يبدو أن أحدهم لاحظ فتور العلاقة بين المدرب والجماهير، فقرر إطلاق موقع إلكتروني وقناة على اليوتيوب تحمل اسم صوت المدربين The Coaches’ Voice. ستجد الأمر ممتعًا إذا كنت من محبي التفاصيل، لأنك ستجد مدربين مختلفين يحاولون مشاركتك فيما يجوز مشاركته مما وراء الكواليس.

براندن رودجرز، المدرب الحالي لليستر سيتي والسابق لليفربول، كان أحد هؤلاء، وقرر أن يشاركنا بالآتي:

بالنسبة لي، لم أكن لاعبًا كبيرًا وتلك كانت ميزة إضافية. منذ وظيفتي الأولى في عالم التدريب حتى أصبحت مديرًا فنيًا، 15 عامًا، تعلمت فيها دون الشعور بأي ضغط، عكس هؤلاء اللاعبين الكبار عندما يتحولون لمهنة التدريب، يتم التركيز عليهم من اللحظة الأولى، فيزيد الضغط، ويقل وقت التعلم والتطور.
المدير الفني «براندن رودجرز» لموقع The Coaches’ Voice

بمجرد قراءتك لتلك الكلمات، سيتبادر إلى ذهنك فرانك لامبارد، المدير الفني الحالي لنادي تشيلسي، والذي استهل مشواره مع البلوز بالخسارة برباعية نظيفة أمام مانشستر يونايتد، ثم خسارة السوبر الأوروبي لصالح ليفربول. ورغم ذلك، بات الجميع يتحدث عن مولد مدرب كبير، وبدأ صراع المنطق والعاطفة مبكرًا.

مدرب محظوظ

ظاهريًا، كان لامبارد يحقق نتائج ممتازة في أولى تجاربه التدريبية رفقة ديربي كاونتي، لكن التفاصيل كانت توضح فجوة بين الأداء والنتائج، وهذا بالضبط ما تحاول الإحصائيات المتطورة رصده، كي تساعدنا على التفرقة بين لحظات التجلي، والنتائج المنطقية المترتبة على مقدمات واقعية.

لاحظ المحلل جوش ويليامز ذلك، عندما وجد ترتيب ديربي كاونتي متأخرًا في الإحصائية العامة للأهداف المتوقعة (المركز الـ 21 من أصل 24 ناديًا) والأهداف المتوقعة لكل تسديدة (المركز الـ 23)، ذلك يعني باختصار أن أفكار لامبارد الهجومية تعاني من عطب ما.

لكن لامبارد بالمقابل كان يقدم شيئًا إيجابيًا آخر في أسلوب لعبه، فكان ثاني أكثر فريق في التشامبيون شيب يضغط من الأمام، خلف ليدز يونايتد بقيادة العراب مارسيلو بييلسا. يوجد وحدة لقياس الضغط العالي تسمى PPDA، وهي اختصار لـ Opposition Passes Allowed Per Defensive Action، وتعبر عن علاقة بين عدد تمريرات الفريق المستحوذ، وعدد التدخلات الدفاعية للآخر (مع أخذ أماكن التمرير في الاعتبار).

لكن لامبارد كان لاعبًا كبيرًا، وبالتالي سيمنح وقتًا أقصر للتعلم. وقد شارك هو أيضًا في ذلك بموافقته على تدريب تشيلسي، والقفز من أسفل السلم إلى أعلاه دون تدرج، فحوّل دون قصد ميزة الضغط العالي تلك إلى عيب قاتل، تسبب في خسارة فادحة.

مدرب أهوج

في مباراة تشليسي ضد مانشستر يونايتد، دخل لامبارد بتشكيل خالٍ من هازارد، ويليان، وكانتي غير اللائق للمشاركة، لكن الفريق فاجأ الجميع بعرض مبهر في الشوط الأول: اندفاع بدني هائل، ضغط عالٍ يذكرنا بروائع يورجن كلوب، والأهم من ذلك أن الفريق تخلص من رتابة التمريرات العرضية التي لاحقته رفقة ساري، وأصبح أكثر اعتمادًا على التمريرات العمودية.

