إذا كنت من عشاق عالم «مارفل»، فبالتأكيد تعرف «ثانوس»، أحد أقوى الأشرار الخارقين في هذا العالم، وأكثرهم فلسفة كذلك.

باختصار أراد ثانوس القضاء على نصف الكائنات الحية، بسبب الكثافة السكانية المتزايدة، لكنه لم يُرِد ذلك؛ إلا ليحيا النصف الآخر في أمان، وكان سلاحه في تنفيذ فلسفته المتطرفة تلك، هو ذكاؤه الحاد، وقدراته الخارقة.

في الحياة يوجد كثير من أشباه ثانوس، أشخاص ذوو ذكاءٍ حاد، لكنهم كذلك أصحاب فلسفات متطرفة، وأنت أمام خيارين، إما أن تكون في صفوفهم، وتقبل وجهات نظرهم تلك بكل ما تحويه، وإلا ستكون عدوهم للأبد.

في المغرب، وفي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بالتحديد، يقطن أخطر رجال الكرة الإفريقية في هذه الآونة، أو لنكن أكثر دِقّة، يحيا هناك ثانوس كرة القدم المغربية والإفريقية. فكيف بدأت هذه القصة؟

انتهى زمن الفساد

زمن الاحتكار والفساد الكروي في إفريقيا الذي هيمنت عليه بعض البلدان وتمكنت بواسطته من الحصول على مجموعة من الألقاب قد انتهى، المغرب تعيش حدثًا تاريخيًا فريدًا من نوعه سينهي هيمنة الأشقاء في مصر وتونس وبداية عهد جديد للسيطرة المغربية على الكرة الإفريقية بلعب وتحكيم نظيفين.
تصريح فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم 2022

يمكنك أن تستشف من التصريح الماضي كيف أصبحت موازين القوى داخل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم؟

بكل بساطة، يخرج فوزي لقجع لوسائل الإعلام، ويتهم الجميع بالفساد، الاتحاد الإفريقي برُمته، ومصر وتونس، ثم يركل الباب بقدميه -مجازًا- ويخرج.

منذ معرفتي به، لم أرَ لقجع إلا رجلًا بثقة لا متناهية في النفس تَبرُز في لغة جسده أمام الكاميرات، أو حتى في تصريحاته للصحف، والأهم أنه يَبرَع في إثارة الجدل الذي سيستفيد منه بشكلٍ أو بآخر.

لكن في نفس التصريح تكمن الفلسفة المتطرفة التي نتحدث عنها، فالرجل لا يسعى إلى إنهاء الفساد داخل أروقة الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، بل إن كل ما يشغله هو أن تتبدل مراكز القوى، وتَحِل المغرب بدلًا من مصر وتونس.

فوزي لقجع، هو رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم منذ عام 2013، ويشغل عدة مناصب في الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، وتشمل، نائب رئيس الاتحاد منذ عام 2021، وعضو المكتب التنفيذي ممثلًا لمنطقة شمال إفريقيا منذ عام 2017، ورئيس لجنة المالية وتدبير الأجور، ورئيس لجنة منافسات الأندية.

نعلم أنك تيقنت الآن لمَ أطلقنا عليه أخطر رجال الكرة الأفريقية في هذه الآونة، لكننا كي نصل إلى هذه المحطة، نحتاج إلى أن نعرج على المحطات التي كونت هذه الشخصية منذ البداية. لذا هيا بنا.

لقجع وثانوس: لعبة العلم والأرقام

بحسب كتاب «Thanos: Titan Consumed»، كان ثانوس شابًا عبقريًا، كل ما يشغله هو دراسة العلوم والتكنولوجيا، وإجراء التجارب، لكنها في النهاية قادته إلى أن يعتقد أنه خُلق لما هو أهم من ذلك، وأن مصير العالم بين يديه، ويجب عليه إنقاذ البشرية.

لم تكن بداية لقجع ذات أي صلة بكرة القدم، فقد ترعرع وسط أسرة محافظة، يعمل والده في التدريس، وتعمل والدته كربة منزل، وحتى دراسته كانت أبعد ما يكون عن الرياضة في العموم، حيث التحق بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، وحمل شهادة في الهندسة الزراعية عام 1988.

درس لقجع علم الإدارة في المدرسة الوطنية للإدارة، ثم انتقل ليعمل كرئيس لشعبة المجالات الإدارية، ومنها لمدير الميزانية التابعة لوزارة المالية عام 2010.

لم يكتفِ لقجع بعلاقته مع الأرقام، بل شأنه شأن ثانوس، اعتقد أن رسالته أكبر من أن يتم حصرها في أرقام ميزانية الدولة على الرغم من أهميتها. ولأن في بلادنا تتداخل الكرة مع السياسة وكافة جنبات الحياة، وكما نعلم أن علاقة كرة القدم بالأرقام -وبخاصة أرقام الميزانيات- وطيدة؛ كانت هي الاختيار الأمثل للقجع لإتمام رسالته.

