يهيئ شيكابالا الكرة على يساره بعد مراوغة ممتعة ثم يرسلها بشكل قوي ودقيق داخل الشباك لتنطلق صيحات الجماهير في جنون، يفعل كل ذلك بشكل سهل للغاية وبأداء اعتيادي دون مجهود. تمامًا مثلما يقرر بهاء سلطان في لقاءاته النادرة أن يصدح بابتهال صعب للشيخ محمد عمران ليحوز على إعجاب الجميع لكنه شخصيًا يفعل ذلك دون إدراك لحجم موهبته على الإطلاق.

ربما تكون المقارنة صادمة بشكل أو بآخر لكننا هنا بصدد الحديث عن فكرة الموهبة الفطرية التي يتم استغلالها استغلالاً خاطئًا وتحميلها ما لا تحتمل، فتخبو مع الوقت ولا يستمتع بها أحد. في زمن صناعة المشهد أصبحت الموهبة خطرًا على صاحبها في أحيان كثيرة. دعنا نتحدث عن كرة القدم لتتضح الأمور أكثر.مع الوقت قل الحديث عن ضرورة تواجد الموهبة الفطرية في لاعب كرة القدم. مقولة أن لا أحد يستطيع أن يصنع لاعب كرة أصبحت محل شك ومرددوها تواروا نسبيًا في السنوات الأخيرة. صحيح أن ذلك لم يمنع أن تفرض الموهبة الفطرية نفسها على الجميع دون شك، فعندما يتساوى المجهود المبذول من الجميع فالموهبة لها الكلمة العليا التي ترجح كفة على الأخرى. لكن دعنا نتكلم عن الحالة العامة لا الاستئناءات.كانت النتيجة الطبيعية مع تقدم تكتيك الكرة هي ترك اللاعب الموهوب للمساحة الرمادية تمامًا وانتقاله للأبيض والأسود. فاللاعب الذي كانت تتحمله الجماهير قديمًا حبًا في مهارته أصبح محل نقد دائم في وقت الخسارة ومبالغة في التقدير في حالة الفوز.على الجانب الآخر نجد أن سلوك التعامل مع الموهبة الفطرية بشيء من التطرف سواء في النقد أو الإشادة ينطبق تمامًا على المطرب بهاء سلطان. فبهاء موهبة ممتعة، لكنه يبدو بسيطًا للغاية وخجولًا أيضًا. يعترف ببساطة أنه جرب المخدرات وأنه لا يحب الجلوس مع الفنانين بل البسطاء أمثاله، يكره أن يتواجد في مكان لا يجد ما يقوله فيه فيختفي. والنتيجة أن بهاء سلطان نتيجة لنزاع إنتاجي كان آخر ألبوماته الغنائية يعود للعام 2011 عام توهج شيكا الأثير والأخير أيضًا. دعنا نتناول تلك الصداقة المفترضة بين النجمين، صداقة الموهبة الجبارة والمصير غير المستحق.


