لا أستطيع تحمل فكرة أنني لا ألعب مع ريال مدريد، ثم أذهب لألعب مع منتخب بلجيكا.

هذه كانت تصريحات إيدين هازارد خلال الأيام الأخيرة عن فترته مع ريال مدريد وتأثيرها على قراره بالاعتزال الدولي، والذي أعقب خروج منتخب بلاده من كأس العالم، اللاعب الذي كلَّف ريال مدريد ما يقارب 160 مليون يورو، ولو انتظر ريال مدريد عامًا واحدًا فقط لحصل على اللاعب دون أن يدفع سوى راتبه، ليتحمَّل مخاطرة مالية يمكننا القول وبعد أربع سنوات بأنها لم تكن في محلها بأي شكل، ولم تصب الهدف من أي جانب، رياضي أو حتى تسويقي.

تصريحات هازارد الأخيرة، حتى وإن أشارت ضمنيًّا إلى أن اللاعب يرغب في المحاولة، ولكنها تحمل في طياتها اعترافًا – ولو غير مباشر – بالفشل، خاصةً أن زملاءه على حسب تعبيره نصحوه بمغادرة ريال مدريد لأنهم يعلمون علم اليقين أن هازارد لم يعد له مكان في ريال مدريد، وحتى إن قال بأنه يريد المحاولة فسيكون الموسم المقبل هو الأخير له بقميص ريال مدريد حسب عقده، والمحاولة ستكون فقط لتجميل الصورة لا أكثر.

«عندما أكون في إجازة.. فأنا في إجازة»

هذه كانت تصريحات إيدين هازارد شخصيًّا فور وصوله إلى ريال مدريد، حيث بدا وزنه زائدًا بصورة ملحوظة، بل زاد أكثر في فترة الإعداد، وكان هازارد يشير بذلك التصريح إلى أنه يتناول ما يحلو له من الطعام، مُعللًا ذلك بأنه يكسب الوزن بسرعة كما يخسره بسرعة، على أن يستعيد وزنه المثالي فور انطلاق الموسم، وهو ما لم يحدث، حيث لم يكن هازارد جاهزًا إلا في الجولة الرابعة من الدوري، بعد أكثر من شهر ونصف من انطلاق الموسم.

ولم يكتفِ هازارد بتناول ما يحلو له في العطلات فقط، بل على حسب وصف أحد زملائه السابقين في تشيلسي، لم يكن يتدرب بنفس الجدية التي يخوض بها المباريات، حيث قال لاعب تشيلسي ومنتخب نيجيريا السابق جون أوبي ميكيل:

هازارد كان لا يُصدَّق خلال المباريات، ولكنه لم يكن يتدرب بجدية، هو ليس بجودة ميسي، ولكنه كان يفعل ما يحلو له بالكرة في قدمه. أما في التدريبات فكان يقف في أغلب فترات التمارين يشاهدنا أكثر مما يشاركنا، ولكن في نهاية الأسبوع تجده رجلًا للمباراة.

إصابة حاسمة

بدأ هازارد مشواره مع ريال مدريد بثقة مطلقة من جانب مدرب الفريق حينها زين الدين زيدان، وحاول تدريجيًّا استعادة مستواه وساهم في عدة انتصارات مُقنعة وبنتائج كبيرة على ليجانيس وإيبار في الدوري، وأمام غلطة سراي في دوري الأبطال بسداسية.

ولكن كل هذا تعرض لضربة قاضية خلال الجولة الخامسة من دوري الأبطال أمام باريس سان جيرمان، فبينما كان الميرينجي يُقدم مباراة كبيرة تقدم خلالها بثنائية، تعرَّض هازارد إلى التحام قوي من زميله في منتخب بلجيكا ولاعب باريس حينها، توماس مونييه، التحام نتج عنه إصابة في الكاحل غيَّبته لأكثر من شهرين، قبل أن يعود أمام سيلتا فيجو ثم ليفانتي ليخرج مصابًا في المباراة التي خسرها ريال مدريد على ملعب سيوتات دي فالنسيا، ولم يعد إلا بعد التوقف الطويل الناتج عن جائحة كورونا في ذلك الموسم.

لم يعد من بعدها اللاعب البلجيكي كما كان، إصابة تلو الأخرى أخذت من مستواه بشكل كبير، أتبعها تركيب شريحة في الكاحل، وحتى بعد إزالتها لم يعد هازارد تشيلسي الذي انتظره جمهور ريال مدريد طويلًا، وما زال البعض ينتظره حتى الآن.

فليبقَ معهم

ربما تكون تلك اللقطة هي القشة التي قسمت ظهر علاقة هازارد بجماهير ريال مدريد، ففي نصف نهائي دوري أبطال أوروبا موسم 2020-2021، أجرى زيدان تعديلات على تشكيلة ريال مدريد وصلت لإشراك فينيسيوس جونيور كظهير أيمن في خط وسط خماسي، وذلك من أجل إشراك هازارد في المكان الذي يجيده، أمام تشيلسي على ملعب ستامفور بريدج، وسرعان ما أثبتت تلك الخطة فشلها، وأكل فريق توماس توخيل هازارد ورفاقه وحسموا التأهل للنهائي.

