محتوى مترجم
المصدر
foreignpolicy
التاريخ
2015/08/07
الكاتب
سومي سوماسكاندا

لم يستغرق الأمر طويلًا لإخماد ألسنة اللهب التي كانت تأكل الملحق الخلفي للمبنى وتحديد سببها، حيث تم العثور على مادة لتسريع الاشتعال على بابين خلفيين. لقد تم إشعال الحريق عمدًا. كان من المقرر أن ينتقل العشرات من طالبي اللجوء من سوريا والعراق وبلدانٍ أخرى إلى ذلك المبنى في سبتمبر/ أيلول.


مدن صغيرة وحرائق

يقطن مدينة «فندن – Winden» نحو 830 شخصًا فقط. واحتج العديد من سكانها على الخطط لتسكين نحو 130 من طالبي اللجوء في بلدتهم، مرجعين السبب قائلين إن الرقم كبيرٌ جدًا بالنسبة لمثل تلك البلدة الصغيرة. وهكذا تفاوض هؤلاء مع المسؤولين، واستقروا على تسكين نحو 67 فقط بدلًا من ذلك.

في بلدة «رايكرتسوفن» -البلدة الأكبر التي تشكل «فندن»- ضغط رئيس البلدية «مايكل فرانكن» لتحويل المبنى الخالي إلى منزلٍ للعدد المتنامي من طالبي اللجوء في مقاطعته. قبل الحريق، ظن «فرانكن» أن القتال قد انتهى؛ يقول:

ظهر ثمانية سكان فقط في الاجتماع الأخير الذي عقدناه، الأمر الذي يظهر كم الجدل الذي خمد… لذا فقد كنا أكثر دهشةً وسخطًا عندما اندلعت النيران.

لم يُصب أحد، ولم يتضرر الجناح الأمامي من المبنى، حيث سيعيش طالبو اللجوء الشهر المقبل. لكن رد الفعل كان قويًا وسريعًا. ضاعف مسؤولو المقاطعة الجهود لرفع الأضرار، والترحيب بالمقيمين الجدد في الموعد المقرر؛ كما تعمل لجنة من الشرطة مكونة من 50 فردًا على اكتشاف الشخص، أو الجهة التي تقف وراء الحريق. يقول «فرانكن»:

إذا كان الشخص الذي بدأ النيران يريد حقًا أن يحترق المبنى، لكان قد فعلها بشكلٍ مختلف… يبدو هذا أكثر كإشارة.

منذ بداية العام، كان هناك موجة من هجمات الإحراق العمدي على إسكان طالبي اللجوء عبر ألمانيا؛ بينما تصارع البلاد تضخمًا للمشاعر المعادية للاجئين. أشعلت الهجمات قلقًا على مستوى البلاد، وغذت جدلًا حاميًا حول ما الذي يجب فعله مع آلاف المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط، أو يجتازون دول البلقان، أو يجدون مساراتٍ أخرى إلى ما يأملون أنه سيكون الأمن في أغنى بلدان أوروبا.


هجمات عنصرية

من يناير/ كانون الثاني، وحتى أول يوليو/ تموز؛سجلت وزارة الداخلية الاتحادية نحو 202 هجومًا على أماكن لإيواء طالبي اللجوء – أكثر من تلك التي وقعت في عام 2014 بالكامل، الأغلبية العظمى منها تم نسبها إلى متطرفين يمينيين. استهدفت هجمات الإحراق العمدي مباني، لكن ليس أشخاصًا، لكن وزارة الداخلية سجلت أيضًا حالات عنف.

تمت مهاجمة أربعة سوريين يوم 25 يوليو/ تموز في ولاية «تورينجيا»، وقبل ذلك بيوم تعرض عمال تابعين للصليب الأحمر لمضايقاتٍ لفظية، وجسدية أثناء إعدادهم مخيما مؤقتا.صرح «روديجر أونجر» رئيس الفرع الإقليمي للمنظمة لوسائل الإعلام قائلًا:

لم يحدث من قبل على الإطلاق أن رأيت مساعدي الصليب الأحمر يتم مهاجمتهم في دولةٍ متحضرة مثل ألمانيا!.

