سيُعقَد لهذا الغرض لقاء على أعلى مستوى مع صُنّاع القرار الإيراني، بما يتضمن وزير الشئون التجارية والصناعية، محمد رضا نعمت زاده، لمناقشة فرص العمل المستقبلية مع المستثمرين الأوروبيين، في مؤتمر تنظمه الغرفة الاقتصادية الاتحادية النمساوية. ألمانيا، واحدة من أقدم الشركاء التجاريين لإيران حيث صدَّرت لها من السلع والخدمات بما يعادل تقريبًا 3.86 مليار دولار، في عام 2012، قد تصل إلى صادرات تعادل 11 مليار دولار سنويًا، في حال رُفعت العقوبات.

وزير الصناعة والتجارة الايراني محمد رضا نعمت زاده
وزير الصناعة والتجارة الايراني محمد رضا نعمت زاده

تمثِّل احتياطات إيران من الطاقة غير المستغلَّة بعضًا من أكثر الفرص جاذبية، سواء بالنسبة إلى القيادة في طهران أو الشركات الأوروبية. إضافة إلى إجمالي إنتاج من الغاز الطبيعي يصل تقريبًا إلى 8.2 تريليون قدم مكعب سنويًا، بما يجعلها ثالث أكبر منتج بعد كلٍ من روسيا والولايات المتحدة. لكن على الرغم من مواردها الهائلة لا تمثِّل إيران سوى واحد بالمئة من تجارة الغاز العالمية، في عام 2012. كما لا يزال سوقها المحلي من الغاز متخلفٌ أيضًا نتيجة للعقوبات، إذ يمثِّل فقط خمسة بالمئة، أي ما يقدَّر بـ 231 مليون دولار يوميًا، من عائدات النفط الخام العالمية.

أصدقاء في أماكن مرتفعة

تمتلك إيران سجلًا حافلًا من مؤسسات الضغط في مجال الطاقة لممارسة الضغوط على الغرب. وصلت إيران، في عام 1991، لاتفاق مبدئي مع شركة كونكو، ومقرها الولايات المتحدة، يمنح الشركة حق تطوير حقول الغاز والنفط في إيران. كما سعت إيران من خلال هكذا جهود لإغراء شركات النفط الأمريكية من أجل الضغط على سلطات بلادها حتى تبدِّل نهجها تجاه القيادة الإيرانية. تمثَّلت هذه الجهود في حملة سرية قامت بها شركات النفط بهدف تحسين صورة الجمهورية الإيرانية في الولايات المتحدة، وفي محاولات من أجل دفع واشنطن نحو تعزيز الأعمال التجارية مع إيران.

ولقد سعى محمد خاتمي عندما بدأ فترة ولايته كرئيس إيراني، في 1997، لتليين المواقف الغربية تجاه إيران. وأدت سياساته إلى خلق عدد من جماعات الضغط في جميع أنحاء الولايات المتحدة. بدأ المجلس الوطني للتجارة الخارجية، وهو مجموعة ممثِّلة لكبرى شركات الولايات المتحدة، في الوقت نفسه، مبادرته الخاصة والتي دعيت بـ “إشراك الولايات المتحدة”.

محمد خاتمي
محمد خاتمي

كما سارت جماعات ضغط تجارية أمريكية أخرى في الاتجاه ذاته، فتأسس المجلس الإيراني الأمريكي، الذي يُدار من قِبَل مجلس يتألف من دبلوماسيين أمريكيين سابقين ومسئوليين تنفيذيين من شيفرون، وإكسون موبيل، وهاليبرتون. صُمم المجلس الإيراني الأمريكي، الذي يتمتع بدعم مالي من النظام الإيراني، من أجل هدف وحيد: تبديل الأولويات السياسية للوليات المتحدة بغية رفع العقوبات، وخلق إمكانيات للشركات التجارية المربحة في البلاد.

