعارة تريزيجيه إلى نادي موسكرون البلجيكي لمدة موسم قدم خلاله «تريزيجيه» أداءً جيدًا، ثم أعلن نادي أندرلخت عن صعوبة استمرار تريزيجيه بالنادي؛ ليعار مرة أخرى خلال الموسم الجاري لنادي قاسم باشا التركي، والذي يقدم معه أفضل مستوياته في تألق واضح.

ربما يجب الإشارة هنا أن كل هذا الحديث عن لاعب ما زال في الـ24 من عمره، ربما يتطور «تريزيجيه» ببطء إلا أنه يحسب له تصميمه على هذا التطور، ورفضه العودة لمصر مرة أخرى، حتى وإن كان ذلك من خلال نادٍ متوسط بالدوري التركي.

«محمود» ما زال يملك الفرصة للتطور خاصة أنه ما زال في سن تسمح له باللعب في أندية أكبر، فالجزائري «رياض محرز» على سبيل المثال لم يجذب الأنظار إلا في مثل هذا العمر. لقد انقضت الفترة الأصعب على «تريزيجيه» والقادم هو الأفضل في مسيرة اللاعب المصري الشاب.


تريزيجيه: القادم أفضل

كنت عامل حسابي إن أنا هاجي ألعب على طول، لقيتهم بيدوني وقت قليل، فقولتلهم أنا مش لاعب صغير، وبقالي فترة بلعب في الأهلي، وده نادي كبير، لكن برده ملعبتش فصممت على الإعارة.

بالطبع أصبح الجميع يحفظ مسيرة «محمد صلاح» وما استطاع أن يحققه من تطور. وحتى لا ندخل في دائرة المقارنة بين اللاعبين دون فائدة إلا أنه يتضح أن ما يعانيه «تريزيجيه» إذن لا علاقة له بظل «صلاح»، وإن كان البعض يصرّ على أن ظل «صلاح» هو الذي طغى على توهج «تريزيجيه» هذا الموسم.

الحل أيضًا يكمن في توهج «صلاح» والذي جذب الأنظار للمنتخب المصري، حيث ينتظر الكثير مشاهدة المنتخب لمصري في كأس العالم وهي الفرصة الحقيقية لتريزيجيه ليظهر بصورة جيدة خاصة أنه يحوز على ثقة المدرب الأرجنتيني «هيكتور كوبر».

سيفوز «تريزيجيه» بالرهان أخيرًا، هو دائمًا يفعل ذلك لكنه يأتي دومًا متأخرًا بعض الشيء. يحتفظ بالكارت في يديه أكثر من اللازم حتى ينفض من حوله يأسًا ليظهر مرة أخرى في صورة اللاعب المجتهد الذي يحصد ثمار اجتهاده.