سارعت السلطات لاتخاذ إجراءاتٍ صارمة تجاه العنف. تعهد وزير الداخلية «توماس دي مايتسيري» بوضع حدٍ لما يحدث. لكن من غير الواضح من يقف وراء تلك الحوادث – ما إذا كانت من صنع مجموعاتٍ منظمة مثل الحزب الوطني الديمقراطي اليميني المتطرف أم أفراد، أم كليهما معًا.

في 17 يوليو/ تموز اضطرت جوجل إلى حذف خريطة مجهولة توضح بدقة مواقع مئات منازل اللجوء عبر ألمانيا بسبب مخاوف من استخدامها لتحديد الأهداف. تم تتبع الخريطة التي كان عنوانها «لا مركز لجوء في منطقتي» إلى الطريق الثالث –؛ وهي مجموعة يمينية متطرفة استغلت تدفق اللاجئين، والمخاوف التي ظهرت بين بعض الألمان. أما «روبرت لودكيه» من مؤسسة «أماديو أنطونيو»، وهي منظمة غير ربحية تحارب تطرف اليمين فصرّح قائلًا:

هذا هو الخطر الأكبر، أن تصل تلك التصورات العنصرية والنزوع إلى العنف إلى الأشخاص العاديين، أن يبدأوا في الاشتراك في احتجاجاتٍ عنصرية.

«نجاح بيجيدا» هو مثال غير مبشر. اجتذبت الحركة المعادية للإسلام عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع في «دريسدن، لايبزيغ، ميونخ»، ومدنٍ أخرى في أوائل هذا العام في مواجهة تهديدٍ متصور للتطرف الإسلامي. جذبت الحركة الراديكالية داعمي اليمين المتطرف لكنها أيضًا وجدت صدىً لدى قطاعٍ كبير من الألمان العاديين. هم يريدون أن تكبح الحكومة ما يعتبرونه هجرة بدون رقيب.

خمدت الاحتجاجات، لكن «بيجيدا» أعلنت خططًا لتأسيس حزبها السياسي الخاص قبل الانتخابات الإقليمية العام القادم. لمست المشاعر المعادية للاجئين وترًا في وقتٍ يبحث فيه عدد قياسي من الأشخاص عن مأوى في ألمانيا. تلقت الحكومة حوالي 203,000 طلب لجوء العام الماضي – أكثر من ضعف أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، ومن المُتوقع أن يتضاعف ذلك الرقم بنهاية هذا العام.

يستغيث مئات الآلاف من الأشخاص الهاربين من الحرب والملاحقة، من سوريا إلى أريتريا، ببرلين للحماية. من بين 34,000 سوري قدموا طلبات لجوء في النصف الأول من هذا العام، تم رفض السماح ببقاء سبعة فقط حسب بيانات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين.

يأتي هذا وسط مشاحناتٍ في الاتحاد الأوروبي حول خطةٍ مثيرة للجدل لإصلاح نظام الهجرة به. يطرح مقترح حديث أن توزع أوروبا طالبي اللجوء حسب نظام حصص، بناءً على حجم الدولة واقتصادها وعوامل أخرى. رفضت بريطانيا ومجموعة من دول شرق أوروبا المقترح، بينما تدعم ألمانيا، التي يُنتظر أن تأخذ أكبر عدد من طالبي اللجوء حسب المقترح الجديد 18.4% الخطة، حيث ستساعد في ضبط عدد اللاجئين الذين يُتوقع أن تأويهم برلين بينما تستمر موجاتٌ من طالبي اللجوء في الوصول.

لم تكن السلطات مستعدة لذلك التدفق. قالت «أيدن أوغوز»، وزيرة الهجرة واللاجئين والدمج، إن الحكومة قد صدقت على ألفي موقعٍ جديد للمساعدة في التعامل مع تراكم أكثر من 240 ألف طلب لجوء. تقع مسئولية تسكين اللاجئين على الولايات، التي وفرت منشآت استقبال مؤقتة على نحوٍ عاجل في قاعاتٍ رياضية وخيام.