لكن العرض المبهر انتهى بمأساة، لأن نصف لامبارد الأهوج كان حاضرًا بقوة. خطّا الوسط والهجوم يندفعان للضغط، في حين يقف خط الدفاع متأخرًا، فيظهر الفريق وكأنه مجموعتان منفصلتان. كما شرح جوزيه مورينيو في قناة سكاي سبورتس، الأصل في الدفاع هو اقتراب الثلاثة خطوط من بعضها (Compactness)، ومحاولة تقليل الفراغات بينها قدر الإمكان، سواء كان الفريق يعتمد على الدفاع المتأخر (أتلتيكو مدريد) أو الضغط العالي.

لقطات من مباراة مانشستر يونايتد وتشيلسي توضح تأخر خط دفاع تشيلسي أثناء قبام الفريق بالضغط.

سلم لامبارد فريقه ليُصبح فريسة سهلة للهجمات المرتدة، بمجرد أن يفشل خط الضغط الأول في مهمته. هنا ستدخل العاطفة، وتجعلك تظن أن وصف أهوج يحمل قدرًا من المبالغة، لكن الآتي سيوضح لك أكثر.

في مباريات فترة الإعداد ضد كل من ريد بول سالزبورج، وبورسيا مونشنجلادباخ، لاحظ تقرير لمجلة Liverpool Echo سهولة وصول المنافسين لعمق الفريق اللندني. أماكن تسديدات كلا الفريقين توضح ذلك، وكانت تنبئ بما سيحدث أمام اليونايتد. لأن منظومة الضغط ما زالت قيد التجهيز، وخط الدفاع يدفع الثمن بمفرده، كان على لامبارد الانتباه لشيء مثل هذا جيدًا، ولكنه قرر المجازفة.

مدرب خارق الذكاء

إلى هنا يبدو أن الفشل هو نتيجة حتمية، يفصلنا عنها بعض الوقت فقط، لكن على ما يبدو أن ما أشيع قديمًا عن لامبارد كان صحيحًا. في عام 2009، أجرى فريق تشيلسي اختبار ذكاء للاعبي الفريق الأول في إطار بحث عن تأثير إصابات الرأس على التطور العصبي للاعبين. وفقًا لبريان إنجلش، طبيب تشيلسي في ذلك الوقت، فإن لامبارد سجل إحدى أعلى علامات الذكاء التي سجلتها الشركة، وكانت درجة ذكائه تفوق الـ 150.

قرر لامبارد العبقري تنحية نظيره الأهوج، وفي غضون أيام كان سوبر فرانكي يعيد ترتيب الأمور بكل هدوء استعدادًا لمواجهة أحد أقوى الفرق في التحول من الدفاع للهجوم والعكس، ليفربول، فقرر تأخير خط الضغط إلى «دائرة المنتصف mid block»، أغلق منافذ التمرير في عمق الملعب قدر الإمكان، وساعده على ذلك عدم البدء بفيرمينو.

إذا اندفع الفريق للضغط من الأمام، يتأخر كوفاسيتش أو كانتي بجانب جورجينيو، لتقليل الفجوة التي ذكرناها سلفًا. شكل الفريق هجوميًا كان جيدًا أيضًا، وكان ملاحظًا بشدة محاولة عمل الزيادة العددية على الأطراف، بمثلثات (كانتي، بيدرو، أزبلكويتا) يمينًا و(كوفاسيتش، بوليسيتش، إيميرسون) يسارًا.

ولعل النقطة التي توضح ذكاء لامبارد بشدة هي تعامله مع كانتي. لم ينجرف وراء الحديث عن تبادل جورجينيو وكانتي المراكز؛ لأن طريقة اللعب ستتطلب ارتكازًا متأخرًا يجيد التمرير كجورجينيو، ولأن نجولو كان وما زال لاعب وسط بوكس تو بوكس يمنح الحرية دفاعًا وهجومًا، وبالصدفة كان الفرنسي أفضل لاعب في مباراة السوبر الأوروبي والأكثر مراوغة أيضًا.

مراوغات نجولو كانتي في مباراة السوبر الأوروبي

أسوأ ما في بداية الموسم الكروي هو تلك الأحكام المتسرعة، وهوس الجميع في استغلال كل لقطة لإثبات توقعاته. تجربة لامبارد قد تقع ضحية لذلك التسرع، وقد يعجِل ذلك بوضع مزيد من الضغط على أسطورة تشيلسي، لكن الجانب الإيجابي في الأمر هو أن حب الجماهير للامبارد جعلهم ينظرون إلى الأفكار لا النتائج. وفي عالم التدريب تحديدًا، تقدير الأفكار هو حدث نادر، لكن محبة لامبارد جعلته ممكنًا.