من الصفر لأصغر رئيس للجامعة الملكية

شق فوزي لقجع طريقه في كرة القدم من الصفر. في عام 2009، نُصب رئيسًا لنادي نهضة بركان، الذي كان يعاني في دوري القسم الثاني، وقام بإعادة هيكلة النادي، ليعود إلى الأضواء خلال موسمين فقط.

ظل لقجع على رأس مجلس إدارة نادي نهضة بركان طيلة 4 سنوات ناجحة، أعاد فيها ترتيب النادي إداريًا وفنيًا، والأهم أنه أصبح جاهزًا لخطوته التالية.

في عام 2013، انتُخبَ لقجع كأصغر رئيس للجامعة المغربية لكرة القدم، لتبدأ رحلته الأهم نحو إصلاح الكرة المغربية، ومحو سنوات عجاف طويلة من التخبط.

إعادة ترتيب البيت

لم تكن مهمة لقجع سهلة، حيث عانت الكرة المغربية من تخبط دام لعقود، سواء للفرق أو للمنتخبات، والعامل المشترك وراء هذا التخبط كان الفشل المتتالي لرؤساء الجامعة المغربية لكرة القدم.

نجح لقجع في إعادة ترتيب الكرة المغربية من الداخل والخارج، سواء من حيث تطوير البنية التحتية للكرة، أو مراكز تدريب، وملاعب جديدة في كافة أنحاء المملكة، حيث أصبح المغرب يتوفر على أحد أجمل ثلاثة مراكز تدريب في العالم، وتوفير أزيد من 20 ملعبًا ذا عشب وجودة من مستوى عالمي جاهزًا لأي تظاهرة عالمية وقارية، حتى الاهتمام بملف كرة القدم النسائية.

عمل منذ اللحظة الأولى على إعادة هيبة الكرة المغربية، سواء قاريًا أو محليًا، عن طريق محاولة صقل اللاعبين بأفضل وأحدث أنظمة التدريب، كما عمل على إعادة المنتخب المغربي لعهده الذهبي، من خلال تبني استراتيجية إقناع اللاعبين أصحاب الأصول المغربية، مثل حكيم زياش وأشرف حكيمي وغيرهم، بتمثيل منتخب المغرب، مثلما فعلت الجزائر من قبل.

بالفعل كان له ما أراد، وتحت قيادة الفرنسي هيرفي رينارد عاد المنتخب المغربي لكأس العالم عام 2018 في روسيا، بعد غيابٍ استمر منذ عام 1998، بالإضافة للإنجاز التاريخي بتحقيق منتخب المغرب للمركز الرابع في مونديال قطر 2022، تحت قيادة وليد الركراكي، إضافة لتحقيق منتخب المحليين للقب كأس أمم إفريقيا عامي 2018 و 2021.

كل هذه الإنجازات بالإضافة إلى إعادة الفرق المحلية المغربية لمنصات التتويج القارية، وسعي المغرب لتنظيم البطولات الكبرى، مثل كأس العالم للأندية، والاستعداد للترشح لكأس العالم، كانت إيذانًا بالانتقال للمحطة التالية، فكما ذكرنا يرى لقجع أن مهمته لا تنتهي عند حدود المغرب، بل يجب أن تمتد إلى أبعد من ذلك.

في الكاف أخيرًا

طمح لقجع منذ يومه الأول في كرة القدم أن يُعيد مكانة المغرب داخل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم لسابق عهدها، فكانت مساعيه منذ البداية ترنو نحو الوصول إلى الكاف، ليس من أي باب، وإنما من الباب الكبير.

أظفرت مجهوداته لأن يُنتخب كعضو بالمكتب التنفيذي للكاف عام 2017، ومن أول لحظة، عمل على توطيد العلاقات بين الجامعة الملكية والاتحادات الإفريقية، بتوقيع اتفاقيات شراكة، شملت تبادل التجارب للنهوض بالتحكيم، وتسخير البنيات التحتية التي يتوفر عليها المغرب من أجل استقبال المنتخبات الإفريقية.

وبفضل هذه السياسة، امتلكت المغرب دورًا أكبر في الاتحاد الأفريقي. تعزز الدور بتعيين حمزة الحجوي، نائب رئيس جامعة الكرة، عضوًا في اللجنة المنظمة للمسابقات الخاصة بالأندية القارية، ونظام إدارة الرخص.