خصصت حكومة المستشارة «أنجيلا ميركل» نحو 1 مليار يورو إضافية للدعم. لكن جماعاتٍ للاجئين تقول إن برلين أخفقت باستمرار في تقدير حجم الوقت والتمويل المطلوبين. قالت «ماري بلتسر» من منظمة «برو أسيل»، وهي منظمة لاجئين يقع مقرها في فرانكفورت:

تعاملت الحكومة الاتحادية على نحوٍ أبطأ كثيرًا في تخصيص أموالٍ أكثر لأماكن إيواء لطالبي اللجوء – والتي سوف تساعد في تخفيف العبأ على الولايات… تم مناقشة وإعلان الكثير، لكن القليل للغاية تم تطبيقه. ويظل ذلك ليس عددًا كبيرًا بالنسبة لدولةٍ كبيرة وغنية مثل ألمانيا.
أما وزيرة الهجرة «أوغوز»، فتقول:

تباطأت العملية بسبب طفرة كبيرة في طالبي اللجوء من دول البلقان. أكثر من 30% من المتقدمين العام الماضي وصلوا من صربيا، مقدونيا، البوسنة والهرسك، كوسوفو، وألبانيا – خاصةً من الدولتين الأخيرتين، حسب وزارة الداخلية. دفعت ندرة فرص العمل في المنطقة الكثيرين لتجربة حظهم بالخارج.

لكن حسب القانون الألماني فإن البوسنة والهرسك، صربيا، ومقدونيا تعتبر بلدان أماكن قدوم آمنة – ما يعني أنه من المفترض أن طالبي اللجوء من تلك الدول ليسوا في خطر الملاحقة. لا يبرر الفقر اللجوء، لذا فإن الأغلبية العظمى من طلبات اللجوء من تلك البلدان يتم رفضها.

رغم ذلك فهم يستمرون في التراكم. يحذر قادة البلاد الآن من أنهم قاربوا على الوصول إلى نقطة الانهيار المالية والتنظيمية. بدأ البعض في التصرف بأنفسهم. أعلن رئيس ولاية بافاريا المحافظ «هورست زيهوفر» عن خططًا لإعداد مراكز استقبال مخصصة للتعامل مع ورفض المهاجرين من دول البلقان، لكن منظمات لجوء اتهمته بصنع مخيمات ترحيل على الحدود.

قد لا تكون المراكز هي الحل، لكن علينا فحص الطلبات أسرع، قالت «أوغوز». وأضافت؛ يسأل الجميع أنفسهم هل إذا أتى 400,000 آخرين العام القادم، هل سنستطيع التعامل مع الأمر؟. هيمن ذلك السؤال على النقاش العام في الأسابيع الأخيرة. أظهرت دراسة قامت محطة البث التلفزيونية «زد دي إف» أن الألمان يعتقدون أن تدفق اللاجئين هو أكثر القضايا التي تواجه بلادهم إلحاحًا.


كراهية معلنة

أن الحكومة قد قامت ببعض التغييرات المهمة – حيث سمحت لطالبي اللجوء بإيجاد وظائف بينما ينتظرون النظر في طلباتهم، على سبيل المثال. يأخذ الباقي وقتًا. أجد الأمر مخادعًا قليلًا عندما يقول البعض أننا كان يمكن أن نكون أفضل استعدادًا – لا يمكنك صنع مبنى سكني في عامٍ واحد، ليس بالمقدار الذي نحتاجه، وأعتقد أننا نقوم بعملٍ جيدٍ حقا.

جذبت المستشارة «أنجيلا ميركل» اهتماما دوليا في وقتٍ سابق من هذا الشهر عندما أخبرت الطفلة «ريم سحويل» البالغة من العمر 14 عامًا في منتدًى تليفزيوني للشباب؛ أنه لا يمكن للجميع البقاء. انتهى الأمر بالفتاة -وهي لاجئة فلسطينية تواجه ترحيلًا محتملًا-، تذرف الدموع. تعرضت «ميركل» لسخريةٍ بلا هوادة بالداخل والخارج.

