محتوى مترجم
المصدر
فورين بوليسي
التاريخ
2015/07/28
الكاتب
جيمس تراوب

ذهبت لأستمع إلى وزير الخارجية «جون كيري» في الأسبوع الماضي، وهو يدافع عن الاتفاق النووي الإيراني في مجلس العلاقات الخارجية. وقد بدأ «ريتشارد هاس» رئيس المنظَّمة بسؤال «كيري» كي يشرح له ما الذي كسبناه من خلال هذا الاتفاق؟ وكان أول شيء قاله الوزير أنه “فخور جدًا” بـ “سجل تصويته بنسبة 100 في المائة لإسرائيل” حين كان في مجلس الشيوخ. الشيء الثاني الذي قاله؛ هو أن أحدًا لم يعمل بشكل أصعب مما عمل هو من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط. وكان الشيء الثالث هو “أنا أعتبر بيبي” – رئيس الوزراء الإسرائيلي، «بنيامين نتنياهو» – “صديقًا”. ما كسبناه، كما لخَّص «كيري»، هو “سلامة وأمن… إسرائيل والمنطقة”.لقد وجدت أنه من المذهل أن تكون إجابة «كيري» على سؤال حول الاتفاق الدبلوماسي الأكثر تتابعًا، الذي توقعه الولايات المتحدة، على مدى العقود الأربعة الماضية، كما لو كانت صادرة عن وزير خارجية دولة أخرى. ألم تكن “نحن” في السؤال تشير إلى “الشعب الأمريكي”؟ بالطبع، كانت المواهب السياسية لـ«كيري» دقيقة تمامًا. لأنه يعلم أنه لا يحتاج هو والرئيس «باراك أوباما» إلى إقناع اليسار الديمقراطي بمزايا الاتفاق، وليس من الضروري أن يكلِّف نفسه عناء محاولة تغيير رأي المحافظين الجمهوريين. إنه يحتاج للوصول إلى هؤلاء الذين ينظرون إلى الأمن القومي الأمريكي ليس فقط كشيء وثيق الصلة بالأمن الإسرائيلي، بل كشيء لا يمكن تمييزه عنه.وفي طريق الخروج، رأيت مثل هذه الشخصية، وسألته مازحًا، عمَّا إذا كان قد اقتنع بالاتفاق. قال إنه لم يكن كذلك، بطبيعة الحال، لكنه اعترف بأن عليه أن يتعايش معه. ومن ناحية أخرى، أضاف بحزن أنه يعلم جيدًا ما الذي يمكن أن يحدث إذا صوَّت مجلس النواب ضد الاتفاق، وتجاوز حق الفيتو الممنوح لـ«أوباما»: “سيلقون باللوم على اليهود”.

سيعمل تجاوز الكونغرس الفيتو الممنوح لـ«أوباما» على تدمير الإنجاز الأبرز في السياسة الخارجية أثناء ولايته

لا، لن يفعلوا. فمعظم الأمريكيين الذين يكرهون اليهود، يكرهون «أوباما» وإيران أيضًا. وبالتالي سيكونون سعداء لرؤية الاتفاق وهو يدمَّر. ربما سيشكرون اليهود. ماذا سيحدث، على الرغم من ذلك، إذا تجاوز الكونغرس الفيتو الممنوح لـ«أوباما» – سيعمل ذلك على تدمير الإنجاز الأبرز في السياسة الخارجية أثناء ولايته، وسيهين الرئيس أمام العالم، وسيؤدي إلى سباق تسلح نووي في إيران، والشرق الأوسط – وهو ما سيلوم عليه الديمقراطيون «نتنياهو» وإسرائيل.ولن يكون فقط اليسار الأمريكي الذي يعتبر إسرائيل بالفعل قوة محتلة. والعلاقة التشاجرية بين إسرائيل والحزب الديمقراطي ستذهب بعيدًا. وسيبدأ المؤيدون الديمقراطيون لإسرائيل، مثل «هيلاري كلينتون»، في حساب السعر المرتفع الذي عليهم دفعه كثمن لدعمهم المستمر.هل أبالغ؟ انظر في الحسابات الجيوسياسية. كان يمكن لمنتقدي الاتفاق النووي، حتى وقت قريب، الادعاء بأن “حلفائنا في المنطقة” يعتقدون أنه يهدد أمنهم. ولكن في الأسبوع الماضي، بارك وزير الخارجية السعودي الاتفاق، ولو بفتور. وبعث رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وأمير الكويت، بملاحظات تهنئة إلى إيران، على الرغم من أنهم لم يقوموا بتأييد الاتفاق بعد. “لدينا حلفاء” لن تستمر في الضغط ضد الاتفاق. فقط إسرائيل ستفعل.انظر الآن في حسابات الكونغرس. لتجاوز الفيتو الرئاسي، في مجلس الشيوخ، فإن معارضي الاتفاق بحاجة للعثور على 67 صوتًا. ويبدو الـ 54 جمهوريًا على استعداد للتصويت ضد الرئيس – وكثير منهم بابتهاج. ولكن الـ 13 ديمقراطيًا يجب أن يكونوا على استعداد لتحدي رئيسهم فيما يتعلق بسؤال من شأنه أن يساعد على تحديد مكانه في التاريخ. كم منهم سيتخذ هذا الموقف إذا عارض السعوديون والإماراتيون، على سبيل المثال، الاتفاق، وفضلته إسرائيل؟ كيف سيقوم «تشاك شومر» سناتور نيويورك الديمقراطي الذي يحتل المرتبة الثالثة، بالتصويت؟ هل علينا حتى أن نسأل؟ وحتى الآن، قال عضو مجلس الشيوخ أنه يعتزم أن “يدرس بعناية” لغة الاتفاق. وتأثير «شومر» بين الديمقراطيين الليبراليين يمكِّنه بمفرده من إفشال الاتفاق من خلال التصويت ضد هذا الإجراء.