المجلس الوطني الإيراني الأمريكي
المجلس الوطني الإيراني الأمريكي

لا يمكن أن نغفل عن مواجهة الدول الأوروبية أيضًا لضغوط مماثلة من الشركات التي قد تمتلك حصة نتيجة الانفراجة الإيرانية. عندما ألغى البيت الأبيض اتفاق الواحد مليار دولار بين كونكو وإيران، في عام 1995، حولت إيران تركيزها نحو كبرى شركات النفط الأوروبية مثل إيني، ورويال داتش شيل، وتوتال. وقد كان على هذه الشركات أن تتخلى عن ترتيباتها المربحة مع إيران بحلول عام 2000، في إثر مجموعة جديدة من العقوبات، بيد أن ما تعلّمته حكومة حسن روحاني هو الاستفادة من شركات النفط الأوروبية القوية كجماعات ضغط لرفع العقوبات المفروضة على إيران.

بدأت الجهود المبذولة لاستعادة تجارة النفط مع أوروبا بالفعل بعد وقت سريع من انتخاب روحاني. لقد عقد اجتماعات مغلقة مع المسئولين التنفيذيين لشركات بي بي، وإيني، وشيل، وتوتال، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي، في دافوس، في 2014. وقد ركزت الاجتماعات على كيفية تمكين إيران من اجتذاب الاستثمارات الأجنبية في قطاعي الإنتاج الغازي والبترولي. كان روحاني حريصًا على ربط هذه الفرص حتى الرفع المحتمل للعقوبات في أعقاب الاتفاق النووي.

حسن روحاني
حسن روحاني

وكان روحاني قد التقى، قبل بضعة أشهر من دافوس، مع مسئولين تنفيذيين من القطاع الخاص في أوروبا وقال لهم إنه في “الوضع الحالي، بعد وزير الخارجية، سيلعب وزير النفط، بما لديه من سياسة طاقة نشطة جدًا، دور وزير الخارجية الثاني”. في أعقاب ذلك، تم تعيين نائب الوزير، علي مجيدي، سفيرًا لإيران لدى ألمانيا، في سبتمبر 2014

يُعَدُّ مجيدي واحدًا من متخصصي إيران الروَّاد في تجارة الغاز والبترول، ما يعتبر إشارة إلى أنه بجانب المحادثات النووية، يستطيع الأوروبيون والإيرانيون أيضًا مناقشة مختلف طرق تسليم الغاز الإيراني بمجرّد رفع العقوبات. لا يمكن الاستهانة بأهمية قطاع الطاقة الإيراني في المفاوضات الأجنبية: ترى طهران كيف يمكن لتنمية البترول أن تزودها بالنفوذ المالي لإنهاء العقوبات، وهي سعيدة لما لديها من شركات تضغط على حكومات أوطانها من أجل تخفيف القيود التجارية.

أكدت شركات الطاقة الأوروبية، في المقابل، على أهمية إعادة تصميم عقود واتفاقات إعادة الشراء التي تعطي الشركات الخارجية نسبة يتم تحديدها مسبقًا من العودة. تسمح هذه الاتفاقات فقط للمستثمرين بالعمل كمتعاقدين داخل إيران، وتمنعهم من امتلاك حقوق في حقول البترول، أو من أي ملكية على الأصول الإيرانية. وكان الحظر المفروض على ملكية الأجانب للأصول النفطية ساري المفعول منذ ما قبل الثورة الإيرانية في عام 1979، لكن من الممكن تخفيف ذلك في حال أعطى الاتفاق النووي أفقًا للاستثمارات الجديدة في قطاع الطاقة في البلاد.

أعلن وزير النفط الإيراني، في فبراير 2015، بيجان زنكنة، أن العقود النفطية الجديدة ستسمح بتشكيل مشاريع مشتركة، واستثمارات طويلة الأجل تمتد من عشرة إلى خمسة وعشرين عامًأ، ونظام رسوم مرن يقدِّم للشركات خيار المحاسبة للقيمة الاقتصادية للاستثمارات الإيرانية على دفاتر ميزانياتها. ستتمكن الشركات الأجنبية، بموجب التنقيحات المقترحة، من المشاركة فيما هو أكثر من التطوير والتنقيب عن النفط، أي فيما هو يتجاوز القيود التي وضعت في 1979.

سوف تسمح التغييرات المقترحة على السياسة الإيرانية للمستثمرين بأن يكون لهم دور في إنتاج النفط، كما ستكون لديهم المقدرة على إدراج الأرباح من حقول النفط الإيرانية في بياناتهم المالية. تأمل الحكومة الإيرانية، مع هذه العقود الجديدة، ليس فقط في الحصول على التكنولوجيا والخبرات اللازمة لتطوير حقول جديدة، لكن أيضًا في استخدام الشركاء الأجانب الجدد كوسطاء في تصدير الغاز والنفط إلى الأسواق العالمية.