توغل دور لقجع داخل الكاف أكثر وأكثر، حيث شغل عدة مناصب، مثل، نائب رئيس الاتحاد منذ عام 2021، ورئيس اللجنة المالية وتدبير الأجور، ورئيس لجنة منافسات الأندية، وعادت للكرة المغربية هيبتها محليًا وقاريًا على يديه، لكن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد.

بين روراة وأبو ريدة: كلنا فاسدون

نجح لقجع فيما كان يسعى إليه من اليوم الأول، لكنه اعتبر أن نجاحه لم يكتمل بعد، فالمغرب لم تتسيد عرش الكاف، وهو لايزال يعتقد أن مصر والجزائر وتونس تسيطرن على قرارات وتوجهات الاتحاد.

لعب لقجع اللعبة ذاتها مع كل منهم على حدة. يطرق باب محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائري السابق لكرة القدم، بغرض اقتباس التجربة الجزائرية نحو صنع منتخب قادر على المشاركة بصفة دائمة في المونديال، وما إن تنتهي مصلحته، يخرج ليقف أمامه في انتخابات اللجنة التنفيذية للكاف، ويقوم بطرده من منصبه الذي شغله لسنوات طويلة.

 لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كانت الضربة القاضية عندما قررت الفيفا رفض ملف ترشح خير الدين زطشي رئيس الاتحاد الجزائري لعضوية المكتب التنفيذي، وهو ما اتهمت الجزائر فيه لقجع أنه السبب وراءه، على الرغم من نفي الأخير.

يتكرر الموقف مع هاني أبو ريدة، لكن بشكلٍ آخر، كان أبو ريدة عضوًا في الكاف والفيفا، بينما كان لقجع لا يزال يخطو خطواته الأولى في كرة القدم، وهو ما أدركه تمام الإدراك، فتعمد في البداية أن يُصَدر فكرة أن المغرب تتوافق مع مصر في قرارتها، فكانا يشكلان جبهة واحدة عربية وإفريقية داخل اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي.

لكن وما إن بدأت تجربته في حصد ثمارها، وأصبحت جبهته تشكل موطن قوة بحد ذاتها، خرج واتهم مصر ومسؤوليها بالفساد، وفساد أنديتها، وفساد الاتحاد الإفريقي.

يلعب لقجع اللعبة ذاتها مع الجميع، ويبرع فيها تمامًا، فهو صديقك إلى أن تنتهي مصلحته، ثم ينقلب فجأة إلى عدوك، وهو يعلم أنه الآن أقوى من أن يعاديه أحد.

لم يكن يشغل لقجع الفساد الذي يدور أروقة الاتحاد الإفريقي، على قدر ما يشغله أن يكون المستفيد الأكبر من ذلك، وبفضل حنكته نستطيع أن نقول إنه الآن صار كذلك.

على سبيل المثال، رشح الكاف المغرب لاستضافة نهائيات 4 بطولات للأندية خلال السنوات الثلاث الماضية التي تم فيها اعتماد قرار إقامة النهائي من مباراة واحدة حيث قامت المغرب بتنظيم نهائي الكونفيدرالية عام 2020، وكانت مرشحة لاستضافة نهائي دوري الأبطال في نفس العام لولا صعود الأهلي والزمالك للنهائي وقتها على حساب الوداد والرجاء، ونظمت المغرب نهائي دوري الأبطال 2021، وأسند الكاف لها تنظيم نهائي دوري الأبطال 2022.

لأن لا مصر ولا غيرها تمتلك رجلاً حديديًا

لا يتفق الجميع على فوزي لقجع حتى في بلده ووسط جماهيره، وخير دليل ما حدث في الأزمة الأخيرة، فهو متهم من الجميع بالفساد، سواء بفساد التحكيم، أو حتى بموالاته لفرقٍ على حساب أخرى.

ومتهم من قبل الإعلام المصري والجزائري والتونسي بالفساد أيضًا، وتوغل يد المغرب في الكاف، بل ومتهم حتى بنيته لقيادة انقلاب خفي على رئيس الاتحاد الإفريقي، الجنوب إفريقي «باتريس موتسيبه».

لكنه على الرغم من كل ذلك، لايزال الرجل هو أقوى رجال الكرة الإفريقية، ولا يتوقف طموحه عند هذا الحد، بل وقد يمتد هذا الطموح إلى رئاسة الاتحاد الإفريقي في أقرب فرصة، وزيادة نفوذه في الاتحاد الدولي.

في الحقيقة، في كل مرة كان يموت فيها ثانوس في أحد قصص مارفل، كانت الضربة القاضية تكون من أحد الأبطال الخارقين، إلى أن انتهت حكايته تمامًا على يد الرجل الحديدي، وسؤالنا لك الآن، هل تمتلك أيًا من مراكز القوة السابقة داخل الاتحاد الإفريقي -مصر والجزائر وتونس- لهذا الرجل الحديدي؟