الكثير من الإسرائيليين يعتقدون أن توجيه ضربة عسكرية لإيران بكل تبعاته المأساوية، سيكون أفضل لأمنهم من الاتفاق الذي أبرمه «أوباما»

ليس لدي أي سبب للشك في أن «شومر» يعتقد مخلصًا أن «كيري» قد يكون على خطأ، وأن «نتنياهو» على حق بشأن الآثار الوخيمة للاتفاق النووي على أمن إسرائيل. وأنا أعلم أن الكثير من الإسرائيليين -ليس فقط المتشددين الليكوديين-، يعتقدون أن توجيه ضربة عسكرية لإيران بكل تبعاته المأساوية، سيكون أفضل لأمنهم من الاتفاق الذي أبرمه «أوباما».انظر، على سبيل المثال، هذا العمود في صحيفة هآرتس اليسارية لـ «آري شافيت»، وهو صحفي ومؤلف الكتاب اللاذع بلدي أرض الميعاد. وربما يعتقد «شومر» ذلك أيضًا.أعتقد أن الحسابات مجنونة. لكن الإسرائيليين يعرفون منطقتهم أفضل كثيرًا مما أعرف. وفي أي حال، لأن إسرائيل الآن مهددة بشكل مباشر من قِبل إيران أكثر من الولايات المتحدة، وجوهر القضية يختلف بالنسبة إلى تل أبيب عن واشنطن. ويصر كل طرف أن الطرف الآخر مخطيء بشأن مصالح الأمن القومي الخاصة به، ولكن الحقيقة هي أن تلك المصالح لا تتطابق بالضبط. فلماذا يريدون المطابقة بينها؟بالطبع لا يمكن لـ «كيري» أن يقول ذلك، “إنها صفقة كبيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، حتى لو أنها أقل قليلًا بالنسبة إلى إسرائيل”. ويفرض الواقع السياسي عليه الحفاظ على أسطورة أن تلك المصالح لا يمكن أن تتباعد. ومع ذلك، أجد أنه من الهجومي انغماس «كيري» في مثل هذه التشويهات من أجل إثبات حسن النية تجاه إسرائيل. وفي الوقت نفسه، تلقى “صديقـه” «نتنياهو» تيار الإدارة الذي لا نهاية له من التوسلات الازدرائية – وهذه حقيقة أن «كيري» اعترف بشكل غير مباشر من خلال الإشارة في خطابه إلى “الشعب” الذي لم يسمه “الخرف والهاذي” بشأن الاتفاق، بما في ذلك “رئيس الوزراء مع قنبلة الكرتون في الأمم المتحدة”.يجب على «كيري» و«أوباما» الاستمرار في محاولة الوصول إلى الأمريكيين الذين ينظرون إلى «نتنياهو» باعتباره حكم الأمن القومي الأمريكي. أولئك الذين يقولون “لن نختار أبدًا بين إسرائيل والولايات المتحدة”، يجري خداعهم. إنهم يختارون.غسل «نتنياهو» يده من إدارة «أوباما» منذ وقت طويل؛ ربما يظن أنه لم يعد ثمة شيء ليخسره. ولكن يكاد يكون هذا ليس صحيحًا. إذا راعى الـ 13 ديمقراطيًا صفارات الإنذار الإسرائيلية وانهار الاتفاق النووي، لا يمكن إلا لحالم أن يعتقد أن إيران ستعود للتوصل إلى اتفاق جديد وأشد قسوة، أو أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي سيعلقان بصعوبة على العقوبات. بدلًا من ذلك، ستبدأ أجهزة الطرد المركزي الإيرانية الغزل مرة أخرى، في حين سيحمل العلماء الباكستانيين المخططات النووية السرية إلى المملكة العربية السعودية. وسيأخذ «نتنياهو» اللعبة خطوة أبعد من خلال الدعوة لضربات جوية ضد المنشآت النووية الإيرانية. إذا نجح – وأنا أشك في ذلك – فإن الأمريكيين لن يغفروا لإسرائيل دورها في هكذا قرار كارثي.وقد جعل «بنيامين نتنياهو» من الجلي أنه مستعد تمامًا لدفع هذا الثمن. هل يمكن أن يقول «تشاك شومر» الشيء نفسه؟ أود أن أقترح أن التزامه الأعلى لإسرائيل سيكون لحمايتها من أسوأ غرائزها.