غذت موجة هجمات الإحراق العمدي فقط التذمر. أسِف مقالٌ في صحيفة «زود دوتشي تسايتونج» اليومية على رهاب الأجانب المتنامي في البلاد بسؤال؛ هل ألمانيا على حافة الانفجار مجددا؟

احتوى إصدار 25 يوليو/ تموز لمجلة «دير شبيجل» الإخبارية على صورٍ لطالبي لجوء تحت عنوان «كراهية الأجانب تسمم ألمانيا». في مقال رأي لاذع على الانترنت، اتهم الصحفي «ماكسميليان بوب» مواطنيه بتجاهل أزمة في وسطهم، كتب بوب:

الألمان، الذين يحبون أن يشعروا بالفزع من الظلم في العالم، من الإسلاميين في الشرق الوسط، ومن المتهربين من الضرائب في اليونان، يقبل معظمهم العنف المفرط في بلادهم بلا مبالاة.

هذا الأسبوع، وضعت مقدمة البرامج «آنجا رشكيه» القضية في بؤرة الاهتمام مجددًا عندما ناقشت زيادة العنصرية في البلاد على التلفزيون الوطني الألماني قائلة:

إذا لم تكن من أصحاب رأي أن جميع اللاجئين هم طفيلين ينبغي مطاردهم، أو حرقهم، أو قتلهم في أفران الغاز، فينبغي عليك أن تجعل ذلك معروفًا، عارضه، افتح فمك، اتخذ موقف، انتقد ذلك علنا.

جذب ذلك المقطع الذي يبلغ طوله دقيقتين آلاف المشاهدات، وأشعل مناقشةً حامية على الإنترنت. في نفس الوقت، نشأت أيضًا حركة مضادة هادئة لكنها قوية. حيث قام نشطاء ومنظمات حقوق إنسان بمظاهراتٍ داعمة للاجئين. تجمع متطوعون معًا لتشكيل مجموعات ترحيب محلية وتوفير دروس لغة ألمانية لطالبي اللجوء.

في بلدة «رمتشينجن» الجنوبية، خرج حوالي 500 شخص في الـ26 من يوليو/ تموز لإظهار التضامن مع مأوى لاجئين هناك تم أيضًا، إشعاله في عطلة نهاية الأسبوع الماضية. عندما احتج النازيون الجدد على اللاجئين في «دريسدن» في الـ24 من يوليو/ تموز، قابلوا حينذاك مجموعة مضادة أكبر عددًا بكثير.

قبل حريق مأوى اللجوء، كانت الأمور في «رايتشرسوفن» تسير على ما يرام. يعيش أكثر من 70 طالب لجوء بالفعل في المدينة، وبعضهم -خاصة هؤلاء الذين معهم عائلات- ذهب هناك ليبقى.

في ركنٍ هادئ في قلب البلدة، يتشارك أكثر من 40 طالب لجوء منزلًا مكونًا من عدة طوابق. وصل «أحمد يوسف» قبل عام من دمشق. لقد كان في الخدمة العسكرية وهرب ليتجنب الحرب. إخوته مبعثرين حول العالم، في دبي والسويد. يقتسم الرجل الذي يبلغ من العمر 33 عامًا الآن الطابق السفلي مع ثمانية سوريين آخرين، كلهم غرباء.

تم منح «يوسف» تأشيرة لمدة ثلاث سنوات، وهو يحضر الآن دروسًا في اللغة الألمانية كل يوم؛ بينما يبحث عن مكانٍ خاص به يستطيع تحمل تكلفته. هو ليس متفائلًا بشأن إيجاد وظيفة قبل أن تصبح ألمانيته جيدةً بما يكفي.

أثناء جلوسه لتناول الكعك مع رئيس البلدية، يصر «أحمد» على أنه لم يشعر على الإطلاق بعدم الراحة، أو أنه غير مرحب به في «رايتشرسوفن». لم يتوقف تدفق الملابس، الدراجات، والتلفزيونات المُتبرع بها. كما أنه تشارك خبزًا ونقانق مع السكان المحليين في مهرجان الصيف.

أثبت التواصل الشخصي أنه مفتاح كسر الحواجز بين مثل تلك الثقافات، الخلفيات، واللغات المختلفة للغاية، يقول رئيس البلدية. ويضيف؛ تقابلون بعضكما البعض، تعرفون بعضكما البعض، تقولون صباح الخير – وتختفي المسافة.