لكن ما حدث بعد تلك المباراة كان هو المشكلة، حيث التقطت الكاميرات اللاعب البلجيكي وهو يمزح ويضحك مع زملائه السابقين في تشيلسي، وهو ما أثار استياء قطاع كبير من جماهير ريال مدريد الذين كانوا يتحسرون على ضياع فرصة تتويج أوروبي جديد، ويرون لاعبهم يمزح مع الخصوم أمام الكاميرات دون حياء أو إعطاء أي اعتبارات لمشاعرهم، وحينها تذكر جملة جوزيه مورينيو الشهيرة عندما كان يستعد ريال مدريد للخروج من ملعب كامب نو بعد إحدى مباريات الكلاسيكو، وتأخر كاسياس عن حافلة الفريق، وعندما علم مورينيو بأن كاسياس تأخر لأنه أطال وداع زملائه في منتخب إسبانيا من لاعبي برشلونة قال:

فليبقَ معهم المرة القادمة.

قطار ريال مدريد

ولأن قطار ريال مدريد لا يأتي كثيرًا، فعندما لا تستغل الفرص المتاحة يجب أن تعلم بأن هناك من ينتظرها، وهذا ما حدث عندما رحل زيدان وأتى مدرب جديد لفترة ثانية وهو كارلو أنشيلوتي، والذي لم يكن لديه الوقت والصبر ليعطي هازارد الهامش للعودة، ففي ثاني مباراة في الليجا أتت لحظة أعادت تشكيل قناعات المدرب الإيطالي، عندما حلَّ فينيسيوس جونيور بديلًا على ملعب ليفانتي ليحرز هدفين في تعادل الفريقين بنتيجة 3-3، مما جعل كارلو يعيد حساباته فيما يتعلق بمركز الجناح الأيسر، ليُعوِّل بشكل رئيسي وكامل على الفتى البرازيلي خلال الموسم الماضي.

ولم يُخيِّب فيني ثقة أنشيلوتي، 21 هدفًا و16 تمريرة حاسمة بين الليجا ودوري الأبطال، ساهما في قيادة الميرينجي لتحقيق اللقبين الكبيرين، من بينهم أهم أهداف الموسم، وذلك في نهائي دوري الأبطال أمام ليفربول، ليقود كتيبة أنشيلوتي لتحقيق اللقب الرابع عشر في تاريخهم والثاني تحت قيادة المدرب الإيطالي بعد عاشرة لشبونة عام 2014.

ومن يعرف جيدًا كارلو أنشيلوتي ومدى ولائه لرجاله الذين يحققون له الألقاب يعرف أيضًا أن لحظة فينيسيوس في نهائي الأبطال كانت تعني رسميًّا بأن هازارد تجاوزته الأحداث في ريال مدريد، خاصةً مع اعتماد أنشيلوتي الكامل على فينيسيوس في مركز هازارد، بل تقدم عليه خيارات أخرى مثل رودريجو وأسينسيو، وحتى فالفيردي في مركز الجناح، مما أبقى اللاعب البلجيكي على مقاعد البدلاء طوال الموسم الحالي وبعدد دقائق بين الدوري ودوري الأبطال بلغ 230 دقيقة فقط.

«ماريانو» وليس «بيل»

عندما دخل جاريث بيل في دوامة المزاج السيئ وعدم الرغبة في اللعب، والبقاء فقط من أجل تقاضي الراتب، كان بالفعل ساهم مع ريال مدريد في التتويج بأربعة ألقاب في دوري الأبطال، مُسجِّلًا في نهائيين من الأربعة، دون نسيان هدفه الشهير في نهائي الكأس عام 2014 أمام برشلونة، والذي قاد ريال مدريد لآخر لقب كأس في تاريخه حتى الآن، وبلغت أرقامه 106 أهداف و67 تمريرة حاسمة في 258 مباراة بالقميص الأبيض، وهي أرقام لم يبلغ هازارد ربعها، حيث اكتفى بتسجيل سبعة أهداف و11 تمريرة حاسمة فقط خلال 73 مباراة بقميص الميرينجي.

أرقام تشبه كثيرًا أرقام ماريانو دياز الذي سجَّل 12 هدفًا وصنع ثلاثة فقط خلال 81 مباراة، علمًا بأن المهاجم الدومينيكاني لعب 2115 دقيقة فقط، وهو أقل من دقائق هازارد مع ريال مدريد التي بلغت 3640 دقيقة، ولكن علينا التنويه بأننا لسنا بصدد مقارنة هازارد مع ماريانو بشكل مباشر أو حتى غير مباشر، ولكن الحقيقة أن هازارد الذي يرفض الخروج من مدريد حتى الآن ولو على سبيل الإعارة يجد نفسه حاليًّا لا يقدم أي شيء لريال مدريد سوى الذهاب للتدريبات وتقاضي الراتب السنوي الضخم، تمامًا كما يفعل ماريانو الذي رفض الخروج من مدريد رغم علمه بأن فرصه في المشاركة شبه معدومة.

وهو أمر لم يفعله جاريث بيل إلا في آخر مواسمه، وبعد خمسة مواسم، قدَّم فيها اللاعب الويلزي أرقامًا ممتازة وشارك في لحظات مجيدة للنادي بشكل مؤثر ومباشر كما أسلفنا، بل إن بيل في آخر مواسمه خرج لتوتنهام على سبيل الإعارة، وهو ما يرفضه هازارد حتى الآن، لنصل في النهاية إلى محصلة بأن هازارد أتى على أمل خلافة رونالدو، لكنه حتى لم ينجح في خلافة بيل، وبقاؤه أصبح يمثل عبئًا على الفريق، تمامًا كبقاء ماريانو.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.