ومن المتوقع أن تجتذب هذه العقود أكثر من 40 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، مع توتال الفرنسية، وإيني الإيطالية، التي تعتبر من بين شركات الطاقة الأولى الجاهزة للتسجيل. سيكون لدى توتال مصلحة قوية في العودة إلى إيران، خاصة في حقل بارس الجنوبي، وهو منطقة مشتركة بين إيران وقطر ويعتبر الأكبر في العالم، بعد أن اضطرت الشركة لوقف عمليات التطوير هناك بسبب العقوبات.

كذلك اجتمع كبار المسئولين التنفيذيين من شركة رويال داتش شل مؤخرًا مع زنكنة، في فيينا، لمناقشة سداد الديون الناجمة عن النفط غير المسلَّم نتيجة العقوبات. يعتبر هذا عنصرًا حاسمًا في الشراكات المستقلبية للشركة في طهران.

ما على الدول أن تجنيه

وزير النفط الإيراني بيجان زنكنة

في حين أن كبرى شركات النفط والغاز الأوروبية قد تكون مدفوعة بمصالح خاصة، إلا أن الاستعداد الواضح لقادة الدول لبحث إمكانية استيراد الغاز الإيراني يشير إلى تغييرات تدريجية في نهج أوروبا نحو إيران. أصبح أمن الطاقة الأوروبي، وهو دائمًا ما يمثِّل تحديًا أبديًا، أكثر هشاشة بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وفرض العقوبات المقيدة على موسكو من قِبَل الاتحاد الأوروبي. ومع انتقال 15 بالمئة من غاز أوروبا من روسيا عبر أوكرانيا، ستكون أوروبا في ورطة إذا أوقفت روسيا الصنابير.

واردات أوروبا من الغاز لعام 2012
واردات أوروبا من الغاز لعام 2012

إن ألمانيا، على وجه الخصوص، في خطر؛ إذ تزودها روسيا بأربعين بالمئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. مع قرار حكومة ما بعد فوكوشيما وضع حدود على جميع عمليات إنتاج الطاقة النووية، يتوجب على ألمانيا أن تحقق أكثر بخصوص طلب طاقتها من الغاز الروسي، وقد كانت على شفا نقص كبير في إمدادات الغاز خلال السنوات العشر الماضية بسبب عدم الاستقرار السياسي بين روسيا وأوكرانيا، والإمدادات الضيقة، وتوقعات تخزين الغاز غير الدقيقة. إذا لم تعمل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، على تنويع إمدادات الغاز لبلادها، فإن مرساة الاستقرار الاقتصادي في أوروبا قد لا تكون قادرة على تجنّب أزمة غاز أخرى. وهو ما يجعل إمكانية إمدادات الطاقة الإيرانية، إذا ما رُفعت العقوبات، مغرية بشكل لا يصدق.

تركّز النقاش العام حول البرنامج النووي الإيراني حول الحد من انتشار الأسلحة النووية، لكن هناك ما هو أكثر من ذلك بكثير في هذه القصة. لدى إيران الكثير لتقدِّمه للعالم من حيث مواردها من الطاقة، ولدى العالم الكثير ليقدمه لإيران من أجل المساعدة في إنتاج وتصدير احتياطاتها النفطية الهائلة. قد يكون منع إيران من إنشاء قدرات نووية المسوغ الأكثر وضوحًا للمحادثات، لكنه أبعد من أن يكون الوحيد. لدى شركات النفط مصلحة في فتح سوق في طهران، وهكذا تفعل الدول التي تحتاج إلى تنويع مصادرها من الطاقة في مواجهة الصراع العالمي.

المصدر

*ترجمة فريق موقع راقب

إقرأ المزيد

إيران : خلافات المفاوضات النووية التدخل الإيراني في العراق : التاريخ والواقع والمستقبل الدور الإيراني في سوريا: ضرورة استراتيجية محمد جواد ظريف.. الدبلوماسي الذي تربى على طاولة المفاوضات