شيكا باوك: يا ترى يا حبيبي

تميز شيكا كموهبة فذة في مدرسة الكرة بأسوان ثم نفس المدرسة بالقاهرة، ثم استقر في نادي الزمالك كناشئ مغترب مقيم. قبل أن يكمل السادسة عشر شارك مع الفريق الأول لأول مرة. قبل نهاية المباراة أرسل شيكا الكرة فوق الحارس بعد مراوغة اثنين من المدافعين محرزًا هدف المباراة الوحيد لتبدأ قصة شيكابالا.القصة كانت تحكي على هيئة الطفل الأسمر الفقير للغاية المولود في أسوان والذي ارتحل إلى القاهرة حبًا في الزمالك، فقرر الزمالك ضمه لكنه لشدة فقره كان يبيت ويأكل في النادي، وكأنه لزام على طفل في العاشرة من أسوان أن يجلب معه عائلته ويستقر في القاهرة ليلعب كرة قدم في الزمالك.سكن المغتربين الخاص بالناشئين أمر منطقي لا علاقة له بالمستوى الاجتماعي لشيكا وليس بالأمر الغريب، وهو ما وضحه شيكا بنفسه ردًا على سؤال إسعاد يونس في برنامجها: هل كنت تعيش في نادي الزمالك كلاجئ؟ بخلاف أن معظم لاعبي كرة القدم من بيئة فقيرة أو متوسطة في أفضل الأحوال. تلك البيئة هي التي تنتج أطفالًا تلعب الكرة في الشارع حيث التحكم في الكرة واستغلال المهارة في أضيق حيز متاح، تلك البيئة المثالية لإنتاج لاعب كرة قدم موهوب.موهبة كتلك وفي ذلك السن كان مصيرها المنطقي أن تتفتح خارج أجواء مصر. وهو ما حدث بالفعل، فبعد موسمين ناجحين مع الزمالك التحق شيكا بنادي باوك اليوناني. بعد موسم ناجح حينئذ مع الفريق اليوناني عاد شيكا إلى مصر لقضاء إجازة ما قبل الموسم التالي ليفاجأ بمنعه من السفر والعودة لليونان لأنه لم ينتهِ من قضاء فترة تجنيده.لم يجد شيكا بدًا من الرجوع إلى مصر والعودة لنادي الزمالك، ورغم أن الزمالك حصل على حق رعاية بعد انتقال شيكا لباوك لكن اعتبر الزمالك عودة شيكا نوعًا من أنواع رد الدين.بينما على الجانب الآخر يظهر بهاء سلطان الطالب في كلية التربية الموسيقية والذي بدأ يغني ككورال خلف المطرب حسام حسني ليلتقطه المؤلف مصطفى كامل ويقدمه للمنتج نصر محروس. بدأت الناس تتعرف على بهاء بأغنية منفردة ثم نجاح ساحق من خلال ثلاثة ألبومات غنائية يفصل بين كل ألبوم والآخر عامان فقط. خلال تلك الأعوام عرف الناس بهاء سلطان كخامة صوت شعبي سلس قادر على غناء ألوان مختلفة بسهولة تامة. كان الجميع يردد مع بهاء: يا ترى يا حبيبي، ثم ظهر بهاء وكعادة تلك الأيام في حفل ليالي التليفزيون لتتضح شخصيته الخجولة للغاية والتي لا تتناسب مع كونه مطربًا جماهيريًا. كان بهاء يخطئ في كلمات إحدى الأغاني فيتردد ويرتعش صوته ويعتذر للجماهير.ثم أثناء لقاء في برنامج البيت بيتك والذي كان الأكثر انتشارًا حينئذ ظهر بهاء بمظهر خجول للغاية حتى أنه كان يرد على مذيعي البرنامج بصعوبة بالغة، لتظهر شائعات حادة تردد أن هذا المطرب مدمن للمخدرات ولا يفهم شيئًا من حوله وسر نجاحه هو منتجه نصر محروس.


شيكا الزمالك: أنا مصمم

عاد شيكا لمصر مضطرًا آسفًا ليكتشف حقيقة هامة للغاية سيعيش معها لفترة كبيرة؛ أن نادي الزمالك يتعامل مع شيكا على أن تواجده مضمون وأن بقاءه في النادي هو نوع من أنواع رد الدين.اقترب شيكا من التعاقد مع النادي الأهلي ففزعت إدارة الزمالك وقررت عودته سريعًا للنادي.أصبح شيكابالا هو أيقونة فريق يضم أسماء على شاكلة عمرو الصفتي وأحمد غانم سلطان وهو ما تزامن مع نهاية مسيرة لاعبين بحجم حازم إمام وعبد الحليم علي وتامر عبد الحميد. لاعب استثنائي يحمل الفريق على كاهليه لكنه دومًا محاط بالاتهامات خاصة مع النجاح الساحق لفريق الأهلي في هذا التوقيت. شيكابالا يتلقى الملايين لأن رئيس النادي ممدوح عباس يحبه. شيكابالا لاعب غير ملتزم، لقد شاهده الجميع في حفلة محمد منير بالأمس. هل نسي ما فعله معه الزمالك عندما كان صغيرًا؟جماهير الزمالك كانت تعرف الحقيقة، هذا اللاعب يلعب بروحه ويحمل الفريق على كاهليه. هذا لاعب لا يستحق سوى الإشادة لأنه لا زال يصرخ في كل مباراة ويسدد ويسجل ويبكي. فشيكابالا تم تصديره كرمز الزمالك وأصبح يتلقى اللوم على فشل مجالس إدارات الزمالك المتعاقبة والأسماء المتواضعة للفريق، كان شيكا يلام على كل شيء.ورغم كل شيء حافظ شيكا لجماهير الزمالك على فكرة أنه فريق يحتوي على لاعبين مميزين، لا أحد ينسى شيكا هداف الدوري عام 2011 وهو العام الذي شهد آخر ألبومات بهاء سلطان الغنائية.كان الأمر متشابهًا للغاية مع بهاء سلطان والذي أدركت شركة إنتاجه حقيقة فشله في الظهور أمام الكاميرا وأنه لا يصلح سوى في الغناء.قررت الشركة أن يوقّع بهاء سلطان عقد احتكار يبدو أنه أبدي، تقوم فيه الشركة باختيار الأغاني وترتيبها وليتفرغ بهاء للغناء فقط بدلًا من الظهور وجلب المشاكل لنفسه والغريب أنه أمر منطقي كوظيفة أساسية لشركة الإنتاج.التعامل مع بهاء من قبل الشركة على أنه مضمون ووجوده هو رد الدين كانت نتيجته مؤسفة للغاية. فبعد الألبومات الثلاثة الأولى وخلال 16 عامًا بعد ذلك أصدر بهاء سلطان ألبومًا وحيدًا فقط باستثناء ألبوم ديني. إلا أن جماهير بهاء كانت لتغفر له أي شيء، الرجل يجيد الغناء فليغنِّ ولنسمعه. ماذا يضير أي شخص في كونه خجولاً وغير اجتماعي؟ لم تنسَ الجماهير صوت بهاء وفي كل مرة يسمع صوت بهاء في تتر مسلسل أو أغنية فيلم كان يعود أقوى وأفضل.


ما قبل النهاية: يتوب علينا ربنا

تنقّل شيكا بين أندية الوصل وسبورتنج والإسماعيلي والرائد وأخيرًا فسخ تعاقده مع فريق أبولون اليوناني، ولكنه لا يعرف أين سيلعب بقية الموسم. بينما خلاف إنتاجي بين بهاء سلطان و الشركة المنتجة جعلت بهاء سلطان متوقفًا عن الغناء ويترجى منتجه نصر محروس أن ينهي معه التعاقد وهو مستعد أن يوقع عقدًا جديدًا لكن ليس على أساس أن يكتفي بالغناء دون النظر للأموال؛ لأنه يستحق ما هو أكثر من ذلك.الحقيقة أن الاثنين في فترة ما قبل النهاية ولا يريدان سوى أن يفعلا ما يجيدانه، وأن لا يتم التعامل معهما بشكل من أشكال الكليشيهات المحفوظة. فلا شيكا اللاعب الموهوب غير الملتزم ولا بهاء سلطان هو المغيب غير الواعي، بل الاثنان صاحبا موهبتين استثنائيتين تمامًا ومشوارهما مع الكرة أو الغناء هو نتيجة للكثير من العوامل والتفاصيل. ولا أحد يدينهم بشيء، فالزمالك تحصل على ألقاب وأموال من وراء شيكا، ونصر محروس وشركة إنتاجه من المؤكد أنها استفادت الكثير من وراء بهاء سلطان.ربما لا يعرف شيكابالا وبهاء سلطان بعضهما البعض، لكن هناك صداقة مفترضة بين الاثنين، ربما كما تحدثنا هي صداقة الموهبة الجبارة والمصير غير المستحق.